الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - الاعتدال في الغَيْرة:
وهو أن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها، ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع عورات النساء. ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره قال قبل دخول المدينة:"لا تطرقوا النساء ليلا " فخالفه رجلان فسبقا فرأى كل واحد في منزله ما يكره" (1)، وفي الخبر المشهور: "المرأة كالضلع إن قومته كسرته فدعه تستمتع به على عوج" (2).
وهذا في تهذيب أخلاقها وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من الغيرة غيرة يبغضه الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة"(3)، لأن ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه، فإن بعض الظن إثم. وقال علي رضي الله عنه: لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك. وأما الغيرة في محلها، فلا بد منها وهي محمودة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى يغار، والمؤمن يغار، وغيرة الله تعالى، أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه"(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: "أتعجبون من غيرة سعد! أنا والله أغير منه، والله أغير مني"(5).
ولأجل غيرة الله تعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ولذلك بعث المنذرين والمبشرين، ولا أحد أحب إليه المدح من الله؛ ولأجل ذلك وعد الجنة، وكان الحسن البصري يقول: أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار، والطريق المغني عن الغيرة: أن لا يدخل عليها الرجال، وهي لا تخرج إلى الأسواق (6).
7 - المعاشرة بالمعروف:
قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ
(1) أخرجه: أحمد (2/ 104)، والبزار (1485)، وصححه الألبا ني في الصحيحة (3085).
(2)
البخاري (5186)، ومسلم (1468).
(3)
أبوداود (2659)، والنسائي (5/ 78)، وأحمد (5/ 445، 446)، وحسنه الألباني في الإرواء (1999).
(4)
البخاري (5223)، ومسلم (2761).
(5)
البخاري (6454)، ومسلم (1499).
(6)
إحياء علوم الدين (2/ 75).
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} (النساء: 19)، وعاشروهن بالمعروف على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والخطاب للجميع إذ لكل أحد عِشرة؛ زوجًا كان أو وليًّا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى (فإمساك بمعروف) وذلك توفية حقها من المهر والنفقه، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقًا في القول، لا فظًا ولا غليظًا ولا مظهرًا ميلًا إلى غيرها.
والعشرة: المخالطة والممازجة. فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم، وصحبتهم على الكمال؛ فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش. وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء، وقال بعضهم: أن يتصنع لها كما تتصنع له. (فإن كرهتموهن) أي: لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز، فهذا يندب فيه إلى الاحتمال؛ فعسى أن يؤل الأمر إلى أن يرزق الله منها أولادًا صالحين. ومن هذا المعنى ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر"(1)، أي: لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها. أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب (2)، قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم"(3)، فلا يعدل إلى الضرب؛ لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية؛ إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله (4). فحسن الخلق معهن، واحتمال الأذى منهن؛ ترحما عليهن لقصور عقلهن، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال في تعظيم حقهن: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} وقال: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قيل: هي المرأة. واعلم أنه ليس حسن
(1) مسلم (1469).
(2)
القرطبي (5/ 104).
(3)
البخاري (5204).
(4)
فتح الباري (9/ 215).
الخلق معها كف الأذى عنها؛ بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أزواجه تراجعنه في الكلام، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل (1)، وقال صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله حين تزوج ثيبا:"فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك"(2).
ومن حسن المعاشرة: التحدث مع الزوجة، فعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى سنة الفجر؛ فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة، وقوله تعالى {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يؤخذ منه: أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها، أوترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة (3).
ومن حسن المعاشرة: عدم ترجيح إحدى الزوجات على الأخرى ظلما وعدوانا: قال الله تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: 129).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما؛ جاء يوم القيامة وشقه ساقط"(4)، وفي رواية:"من كانت له امرأتان فمال إلى أحدهما؛ جاء يوم القيامة وشقه مائل"، وفي رواية:"من كانت له امرأتان يميل إلى أحدهما على الأخرى؛ جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل"(5).
والمراد بقوله: "فمال" وقوله: "يميل" الميل بظاهره، بأن يرجح إحداهما في الأمور الظاهرة التي حرم الشارع الترجيح فيها، لا الميل القلبي، وروى مسلم وغيره: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم
(1) إحياء علوم الدين (2/ 68).
(2)
البخاري (5367)، ومسلم (715).
(3)
الفتح (9/ 163).
(4)
الترمذي (1141) وابن ماجه (1959)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6515).
(5)
ابن ماجه (1969)، وابن حبان (4207)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1949).