الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتبجيل والتعظيم فحسب، كما سجد إبراهيم إكراما لبني حث "فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ وَسَجَدَ لِشَعْبِ الأَرْضِ، لِبَنِي حِثَّ"(التكوين 23/ 7).
2 -
كما سجد يعقوب عليه السلام وأزواجه وبنيه لعيسو بن إسحاق حين لقائه "وَأَمَّا هُوَ فَاجْتَازَ قُدَّامَهُمْ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى اقْتَرَبَ إِلَى أَخِيهِ. 4 فَرَكَضَ عِيسُو لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ، وَبَكَيَا. ثُمَّ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ النِّسَاءَ وَالأَوْلَادَ وَقَال: "مَا هؤُلَاءِ مِنْكَ؟ " فَقَال: "الأَوْلَادُ الَّذِينَ أنعَمَ الله بِهِمْ عَلَى عَبْدِكَ". 6 فَاقْتَرَبَتِ الْجَارِيَتَانِ هُمَا وَأَوْلَادُهُمَا وَسَجَدَتَا. 7 ثُمَّ اقْتَرَبَتْ لَيْئَةُ أيضًا وَأَوْلَادُهَا وَسَجَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ اقْتَرَبَ يُوسُفُ وَرَاحِيلُ وَسَجَدَا."(التكوين 33/ 3 - 7).
3 -
كما سجد موسى عليه السلام لحماه حين جاء من مديان لزيارته "فخرج موسى لاستقبال حميه، وسجد، وقبله"(الخروج 18/ 7).
4 -
وسجد إخوة يوسف عليه السلام تبجيلًا، لا عبادة لأخيهم يوسف "أتى إخوة يوسف، وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض"(التكوين 42/ 6)، واستمرت هذه العادة عند بني إسرائيل "وبعد موت يهويا داع جاء رؤساء يهوذا، وسجدوا للملك"(الأيام (2) 24/ 7). وكل هذه الصور وغيرها كثير، لا تفيد أكثر من الاحترام، وعليه يحمل سجود من سجد للمسيح عليه السلام.
وأما رفض بولس وبطرس لسجود الوثنيين لهما؛ فكان بسبب أن مثل هؤلاء، قد يكون سجودهم من باب العبادة، لا التعظيم، خاصة أنهم يرون معجزات التلاميذ، فقد يظنونهم آلهة لما يرونه من أعاجيبهم.
رابعًا: نصوص نسبت صفات الله إلى المسيح
.
1 - أزلية المسيح
. ويتحدث النصارى عن المسيح الإله الذي كان موجودًا في الأزل قبل الخليقة، ويستدلون لذلك بأمور، منها ما أورده يوحنا على لسان المسيح أنه قال:" أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ". 57 فَقَال لَهُ الْيَهُودُ: "لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ، أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ؟ " 58 قَال لَهُمْ يَسُوعُ: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ"
(يوحنا 8/ 56 - 58)، ففهموا منه -باطلًا- أن للمسيح عليه السلام وجودا قبل إبراهيم، مما يعني -وفق فهمهم- أنه كائن أزلي. وأيدوا استشهادهم بما ذكره يوحنا عن المسيح:" هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظرهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَينُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ. 8 "أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ." (الرؤيا 1/ 7 - 8) أي الأول والآخر. كما جاء في مقدمة يوحنا ما يفيد وجودًا أزليًّا للمسيح قبل خلق العالم "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ الله، وَكَانَ الْكَلِمَةُ الله. 2 هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ الله." (يوحنا 1/ 1 - 2). فهذه النصوص مصرحة -حسب رأي النصارى- بأزلية المسيح وأبديته، وعليه فهي دليل ألوهيته.
ويخالف المحققون في النتيجة التي توصل إليها النصارى:
1 -
إذ ليس المقصود من الوجود قبل إبراهيم الوجود الحقيقي للمسيح كشخص، بل المقصود الوجود القدري والاصطفائي، أي أن اختيار الله واصطفاءه له قديم، كما في قول بولس عنه -حسب الرهبانية اليسوعية-:" وكان قبل اصطفي قبل إنشاء العالم"(بطرس (1) 1/ 20)، ومثله قال بولس عن نفسه وأتباعه:" كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ"(أفسس 1/ 4) أي اختارنا بقدره القديم كما اختار المسيح واصطفاه، ولا يفيد أنهم وجدوا أو أنه وجد حينذاك.
2 -
وهذا الوجود القديم للمسيح عليه السلام أي الاصطفاء الإلهي والمحبة الإلهية له هو المجد الذي منحه الله المسيح، كما في قوله:" وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالمجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالمِ."(يوحنا 17/ 5).
3 -
وهو المجد الذي أعطاه لتلاميذه حين اصطفاهم واختارهم للتلمذة كما الله اختاره للرسالة "أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالمِ."(يوحنا 17/ 24)، ومحبة الشيء لا تستلزم وجوده، فقد يحب المرء المعدوم أو المستحيل، الذي لم ولن يوجد.
4 -
ومعرفة إبراهيم للمسيح عليهما السلام قبل خلقه ووجوده الأرضي، ليست معرفة لشخصه طبعا، لأنه لم يره قطعا، لذا فقوله:"فقد رآني وابتهج بي"، هو رؤية
مجازية، وهي رؤية المعرفة، وإلا لزم النصارى أن يذكروا دليلا على رؤية إبراهيم للابن الذي هو الأقنوم الثاني، أو أن يثبتوا لجسد المسيح وجودا زمن إبراهيم عليه السلام، وقول المسيح:"من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا"(يوحنا 8/ 56 - 58)، لا يدل على وجوده في الأزل، وغاية ما يفيده النص - إذا أخذ على ظاهره - أن للمسيح عليه السلام وجودًا أرضيًا يعود إلى زمن إبراهيم، وزمن إبراهيم لا يعني الأزل.
5 -
ثم لو كان المسيح أقدم من إبراهيم وسائر المخلوقات، فإن له من يشاركه في هذه الأقدمية، وهو النبي إرمياء، والذي عرفه الله منذ القدم وقدسه قبل أن يخرج من رحم أمه، إذ يقول عن نفسه:" فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا: "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ" (إرمياء 1/ 4 - 5)، وقال عنه ابن سيراخ في حكمته: "وهو الذي قدس في جوف أمه" (ابن سيراخ 49/ 7)، وهذه المعرفة الإلهية لإرمياء بلا ريب أشرف من معرفة إبراهيم للمسيح وأقدم، ولا تستلزم وجودًا حقيقيًّا له على الأرض.
6 -
وممن شارك المسيح في هذه الأزلية المدعاة، ملكي صادق كاهن ساليم في عهد إبراهيم، فإن بولس يزعم أن لا أب له ولا أم، ويزعم أن لا بداية له ولا نهاية، أي هو أزلي أبدي، يقول بولس:"لأَنَّ مَلْكِي صادَقَ هذَا، مَلِكَ سَالِيمَ، كَاهِنَ الله الْعَليِّ، الَّذِي اسْتَقْبَلَ إِبْرَاهِيمَ رَاجِعًا مِنْ كَسْرَةِ المُلُوكِ وَبَارَكَهُ، 2 الَّذِي قَسَمَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. المُتَرْجَمَ أَوَّلًا "مَلِكَ الْبِرِّ" ثُمَّ أيضًا "مَلِكَ سَالِيمَ" أَيْ "مَلِكَ السَّلَامِ" بِلَا أَبٍ، بِلَا أُمٍّ، بِلَا نَسَبٍ. لَا بَدَاءَةَ أَيَّامٍ لَهُ وَلَا نِهَايَةَ حَيَاةٍ. بَلْ هُوَ مُشَبَّهٌ بِابْنِ الله. هذَا يَبْقَى كَاهِنًا إِلَى الأَبَدِ."(عبرانيين 7/ 1 - 3)، فلم لا يقول النصارى بألوهية ملكي صادق الذي يشبه بابن الله، لكثرة صور التشابه بينهما، بل هو متفوق على المسيح الذي يذكر النصارى أنه صلب ومات، وله أم بل وأب - حسب ما أورده متى ولوقا -، في حين أن ملكي صادق قد تنزه عن ذلك كله!
7 -
ومن هؤلاء الذين كانوا قبل إبراهيم ويستحقون الأزلية - لو فهمت النصوص
على ظاهرها - حكمة البشر أو النبي سليمان الحكيم حين قال عن نفسه وعن حكمة الله التي تجسدت فيه وفي غيره من البشر: "أنا الحكمة أسكن الذكاء، وأجد معرفة التدابير
…
الرب قناني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القديم، منذ الأزل مسحت، منذ البدء، منذ أوائل الأرض، إذ لم يكن ينابيع كثيرة المياه، ومن قبل أن تقرر الجبال أبدئت، قبل التلال أبدئت" (الأمثال 8/ 12 - 25)، فقد أضحى سليمان أو الحكمة البشرية - وفقا للفهم الظاهري الحرفي - مسيحًا للرب منذ الأزل، وقول بعض النصارى: إن سفر الأمثال كان يتحدث عن المسيح عليه السلام، لا دليل عليه، فسفر الأمثال قد كتبه سليمان كما في مقدمته "أمثال سليمان بن داود" (الأمثال 1/ 1)، وقد تكرر في مواضع متفرقة منه استمرار سليمان الحكيم في الحديث، وهو يقول: "يا ابني أصغ إلى حكمتي" (الأمثال 5/ 1)، وانظر (الأمثال 1/ 8، 3/ 1، 3/ 21، 5/ 1، 7/ 1 وغيرها)، فالتحدث في السفر هو سليمان عليه السلام والحكمة المتجسدة فيه. وسليمان هو الموصوف بالحكمة في الكتاب المقدس، وأي حكمة؟ حكمة الله، فقد رأى معاصروه فيه حكمة الله "وَلمَّا سَمِعَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِالْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الملِكُ خَافُوا المُلِكَ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَةَ الله فِيهِ لإِجْرَاءِ الْحُكْمِ" (الملوك (1) 3/ 28). ويمضي السفر ليبين لنا عظم حكمة الله، التي حلمت وتجسدت فيه، فيقول: " وأعطى الله سليمان حكمة وفهمًا كثيرًا جدًّا
…
وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس
…
وكان صيته في جميع الأمم حواليه
…
وكانوا يأتون من جميع الشعوب؟ ليسمعوا حكمة سليمان، من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته" (الملوك (1) 4/ 29 - 34).
وفي سفر الأيام "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، الَّذِي أَعْطَى دَاوُدَ المُلِكَ ابْنًا حَكِيمًا صَاحِبَ مَعْرِفَةٍ وَفَهْمٍ، الَّذِي يَبْنِي بَيْتًا لِلرَّبِّ وَبَيْتًا لمُلْكِهِ"(الأيام (2) 2/ 12)، فالحكيم هو سليمان الذي شرفه الله ببناء بيته.
8 -
وكلمة "منذ الأزل مسحت" لا تدل على المسيح عيسى ابن مريم؛ إذ "المسيح"
لقب أطلق على كثيرين غير المسيح عيسى، ممن مسحهم الله ببركته من الأنبياء كداود وإشعيا. (انظر المزمور 45/ 7، وإشعيا 61/ 1)، فلا وجه لتخصيص المسيح بالمسح دون غيره ممن الممسوحين. وأمام الحرج الذي يسببه نص سفر الأمثال؛ فإن البعض من النصارى يقولون: إن المتحدث في سفر الأمثال، هو حكمة الله، التي هي صفته الذاتية القائمة به في الأزل، وليس فعله الذي منحه لنبي الله سليمان، وهذا المعنى مرفوض بدلالة النص الذي يتحدث عن نبي ممسوح بزيت البركة "منذ الأزل مسحت"، وصفة الله القائمة به لا يمكن أن تمسح، ولماذا تمسح؟
كما أن النص يتحدث عن حكمة مخلوقة، وإن كانت قديمة، فقد قالت الحكمة:"الرب قناني أول طريقه .. ومن قبل أن تقرر الجبال أبدئت، قبل التلال أبدئت"، وفي الترجمة الإنجليزية المسماة (THE GOOD NEWS BIBLE): ، والصادرة عام 1978 - 1997، تستخدم كلمة (خلقني)، فتقول: the iord created me " بدلًا من قوله: (الرب قناني). وهو ذات الصنيع الذي صنعته نسخة الرهبانية اليسوعية، ففيها: "الرب خلقني أول طرقه، قبل أعماله"، وهكذا فهذه الحكمة مخلوقة قديما، وهي مبدأة من قبل الجبال والتلال.
وفي حكمة ابن سيراخ "قبل كل شيء خلقت الحكمة"(ابن سيراخ 1/ 4)، وتحديدًا "قبل الدهور، ومنذ البدء خلقني، وإلى الدهور لا أزول"(سيراخ 24/ 9)، فهي ليست حكمة الله الأزلية، بل حكمته التي أعطاها الحكماء فتجسدت فيهم، وفي مقدمتهم سليمان الحكيم، والذي "رأوا حكمة الله فيه"(الملوك (1) 3/ 38).
والمتأمل بتجرد للنص، لن يجد صعوبة لفهم نوع الحكمة التي تتحدث في النص السالف، فهي ثمينة "لأَنَّ الْحِكْمَةَ خَيْرٌ مِنَ الَّلَالِئِ، وَكُلُّ الجْوَاهِرِ لَا تُسَاوِيهَا."(الأمثال 8/ 11)، وهي بشرية "فم الصديق ينبت الحكمة"(الأمثال 10/ 31)، وأول درجات هذه الحكمة البشرية مخافة الله "بدء الحكمة مخافة الله"(الأمثال 9/ 10).