الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حادثة صلبه -أو بالأحرى بعد شائعة صلبه- دون أن يعرفاه، لأنه كان متنكرا، حيث لما سألهما عن سبب حزنهما؟ حدّثاه عما حدث لـ:
"يسوع الناصري الذي كان إنسانا نبيًّا مقتدرًا في القول والفعل أمام الله وجميع الشعب"(إنجيل لوقا: 24/ 13 - 20).
(4)
كذلك مرت معنا عبارة القديس بطرس التي جاءت في كلمته التي ألقاها في مجمع التلاميذ والمؤمنين بعد رفع المسيح فكان مما قاله: "أَيُّهَا الرِّجَال الإِسرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الأَقْوَال: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ الله بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَما أَنْتُمْ أيضًا تَعْلَمُونَ"(أعمال الرسَل: 3/ 22).
(5)
وفي إنجيل يوحنا قصة المرأة السامرية التي آمنت بالمسيح لما أخبرها بالغيب المتعلق بأزواجها السابقين الخمسة! فقالت مندهشةً: "قَالتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: "يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! . . . وَقَالتْ لِلنَّاسِ: 29 "هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَال لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلعَلَّ هذَا هُوَ المسِيحُ؟ "(يوحنا: 4/ 19 ثم 29).
والحاصل أن المسيح عليه السلام نفسه كان يؤكد بشريته وإنسانيته، وأنه من نسل البشر، كما أن حوارييه والمؤمنين به من تلاميذه ومعاصريه، كانوا ينظرون إليه على أنه إنسان ابن إنسان، وما كان أحد يعتبره إلهًا ابن إله (1).
القسم الثاني عشر: الحواريين وكتاب الأناجيل يعتبرون المسيح عليه السلام عبدًا لِله اجتباه الله
.
واختاره ويعتبرونه بشرًا نبيًّا كموسى عليه السلام، يرى المسلمون -تبعًا لتعليم كلام الله تعالى في القرآن الكريم- أن عيسى المسيح عليه السلام كان عبدَ الله ورسولَه، ولعل بعض عوام النصارى يمجُّ وصف المسيح بـ "العبوديّة" ويرى فيه إنقاصا لقدر المسيح عليه السلام، لكن الحقيقة التي قد يندهش لها المسلم قبل النصراني العامي، أن هذا الوصف بعينه، أعني وصف المسيح بالعبودية لله، جاء في متن الأناجيل، بل في متن التوراة والزبور، أي في تلك
(1) وسيأتي مزيد بيان حول هذا الوجه وذلك تحت فصل الأدلة التي يتعلقون بها لإثبات ألوهية تحت الوجه الثالث.
البشارات التي كان كتَّاب الأناجيل والحواريون يستشهدون بها على أن المقصود بها المسيح عليه السلام، وفيما يلي الشواهد على ذلك:
(1)
يقول متَّى -وهو أحد الحواريين الاثني عشر- في إنجيله (12/ 14 - 20):
"فَلَمّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَة فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا. وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يُظْهِرُوهُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: "هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. لَا يُخَاصِمُ وَلَا يَصِيحُ، وَلَا يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لَا يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لَا يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ."
ففي هذا النص يستشهد كاتب الإنجيل الأول القديس متى الحواري، وهو من الحواريين الاثني عشر ومن أوائل المؤمنين بالمسيح عليه السلام، ببشارة وردت في سفر إشعيا من العهد القديم، على أنها تتكلم عن المسيح عليه السلام، وهذه البشارة تبتدأ بإعلان عبودية المسيح لله عز وجل، وذلك حين تقول:"هو ذا فتاي الذي اخترته"، إذ كلمة فتاي مرادف لكلمة عبدي أو غلامي، وللتأكد من ذلك ما علينا إلا أن نرجع إلى سفر إشعيا نفسه الذي وردت فيه تلك البشارة حيث نجد البشارة في الإصحاح الثاني والأربعين منه كما يلي:"هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2 لَا يَصِيحُ وَلَا يَرْفَعُ وَلَا يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3 قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لَا يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لَا يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4 لَا يَكِلُّ وَلَا يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنتظِرُ الجْزَائِرُ شَرِيعَتَهُ"(إشعيا: 42/ 1 - 4).
ولذلك في الترجمة الأخرى الجديدة للعهد الجديد التي قامت بها الرهبانية اليسوعية (الكاثوليكية) في بيروت (1989 م) استُخْدِمَت لفظة "عبدي" عند ذكر كلام متى واستشهاده بالبشارة المذكورة.
والحاصل أن تطبيق متى الحواري تلك البشارة على عيسى عليه السلام يبين أن متى كان يرى
في عيسى: "عبد الله، الذي اختاره الله تعالى واجتباه وأوحى إليه بواسطة جبريل وبعثه بالحق للأمم. . ." تماما كما هو التصور الإسلامي للمسيح عليه السلام، أي لم يكن متى يرى في المسيح إلهًا متجسدًا ولا ربًا معبودا! .
(2)
يذكر القديس لوقا، كاتب الإنجيل الثالث ومؤلف سفر "أعمال الرسل"(12)، في أعمال الرسل: أن القديس فيليبس (أحد المعاونين السبعة الذين اختارهم الحواريون لمعاونتهم في خدمة المائدة وتقسيم الأرزاق اليومية، لأنهم وجدوهم مملوئين من الروح القدس والحكمة)، لما سأله العبد الحبشي الخصي عن الشخص المراد بالآيات التي كان يتلوها من سفر النبي إشعيا عليه السلام والتي تقول:"كخروف سيق إلى الذبح. وكحملٍ صامتٍ بين يدي من يجزُّه. هكذا لا يفتح فاه. في ذلِّهِ ألغي الحكم عليه. ترى من يصف ذريته؟ . لأن حياته أزيلت عن الأرض"، أجابه القديس فيليبس أن هذه الآيات تشير إلى يسوع وأخذ يشرح له ذلك، فآمن الرجل وطلب من فيليبس أن يعمده فعمده. من هذه القصة يتبين أن كلًا من لوقا كاتب أعمال الرسل والقديس فيليبس كانا يريان أن تلك البشارة في كلام إشعيا إنما تنطبق على المسيح وتشير إليه، وهو أمر أصبح فيما بعد من المسلمات لدى آباء الكنيسة. فإذا رجعنا إلى أصل هذه البشارة كما جاءت في سفر النبي إشعيا عليه السلام وجدناها بشارة مطولة تبدأ هكذا:"هو ذا عبدي يعقل، يتعالى، ويرتقي، ويتسامى جدا. . (إلى أن قال) ظُلِمَ أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاةٍ تُساق إلى الذبح. . . (إلى قوله) وعبدي البار بمعرفته يبرِّر كثيرين وآثامهم هو يحملها، لذلك أَقسم له بين الأعزاء، ومع العظماء يقسم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه وأُحْصي مع أثمة وهو حَمَلَ خطيَّة كثيرين وشفع في المذنبين"(إشعيا: 53/ 1 ثم 7 ثم 11 - 12). وعليه فإن لوقا وفيليبس اللذين طبقا هذه البشارة على المسيح، كانا يريان فيه: عبدًا للَّهِ تعالى تسامى وارتقى بعظيم تضحيته، وعبد الله البار، الذي رضي الله عنه لأجل تضحيته فجعله معَ أعزائه وقسم له مقاما بين عظمائه. لذا لا نعجب إذا رأينا لوقا -في كتابه أعمال الرسل- يطلِق على المسيح مرارا لقب
"عبد الله"(14) كما نجد ذلك في أعمال الرسل: 3/ 13 و 26، و 4/ 27 و 30. هذا ومن الجدير بالذكر أن لوقا وفيليبس ليسا الوحيدين اللذين ذكرا أن تلك البشارة تشير للمسيح، بل شاركهما في ذلك أيضًا متى في إنجيله (8/ 17).
(3)
وفي سفر أعمال الرسل أيضًا (3/ 12 - 26) ينقل لوقا الخطبة التي ألقاها القديس والحواري بطرس أمام الشعب الإسرائيلي فيقول: "فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ ذلِكَ أَجَابَ الشَّعْبَ: "أَيُّهَا الرِّجَال الإِسْرَائِيلِيُّونَ، مَا بَالكُمْ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ هذَا؟ وَلمِاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا، كَأنَّنَا بِقُوَّتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هذَا يَمْشِي؟ إِنَّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ، الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلَاطُسَ، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلَاقِهِ. وَلكِنْ أَنْتُمْ أنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ. وَرَئِيسُ الحيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ الله مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ. وَبِالإِيمَانِ بِاسْمِهِ، شَدَّدَ اسْمُهُ هذَا الَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، وَالإِيمَانُ الَّذِي بِوَاسِطَتِهِ أَعْطَاهُ هذ الصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُمْ. وَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ بِجَهَالةٍ عَمِلْتُمْ، كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أيضًا. وَأَمَّا الله فَمَا سَبَقَ وَأنبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمسِيحُ، قَدْ تمَّمَهُ هكَذَا. فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ. وَيُرْسِلَ يَسُوعَ الْمسِيحَ المُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ. الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ السَّمَاءَ تَقْبَلُهُ، إِلَى أَزْمنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ، الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا الله بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ. فَإِنَّ مُوسَى قَال لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيًّا مِثلي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لَا تَسْمَعُ لِذلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أيضًا مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ، جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا، سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهذ الأَيَّامِ. أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ، وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ الله آبَاءَنَا قَائِلًا لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. إِلَيْكُمْ أَوَّلًا، إِذْ أَقَامَ الله فتَاهُ يَسُوعَ، أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ".
من هذا النص أيضًا يتبين أن عقيدة القديس بطرس -الذي كان من أقرب الحواريين