الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السابعة: يقولون: إن القرآن لما جاء مصدقًا لما بين يديه من الكتب، فثبت بهذا ما معنا، ونفى عن كتبنا التي في أيدينا التهم والتبديل والتغيير لما فيها بتصديقه إياها
.
كما في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} (المائدة: 48)، ومثل قوله تعالى:{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} (آل عمران: 3).
والجواب عليه من هذه الوجوه:
الوجه الأول: تصديق النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء من قبله، وبما أنزله الله عليهم من كتب حق
.
قال ابن تيمية: أما تصديق خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله قبله من الكتب، ولمن جاء قبله من الأنبياء فهذا معلوم بالاضطرار من دينه، متواترٌ تواترا ظاهرا كتواتر إرساله إلى الخلق كلهم، وهذا من أصول الإيمان (1).
قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 136، 137)، وقال تعالى:{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 84، 85)(2).
الوجه الثاني: الآيات نفسها حجة عليهم
.
فقد تمسكوا بأول الآية وتركوا آخرها لما فيها من الجواب عليهم قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (المائدة: 48).
فبيَّن أنه أنزل هذا القرآن مهيمنًا على ما بين يديه من الكتب، والمهيمن: الشاهد المؤتمن الحاكم، يشهد بما فيها من الحق، وينفي ما حرف فيها، ويحكم بإقرار ما أقره الله من
(1) وقد بينا ذلك في الوجه الأول من الردود الإجمالية.
(2)
الجواب الصحيح 1/ 261.
أحكامها، وينسخ ما نسخه الله منها، وهو مؤتمن في ذلك عليها، وأخبر أنه أحسن الحديث وأحسن القصص، وهذا يتضمن أنه كل من كان متمسكًا بالتوراة قبل النسخ من غير تبديل شيء من أحكامها؛ فإنه من أهل الإيمان والهدى، وكذلك من كان متمسكًا بالإنجيل من غير تبديل شيء من أحكامه قبل النسخ فهو من أهل الإيمان والهدى، وليس في ذلك مدح لمن تمسك بشرع مبدل، فضلًا عمن تمسك بشرع منسوخ، ولم يؤمن بما أرسل الله إليه من الرسل، وما أنزل إليه من الكتب؛ بل قد بين كفر اليهود والنصارى بتبديل الكتاب الأول، وبترك الإيمان بحمد صلى الله عليه وسلم في غير موضع (1).
وأيضًا: فإن الله سبحانه وتعالى قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة 48). وهذا أمر من الله - تعالى ذكره - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهلِ الملل، بكتابه الذي أنزله إليه، وهو القرآن الذي خصّه بشريعته. يقول تعالى ذكره: احكم، يا محمد، بين أهل الكتاب والمشركين، بما أُنزل إليك من كتابب وأحكامي، في كل ما احتكموا فيه إليك، من الحدود والجُرُوح والقَوَد والنفوس، فارجم الزاني المحصَن، واقتل النفسَ القاتلةَ بالنفس المقتولة ظلمًا، وافقأ العين بالعين، واجدع الأنف بالأنف، فإني أنزلت إليك القرآن مصدِّقًا في ذلك ما بين يديه من الكتب، ومهيمنًا عليه رقيبًا، يقضي على ما قبله من سائر الكتب قبلَه، ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود الذين يقولون: إن أوتيتم الجلدَ في الزاني المحصن دون الرجم، وقتلَ الوضيع بالشريف إذا قتله، وتركَ قتل الشريف بالوضيع إذا قتله، فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا عن الذي جاءك من عند الله من الحق، وهو كتاب الله الذي أنزله إليك. يقول له: اعمل بكتابب الذي أنزلته إليك إذا احتكموا إليك فاخترتَ الحكم عليهم، ولا تتركنَّ العمل بذلك اتباعًا منك أهواءَهم، وإيثارًا لها على الحق الذي أنزلته إليك في كتابي (2).
(1) الجواب الصحيح 1/ 262.
(2)
تفسير الطبري 6/ 268: 269.