الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: رِثَاءِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1295 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِى عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِى فَقُلْتُ إِنِّى قَدْ بَلَغَ بِى مِنَ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِى إلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى قَالَ «لَا» . فَقُلْتُ بِالشَّطْرِ فَقَالَ «لَا» ثُمَّ قَالَ «الثُّلُثُ وَالثُّلْثُ كَبِيرٌ - أَوْ كَثِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِى امْرَأَتِكَ» . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِى قَالَ «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، يَرْثِى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ» .
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(بابٌ) بالتنوين (رثَاءَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم) بلفظ الماضي، ورفع النبي على الفاعلية، ويرى "باب رِثَاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم "، بكسر الراء وبالمد، ويروى بالقصر
(1)
.
وذكر الكرماني وجهًا آخر، وهو:"رَثْى النبيّ صلى الله عليه وسلم " بفتح الراء وسكون المثلثة وبالياء
(2)
.
وعلى الوجوه كلها، هو: مصدر رثى يرثي، وبإضافة الباب إليه قوله:(سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو ونصب على المفعولية، يقال: رثيت الميّت مرثية ورثاء ورثًا وريثًا: إذا عددت محاسنه ورثأت، بالهمز لغة فيه أيضًا
(3)
.
(1)
عمدة القاري (8/ 88). إرشاد الساري (2/ 406).
(2)
الكواكب الدراري (7/ 89).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر [رثى](2/ 196).
ويقال: رثى له أي: رق له، وقد أطلق الجوهري الرثاء على عدِّ محاسن الميت، مع البكاء على نظم الشعر فيه
(1)
.
فإن قيل: روى أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي"
(2)
، وعند ابن أبي شيبة بلفظ" نهانا أن نتراثي"
(3)
، فإذا نهى عنه فكيف يفعله؟
فالجواب: أنّه ليس مراده من الترجمة ما حمل النهي عليه مما فيه تهييج الحزن وتجديد اللوعة أو ما يظهر فيه تبرم، وما يفعل على الإجماع له أو ما يكثر منه، بل المراد هنا إنّما هو الإشفاق من النبيّ صلى الله عليه وسلم، من موت سعد بن خولة بمكة بعد أن هاجر منها، فكأنّه توجع عليه، وتحزّن لذلك، وهذا مثل قول القائل للحي: أنا أرثي لك مما يجري عليك، كأنّه يتحزّن له، وإنّ كثيرًا من الصحابة والعلماء يفعلونه، وقد قالت فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلم، في مرثيته عليه الصلاة والسلام:
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ. . . أَلَا يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا. . . صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا
(4)
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التنيسي، (قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ): الإمام، (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): الزهري، (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ
(5)
، عَنْ أَبِيهِ) سعد رضي الله عنه.
(1)
الصحاح [رثى](6/ 2352).
(2)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، بقية حديث عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم (31/ 480)، (19140). * سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في البكاء على الميت (1/ 507)، (1592)، من طريق هشام بن عمار، حدثنا سفيان، عن إبراهيم الهجري، عن ابن أبي أوفى، إسناده ضعيف لضعف إبراهيم الهجري، وأخرجه الحاكم (1/ 539)(1412)، بهذا الإسناد، وقال: إبراهيم بن مسلم الهجري ليس بالمتروك، إلا أن الشيخين لم يحتجا به.
(3)
المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، في التعذيب في البكاء على الميت (3/ 62)، (12121). ولكن بلفظ" ينهانا عن المراثي"، من طريق إبراهيم الهجري، عن ابن أبي أوفى، كما سبق.
(4)
سير أعلام النبلاء (3/ 426). وقال: مِمَّا يُنْسَبُ إِلَى فَاطِمَةَ وَلَا يَصِحُّ.
(5)
هو: عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع ومائة، تقريب التهذيب (ص: 287) (3084).
(قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَعُودُنِى) من العيادة، وهي: الزيارة، ولا يقال ذلك إلا لزيارة المريض.
[152 أ/س]
(عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) سنة: عشر من الهجرة، سميت بذلك؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم، ودعهم فيها، وسميت أيضًا حجّة البلاغ؛ لأنّه قال: " هل بلّغت؟ وحجة الإسلام؛ /لأنها الحجة التي فيها حج أهل الإسلام ليس فيها مشرك، هذا قول الزهري، وقال سفيان بن عيينة: كان ذلك يوم فتح مكة
(1)
.
وقال البيهقي: خالف سفيان الجماعة، فقال: عام الفتح، والصحيح في حجة الوداع
(2)
.
(مِنْ وَجَعٍ) هو: اسم لكل مرض، والجمع أوجاع ووجاع، مثل جبل وأجبال وجبال، ووجع فلان ويوجع وييجع وياجع فهو وجع، وقوم وجعون ووجْعى، مثل مرضَى، ووجاع، ونساء وجاع أيضًا ووجعات، وبنو أسد يقولون: ييجع بكسر الياء
(3)
.
[67 ب/س]
(اشْتَدَّ بِى) أي: قوى عليّ (فَقُلْتُ إِنِّى قَدْ بَلَغَ بِى مِنَ الْوَجَعِ) أي: بلغ أثر الوجع في غايته، وفي رواية:" أشفيت منه / على الموت"، أي: قاربت، ولا يقال: أشفى، إلا في الشر، بخلاف أشرف، وقارب
(4)
.
(وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِى إلَّا ابْنَةٌ) وفي نسخة كتبت: "إلا أبنت"، يعني بصورة المثناة الفوقية لا بصورة الهاء.
قيل: اسمها عائشة، كذا ذكره الخطيب وغيره
(5)
، وليست بالتي روى عنها مالك، تيك أخت هذه، وهي تابعية، وعائشة صحابية.
(1)
عمدة القاري (8/ 89).
(2)
سنن الكبرى للبيهقي، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث (6/ 439)، (12566).
(3)
الصحاح [وجع](3/ 1294).
(4)
عمدة القاري (8/ 89).
(5)
الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463 هـ)، أبو عبد الله السورقي، إبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية - المدينة المنورة (1/ 132).
قال العيني: وكان قد زعم من لا علم عنده أن مالكًا تابعي بروايته عنها، وليس كذلك
(1)
.
ثم إنّ قوله: "ولا ترثني إلا ابنة" معناه: من الولد وخواص الورثة وإلا فقد كان له عصبية، وقيل: معناه لا ترثني من أصحاب الفروض سواها، وقيل: من النساء، وهذا قاله قبل أن يولد له الذكور.
(أَفَأَتَصَدَّقُ) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، ويحتمل أن يريد به التنجيز أو التعليق بما بعد الموت، وفي رواية البخاري:"أفأوصي" بدل "أفأتصدق"
(2)
.
(بِثُلُثَىْ مَالِى قَالَ:) صلى الله عليه وسلم (لَا) أي: لا تتصدق بالثلثين، (فَقُلْتُ:) أتصدق (بِالشَّطْرِ) أي: النصف بدليل رواية أخرى للبخاري: "فأوصي بالنصف"
(3)
، ويروى فالشطر بالفاء والرفع بالابتداء، والتقدير فالشطر أتصدق به
(4)
.
وقيد الزمخشري في الفائق بالنصب بفعل مضمر أي: أوجب الشطر
(5)
. وقال السهيلي في أماليه: الخفض فيه أظهر من النصب؛ لأنّ النصب بإضمار فعل، والخفض مردود على قوله:"بثلثي مالي"
(6)
.
(فَقَالَ:) صلى الله عليه وسلم (لَا) أي: لا تتصدق بالشطر، (ثُمَّ قَالَ:) صلى الله عليه وسلم (الثُّلُثُ) يجوز فيه الرفع على أنّه فاعل فعل محذوف أي: يكفيك، أو على أنّه مبتدأ محذوف الخبر، أو عكسه، والنصب على الإغراء أو على تقدير: اعط.
[152 أ/ص]
(وَالثُّلْثُ كَبِيرٌ) بالباء /الموحدة: مبتدأ أو خبر (أوْ)، قال:(كَثِيرٌ) بالمثلثة، (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ) أي: تترك، وهذا من الذي أميت ماضيه، وقال القاضي عياض: رويناه بفتح الهمزة وكسرها، وكلاهما صحيح، انتهى، وجه الفتح: أنّها مصدرية، فهي مع صلتها في محل الرفع على الابتداء والخبر خير،
(1)
عمدة القاري (8/ 89).
(2)
صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض (7/ 118)، (5659).
(3)
صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض (7/ 118)، (5659).
(4)
عمدة القاري (8/ 89).
(5)
الفائق في غريب الحديث والأثر، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 هـ)، المحقق: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة - لبنان الطبعة: الثانية (2/ 244).
(6)
أمالي، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (المتوفى: 581 هـ)، (78).
ووجه الكسر: أنها شرطية
(1)
، والأصل على ما قاله ابن مالك: إن تركت ورثتك أغنياء فهو خير، فحذف الفاء، والمبتدأ كقوله تعالى:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180]، فالوصية على ما خرجه الأخفش، وكقوله صلى الله عليه وسلم، لأُبَيّ بن كعب:" فإنْ جاء صاحبها، وإلا فاستمتع بها"
(2)
.
وقال ابن الجوزي: سمعناه من رواة الحديث بكسر "إن"، وقال لنا عبد الله بن أحمد النحوي: إنّما هو بفتح الألف ولا يجوز الكسر؛ لأنّه لا جواب له
(3)
.
وقال القرطبي: روايتنا بفتح الهمز، وقد وهم من كسرها؛ لأنّها إن جعلها شرطًا لا جواب له، ويبقى خبر لا رافع له، وقد مرّ توجيه الكسر آنفا
(4)
.
(وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً) أي: فقراء، قال ابن التين: العالة جمع عائل، وهو: الفقير، وقيل: العائل كثير العيال، حكاه الكسائي، وليس بمعروف
(5)
.
(يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) أي: يمدون أكفهم إلى الناس بالسؤال، أو يطلبون الصدقة من أكف الناس، ثم عطف على قوله:"إنك أن تذرهم" وهو علّة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث، كأنّه قيل: لا تفعل؛ لأنّك إن مت فإن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم فقراء، وأن عشت تصدقت بما بقى من الثلث وأنفقت على عيالك وأجرت بذلك.
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 42).
(2)
شَوَاهِد التَّوضيح وَالتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح، المؤلف: محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (المتوفى: 672 هـ) المحقق: الدكتور طَه مُحسِن، مكتبة ابن تيمية الطبعة: الأولى، 1405 هـ (1/ 192)، والحديث، أخرجه مسلم في صحيح، كتاب اللقطة (3/ 1350)، (1723).
(3)
كشف المشكل من حديث الصحيحين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، المحقق: علي حسين البواب، دار الوطن - الرياض (1/ 232).
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 545).
(5)
عمدة القاري (8/ 89).
فقال: (وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ) أي: ذاته ورضاه، (إِلَاّ أُجِرْتَ) بضم الهمزة على البناء للمفعول (بِهَا) أي: بتلك النفقة (حَتَّى مَا تَجْعَلُ) أي: الذي تجعله (فِى في امْرَأَتِكَ) أي: في فمها.
وقال ابن بطال والزركشي: تجعل برفع اللام، و"ما" كافة، كفّت حتى عن عملها
(1)
.
وتعقبه صاحب المصابيح: بأنه لا معنى للتركيب حينئذ إن تأملت، بل هي اسم موصول، وحتى عاطفة؛ أي: إلا أجرْت بتلك النفقة التي تبغي بها وجه الله، حتى بالشيء الذي تجعله في فم امرأتك.
فإن قيل: يشترط في حتى العاطفة على المجرور أن يعاد الخافض
(2)
.
[153 أ/س]
فالجواب: أنّ ابن مالك قيّده بأن لا يتعين للعطف؛ نحو: عجبت من القوم حتى بنيهم
(3)
. قال ابن هشام: يريد أنّ الموضع الذي يصح أي: يحل فيه إلى محل حتى العاطفة، /ففيه يحتمل حتى أن تكون جارة، فيحتاج حينئذ إلى إعادة الجار عند قصد العطف؛ نحو: اعتكفت في الشهر حتى آخره، بمثال الخلاف المذكور وما في الحديث
(4)
.
فإن قيل: لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الخافض.
(1)
التنقيح (317).
(2)
مصابيح الجامع (3/ 245).
(3)
شرح تسهيل الفوائد، محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (المتوفى: 672 هـ) المحقق: د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى (1410 هـ - 1990 م) باب: المعطوف عطف النسق (3/ 358).
(4)
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (المتوفى: 761 هـ) المحقق: د. مازن المبارك / محمد علي حمد الله، دار الفكر - دمشق، الطبعة: السادسة، 1985 (172 - 173).
فالجواب: أنّ المختار عن ابن مالك وغيره خلافه، وهو المذهب الكوفي؛ لكثرة شواهده نظمًا ونثرًا، على أنه يمكن أن يعطف على المنصوب المتقدم؛ أي: لن تنفق نفقة حتى الشيء الذي تجعله في فم امرأتك، إلا أُجرت
(1)
.
(فَقُلْتُ) أي: قال سعد رضي الله عنه: فقلت، وفي رواية: قلت
(2)
، (يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُخَلَّفُ) بضم الهمرة وفتح اللام المشددة على البناء للمفعول، يعني أخلف في مكة، (بَعْدَ أَصْحَابِى) المهاجرين المنصرفين معك، وفي رواية الكشميهني: أأخلف؟ بهمرة الاستفهام، قال أبو عمر: يحتمل أن يكون لما سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، يقول:"إنك لن تنفق نفقة "، وهو فعل مستقبل، أيقن أنّه لا يموت من مرضه ذاك أو ظن ذلك فاستفهمه هل يبقي بعد أصحابه؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بضرب من قوله": لن تنفق نفقة تبغي بها وجه الله"
(3)
.
(قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ) بعد أصحابك، (فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إلَّا ازْدَدْتَ بِهِ) أي: بالعمل الصالح (دَرَجَةً وَرِفْعَةً) قال القرطبي: هذا الاستفهام إنّما صدر من سعد رضي الله عنه، مخافة المقام بمكة إلى الوفاة، فيكون قادمًا في هجرته، كما نصّ عليه في بعض الروايات؛ إذ قال: " خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها
(4)
". فأجابه صلى الله عليه وسلم: بأنّ ذلك لا يكون، وأنّه يطول عمره.
(5)
فقال: (ثُمَّ لَعَلَّكَ) ذو (أَنْ تُخَلَّفَ) بأن يطول عمرك أي: أنك لن تموت بمكة، (حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ) من المسلمين بما يفتحه الله على يدك من بلاد الشرك، ويأخذه المسلمون من الغنائم.
[67 ب/ص]
/ (وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) من المشركين الهالكين على يدك وعلى يد جندك، وكذلك كان، فإنّه عاش زيادة على أربعين سنة، حتى فتح العراق وغيره، وانتفع به المسلمون في دينهم ودنياهم، وتضرر به المشركون.
(1)
مصابيح الجامع (3/ 245).
(2)
إرشاد الساري (2/ 408).
(3)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 387).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب: الوصية بالثلث (3/ 1253)(1628).
(5)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 547).
وقال ابن بطال: أتى سعد حين كان أميرًا على العراق بقوم ارتدوا، فاستتابهم فتاب بعضهم وأصرّ بعضهم فقتلهم، فانتفع به من تاب، وتضرّر به الآخرون
(1)
.
وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، حيث وقع الأمر على ما أخبر.
ثم إن كلمة "لعلّ" معناها الترجي، لكن إذا أوردت عن الله أو رسوله تكون للتحقيق.
[153 أ/ص]
وقال البدر الدماميني: / وفي الحديث دخول "أن" على خبر لعل، وهو قليل، فيحتاج إلى التأويل
(2)
، انتهى، وقد أشرنا إليه.
(اللَّهُمَّ أَمْضِ) بقطع الهمزة، من الإمضاء، ويقال: أمضيت الأمر أي: نفذتهم، أي: أتمم، (لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ) التي هاجروها من مكة إلى المدينة، (وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية، فيخيب قصدهم ويسوء حالهم، ويقال: لكلّ من رجع إلى حال دون ما كان عليه رجع على عقبيه وحار، ومنه الحديث "أعوذ بك من الحور بعد الكور"
(3)
أي: من النقصان بعد الزيادة، وكانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي هاجروا منها وتركوها لله تعالى مع حبهم الإقامة فيها بالطبع.
فمن ثمة خشي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن يموت فيها وتوجع النبيّ صلى الله عليه وسلم، لسعد بن خولة رضي الله عنه؛ لكونه مات بها حيث قال صلى الله عليه وسلم:(لَكِنِ الْبَائِسُ) بالموحدة والهمزة آخره سين مهملة الذي ناله البؤس، أي: شدة الفقر والحاجة أو الذي عليه أثر البؤس، وقد يكون بمعنى المفعول، كقوله: عيشة راضية.
(سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) بالرفع على أنه خبر "لكن" بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو، وقيل: إنّه أسلم ولم يهاجر من مكة حتى مات، وذكره البخاري فيمن شهد بدرًا وغيرها، وتوفي بمكة في حجة الوداع
(4)
.
(1)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (8/ 145)
(2)
مصابيح الجامع (3/ 247).
(3)
سنن الترمذي، أبواب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافرا (5/ 497)، (3439). من طريق حماد بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
(4)
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا (5/ 80)، (3991).
وقوله: (يَرْثِى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أي: يرقّ له (أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) أي: لأجل موته بالأرض التي هاجر منها، وكان يهوي أن يموت بغيرها من كلام الزهري.
وقيل: من كلام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم:"لكن البائس سعد بن خولة"، فباعتبار التفسير يطابق الحديث الترجمة، ولا يردّ ما قاله الإسماعيلي: بأنّ هذا ليس من مراثي الموتى؛ لأن الرثاء في الترجمة بمعنى الرقة والاشفاق، كما تقدم ولا يرد أيضًا أنّه ليس بمرفوع، وإنّما هو مدرج من قول الزهري؛ لأنّه تفسير للمرفوع.
ثم قوله: "أن مات" بفتح الهمزة، ولا يصح الكسر على إرادة الشرط؛ لأنّ الشرط لما يستقبل، وهو قد كان وانقضى، والله أعلم.
قال أبو عمر: هذا حديث أتفق أهل العلم على صحة سنده، وجعله جهور الفقهاء أصلًا في مقدار الوصية، وأنّه لا يتجاوز بها الثلث، إذا ترك ورثة من بنين وعصبة
(1)
.
واختلفوا إذا لم يتركهما ولا وارثًا بنسب أو نكاح، فقال ابن مسعود رضي الله عنهما: إذا كان كذلك جاز له أن يوصي بماله كله، وعن أبي موسى رضي الله عنه، مثله، وقال بقولهما قوم منهم مسروق وعبيدة وإسحاق
(2)
.
[154 أ/س]
واختلف في ذلك قول أحمد، /وذهب إليه جماعة من المتأخرين ممن لا يقول بقول زيد بن ثابت رضي الله عنه، في هذه المسألة، وعن عبيدة "
(3)
: إذا مات الرجل وليس عليه عقد لاحد ولا عصبة ترثه فإنه يوصي بماله
(4)
كله حيث شاء"، وعن مسروق وشريك مثله، وعن الحسن وأبي العالية مثله، ذكره في "المصنف"
(5)
.
(1)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 387).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الوصايا، من رخص أن يوصي بماله كله (6/ 225)، (30903_30907).
(3)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الوصايا، من رخص أن يوصي بماله كله (6/ 225)، (30904).
(4)
بمالي جاء في ب
(5)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الوصايا، من رخص أن يوصي بماله كله (6/ 225)، (30903_30907).
وقال القرطبي: وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد إسحاق ومالك في أحد قوليهما
(1)
، وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه: "لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من ثلثه إذا كان بنون، أو ورث كلالة، أو ورثه جماعة المسلمين؛ لأنّ بيت مالهم عصبة من لا عصبة له، وإليه ذهب جماعة
(2)
.
وأجمع فقهاء الأمصار: أن الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازها الورثة جازت وإن لم يجزها الورثة لم يجز منها إلا الثلث
(3)
، وأبى ذلك أهل الظاهر فمنعوها وإن أجازها الورثة
(4)
، وهو قول عبدالرحمن بن كيسان، وكذلك قالوا: إن الوصية للوارث لا يجوز، وإن أجازها الورثة، لحديث "لا وصية لوارث"
(5)
، وسائر الفقهاء يجيزون ذلك إذا أجازها الورثة، ويجعلونها هبة
(6)
.
وفي الحديث: دلالة على أن الثلث هو الغاية ينتهي إليها الوصية، وإن النقص عنه أفضل، ذكره جماعة من أهل العلم
(7)
.
قال طاوس: إذا كانت ورثته قليلًا وماله كثيرًا فلا بأس أن يبلغ الثلث
(8)
، واستحب طائفة الوصية بالربع، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال إسحاق: السنة الربع لقوله صلى الله عليه وسلم: "الثلث
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 544).
(2)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 380).
(3)
الإجماع لابن المنذر (77).
(4)
المحلى (8/ 356).
(5)
أخرجه النسائي في سننه، كتاب الوصايا باب: إبطال الوصية للوارث (6/ 247)(3641) من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة، إسناده صحيح ورجاله ثقات، وأخرجه الترمذي في سننه، أبواب الوصايا باب ما جاء لا وصية لوارث (4/ 434) (2121) بهذا الإسناد وقال: هذا حديث حسن صحيح.
المحلى (8/ 356).
(6)
الإجماع لابن المنذر (77).
(7)
روضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان، الطبعة: الثالثة، 1412 هـ / 1991 م (6/ 122).
(8)
مصنف عبد الرزاق، كتاب الوصايا، الرجل يوصي وماله قليل (9/ 63)، (16356)
كثير"، إلا أن يكون رجل يعرف في ماله شبهة فيجوز له الثلث
(1)
، قال أبو عمر: لا أعلم لإسحاق حجة في قوله: "السنة الربع"
(2)
.
وقال ابن بطال: أوصى عمر رضي الله عنه، بالربع. وأختار آخرون السدس
(3)
، وقال إبراهيم:"كانوا يكرهون أن يوصوا بمثل نصيب أحد الورثة حتى يكون أقل"
(4)
، رواه عنه ابن أبي شيبة بسند صحيح، وكان السدس أحب إليه من الثلث.
وأوصى أنس رضي الله عنه، في ما ذكره في المصنف من حديث عبادة الصيدلاني، عن ثابت عنه "بمثل نصيب أحد ولده"
(5)
.
وأجازه آخرون العشر وعن أبي بكر رضي الله عنه، أنّه يفضل الوصية بالخمس، وبذلك أوصى وقال:"رضيت لنفسي ما رضي الله لنفسه"، يعني: خمس الغنيمة
(6)
.
واستحب جماعة الثلث محتجين بحديث الباب، وبحديث ضعيف رواه ابن وهب، عن طلحة بن عمرو، وتفرد بذكره مع ضعفه عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"جعل لكم في الوصية ثلث أموالكم زيادة في اعمالكم"
(7)
(1)
المغني لابن قدامة (6/ 139).
(2)
التمهيد (8/ 382).
(3)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (8/ 148).
(4)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الوصايا، من كره أن يوصي بمثل أحد الورثة ومن رخص فيه (6/ 215)، (30795).
(5)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الوصايا، من كره أن يوصي بمثل أحد الورثة ومن رخص فيه (6/ 215)، (30796).
(6)
مصنف عبد الرزاق، كتاب الوصايا، كم يوصي الرجل من ماله (6/ 66)، (16363)، من طريق معمر، عن قتادة، أن أبا بكر.
(7)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 383) وقال: روي من وجوه فيها لين منها: ما رواه وكيع، وابن وهب، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث لم يروه عن عطاء غير طلحة بن عمرو هذا، وهو ضعيف مجتمع على ضعفه. والصحيح عن ابن عباس ما رواه سفيان بن عيينة وغيره: عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قال ابن عباس: لو غض الناس من الثلث إلى الربع في الوصية، لكان أحب إلي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الثلث، والثلث كثير.
[68 ب/س]
[154 أ/ص]
/وفيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء أو وصية ونحو ذلك، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه /فإنه قادح في أجر مرضه.
وفيه ما ذهب إليه الجمهور في هبات المريض وصدقته وعتقه من أن ذلك من ثلثه لا من جميع ماله، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، ومالك، والليث، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وعليه أهل الحديث والرأي
(1)
، محتجين بحديث عمران بن حصين رضي الله عنه، "في الذي أعتق ستة أعبد في مرضه ولا مال له غيرهم ثم توفي فأعتق منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، اثنين وأرق أربعة"
(2)
.
وقالت فرقة من أهل النظر وأهل الظاهر في الهبة المريض: أنّها من جميع المال، وقال ابن بطال: هذا القول لا نعلم أحدًا قال به من المتقدمين
(3)
.
وفيه: استحباب عيادة المريض للإمام وغيره.
وفيه: إباحة جمع المال، وأنه لا عيب في ذلك خلافًا لمن يدعيه من بعض المتصوفة.
وفيه: الحث على صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب، واستحباب الإنفاق في وجوه الخير، وأنّ الأعمال بالنيات، وأن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة، ويثاب به، وقد نبّه عليه بأحسن الحظوظ الدنيوية التي يكون في العادة عند المداعبة، وهو وضع اللقمة في فم الزوجة، فإذا قصد بأبعد الأشياء عن الطاعة وجه الله ويحصل به الأجر، فغيره بالطريق الاولى.
وفيه: من أعلام النبوة أنّه أطلعه الله عز وجل: على أن سعدًا لا يموت حتى ينتفع به قوم ويضر به آخرون، على ما تقدم.
وفيه: أن الإنفاق إنما يحصل فيه الأجر إذا أريد به وجه الله، والنفقة على العيال تحتمل وجهين:
(1)
المحلى (8/ 151 - 358)، والمحيط البرهاني (9/ 519)، والمغني (6/ 139)، والمجموع (15/ 436) وعمدة القاري (8/ 91).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من أعتق شركا له في عبد (3/ 1288)، (1668).
(3)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (8/ 146).
الأول: أن يكون المعنى يكتب له بذلك أجر الصدقة.
والثاني: أنه أراد أن يتصدق بماله أخبره أن ما يناله العيال فيه أجر كما في الصدقة
(1)
.
قال القرطبي: يفيد منطوقه: أن الأجر في النفقات لا يحصل إلا بقصد القربة وإن كانت واجبة، ومفهومه: أنّ من لم يقصد القربة لم يؤجر على شيء منها، والمعنيان صحيحان.
وهل إذا انفق نفقة واجبة على الزوجة، أو الوالد الفقير، لم يقصد التقرب؛ هل تبرأ ذمته، أو لا؟
[155 أ/س]
فالجواب: أنها تبرأ ذمته من المطالبة؛ لأن وجوب /النفقة من العبادات المعقولة المعني، فتجزئ بغير نية، كالديون، وأداء الأمانات، وغيرها من العبادات، لكن إذا لم ينو لم يحصل له أجر
(2)
.
وفيه: فضيلة طول العمر للازدياد من الخير.
وفيه: حكم الهجرة ولكنّه ارتفع وجوبها بعد الفتح، واستبعد القاضي عياض ارتفاع حكمها بعد الفتح، فقال: حكمها باق بعد الفتح أيضًا بهذا الحديث
(3)
.
وقيل: إنما لزم المهاجرين المقام بالمدينة بعد الفتح؛ لنصرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأخذ الشريعة عنه وشبه ذلك فلما انتقل صلى الله عليه وسلم، ارتحل أكثرهم منها.
وقال القاضي عياض: قيل لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها إذا كان لضرورة، وإنما يحبطه ما كان بالاختيار.
وقال قوم: موت المهاجر بمكة يحبط هجرته كيف ما كان، وقيل: لم يفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة
(4)
.
وفيه: أن طلب الغنى للورثة أرجح على تركهم عالة، ومن هنا أخذ بترجيح الغنى على الفقير. وفيه: جواز تخصيص عموم الوصية المذكورة في القران بالسنة، وهو قول الجمهور، والله أعلم
(5)
.
(1)
عمدة القاري (8/ 92).
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 545 - 546).
(3)
إكمال المعلم (5/ 365).
(4)
إكمال المعلم (5/ 366).
(5)
عمدة القاري (8/ 92).
ثم هذا الحديث أخرجه المؤلف في (المغازي) و (الدعوات) و (الهجرة) و (الطب) و (الفرائض) و (الوصايا) و (النفقات)، وأخرجه مسلم في (الوصايا) وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه
(1)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حجة الوداع (5/ 178)، (4409) وكتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمض لأصحابي هجرتهم (5/ 67)، (3936)، وكتاب النفقات، باب الفضل النفقة على الأهل (7/ 62)، (5354). وكتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض (7/ 118)، (5659)، وكتاب الدعوات، باب الدعاء برفع الوباء والوجع (8/ 80)، (6373)، وكتاب الفرائض، باب ميراث البنات (8/ 150)، (6733). *صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (3/ 1250)، (1628). * سنن الصغرى للنسائي، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث (6/ 241)، (3626). * سنن أبي داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في ما لا يجوز للموصي في ماله؟ (3/ 112)، (2864) *سنن الترمذي، أبواب الوصايا، باب ما جاء في الوصية بالثلث (4/ 430)، (2116) *سنن ابن ماجه، كتاب الوصايا باب الوصية بالثلث (2/ 903)، (2708).