المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الصلاة على الشهيد - نجاح القاري شرح صحيح البخاري - كتاب الجنائز - جـ ١

[يوسف أفندي زاده الأماسي]

فهرس الكتاب

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُالإِمَامُ البُخَارِيُّ، وَحَيَاتُهُ الْعِلْمِيَّةُ

- ‌الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: اِسْمُهُ وَنَسَبُهُ وَكُنْيَتُهُ وُلقبُهُ

- ‌الْمَبْحَثُ الثَّانِي: مَوْلِدُهُ، وَنَشْأَتُهُ، وَطَلَبُهُ لِلْعِلْمِ:

- ‌الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: رِحْلَتُهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ:

- ‌المَبْحَثُ الرَّابِعُ: شُيُوْخُهُ:

- ‌الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ: تَلَامِيْذُهُ:

- ‌الْمَبْحَثُ السَّادِسُ: مُؤَلَّفَاتُهُ:

- ‌الْمَبْحُثُ السَّابِعُ: ثَنَاءُ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ

- ‌الْمَبْحَثُ الثَّامِنُ: مِحْنَتُهُ وَوَفَاتُهُ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيالتَّعْرِيْفُ بِـ (الْجَامِعِ الصَّحِيْحِ) لِلْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ

- ‌الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: اِسْمُهُ وِنِسْبَتُهُ إِلَى الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ

- ‌الْمَبْحَثُ الثَّانِي: شَرْطُ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ فِيْ صَحِيْحِهِ

- ‌الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: رِوَايَاتُ الْجَامِعِ الصَّحِيْحِ لِلْبُخَارِيِّ

- ‌المَبْحَثُ الرَّابِعُ: عِنَايَةُ الْعُلَمَاءِ بِصَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ، وَذِكْرُ أَهَمِّ شُرُوْحِهِ

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُالتعريف بالإمام: عبد الله بن محمد بن يوسف، المعروف بـ (يوسف زاده)

- ‌الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُعَصْرُ الْإِمَامِ: عَبْدِاللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوْسُفَ، المَعْرُوْفُ بِـ (يُوْسُفَ زَادَهْ)

- ‌المَطْلَبُ الْأَوَّلُ: الحَالَةُ السِّيَاسِيَّة

- ‌المَطْلَبُ الثَّانِي: الحَالَةُ الْإِجْتِمَاعِيَة

- ‌المَطْلَبُ الثَّالِثُ: الْحَالَةُ الْعِلْمِيَّةُ:

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: حَيَاةُ الْعَلَّامَةِ (يُوْسُفَ أَفَنْدِي زَادَهْ)

- ‌المَطْلَبُ الْأَوَّلُ: اِسْمُهُ وَنَسَبُهُ وَكُنْيَتُهُ وُلَقَبُهُ

- ‌المَطْلَبُ الثَّانِي: مَوْلِدُهُ، وُنُشْأَتُهُ، وَطَلَبُهُ لِلْعِلْم

- ‌المَطْلَبُ الثَّالِثُ: شُيُوْخُهُ

- ‌المَطْلَبُ الرَّابِعُ: تَلَامِيْذُهُ:

- ‌المَطْلَبُ الْخَامِسُ: مُؤَلَّفَاتُهُ:

- ‌المَطْلَبُ السَّادِسُ: ثناء العلماء عليه

- ‌المَطْلَبُ السَّابِعُ: عَقِيْدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ الفِقْهِيُّ

- ‌المَطْلَبُ الثَّامِنُ: وَفَاتُهُ

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُالتَّعْرِيْفُ بِكِتَابِ (نَجَاحِ القَارِيْ شَرْحِ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ)،مع وصف المخطوط، ومنهج التحقيق

- ‌المَبْحَثُ الْأَوَّلُ: اِسْمُ الكِتَابِ، وَإِثْبَاتُ نِسْبَتِهِ لِلمُؤَلِّفِ

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: تَارِيْخُ بِدَايَةِ التَّألِيْفِ وَنِهَايَتِهِ

- ‌المَبْحَثُ الثَّالِثُ: مَنْهَجُ المُؤَلِّفِ فِي هَذا الكِتَابِ

- ‌المَبْحَثُ الرَّابِعُ: مَصَادِرُ المُؤَلِّفِ فِي الكِتَابِ

- ‌أَوَّلًا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآن

- ‌ القرآن الكريم

- ‌ثَانِيًا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالحَدِيْثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيْفِ.فهي على أنواع، منها:

- ‌الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ

- ‌كُتُبُ المَسَانِيْدِ

- ‌كُتُبُ المُوَطَّآتِ

- ‌كُتُبُ المعَاجِمِ

- ‌المُسْتَخْرَجَات

- ‌كُتُبِ العِلَلِ

- ‌نَاسِخُ الحَدِيْثِ وَمَنْسُوْخِهِ

- ‌كُتُبُ غَرِيْبِ الحَدِيْثِ

- ‌شُرُوْحُ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ

- ‌شُرُوْحُ مُسْلِمٍ

- ‌شُرُوْحُ الأَحَادِيْثِ

- ‌تَرَاجُمُ الرُّوَاةِ

- ‌السِّيْرَةُ النَّبَوِيُّةُ

- ‌كُتُبُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ

- ‌كُتُبُ التّارِيْخِ وَالطَّبَقَاتِ وَالأَنْسَابِ وَالأَطْرَافِ:

- ‌المُتَنَوِعَاتُ

- ‌ثَالِثًا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِقْهِ الإِسْلَامِي

- ‌المَذْهَبُ الحَنَفِيِّ

- ‌الفِقْهُ المَالِكِيُّ

- ‌الفِقْهُ الشَّافِعِيِّ

- ‌الفِقْهُ الحَنْبَلِيِّ:

- ‌الفِقْهُ العَامُّ

- ‌المَبْحَثُ الخَامِسُ: مُمَيِّزَاتُ هَذا الشَّرْحِ

- ‌المَبْحَثُ السَّادِسُ: وَصْفٌ عَامٌ لِلْمَخْطُوْطِ، وَالتَّعْرِيْفُ بالُنسَخِ التَّي حُقِّقَ عَلَيْهَا النَّصُّ

- ‌المَبْحَثُ السَّابع: منهج التحقيق

- ‌الفصل الخامسخمس مسائل فقهية مقارنة بفقه المذاهب الأخرى، واختيار الشارح فيها

- ‌المَسْأَلَةُ الْأُوْلَى: الصلاة على الغائب

- ‌فائدة:

- ‌المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد

- ‌المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: زيارة القبور للنساء

- ‌المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: نقل الميت من موضع إلى موضع

- ‌المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: الصلاة على شهيد المعركة

- ‌كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌باب: في الْجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ

- ‌باب: الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ إِذَا أُدْرِجَ فِى كَفَنِهِ

- ‌بَابٌ: الرَّجُلُ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ

- ‌بابُ: الإِذْنِ بِالْجَنَازَةِ

- ‌باب: فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحتسب، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}

- ‌باب: قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عندَ القَبْرِ: اصْبِرِي

- ‌باب: غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ

- ‌باب: مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا

- ‌باب: يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ المَيِّتِ

- ‌باب: مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَيِّتِ

- ‌باب: هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأَةُ فِي إِزَارِ الرَّجُلِ

- ‌باب: يُجْعَلُ الكَافُورُ فِي آخِرِهِ

- ‌باب نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَضَ شَعَرُ الْمَيِّتِ

- ‌باب: كَيْفَ الإِشْعَارُ لِلْمَيِّتِ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخِرْقَةُ الْخَامِسَةُ تَشُدُّ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ

- ‌باب: يُجْعَلُ شَعَرُ المَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

- ‌بَابٌ: يُلْقَى شَعْرُ المَرْأَةِ خَلْفَهَا

- ‌باب: الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ

- ‌بَابُ: الكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ

- ‌باب: الحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ

- ‌باب: كَيْفَ يُكَفَّنُ المُحْرِمُ

- ‌باب: الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ الَّذِى يُكَفُّ أَوْ لَا يُكَفُّ، وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ

- ‌باب: الكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ

- ‌بابٌ: الكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٍ

- ‌بابٌ: الْكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَال

- ‌باب: إِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ

- ‌باب: باب إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إلَّا مَا يُوَارِى رَأْسَهُ أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ

- ‌باب: مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ في زَمَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ

- ‌باب: اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزِ

- ‌باب: إِحْدَادِ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا

- ‌باب: بَابُ زِيَارَةِ القُبُور

- ‌باب: قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ

- ‌باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌باب

- ‌بَابٌ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ

- ‌باب: رِثَاءِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ

- ‌باب: مَا يُنْهَى مِنَ الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ

- ‌بَابٌ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ

- ‌باب: مَا يُنْهَى مِنَ الْوَيْلِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ

- ‌بَابُ: مَنْ جَلَسَ عِنْدَ المُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ

- ‌باب: مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ

- ‌باب: الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى

- ‌باب: قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ»

- ‌بَابُ: البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ

- ‌بَابُ: مَا يُنْهَى عَنِ النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ

- ‌بَابُ القِيَامِ لِلْجَنَازَةِ

- ‌باب مَتَى يَقْعُدُ إِذَا قَامَ لِلْجَنَازَةِ

- ‌بَابٌ: مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً، فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ، فَإِنْ قَعَدَ أُمِرَ بِالقِيَامِ

- ‌بَابٌ: باب مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِىٍّ

- ‌بَابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ

- ‌بَابُ: قَوْلِ المَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الجِنَازَةِ: قَدِّمُونِي

- ‌بَابُ مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى الجِنَازَةِ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌بَابُ الصُّفُوفِ عَلَى الجِنَازَةِ

- ‌بَابُ صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الجَنَائِزِ

- ‌باب سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ

- ‌باب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ

- ‌بَابُ مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ

- ‌باب صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْجَنَائِزِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَائِزِ بِالْمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ

- ‌باب مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ

- ‌باب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِى نِفَاسِهَا

- ‌بَابٌ: أَيْنَ يَقُومُ مِنَ المَرْأَةِ وَالرَّجُلِ

- ‌باب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا

- ‌باب قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ

- ‌باب الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ

- ‌بَابُ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ

- ‌بَابُ مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا

- ‌باب الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ. وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - لَيْلًا

- ‌بَابُ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ

- ‌بَابُ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ المَرْأَةِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ

- ‌بَابُ دَفْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ

- ‌بَابُ مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ

- ‌بَابُ الإِذْخِرِ وَالحَشِيشِ فِي القَبْرِ

- ‌بَابٌ: هَلْ يُخْرَجُ المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ

- ‌بَابُ اللَّحْدِ وَالشَّقِّ فِي القَبْرِ

- ‌باب إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِىُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ؟ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِىِّ الإِسْلَامُ

- ‌بابٌ إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ

- ‌باب الْجَرِيدِ عَلَى الْقَبْرِ

- ‌بَابُ مَوْعِظَةِ المُحَدِّثِ عِنْدَ القَبْرِ، وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ

- ‌باب مَا جَاءَ فِى قَاتِلِ النَّفْسِ

- ‌باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالاِسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ

- ‌باب ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌باب مَا جَاءَ فِى عَذَابِ الْقَبْرِ

- ‌بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ

- ‌بَابُ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ

- ‌بَابُ المَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ

- ‌بَابُ كَلَامِ المَيِّتِ عَلَى الجَنَازَةِ

- ‌باب مَا قِيلَ فِى أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ

- ‌باب مَا قِيلَ فِى أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ

- ‌باب

- ‌بَابُ مَوْتِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ

- ‌بَابُ مَوْتِ الفَجْأَةِ البَغْتَةِ

- ‌باب مَا جَاءَ فِى قَبْرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضى الله عنهما

- ‌باب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ شِرَارِ المَوْتَى

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌باب الصلاة على الشهيد

‌بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ

.

قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:

1343 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» . فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِى اللَّحْدِ وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِى دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ.

قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:

(بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ) قال الزين ابن المنير: والمراد هو المقتول في معركة الكفار

(1)

انتهى.

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والحر والرقيق، والصالح والفاسق، والعاقل والمجنون، ويدخل فيه من قتل ظلمًا؛ بأن يقتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق ذابًا عن نفسه أو ماله أو أهله أو مسلم أو ذمي أو أن يقتله المكابرون عليه في المصر ليلًا بسلاح أو غيره أو نهارًا بسلاح أو خارجه بسلاح أو غيره، كما في شرح الطحاوي والله أعلم

(2)

.

وأما من جرح وعاش بعد ذلك حياة مستقرة فهو خارج عن حكم الشهيد، وكذا من مات في قتال المسلمين كأهل البغي، وكذا من يسمى شهيدًا بسبب غير السبب المذكور كالغريق، والمبطون؛ فتسميتهم شهيدًا باعتبار الثواب في الآخرة فقط

(3)

.

وإنما أطلق الترجمة ولم يفسر الحكم؛ لأنه ذكر في الباب حديثين: أحدهما يدل على نفيها، وهو حديث جابر رضي الله عنه ،والآخر يدل على إثباتها، وهو حديث عقبة رضي الله عنه ،ومن

(4)

وهنا وقع الاختلاف

(1)

فتح الباري (3/ 209).

(2)

شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهداء، من هم؟ (13/ 100 - 111).

(3)

فتح الباري (3/ 209).

(4)

ومن سقط من ب.

ص: 763

بين العلماء؛ فقال الشافعي ومالك

(1)

وأحمد وإسحاق -في رواية- إلى /أن الشهيد لا يصلى عليه، كما لا يغسل، وإليه ذهب أهل الظاهر

(2)

.

[215 أ/ص]

وقال بعض الشافعية: إنها حرام

(3)

. وقال بعضهم: معناه لا تجب عليهم؛ بل تجوز ،واحتجوا في ذلك بحديث جابر رضي الله عنه المذكور في الباب. وذهب ابن أبي ليلى والحسن بن حيي وعبيد الله بن الحسن وسليمان بن موسى وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي والثوري [وأبو]

(4)

حنيفة

(5)

وصاحباه وأحمد -في رواية- وإسحاق -في رواية- إلى أنه يصلي عليه

(6)

. وهو قول أهل الحجاز أيضًا واحتجوا في ذلك

(7)

بحديث عقبة رضي الله عنه ،وسيجئ تفصيل هذا الباب -إن شاء الله تعالى-.

قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:

1344 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ:«إِنِّى فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّى وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِى الآنَ، وَإِنِّى أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ - وَإِنِّى وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا»

قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:

(1)

المدونة (259).

(2)

المجموع (5/ 264)، المعني (2/ 394) المحلى (3/ 336).

(3)

المجموع (5/ 264).

(4)

[أبي] في ب.

(5)

الأصل المعروف بالمبسوط (1/ 410) والمبسوط (2/ 49).

(6)

مختصر اختلاف العلماء (1/ 396).

(7)

التوضيح (10/ 58).

ص: 764

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التينسي قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو ابن سعد إمام مصر (قَالَ: حَدَّثَنِى) بالإفراد (ابْنُ شِهَابٍ) محمد بن مسلم الزهري (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ

(1)

) هو أبو الخطاب الأنصاري السلمي.

(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الأنصاري رضي الله عنه قال الحافظ العسقلاني: كذا يقول الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن، عن جابر رضي الله عنه

(2)

.

قال النسائي: لا أعلم أحدًا من ثقات أصحاب ابن شهاب تابَعَ الليث على ذلك

(3)

، ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة. فذكر الحديث مختصرا

(4)

.

وكذا أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق

(5)

، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحارث، كلهم عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة وعبد الله له رؤية، فحديثه من حيث السماع مرسل.

(1)

هو: عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، أبو الخطاب المدني، ثقة، من كبار التابعين، ويقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مات في خلافة سليمان، تهذيب الكمال (17/ 369)(3941)، وتقريب التهذيب (ص: 349) (3991).

(2)

فتح الباري (3/ 210).

(3)

السنن الكبرى، كتاب الجنائز، ترك الصلاة على الشهداء (2/ 434)(2093)، وأخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد (2/ 91)(1345).

(4)

السنن الكبرى، كتاب الجهاد، ثواب من كلم في سبيل الله (4/ 290)(4341)، إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح. وأخرجه أحمد في مسنده، حديث عبد الله بن ثعلبة بن صغير (39/ 64)(23659) بهذا الإسناد.

(5)

مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه (39/ 62)(23657)، حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، وعبد الله بن ثعلبة لم يشهد هذه القصة لأنه لم يكن مولودًا بعد، وإنما رواه عن جابر بن عبد الله، فهو مرسل صحابي.

ص: 765

وقد رواه عبد الرزاق عن معمر، فزاد فيه جابرًا

(1)

، وهو مما يقوي اختيار البخاري، فإن ابن شهاب صاحب حديث، فيحمل على أن الحديث عنده عن شيخين، ولا سيما أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن ثعلبة.

[216 أ/س]

[94 ب/ص]

قال الذهبي: عبدالله بن ثعلبة له رؤية ورواية

(2)

. وقد روى البيهقي من حديث عبدالرحمن بن عبد العزيز الأنصاري، ثنا الزهري، ثنا عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد:"من رأى مقتل حمزة؟ فقال رجل: أنا، فخرج حتى وقف على حمزة فرآه وقد شق بطنه ومثل به، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليه، ثم وقف بين ظهراني القتلى، فقال: أنا شهيد على هؤلاء، لفوهم في دمائهم، /فإنه ليس جريح يجرح إلا جاء /يوم القيامة يدمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك"، وقال:"قَدِّمُوا أكثر القوم قرآنا فاجعلوه في اللحد" قال البيهقي: في هذا زيادات ليست في رواية الليث، وفي رواية الليث زيادة ليست في هذه الرواية، فيحتمل أن يكون روايته أولى، وعبد الرحمن عبد العزيز ضعيف، وقد أخطأ في قوله عن أبيه.

وروى الحاكم من حديث أسامة بن زيد، أن ابن شهاب حدثه، أن أنسًا رضي الله عنه حدثه:" أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم" وهو صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجه

(3)

.

وفي العلل للترمذي. قال محمد: حديث أسامة عن الزهري عن أنس غير محفوظ، غلط فيه أسامة

(4)

.

(1)

مصنف عبد الرزاق، كتاب الجهاد، باب الصلاة على الشهيد وغسله (5/ 272)(9580) من طريق معمر، عن الزهري، عن ابن أبي الصعير، عن جابر بن عبد الله.

(2)

الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (1/ 542).

(3)

المستدرك على الصحيحين، كتاب الجنائز (1/ 520) (1352) وقال الذهبي: على شرط مسسلم.

(4)

علل الترمذي الكبير، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279 هـ) المحقق: صبحي السامرائي، أبو المعاطي النوري، محمود خليل الصعيدي، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1409 (1/ 145).

ص: 766

(قَالَ) أي: جابر رضي الله عنه (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ) أي غزوة أحد، والقتلى جمع قتيل كالجرحى جمع جريح (فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ) ظاهره تكفين الاثنين في ثوب واحد؛ أما بأن يجمعهما فيه، وإما أن يقطعه بينهما.

وقال المظهري في شرح المصابيح: قوله: "في ثوب واحد" أي: قبر واحد؛ إذ لا يجوز تجريدهما في الثوب واحد بحيث يتلاقى بشرتاهما؛ بل ينبغي أن يكون على كل واحد منهما ثيابه الملطخة بالدم، ولكن يضجع أحدهم بجنب الآخر في قبر واحد

(1)

.

(ثُمَّ يَقُولُ) صلى الله عليه وسلم (أَيُّهُمْ) أي: أي القتلى. هذه رواية الكشميهني. وفي رواية الحموى والمستملي: "أيهما" أيْ: أيُّ الرجلين

(2)

(أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ) بنصب أخذًا على التمييز؛ أي أعلم بالقرآن (فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِى اللَّحْدِ وَقَالَ) صلى الله عليه وسلم (أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

قال المظهري: أنا شفيع لهؤلاء، أشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم لله تعالى وتركوا حياتهم. انتهى.

وتعقبه الطيبي بأن هذا الذي قاله لا يساعده تعدية الشهيد بعلى، ولو أريد ما قال، لقيل: أنا شهيد لهم، فعدل عن ذلك لتضمين "شهيد" معنى: رقيب وحفيظ، أي: أنا حفيظ عليهم، أراقب أحوالهم وأصونهم من المكاره، وشفيع لهم، ومنه قوله تعالى:{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)} [المجادلة: 6]{كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)} [المائدة: 117]

(3)

.

[216 أ/ص]

(وَأَمَرَ) صلى الله عليه وسلم (بِدَفْنِهِمْ فِى دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا) على صيغة /البناء للمفعول (وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ) على صيغة المجهول أيضًا.

وفي رواية للبخاري وستأتي -إن شاء الله تعالى-: " وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ "

(4)

كلاهما على صيغة المعلوم أي: لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ولا بأمره.

(1)

عمدة القاري (8/ 153).

(2)

عمدة القاري (8/ 153) وإرشاد الساري (2/ 439).

(3)

الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1398).

(4)

صحيح البخاري، كتاب الجنائز باب من يقدم في اللحد (2/ 92)(1347).

ص: 767

وعند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا تغسلوهم، فإن كل جرح ،أو كلم، أو دم يفوح مسكا يوم القيامة، ولم يصل عليهم"

(1)

.

والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم، باستغنائهم عن دعاء القوم، وقد اختلف العلماء في غسل الشهداء والصلاة عليهم، والجمهور على أنه لا يغسل الشهيد

(2)

وقال سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن: إنه يغسل قالا: "ما مات ميت إلا أجنب"

(3)

رواه ابن أبي شيبة عنهما بسند صحيح وحكى ذلك عن ابن سريج من الشافعية وعن غيره أيضًا وهو من الشذوذ.

وعن الحسن بسند صحيح "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحمزة رضي الله عنه فغسل"

(4)

وحكي عن الشعبي وغيره أن حنظلة بن الراهب غسلته الملائكة

(5)

، وأجيب بأنه كان جنبًا.

وقال السهيلي: في ترك غسل الشهداء تحقيق حياتهم وتصديق قوله عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] الآية. ولأن الدم أثر عبادة. فلا يزال كما قالوا في السواك للصائم

(6)

.

وأما الصلاة عليهم ففقد ذكر الخلاف فيه في أول الباب.

(1)

مسند الإمام أحمد بن حنبل (22/ 97)(14189) من طريق الزهري، عن ابن جابر، عن جابر بن عبد الله، حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2/ 91) (1343) من طريق: الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر.

(2)

المدونة (259) الأصل المعروف بالمبسوط (1/ 410). والمجموع (5/ 264)، والمغني (2/ 394) والمحلى (3/ 336). والمبسوط (2/ 49). ومختصر اختلاف العلماء (1/ 396).

(3)

مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، في الرجل يقتل، أو يستشهد يدفن كما هو أو يغسل (2/ 458)(10999).

(4)

مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، (2/ 458)(11008).

(5)

مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، (2/ 458)(11000).

(6)

الروض الأنف (6/ 24).

ص: 768

وقال أصحابنا الحنفية: الشهيد يصلى عليه بلا غسل. واحتجوا في ذلك بحديث عقبة الآتي عن قريب، وبما رواه ابن ماجه من حديث يوم أُحد، "فجعل يصلي على عشرة عشرة، وحمزة، وهو كما هو، يرفعون وهو كما هو موضوع"

(1)

.

ورواه الطحاوي بإسناده إلى ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان يوضع بين يديه يوم أحد عشرة فيصلي عليهم، وعلى حمزة، ثم يرفع العشرة، وحمزة موضوع، ثم يوضع عشرة، فيصلى عليهم، وعلى حمزة معهم"

(2)

رضي الله عنهم.

[217 أ/س]

وأخرجه البزار في مسنده بأتم منه بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا "قال: لما قتل حمزة يوم أحد أقبلت صفية- أخت حمزة من الأبوين- تسأل: ما صنع؟ فلقيت عليا والزبير، رضي الله عنهما فقالت: يا علي ويا زبير ما فعل حمزة؟ فأوهماها أنهما لا يدريان، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم

وقال: إني أخاف على عقلها، فوضع يده على صدرها، فاسترجعت وبكت، ثم قام عليه وقال: لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر /من بطون السباع وحواصل الطير، ثم أتى بالقتلى فجعل يصلي عليهم

(3)

فيوضع سبعة وحمزة، فكبر عليهم سبع تكبيرات، ثم يرفعون ويترك حمزة مكانه ويوضع سبعة ، فكبر عليهم سبع تكبيرات حتى فرغ منهم"

(4)

.

(1)

سنن ابن ماجة، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم (1/ 485)(1513)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس. إسناد ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 406) (4817): وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 218)(4895) بهذا الإسناد، وقال الذهبي: سمعه أبو بكر بن عياش من يزيد قلت ليسا بمعتمدين. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهداء (1/ 503)(2885) من طريق أبي بكر بن عياش بهذا الإسناد.

(2)

سنن ابن ماجة، كتاب الجنائز، (1/ 485)(1513)، تقدم تخريجه قريبًا.

(3)

[عليه] في ب.

(4)

كشف الأستار عن زوائد البزار، باب غزوة أحد (2/ 328)(1797) من طريق أبي بكر بن عياش، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال البزار: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في طبقات الكبرى (3/ 10).

ص: 769

وأخرجه الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه والبيهقي في سننه ، ولفظهم "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أحد، ثم كبر عليه سبعًا، ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة"

(1)

زاد الطبراني "ثم وقف عليهم حتى واراهم" وسكت الحاكم عنه.

[95 ب/س]

وروى ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق: حدثني من لا أتَّهم عن مقسم، مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة رضي الله عنه فسجى ببرده، ثم صلى عليه، فكبر تسع

(2)

تكبيرات، / ثم أتى بالقتلى يُصَفون ويصلي عليهم وعليه معهم"

(3)

.

وأخرجه ابن شاهين أيضًا في كتابه، من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن عباد، عن عبد الله بن الزبير

(4)

.

وروى الطحاوي أيضًا من حديث أبي مالك الغفاري، قال:"كان قتلى أحد يؤتى بتسعة وعاشرهم حمزة، فيصلي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يحملون، ثم يؤتى بتسعة، وحمزة مكانه، حتى صلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(5)

.

(1)

المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم (3/ 218)(4895) من طريق أبي بكر بن عياش، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس. وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"، كتاب الجنائز، جماع أبواب الشهيد ومن يصلي عليه ويغسل (4/ 19)(6805) بهذا الإسناد، إسناد ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي، قال ابن حجر في"التقريب" (1/ 601) (7717): وهو ضعيف. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" باب العين، مجاهد، عن ابن عباس (11/ 62) (11051) من طريق: أحمد بن أيوب بن راشد البصري. . . عن مقسم، ومجاهد، عن ابن عباس، إسناده حسن رجاله ثقات وصدوقيين عدا أحمد بن أيوب الضبي وهو مقبول. وذكره الهيثمي في "المجمع" (6/ 120) وقال:"فيه أحمد بن أيوب بن راشد وهو ضعيف" وقال ابن حجر في "التقريب"(ص: 77)(11): وهو مقبول.

(2)

(سبع) في الأصل

(3)

السيرة النبوية لابن هشام (4/ 46)، وشيخ ابن إسحاق المبهم هنا يحتمل أن يكون محمد بن كعب، أو الحكم بن عتيبة.

(4)

ناسخ الحديث ومنسوخه، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، (1/ 265)(293) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، إسناد الضعيف، فيه محمد بن حميد، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 475) (5829): ضعيف.

(5)

شرح معاني الآثار، باب الصلاة على الشهداء، باب الصلاة على الشهداء (1/ 503)(2888)، من طريق بكر بن إدريس، عن آدم بن إياس، عن شعبة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن أبي مالك الغفاري، حديث مرسل، وباقي رجاله ثقات عدا بكر بن إدريس الأزدي وهو مقبول. وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (4/ 18)(6804) بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود في مراسيله (1/ 306)(427) من طريق سليمان بن كثير، عن حصين، عن أبي مالك، رجاله ثقات عدا سليمان بن كثير العبدي وهو صدوق حسن الحديث.

ص: 770

ورواه أيضًا الدارقطني عن أبي مالك، قال:" كان يجاء بقتلى أحد تسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم فيرفعون التسعة ويدعون حمزة رضي الله عنه "

(1)

.

وأخرجه البيهقي أيضًا ولفظه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد عشرة عشرة، في كل عشرة منهم حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة"

(2)

.

وقال الذهبي في مختصر السنن: كذا قال، ولعله سبع صلوات؛ إذ شهداء أحد سبعون أو نحوها

(3)

.

وأخرجه أبو داود أيضا في المراسيل

(4)

. وأبو مالك اسمه غزوان الكوفي، وثَّقَهُ ابن معين وذكره ابن حبان في التابعين الثقات

(5)

.

ولنا -معاشِرَ الحنفيةِ- أن نرجح مذهبنا بأمور:

منها: أن حديث عقبة رضي الله عنه الآتي ذكره- مثبِتٌ، وكذا غيره مما ذكر فيه الصلاة على الشهيد، وحديث جابر رضي الله عنه ناف والمثبِتُ مقدم على النافي.

[217 أ/ص]

ومنها: أن جابرًا رضي الله عنه كان مشغولًا بقتل أبيه وعمه، على ما يجيء، فذهب إلى المدينة ليدبر حملهم، فلما سمع المنادي بأن القتلى تدفن في مصارعهم سارع لدفنهم، فدّل على أنه لم يكن حاضرًا حين الصلاة. على أن في الإكليل حديثًا عن ابن عقيل عن جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة، ثم جيء بالشهداء /فوضعوا إلى جنبه فصلى عليهم".

(6)

فالشافعية يحتجون برواية ابن عقيل ويوجبون بها التسليم من الصلاة.

(1)

سنن الدارقطني، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر (2/ 445)(1848)، شعبة، عن حصين، عن أبي مالك، رجاله ثقات، وهو مرسل.

(2)

السنن الكبرى، كتاب الجنائز جماع أبواب الشهيد ومن يصلي عليه ويغسل (4/ 18) (6804) وقال: هذا أصح ما في هذا الباب، وهو مرسل أخرجه أبو داود في المراسيل، تقدم تخريجه في (ص:770).

(3)

عمدة القاري (8/ 155).

(4)

المراسيل، باب الصلاة على الشهيد (1/ 306) (427). تقدم تخريجه في (ص:770).

(5)

الثقات، أول كتاب التابعين، باب الغين (5/ 293)(4903).

(6)

شرح معاني الآثار (1/ 501)، وعمدة القاري (8/ 155) والبناية شرح الهداية، (3/ 269).

ص: 771

ومنها: أن ما روى أصحابنا أكثر مما رواه أصحاب الشافعي

(1)

.

ومنها: أن الصلاة على الموتى أصل في الدين وفرض كفاية فلا يسقط من غير فعل أحد بالتعارض، بخلاف غسله؛ إذ النص في سقوطه لا معارض له. ومنها: لو كانت الصلاة عليهم غير مشروعة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم كما نبه على الغسل.

ومنها: أنا نتنزل ونقول كما قاله الطحاوي: لم يُصَلِّ عليه السلام وصلى غيره

(2)

.

ومنها: أنه يجوز أنه لم يصل عليهم في ذلك اليوم؛ لما حصل له من الجراحة وشبهها، ولا سيما من ألمه على حمزة رضي الله عنه وغيره رضي الله عنهم، وصلى عليهم في يوم غيره؛ لأنه لا تغير بهم تغير كما جاء في صلاته عليهم بعد ثماني سنين.

ومنها: أنه قد روي أنه قد صلى على غيرهم.

ومنها: أنه ليس لهم أن يقولوا يحمل قول عقبة: صلى عليهم، بمعنى استغفر لهم، لقوله: صلاته على الميت.

ومنها: أن ما ذهب إليه أصحابنا أحوط في الدين، وفيه تحصيل الأجر. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من صلى على ميت فله قيراط"

(3)

، لم يفصل ميتًا من ميت.

فإن قالوا: إن الصلاة لا تصح على الميت بلا غسل، فلما لم يغسل الشهيد لم يصح الصلاة، فالجواب: أنه ينبغي أن لا يدفن أيضًا بلا غسل، فلما دفن الشهيد بلا غسل دل أنه في حكم المغسول فيصلى عليه.

فإن قالوا: الشهداء أحياء بنص الآية، والصلاة إنما شرعت على الموتى؟ فالجواب: أنه على هذا ينبغي أن لا يقسم ميراثهم ولا تزوج نساؤهم وشبه ذلك، وإنما هم أحياء في حكم الآخرة لا في حكم الدنيا، والصلاة عليهم من أحكام الدنيا، كذا قال في المبسوط

(4)

.

فإن قالوا: ترك الصلاة عليهم لاستغنائهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين، فالجواب: أنه لا يستغنى أحد عن الخير، والصلاة خير موضوع، ولو استغنى عنه أحد من هذه الأمة

(1)

[ومنها أن ما روى أصحابنا أكثر مما رواه أصحاب الشافعي] سقط من ب.

(2)

شرح معاني الآثار (1/ 501)،

(3)

صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ.

(4)

المبسوط (2/ 50).

ص: 772

لاستغنى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وكذلك الصغار، وهو في مثل حالهم. والتعليل بالتخفيف لا وجه له؛ لأنهم يسعون في تجهيزهم وحفر قبورهم، ونحو ذلك، فالصلاة أخف من هذا كله.

[218 أ/س]

فإن قالوا: إنكم لا ترون الصلاة على القبر بعد ثلاثة أيام، فالجواب: أنه ليس كذلك؛ بل تجوز الصلاة على القبر ما لم يتفسخ، /والشهداء لا يتفسخون ولا يحصل لهم تغير، فالصلاة عليهم لا تمتنع أي وقت كان

(1)

.

وقال ابن التين: وفي الحديث جواز جمع الرجلين في ثوب واحد

(2)

. وقال أشهب: لا يفعل ذلك إلا لضرورة وكذا الدفن

(3)

.

وعن ابن تيمية: معنى الحديث أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة وإن لم يستر إلا بعض بدنه، يدل عليه تمام الحديث أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآنا فيقدمه في اللحد فلو أنهم في ثوب واحد جملة لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كيلا يؤدي إلى نقص التكفين

(4)

.

وقال ابن العربي: فيه دليل على أن التكليف قد ارتفع بالموت وإلا فلا يجوز أن يلصق الرجل بالرجل

(5)

.

وفيه: التفضيل بقراءة القرآن فإذا استووا في القراءة قدم أكبرهم؛ لأن للسن فضيلة.

فيه: جواز دفن الاثنين والثلاث في قبر، وبه أخذ غير واحد من أهل العلم وكرهه الحسن البصري

(6)

.

ولا بأس أن يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق، غير أن الشافعي وأحمد قالا ذلك في موضع

(7)

الضرورات. وحجتهم حديث جابر رضي الله عنه

(8)

.

(1)

وعمدة القاري (8/ 155)

(2)

وعمدة القاري (8/ 154)

(3)

النَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ (1/ 559).

(4)

وعمدة القاري (8/ 154)

(5)

التوضيح (10/ 61).

(6)

زاد المعاد (3/ 196).

(7)

[موضعه] في ب.

(8)

شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 334).

ص: 773

وقال أشهب: إذا دفن اثنان في قبر لم يجعل بينهما حاجز من التراب؛ وذلك أنه لا معنى له إلا التضييق

(1)

.

وذكر ابن أبي حاتم بسنده، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع يوم أحد النفر في القبر الواحد، فكان يقدم في القبر إلى القبلة أقرأهم، ثم ذا السن"

(2)

.

وقال القدوري في شرحه، والسرخسي في المبسوط: إن وقعت الحاجة فلا بأس أن يدفن الاثنان أوالثلاثة في قبر واحد

(3)

وفي المرغيناني: أو خمسة، وهو إجماع

(4)

.

وفي البدائع: ويقدم أفضلها ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب، فيكون في حكم قبرين، ويقدم الرجل في اللحد، وفي صلاة الجنازة تقدم المرأة على الرجل إلى القبلة، ويكون الرجل إلى الرجل أقرب، والمرأة عنه أبعد

(5)

.

[95 ب/ص]

فيه: دفن/ الشهيد بدمه. وروى النسائي من حديث معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " زملوهم بدمائهم"

(6)

.

وحديث الباب أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه أيضًا

(7)

.

[218 أ/ص]

(1)

النَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ (1/ 559، 646).

(2)

العلل لابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (المتوفى: 327 هـ) تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية د/ سعد بن عبد الله الحميد ود/ خالد بن عبد الرحمن الجريسي، مطابع الحميضي، الطبعة الأولى، 1427 هـ - 2006 م (3/ 534).

(3)

المبسوط (2/ 65). والجوهرة النيرة-شرح مختصر القدوري -، أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي (المتوفى: 800 هـ) المطبعة الخيرية، الطبعة: الأولى، 1322 هـ، [باب الشهيد](1/ 110).

(4)

الهداية في شرح بداية المبتدي، (1/ 93).

(5)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 319).

(6)

السنن الصغرى للنسائي، كتاب الجنائز، مواراة الشهيد في دمه (4/ 78)(2002) والسنن الكبرى، كتاب الجهاد، ثواب من كلم في سبيل الله (4/ 290)(4341)، تقدم تخريجه في (ص: 765).

(7)

سنن الترمذي، أبواب الجنائز، باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد (3/ 345)(1036). * السنن الصغرى للنسائي، كتاب الجنائز، ترك الصلاة عليهم (4/ 62)(1955) * سنن ابن ماجة كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم. (1/ 485)(1514).

ص: 774

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التنيسي قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو ابن سعد قال: (حَدَّثَنِى) بالإفراد (يَزِيدُ /بْنُ أَبِى حَبِيبٍ

(1)

) الأول من الزيادة، والثاني ضد العدو، واسم أبي حبيب سويد

البصري (عَنْ أَبِى الْخَيْرِ

(2)

) ضد الشر مرثد بن عبدالله اليزني، وقد تقدم ذكره في باب السلام من الإسلام (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) بضم العين وسكون القاف، الجهني المصري الأمير الشريف المقرئ الفصيح الفرضي، وقد مر ذكره في: باب من صلى في فروج الحرير.

(أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ) وهم الذين استشهدوا فيها ،وكانت "أُحُد" في شوال سنة ثلاث، وهي الغزوة العاشرة من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان جملة غزواته التي خرج فيها بنفسه صلى الله عليه وسلم سبعًا وعشرين غزوة، كما رواه ابن سعد في طبقاته

(3)

وهو الصحيح المجزوم به، وكبارها الأمهات سبع: بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين وتبوك، وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن.

و"أُحُد" بضمتين جبل أحمر، بينه وبين المدينة أقل من فرسخ؛ سمي به لتوحده وانقطاعه عن أجبل

(4)

هناك.

وكان من حديث "أُحُد" أنه لما قتل الله تعالى كفار قريش ببدر ورجع أبو سفيان بالعير أوقفها بدار الندوة، فلم يفرقها وطابت أنفس أشرافهم أن يجهزوا بها جيشًا لقتال المصطفى صلى الله عليه وسلم وكانت نحو خمسين ألف دينار، فمشى عبدالله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في قوم ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وأهلهم، وكلموا أبا سفيان ومن له في تلك العير تجارة، وقالوا: إن محمدًا وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بالمال على حربه لعلنا ندرك ثأرنا، فأجابوا وبعثوا عمرو بن العاص وعبدالله بن الزبير وأبا عزة -الذي مَنَّ عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأطلقه لاستنفار العرب

(1)

هو: يزيد بن أبي حبيب المصري، أبو رجاء واسم أبيه سويد، واختلف في ولائه ثقة فقيه، وكان يرسل، من الخامسة مات سنة ثمان وعشرين ومائة وقد قارب الثمانين، تهذيب الكمال (32/ 102)(6975)، تقريب التهذيب (ص: 600) (7701).

(2)

هو: مرثد بن عبد الله اليَزَني، أبو الخير المصري، ثقة فقيه، من الثالثة مات [قبل المائة] سنة تسعين، تهذيب الكمال (27/ 357)(5850)، وتقريب التهذيب (ص: 524) (6547).

(3)

الطبقات الكبرى، غزوة احد (2/ 28).

(4)

في إرشاد الساري (جبال).

ص: 775

لحربه- واجتمعت قريش ومن أطاعها من القبائل ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة وغيرهم، ورأس فيهم أبو سفيان؛ لموت أكابرهم، وكتب العباس إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم يخبرهم، فخرج أبو سفيان قائدًا

للناس بهند بنت عتبة، وكذا خرج جمع قريش بنسائهم، معهم الدفوف يبكين قتلى بدر، وهمت هند -وهم بالأبواء- تنبش قبر آمنة أم المصطفي صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش:"لا يفتح هذا الباب /إذن تنبش موتانا" وقال جبير بن مطعم لغلامه وحشي: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي- وكان قد قتله حمزة يوم بدر- فأنت عتيق.

[219 أ/س]

فأقبلوا حتى نزلوا بالعريض فسرحوا خيلهم في الزرع فتركوه ليس به خضر، ثم نزلوا بعينين تثنية عين جبل ببطن السنجة مقابل المدينة يوم الأربعاء، فلما سمع بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: "إني رأيت والله خيرًا؛ رأيت بقرًا تذبح وفي ذباب سيفي -أي في طرفه- ثلمًا؛ فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم فرجل من أهل بيتي يُقتل، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بها وتدعوهم حيث نزلوا هم فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن دخلوا علينا قاتلناهم في الأزقة، فنحن أعلم بها منهم، ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة من الحصون

(1)

"

وكان يكره الخروج فقال رجال من المسلمين منهم حمزة وسعد بن عبادة: "اخرُجْ بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم"وقال ابن أبّي: لا تخرج، فإنما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه ولم يدعه قط قبلها، فاستشاره ولم يزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من حب الخروج حتى دخل، فلبس لأمته بعد أن صلى الجمعة، ووعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد، وحزم وسطه بمنطقة في حمائل السيف واعْتَمَّ، وتقلد السيف وخرج، وندم الناس وقالوا: بئسما صنعنا؛ نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه، ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد فقال:"دعوتكم إلى هذا فأبيتم. ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل"

(2)

.

(1)

السيرة النبوية لابن هشام (4/ 11)، قال الزيلعي في" تخريج أحاديث الكشاف"(1/ 218) رواه البيهقي في دلائل النبوة بتغير يسير رواه في باب غزوة أحد، ورواه عبد الرزاق في مصنفه في المغازي في غزوة أحد حدثنا معمر عن الزهري عن عروة، وأخرجه ابن هشام في سيرته في غزوة أحد من قول ابن إسحاق بلفظ المصنف، ورواه الطبري في تفسيره من طريق ابن إسحاق بسند البيهقي.

(2)

السيرة النبوية لابن هشام (4/ 9).

ص: 776

ثم ركب فرسه وتقلد الترس وأخذ قناة بيده وخرج في نحو ألف عسكر بالشيخين وهما أحلمان -بلفظ تثنية شيخ- سمي بشيخ وشيخة كانا هناك- فبات فيه فلما أصبح صلى الصبح وسار، فحينئذ انخذل عبدالله بن أُبيِّ بثلث الناس، وقال: ما ندري علام نقتل أنفسنا؟! فرجع بمن تبعه من

أهل النفاق، ومضى المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب *

(1)

من أُحُد يوم السبت للنصف من شوال، فجعل ظهره وعسكره إليه وقال: لا يقاتل أَحَدٌ حتى نأمره بالقتال. وتعبأ للقتال وهو في سبعمائة منهم مائة دارع، وأمَّر على الرماة عبدالله بن جبير، وهو معلم بثياب بيض وهم خمسون وقال: انضحوا عنا الخيل بالنبل لا يأتوننا من خلف. إن كانت لنا أو علينا فاثبُتْ مكانك لا نُؤتَيَنَّ من قِبَلِك، وظاهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، ولم يكن مع المسلمين فرس إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس أبي بردة، ولواء الخروج بيد [الخباب]

(2)

بن المنذر أو سعد /بن عبادة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه ويصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح إن رأى صدرًا خارجًا قال: تأخر.

[219 أ/ص]

[96 ب/س]

وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس وسبعمْائة دارع قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وعلى القلب/ صفوان بن أمية أو عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبدالله بن أبي ربيعة، فاقتتلوا حتى حمى الحرب وتبارز الفئتان وخرج رجل من الكفار فدعا إلى البراز وهو على جمل فأحجم عنه الناس، فوثب الزبير حتى استوى معه على بعيره ثم عانقه فاقتتلا فوقع البعير، فقال المصطفي صلى الله عليه وسلم: الذي يلي حضيض الأرض مقتول فوقع المشرك. ووقع الزبير عليه فذبحه، وقاتل حمزة رضي الله عنه حتى قتل أَحَد الذين يحملون اللواء. قال وحشيٌّ: ورأيت حمزة في عرض الناس كالجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدًا ما يقوم له شيء، فإنى لأتهيَّأُ له أريده وأستتر منه بشجر أو حجر ليدنو مني؛ إذ تقدمني سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال: هلم إلي يا ابن مقطعة البظور. وكانت أمه ختانة. فضربه فهززت حربتي فدفعتها إليه فوقعت في ثنيته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي فقلب فوقع، فأمهلته، حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم نحَّيْتُ إلى العسكر، ولم يكن لي بغيره حاجة؛ إنما قتلته لأعتق، وكان كيت وكيت، فانهزم المشركون وكان المسلمون يأخذون الغنائم.

(1)

*الشعب ما بين الجبلين.

(2)

الحباب.

ص: 777

فلما أبصر الرماة ذلك قالوا: ما نجلس هنا لشيء قد أهلك الله العدو. فتركوا منازلهم التي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول. قال الزبير: فلما مالت الرماة إلى العسكر وخلوا ظهورنا للخيل فأتتنا من خلفنا ورمى عبدالله بن قمئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته وجرح وجنته

فدخلت حلقتان من المغفر فيها، فقال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال وهو يمسح الدم عن وجهه: أقماك الله فأقبل يريد قتله، فذب عنه مصعب بن عمير -وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد- حتى قتله ابن قمئة ،وهو يرى أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال: قد قتلت محمدًا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدًا قد قتل. وقيل: كان الصارخ الشيطان. ففشا في الناس خبر قتله، فانكشف المسلمون، وولوا منهزمين يحطم بعضهم بعضًا، ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفر قليل حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزُلْ عن مكانه قدمًا واحدًا ،ولا ولَّى؛ بل وقف في وجوههم وجعل يقول: إليَّ عبادَ الله، ورمى بالقوس حتى تقطع وتره، هذا والنبل تأتيه من كل ناحية، فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وكلمت شفته وشج وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه، ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدماء، وهو يدعوهم إلى ربهم. فأنزل الله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ (128)} [آل عمران: 128] الآية.

[220 أ/س]

وقيل: هَمَّ أن يدعو عليهم، فنهاه الله تعالى؛ لعلمه بأن فيهم من يؤمن. والذي كسر رباعيته وشج وجهه عتبة بن أبى وقاص، ومِنْ هذا /كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: ما حرصت على قتل رجل كحرصي على قتل عتبة أخي.

ومن ثمة لم يولد من نسله ولد فبلغ الحنث إلا وهو أبحر وأهتم؛ أي عطشان لا يروي من الماء، ومكسور الثنايا من أصلها، يعرف ذلك في عَقِبِه، وما علم مبغض في قومه مثله، وشجه صلى الله عليه وسلم عبدالله بن شهاب في جبهته

(1)

.

وروى عبدالرزاق عن معمر عن الزهري قال: " ضرب وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة. وقاه الله من شرها كلها"

(2)

.

(1)

السيرة النبوية لابن هشام (4/ 11)، المغازي (1/ 200)، والطبقات الكبرى (2/ 31)، وتاريخ الطبري (2/ 504).

(2)

مصنف عبد الرزاق، كتاب المغازي، وقعة أحد (5/ 366)(9736)، وقال الحافظ ابن حجر في"فتح الباري" (7/ 372): وهذا مرسل قوي، وقال في المطالع العالية (17/ 354) (4262): رجاله ثقات، ولكنه مرسل أو معضل.

ص: 778

وقال صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسوله"

(1)

وعند ابن عائذ من طريق الأوزاعي: " بلغنا أنه لما جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخذ شيئًا فجعل ينشِّف به دمه وقال: لو

وقع شيء منه على الأرض لنزل عليهم العذاب من السماء، ثم قال: اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون"

(2)

.

وفي رواية: "لو وقع شيء من قطرات الدم على الأرض لم ينبت عليها نبات، ولم يقع شيء منها على الأرض". فلما أرجف بقتله صلى الله عليه وسلم: انتهى أنس بن النضر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلحة في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمد، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه"

(3)

وفي رواية "قال: إن كان قتل محمد فإن رب محمد حيٌّ لا يموت. ثم قال أنس بن النضر: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء. ثم شد بسيفه فاستقبل فقاتل حتى قتل"

(4)

فوجد به بضع وثمانون جراحة.

ثم إنه انحازت إليه طائفة من المسلمين، وكان أول من عرف المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة كعب بن مالك، قال: "عرفت عينيه يزهران تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار إليَّ: أنصت، فلما عرفه المسلمون نهضوا إليه، فلامهم على هربهم، فقالوا: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر قتلك فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين. فنزلت {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] الآية. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض معهم نحو الشعب ومعه أبو بكر وعمر وعليٌّ وطلحة والزبير والحارث والصامت ورهط من المسلمين، فمكث فيه صلى الله عليه وسلم في يومه ذلك والتمس حمزة رضي الله عنه فوجده بقر بطنه عن كبده ومُثِّلَ به فجدع أنفه وأذناه، فقال صلى الله عليه وسلم: لولا أن تحزن صفية بنت عبد المطلب -وكان حمزة أخاها لأب وأم- وتكون سنة بعدي، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش لأُمَثِّلَنَّ بسبعين منهم. فلما

(1)

صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد، (5/ 101)(4076).

(2)

أخرجه الطبرانى فى «الكبير» (6/ 120)(5693)، من حديث سهل بن سعد الساعدى.، وفتح الباري (7/ 372).

(3)

أخرجه الطبري في تاريخه (2/ 517).

(4)

تفسير الطبري (6/ 99) تقدم تخريجه في (ص: 213).

ص: 779

رأى المسلمون حزنه وغيظه على ما فُعِلَ بعمه قالوا: لنمثلن بهم إن أظهرنا الله عليهم، مثله ما يمثل بها أحد، فأنزل الله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] الآية/

وكَفَّرَ عن يمينه، ونهى عن المثلة

(1)

وقال صلى الله عليه وسلم حين وقف عليه: لن أصاب بمثلك أبدًا ما وقفت موقفًا قط أغيظ إليَّ منه، رحمة الله عليك، قد كنت علمتك فعولا للخير وصولًا للرحم"

(2)

.

[220 أ/ص]

[96 ب/ص]

وروى ابن شاذان عن ابن مسعود: رضي الله عنه ما رأينا المصطفى صلى الله عليه وسلم باكيًا قط أشد من بكائه على حمزة، وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته /وبكى حتى كاد يغشي عليه؛ يقول يا حمزة يا عمُّ يا أسد الله وأسد رسوله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات"

(3)

، وليس هذا نوحًا ولا تعديد شمائل؛ بل إخبار بفضائله وشمائله. ثم أمر فسجى ببرد، ثم صلى عليه، وكبر سبعًا، ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى جنب حمزة، فصلى عليهم، وعليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة"

(4)

.

(1)

الثقات، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار الفكر - 1395 - 1975، الطبعة: الأولى، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد (1/ 232)، وأخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 2189 (4894) من طريق، صالح المري، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، وسكت عنه، وقال الذهبي: صالح واه.

(2)

تفسير الطبري (6/ 156)، وأخرجه الحاكم (3/ 214)(4881) من طريق، الحسين بن الفرج، ثنا محمد بن عمر، عن شيوخه، هو مرسل، وفيه الحسين بن الفرج الخياط، قال ابن حجر في "لسان الميزان" (3/ 200) (2592): قال ابن مَعِين: كذاب يسرق الحديث.، وفيه متهم بالوضع: وهو محمد بن عمر الواقدي، وحذفه الذهبي من التلخيص.

(3)

ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى، محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (المتوفى: 694 هـ) عنيت بنشره: مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي، بباب الخلق بحارة الجداوي بدرب سعادة بالقاهرة، عن نسخة دار الكتب المصرية، ونسخة الخزانة التيمورية، 1356 هـ (1/ 181) قال: أخرجه ابن شاذان وقال غريب.

(4)

نصب الراية لأحاديث الهداية (2/ 311)، وقال الزيلعي: أخرجه الحاكم في "المستدرك". والطبراني في "معجمه". والبيهقي في "السنن" عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أحد "فهيئ للقبلة، ثم كبر عليه سبعا، ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة، زاد الطبراني: ثم وقف عليهم حتى واراهم، سكت الحاكم عنه، وتعقبه الذهبي، فقال: ويزيد بن أبي زياد لا يحتج به، وقال البيهقي: هكذا رواه يزيد بن أبي زياد، وحديث جابر أنه لم يصل عليهم أصح، انتهى.

ص: 780

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: وضع حمزة فصلى عليه وجيء برجل من الشهداء فوضع إلى جنبه فصلى عليهما فرفع ذلك الرجل، وترك حمزة حتى صلى عليه سبعين ، أو اثنتين وسبعين صلاة"

(1)

. ودفن، ويقال: دفن معه في قبره عبدالله بن جحش

(2)

وكان قد مثل به.

ثم رجع المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من يومه آخر النهار. وذكر مالك في الموطأ "أن السيل حفر قبر عمرو بن الجموح وعبدالله بن عمرو بن حزام وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم دفنهما بقبر واحد لمصافاة بينهما. فوجدا لم يتغيرا، كأنمهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما وضع يده على جرحه، فدفن كذلك. فأميطت عنه، ثم أرسلت فرجعت كما كان ذلك بعد الواقعة بست وأربعين سنة

(3)

.

وحين سمع النبي صلى الله عليه وسلم البكاء على القتلى بكى وقال: لكن حمزة لا بواكي له. فأمر سعد بن معاذ وأسيد بن حضير نساءهما أن يبكين عليه، فلما سمع بكاءهن عليه قال: رحم الله الأنصار فإن المواساة منهم علمت مروهن فلينصرفن"

(4)

.

ومرّ بامرأة أصيب زوجها وأخوها وابنها بأُحُد، فلما نُعُوا لها قالت: ما فُعِل برسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: خيرٌ. هو كما تحبين قالت: " كل مصيبة بعده جلل"

(5)

أي: صغيرة.

(1)

مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه (7/ 418)(4414) من طريق حماد، حدثنا عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود، وأورده الهيثمي في "المجمع "(6/ 109 - 110)، وقال: رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط، وقال الشيخ شعيب الأنوؤط: وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، الشعبي - وهو عامر بن شراحيل - لم يسمع من عبد الله بن مسعود، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير عطاء بن السائب، فقد روى له أصحاب السنن والبخاري متابعة، وهو صدوق اختلط.

(2)

تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (المتوفى: 262 هـ) حققه: فهيم محمد شلتوت، طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد - جدة، عام النشر: 1399 هـ (1/ 125).

(3)

موطأ الإمام مالك، كتاب الجهاد، باب الدفن في قبر واحد من ضرورة (2/ 470)(49) من طريق يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (19/ 239): هكذا هذا الحديث في الموطأ مقطوعًا، لم يختلف على مالك فيه، وهو يتصل من وجوه صحاح بمعنى واحد متقارب.

(4)

السيرة النبوية لابن هشام (4/ 50).

(5)

تفسير ابن المنذر (1/ 374)(907)، من طريق محمد بن إسحاق وحدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن إسماعيل بن محمد، عن سعد بن أبي وقاص، إسناد ضعيف لأن به موضع انقطاع بين إسماعيل بن محمد الزهري (ت: 134)، وسعد بن أبي وقاص الزهري (ت: 55). وأخرجه البيهقي في"دلائل النبوة"، جماع أبواب غزوة أحد (3/ 302)، بهذا الإسناد.

ص: 781

واستشهد يومئذ خمسة وستون رجلًا؛ أربعة وأربعون من المهاجرين وسائرهم من الأنصار، وقتل من الكفار اثنان وعشرون رجلًا

(1)

.

وقال ابن كثير: أكثر، فإن حمزة رضي الله عنه لم يُقْتَل حتى قَتَل أحدا وثلاثين رجلًا وأبو دجانة وعلي وسهيل بن حنيف والحارث بن الصمة قتلوا كثيرًا، ورمى طلحة وسعد فما سقط لهما سهم إلا أصاب كافرًا، وأنس بن النضر وسعد بن الربيع لم يقتلا حتى قتلا خلقًا كثيرًا فربك أعلم بعدتهم

(2)

.

وقد كان في قصة أُحُد وما أصيب به المسلمون عبر وحكم ربانية.

منها: سوء عاقبة المخالفة وشؤم ارتكاب النهي لما ترك الرماة موقفهم الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم أن لا يفارقوه.

ومنها: أنَّ عادة الرسل أنْ تبتلى وأنْ تكون لهم العاقبة.

ومنها: أن الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم فقيَّضَ لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها.

ومنها: أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء وساقهم إليها بين يدي الرسول ليكون شهيدًا عليهم.

ومنها: أنه أراد هلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك؛ من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه.

[221 أ/س]

ومنها: أنهم لو انتصروا دائمًا دخل في المسلمين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائمًا لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الإلهية الجمع بينهما ليتميز الصادق /من الكاذب؛ فلما وقع ذلك ظهر أهل النفاق فعرف المسلمون أن لهم عدوا في ديارهم فتحرزوا منهم كما قال تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران 166: 167] الأية

(3)

.

(1)

السيرة النبوية لابن هشام (4/ 84).

(2)

البداية والنهاية (5/ 448).

(3)

فتح الباري (7/ 347).

ص: 782

ولما حصل ما حصل أظهر عبدالله بن أُبَيٍّ والمنافقون الشماتةَ وقبحَ القول، وأظهرت اليهود القول السيء فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبي قط، فاستأذنه عمر رضي الله عنه في قتل من سمع منه ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله مُظهِرٌ دينه ومُعِزٌّ نبيه، ولليهود ذمة فلا تقتلهم قال: والمنافقون. قال: أفليس

(1)

الشهادة؟! قال: نعم. تعوذًا من السيف. قال: إني نهيت عن قتل المصلين

(2)

.

وقد نزل في شأن أُحُد إحدى وستون آية في سورة آل عمران. وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: أُنزل في شأن أُحُد عشرون ومائة آية من آل عمران من قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 121] الآيات.

وفي معالم التنزيل

(3)

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أصيب إخوانكم يوم أُحُد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتسرح من الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب. قال الله تبارك وتعالى: فأنا أبلغهم عنكم. فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] الآية. رواه أحمد

(4)

.

وفي حديث أبي مسعود رضي الله عنه في شهداء أحد قال: فيطلع الله عليهم اطلاعة، فيقول: يا عبادي ما تشتهون فأزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة، نأكل منها حيث نشاء ثم يطلع عليهم اطلاعة فيقول: يا عبادي ما تشتهون؟ فيقولون: ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة، نأكل منها حيث نشاء، إلا أنا نحب أن ترد علينا أرواحنا / في أجسادنا، ثم تردنا إلى الدنيا، فنقاتل فيك حتى نقتل مرة أخرى"

(5)

.

(1)

في المغازي [يظهرون الشهادة].

(2)

المغازي (1/ 318).

(3)

معالم التنزيل في تفسير القرآن (1/ 534).

(4)

مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 218)(2388)، من طريق إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد، عن أبي الزبير المكي، عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم (2/ 979)(2444)، من طريق إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(5)

صحيح مسلم، كتاب الإمارة باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة (3/ 1502)(1887).

ص: 783

[97 ب/س]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لجابر بن عبدالله الانصاري رضي الله عنه: ألا أبشرك يا جابر؟ قال: بلى، قال: إن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله، ثم قال: ما تحب يا عبدالله أن أفعل بك؟ قال: أحب يا رب أن تردَّني إلى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى

(1)

.

وفي الاكتفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما من مؤمن يفارق الدنيا يحب أن يرجع إليها ساعة من النهار وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد فإنه يحب أن يرد إلى الدنيا فيقاتل في الله فيقتل مرة أخرى"

(2)

.

(صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ) بنصب "صلاته" أي مثل صلاته على الميت وزاد في غزوة أحد، من طريق حيوة بن شريح، عن يزيد:"بعد ثمان سنين، كالمودع للأحياء والأموات"

(3)

، لكن في قوله: بعد ثمان سنين تجوُّزٌ؛ لأن وقعة أُحُد كانت في شوال سنة ثلاث، كما مر. ووفاته صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فيكون بعد سبع سنين ودون النصف، فهو من باب جبر الكسر.

وقال العيني: قوله: "صلاته على الميت" يرد قول من قال: إن الصلاة في الأحاديث التي وردت محمولة على الدعاء

(4)

. وممن قال به ابن حبان

(5)

والبيهقي

(6)

والنووي، حتى قال النووي: المراد

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (6/ 231) وأخرجه حاكم في المستدرك (3/ 223)(4911)، من طريق فيض بن وثيق، عن أبي عمارة الأنصاري، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" وقال الذهبي: فيض بن وثيق كذاب.

(2)

الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء، سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، أبو الربيع (المتوفى: 634 هـ)، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ (1/ 397) والسيرة النبوية (4/ 75).

(3)

صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة أحد (5/ 94)(4042)

(4)

عمدة القاري (8/ 156).

(5)

صحيح ابن حبان، فصل في الشهيد (7/ 474)

(6)

معرفة السنن والآثار، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 هـ)

المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية (كراتشي - باكستان)، دار الوفاء (المنصورة - القاهرة) الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1991 م (5/ 258).

ص: 784

بالصلاة هنا الدعاء، وأما كونه مثل الذي على الميت فمعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى

(1)

.

قال العيني: هذا عدول عن المعنى الذي يتضمنه هذا اللفظ لتمشية مذهبه في ذلك وهذا ليس بإنصاف

(2)

.

وقال الطحاوي: معنى صلاته صلى الله عليه وسلم لا يخلو من ثلاثة معان: إما أن يكون ناسخًا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سننهم أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة، أو يكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة. وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء. ثم كأن الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى انتهى

(3)

.

وقال الحافظ العسقلاني: "وغالب ما ذكره في حيز المنع لا سيما دعوى الحصر فإن صلاته عليهم يحتمل أمورًا أخر. منها: أن يكون من خصائصه. ومنها: أن يكون بمعنى الدعاء، ثم هي واقعة عين لا عموم فيها فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد تقرر؟! ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره" انتهى

(4)

.

[221 أ/ص]

وتعقبه العيني: بأن كل /ما ذكره ممنوع؛ لأن قوله: منها أن يكون من خصائصه، لا يصح؛ لأن إثبات الخصوصية من غير دليل عليه لا يعتبر ولا تثبت الخصوصية بالاحتمال. وقوله: ومنها أن يكون بمعنى الدعاء، يرده لفظ الحديث. وقوله: وهي واقعة عين لا عموم فيها، كلام غير موجه؛ لأن هذا الكلام لا دخل له في هذا المقام، وقوله: لدفع حكم تقرر، لا ينتهض دليلًا له لدفع خصمه؛ لأنه لا يعلم ما هذا الحكم المقرر. وقوله: ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني، كلام واهٍ؛ لأنه ما ادعى أن أحدًا من العلماء قال به حتى ينكر عليه، وإنما ذكره بطريق الاستنباط من لفظ الحديث. انتهى. فليتأمل

(5)

.

(1)

المجموع (5/ 265).

(2)

عمدة القاري (8/ 156).

(3)

شرح معاني الآثار، باب الصلاة على الشهداء (1/ 504)(2890).

(4)

فتح الباري (3/ 211).

(5)

عمدة القاري (8/ 157).

ص: 785

(ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ) وفي لفظ مسلم في المغازي: "ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات"

(1)

.

(فَقَالَ «إِنِّى فَرَطٌ لَكُمْ) بفتح الفاء والراء هو الذي يتقدم الواردة ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوهما.

(2)

أي: أنا سابقكم إلى الحوض، كالمهيئ له لأجلكم. وفي لفظ مسلم في المغازي فقال:"إني فرطكم على الحوض، وأن عرضه كما بين أيلة والجحفة" وفيه إشارة إلى قرب وفاته صلى الله عليه وسلم وتقدمه على أصحابه؛ ولذا قال: " كالمودع للأحياء والأموات" وفي آخره قال عقبة رضي الله عنه " فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر"

(3)

.

(وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ) أشهد لكم بأعمالكم، فكأنه باق معهم لم يتقدمهم بل يبقى بعدهم حتى يشهد بأعمالهم، فهو صلى الله عليه وسلم قائم بأمرهم في الدارين، في حال حياته وموته.

وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند البزار، بإسناد جيد:" حياتي خير لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم"

(4)

.

(وَإِنِّى وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِى الآنَ) هو على ظاهره؛ أي: أنظر نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف، ففيه أن الحوض مخلوق موجود اليوم وأنه حقيقي كما ذهب إليه أهل السنة.

(1)

صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته (4/ 1796)(2296).

(2)

غريب الحديث [فرط](1/ 44).

(3)

صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته (4/ 1796)(2296).

(4)

مسند البزار (البحر الزخار)، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (5/ 308) من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، وقال: وهذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. وقال أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806 هـ) في "المغني عن حمل الأسفار"(1/ 1495)، دار ابن حزم، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1426 هـ - 2005 م: أخرجه البزار من حديث عبد الله بن مسعود ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون، ورواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف.

ص: 786

(وَإِنِّى أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ) شك من الراوي، والمفاتيح جمع مفتاح ويروي مفاتح بدون الياء فهو مفتح على وزن مفعل بكسر الميم، وفيه إشارة إلى ما فتح على أمته من الملك والخزائن من بعده صلى الله عليه وسلم.

[222 أ/س]

(وَإِنِّى وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى) أي: ما أخاف على مجموعكم الإشراك بالله؛ بل على بعضكم، /فإن ذلك قد وقع من بعض والعياذ بالله تعالى.

(وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا) بإسقاط إحدى التائين" تنافسوا" والأصل: تتنافسوا ، والضمير فيها لخزائن الأرض المذكورة، أو للدنيا المصرح بها في مسلم بلفظ:"ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا"

(1)

.

والمنافسة هي الرغبة في الشيء، والانفراد به، وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه ونافست الشيء منافسة ونفاسًا إذا رغبت فيه

(2)

.

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قد صلى على أهل أحد بعد مدة، فدل على أن الشهيد يصلى عليه كما يصلى على من مات حتف أنفه، وإليه ذهب إمامنا الأعظم أبو حنيفة، وأول الخبر في ترك الصلاة عليهم يوم أحد على معنى اشتغاله عنهم وقلة فراغه لذلك، وكان يومًا صعبًا على المسلمين، فعذروا بترك الصلاة عليهم

(3)

. كما مر تفصيلا.

[97 ب/ص]

/وفيه أيضًا: جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم الشيء وتوكيده، وفيه غير ذلك مما تقدم.

(تنبيه) قال ابن حزم الظاهري: إن من صلى على الشهيد فحسن، وإن لم يصل عليه فحسن أيضًا، واستدل بحديثي جابر وعقبة رضي الله عنهما، وقال: ليس يجوز أن يترك أحد الأثرين المذكورين للآخر؛ بل كلاهما حق مباح، وليس هذا مكان نسخ؛ لأن استعمالهما معا ممكن في أحوال مختلفة. والله أعلم

(4)

.

ورجال إسناد الحديث كلهم مصريون، وهو من أصح الأسانيد وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.

(1)

صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته (4/ 1796)(2296).

(2)

تفسير غريب ما في الصحيحين (1/ 434).

(3)

فتح الباري (8/ 157).

(4)

المحلى (3/ 337).

ص: 787

وقد أخرج متنه المؤلف في علامات النبوة وفي المغازي وذكر الحوض أيضًا، وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود في الجنائز، وكذا النسائي

(1)

.

(1)

صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (4/ 198)(3596) وكتاب المغازي، باب غزوة أحد (5/ 94)(4042) وكتاب الرقاق، باب في الحوض (8/ 121)(6590) * صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته (4/ 1796)(2296). *سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب الميت يصلى على قبره بعد حين (3/ 216)(3223) * السنن الصغرى للنسائي، كتاب الجنائز، الصلاة على الشهداء (4/ 61)(1954).

ص: 788