الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: إِحْدَادِ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1279 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ تُوُفِّىَ ابْنٌ لأُمِّ عَطِيَّةَ - رضى الله عنها - فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ، فَتَمَسَّحَتْ بِهِ وَقَالَتْ نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ إلَّا بِزَوْجٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
[129 أ/س]
(بَابُ إِحْدَادِ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا) الإحداد: بكسر الهمزة، من أحدت المرأة على زوجها تحد، فهي محدّة إذا حزنت عليه، /ولبست ثياب الحزن، وتركت الزينة من لباس وطيب وغيرهما، مما كان من دواعي الجماع كالحناء والكحل، وكذلك حدت المرأة من الثلاثي، تحد من باب نصر ينصر، وتحد من باب ضرب يضرب، فهي حادة
(1)
.
وقال الجوهري: أحدت المرأة أي: امتنعت من الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها، وكذلك حدت حدادًا، ولم يعرف الأصمعي إلا أحدت فهي محد
(2)
.
وفي بعض النسخ: باب حداد المرأة، بغير همزة على لغة الثلاثي، وفي بعضها: باب حدّ المرأة
(3)
، ثم المشهور أنّه بالحاء المهملة، ويروي الإجداد بالجيم من جددت الشيء إذا قطعته؛ لأنّها تنقطع عن الزينة وما كانت عليه
(4)
.
(1)
تهذيب اللغة (3/ 271)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 353).
(2)
الصحاح [حذد](2/ 463).
(3)
عمدة القاري (8/ 64).
(4)
فتح الباري (9/ 485)، وعمدة القاري (21/ 3).
وأباح الشارع للمرأة أن تُحدّ على غير الزوج ثلاثة أيام؛ لِما يغلب من لَوْعة الحزن، ويَهجم من أليم الوَجد، وليس ذلك بواجب بالاتفاق، قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الزوج لو طالبها بالجماع في تلك الأيام التي أبيح لها الإحداد فيها لم يحلّ لها منعه
(1)
.
وقوله: "على غير زوجها"، يعمّ كلّ ميّت غير الزوج سواءً كان قريبًا أو أجنبيًا
(2)
.
وأمّا الإحداد لموت الزوج فواجب عندنا، سواء كانت حرة أو أمة وسواء كانت أم ولد أو مكاتبة وكذلك يجب على المطلّقة طلاقًا بائنًا
(3)
، ولذا لم يقيّد البخاري الترجمة بالموت.
وقال: مالك
(4)
، والشافعيّ
(5)
، وأحمد: لا يجب
(6)
، ولا يجب على المطلّقة قبل الدخول، والمطلّقة الرجعية
(7)
، وذكر في السراجية: أنّ المطلّقة الرجعية يستحب لها التزين والتطيب ولبس أحسن الثّياب لترغيب الزوج، ولا على ذميّة ولا صغيرة عندنا أيضًا
(8)
.
(حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابن مسرهد، وقد تكرر ذكره
(9)
، (قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ
(10)
) بكسر الموحدة، وسكون الشين المعجمة، وبتشديد الضاد المعجمة المفتوحة: ابن لاحق أبو إسماعيل وقد مرّ ذكره في باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم ربّ مبلّغ.
(1)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 268).
(2)
فتح الباري (9/ 485)
(3)
تحفة الفقهاء، محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي (المتوفى: نحو 540 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 هـ - 1994 م (2/ 251) وبدائع الصنائع (3/ 208).
(4)
المدونة (2/ 11).
(5)
الأم (5/ 246).
(6)
الكافي في فقه الإمام أحمد، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620 هـ) دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1994 م (3/ 210).
(7)
المغني (8/ 154).
(8)
تحفة الفقهاء (2/ 252) وبدائع الصنائع (3/ 208).
(9)
وقد تكرر ذكره سقط في.
(10)
هو: بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي، أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت عابد، من الثامنة مات سنة ست أو سبع وثمانين مائة، تقريب التهذيب (ص: 124) (703).
(قال: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ
(1)
) بفتح اللام في الأول: التميمي، وقد مر في باب: من لم يتشهد في سجدتي السهو.
(عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ تُوُفِّىَ ابْنٌ لأُمِّ عَطِيَّةَ) نسيبة رضي الله عنها، (فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ) كذا في رواية المستملي على الأصل، وفي رواية الأكثرين:"يوم الثالث"، من باب إضافة الموصوف إلى الصفة
(2)
، (دَعَتْ بِصُفْرَةٍ) الصفرة في الأصل لون الأصفر، والمراد ههنا: نوع من الطيب فيه صفرة
(3)
، (فَتَمَسَّحَتْ بِهِ، وَقَالَتْ: نُهِينَا) وروى عبد الرزاق عن أيوب، عن ابن سيرين بلفظ:"أمرنا أن لا نحد على هالك فوق ثلاث"
(4)
، وفي رواية الطبراني من طريق قتادة، عن ابن سيرين، عن أم عطية، قالت:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكر معناه"
(5)
.
[129 أ/ص]
(أَنْ نُحِدَّ) بضم النون من الإحداد أي: نهينا عن الإحداد على ميّت (أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ) بلياليها، (إِلَاّ بِزَوْجٍ) أي: بسببه، وفي رواية الكشميهني:" إلا لزوج"، باللام بدل الموحدة، /ووقع في العدد، إلا على الزوج، وكلّها بمعنى التسبيب
(6)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1280 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا جَاءَ نَعْىُ أَبِى سُفْيَانَ مِنَ الشَّأْمِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ -
(1)
هو: سلمة بن علقمة التميمي، أبو بشر البصري، ثقة، من السادسة، مات سنة تسع وثلاثين ومائة، تقريب التهذيب (ص: 248) (2500).
(2)
فتح الباري (3/ 146).
(3)
عمدة القاري (8/ 65).
(4)
مصنف عبد الرزاق، كتاب الطلاق باب: ما تتقي المتوفى عنها (7/ 47)(12128) من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أم عطية، إسناده صحيح، رجاله ثقات.
(5)
المعجم الكبير، باب النون (25/ 54)(116)، من طريق: عمران بن داوَر العمي، به. اسناده حسن من أجل عمران بن داور. قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 429) (5145): صدوق.
(6)
فتح الباري (3/ 146) وعمدة القاري (8/ 65).
رضى الله عنها - بِصُفْرَةٍ في الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ إِنِّى كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً، لَوْلَا أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ
(1)
) بضم الحاء عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي، أبو بكر الأسدي (قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو: ابن عيينة، (قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، أحد الفقهاء مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة بمكة
(2)
.
(قَالَ: أَخْبَرَنِى) بالإفراد (حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ) بضم الحاء: أبو أفلح، بالفاء وبالحاء المهملة، المدني
(3)
، (عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ) ويروى:" بنت أبي سلمة": عبد الله بن عبد الأسد المخزومية، ربيبة النبيّ صلى الله عليه وسلم أخت عمر بن أبي سلمة، أمهما أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.
[57 ب/ص]
(قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ نَعْىُ) بفتح النون، وسكون العين المهملة، وتخفيف المثناة التحتية، هو: الخبر بموت الشخص، ويروي بكسر العين، وتشديد المثناة، (أَبِى سُفْيَانَ): صخر بن حرب، والد معاوية رضي الله عنه، (مِنَ الشَّامِ) قال الحافظ العسقلاني: وفيه نظر؛ لأنّ أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل العلم بالأخبار، والجمهور على أنّه مات سنة: اثنتين وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين، ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث/ تقييده بذلك إلا في رواية سفيان بن عيينة هذه، وأظنّها وهمًا، وكنت أظنّ أنّه حذف منه لفظ" ابن"؛ لأنّ الذي جاء نعيه من الشام، وأم حبيبة في الحياة، هو
(1)
هو: عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحميدي المكي، أبو بكر، ثقة حافظ فقيه، من العاشرة، مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين، وقيل: بعدها. تقريب التهذيب (ص: 303)(3316).
(2)
تقريب التهذيب (ص: 119)(622).
(3)
هو: حميد بن نافع الأنصاري أبو أفلح المدني، يقال له حميد صفيرا ثقة من الثالثة، تقريب التهذيب (ص: 182) (1561).
أخوها يزيد بن أبي سفيان، الذي كان أميرًا على الشام، لكن رواه المصنف في "العدد" من طريق مالك، ومن طريق سفيان الثوري، كلاهما عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن حميد بن نافع بلفظ:"حين توفي أبوها ـ أبو سفيان بن حرب ـ"
(1)
، فظهر أنّه لم يسقط منه شيء، ولم يقل فيه واحد منهما من الشام.
وكذا أخرجه ابن سعد في ترجمة أم حبيبة، من طريق صفيّة بنت أبي عبيد عنها
(2)
، ثمّ وجدت الحديث في مسند ابن أبي شيبة من طريق حميد بن نافع بلفظ:"جاء نعي لأخي أم حبيبة، أو حميم لها"
(3)
، وكذا رواه الدارميّ عن هشام بن القاسم، عن شعبة، لكن بلفظ:"أنّ أخًا لأم حبيبة مات، أو حميمًا لها"
(4)
، ورواه أحمد عن حجاج ومحمد بن جعفر، عن شعبة بلفظ:"أن حميمًا لها مات"
(5)
، بغير تردد، وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب، ولا مانع من تعدد القصة لزينب مع أم حبيبة عند وفات أخيها يزيد، ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان أنتهى
(6)
.
[130 أ/س]
(دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ): رملة بنت أبي سفيان، أخت معاوية /أم المؤمنين رضي الله عنها، ماتت بالمدينة سنة: أربع وأربعين، (بِصُفْرَةٍ) وفي رواية مالك:"بطيب فيه صفرة خلوق"، وزاد فيه "فدهنت منه
(1)
صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا (7/ 59)، (5334).
(2)
الطبقات الكبرى (8/ 79).
(3)
لم أجده في المطبوع، ورواه عنه ابن حجر في فتح الباري (3/ 146) من طريق: وكيع حدثنا شعبة عن حميد بن نافع. رجاله ثقات.
(4)
سنن الدارمي، كتاب الطلاق، باب في إحداد المرأة على الزوج (3/ 1467)(2330)، من طريق هاشم بن القاسم، حدثنا شعبة، عن حميد بن نافع، قال: سمعت زينب بنت أبي سلمة، تحدث عن أم حبيبة، إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين.
(5)
مسند أحمد، حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها (44/ 349)، (26766)، من طريق حميد بن نافع، قال: سمعت زينب بنت أم سلمة. إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه مسلم (2/ 1125)(1486) من طريق محمد بن جعفر، بهذا الإسناد.
(6)
فتح الباري (3/ 146).
جارية، ثم مست بعارضيها"
(1)
، (فِى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا): هما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما تحت الأذن، (وَذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ: إِنِّى كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً) فيه إدخال لام الابتداء على خبر كان الواقعة خبرًا؛ لأنّ (لَوْلَا أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ) بضم أوله وكسر ثانيه، من الإحداد، (عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ) أي: ثلاث ليال، كما جاء مصرحًا به في رواية
(2)
، (إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ) وجوبًا للإجماع على إرادته، (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) هل المراد منه الأيام والليالي؟ فيه قولان للعلماء:
أحدهما: وهو قول الجمهور: أنّ المراد الأيام بلياليها، والآخرون أنّ المراد الليالي، وأنّها تحلّ في اليوم العاشر، وهو قول: يحيى بن أبي كثير
(3)
، والأوزاعي، والتقييد بذلك خرج على الغالب، وإلا فالحامل بالوضع سواء قصرت المدة أو طالت
(4)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1281 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(1)
ينطر: موطأ الإمام مالك، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الإحداد (2/ 596)(101) من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن حميد بن نافع، إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه مسلم (2/ 1125)(1486) من طريق محمد بن جعفر، بهذا الإسناد.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا (7/ 59)، (5334).
(3)
هو: يحيى بن أبي كثير أبو نصر الطائي مولاهم، الإمام، الحافظ، أحد الأعلام، أبو نصر الطائي مولاهم، اليمامي. مات سنة تسع وعشرين ومائة، سير أعلام النبلاء (6/ 31)(9).
(4)
التوضيح (5/ 72).
(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هو: ابن أبي أويس أخت مالك، قال:(حَدَّثَنِى) بالإفراد، (مَالِكٌ) الإمام، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
(1)
) بفتح الحاء، وسكون الزاي، (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ) هو: ابن أفلح، (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ [أنها]
(2)
أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم) أي: لما بلغها موت أبيها أبي سفيان، على ما مر، (فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) هو من باب التهييج؛ لأنّ المؤمن هو الذي ينتفع بخطاب الشارع وينقاد له، فهذا الوصف لتأكيد التحريم، ومفهومه: أنّ خلافه مناف للإيمان، كما قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)} [المائدة: 23]، فإنّه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان، وقوله:(تُحِدُّ) بحذف أنْ الناصبة ورفع الفعل مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، (عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ) من الليالي (إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ) أي: فإنّها تحد عليه، (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه الفعل المذكور في المستثنى منه، والاستثناء متصل، إن جعل بيانًا لقوله:" فوق ثلاث"، فيكون المعنى: لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر /وعشرًا على ميت، إلا على زوج، ومنقطع إن جعل معمولًا لـ"تحد"، مضمرًا، أي: لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا كما قدرناه
(3)
.
[130 أ/ص]
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1282 -
ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّىَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ ثُمَّ قَالَتْ مَا لِى بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ «لَا
(1)
هو: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، القاضي، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، تقريب التهذيب (ص: 297) (3239).
(2)
زاد على أصل البخاري.
(3)
إرشاد الساري (2/ 398).
يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»
(1)
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(ثُمَّ دَخَلْتُ) أي قالت زينب بنت أم سلمة: ثمّ دخلت أنا، وهو مصرّح به في الرواية التي في العدد
(2)
، (عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) وكذلك في رواية مسلم والنسائي "ثم دخلت"
(3)
، كلمة "ثم"، وظاهره أنّ هذه القصة وقعت بعد قصة أم حبيبة، ولا يصح ذلك؛ لأنّ زينب ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين، على الصحيح المشهور عند أهل العلم، بالأخبار، فيحتمل على أنّها لم ترد ترتيب الوقائع، وإنّما أرادت ترتيب الأخبار، وذلك كما يقال: بلغني ما صنعت اليوم، ثمّ ما صنعت أمس أعجب، أي: ثمّ أخبرك أنّ الذي صنعته أمس أعجب، وكذا رواية الفاء كما في رواية أبي داود والترمذي "فدخلت"
(4)
، وقد وقع في رواية لأبي داود
(5)
، بالواو
(6)
، وذلك لا يقتضي الترتيب
(7)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب: إِحْدَادِ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا (2/ 78)، (1279 - 1280 - 1281 - 1282).
(2)
صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا (7/ 59)، (5334).
(3)
صحيح مسلم، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل (2/ 1124)(1487). وسنن الصغرى، كتاب الطلاق، ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية (6/ 201)، (3533).
(4)
سنن الترمذي، أبواب الطلاق واللعان، باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها (3/ 493)(1196).
(5)
سنن أبي داود، كتب الطلاق، باب إحداد المتوفى عنها زوجها (2/ 290)(2299).
(6)
[بالواو] سقط من ب.
(7)
فتح الباري (3/ 147).
(حِينَ تُوُفِّىَ أَخُوهَا) قال الشيخ زين الدين
(1)
: فيه إشكال؛ لأن لزينب ثلاثة أخوة: عبد الله مكبرًا، وعبيد الله مصغرًا، وعبد، بغير إضافة، وهو: أبو أحمد مشهور بكنيته، وكان شاعرًا أعمى، ولا جائز أن يكون عبد الله مكبرًا؛ لأنّه استشهد بأحد، وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدًا لا تعقل ولا تضبط؛ لأنّ أباها ـ أبا سلمة ـ مات بعد بدر، وتزوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أمها ـ أم سلمة ـ وهي صغيرة ترضع، كما سيأتي في الرضاع: أنّ أمّها حلت من عدتها من أبي سلمة بوضع زينب هذه، فأنتفى أن يكون هو المراد هنا، وإن كان وقع في كثير [في الموطأ]
(2)
بلفظ: "حين توفي أخوها عبد الله"
(3)
، كما أخرجه الدارقطني من طريق ابن وهب، وغيره عن مالك.
[58 ب/س]
ولا جائزًا أيضًا أن يكون عبيدالله مصغرًا؛ فإنّه أسلم قديمًا، وهاجر بزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة، ثم تنصّر هناك، ومات في سنة خمس أو ست، فتزوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم، بعده أم حبيبة في سنة: ست أو سبع، إلا أن يقال: لا مانع أن يحزن المرء على قريبه الكافر، ولا سيما إذا تذكّر سوء مصيره، وذلك الحزن بالجبلة والطبع، فيعتذر فيه ولا يلام به، وقد بكى النبيّ صلى الله عليه وسلم، لما رأى قبر أمه توجعًا، ولعلّ الرّواية التي في "الموطأ" حين توفي أخوها عبد الله، كانت عبيد الله / بالتصغير، فلم يضبطها الكاتب.
[131 أ/س]
وأما عبد، بغير إضافة: فقد جزم ابن إسحاق وغيره من أهل العلم، بالأخبار بأنّه مات بعد أخته زينب بسنة، وروى ابن سعد في ترجمتها في الطبقات من وجهين: أنّ أبا أحمد حضر جنازة زينب مع عمر رضي الله عنه
(4)
، فأنتفى أن يكون هو المراد ويحتمل /أن يكون أخًا لزينب بنت جحش من أمها أو من الرضاع، والله أعلم
(5)
.
(1)
بعد البحث يبدو لي أن شرح الترمذي لـ "زين الدين العراقي" لم يطبع بعد، عزاه إليه ابن حجر في فتح الباري (3/ 147 - 148).
(2)
[من الموطآت]
(3)
موطأ الإمام مالك (رواية أبي مصعب الزهري)، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (المتوفى: 179 هـ)، المحقق: بشار عواد معروف - محمود خليل، مؤسسة الرسالة، 1412 هـ، باب ما جاء في الإِحداد (1/ 662)(1719) من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة، إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين.
(4)
طبقات الكبرى (8/ 80).
(5)
فتح الباري (3/ 147 - 148).
(فَدَعَتْ) أي: زينب بنت جحش، (بِطِيبٍ فَمَسَّتْ) وفي رواية: به
(1)
، أي: شيئًا من جسدها، وسيأتي في العدد "فمست منه"
(2)
.
(ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِى بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ) يقول، كما في رواية
(3)
: (لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا).
واستدل به بعض الحنفية على وجوب إحداد المرأة على الزوج.
وقال الرافعي: في الاستدلال به نظر؛ لأنّ الاستثناء من النفي أثبات، وإنّما هو الحل على الزوج بعد الثلاث، فأين الوجوب
(4)
؟
وأجيب: بأن ظاهر اللفظ وأن كان هكذا، ولكن حمل على الوجوب؛ لإجماع العلماء عليه.
فإن قيل: الحسن البصري لا يرى وجوب الإحداد؟
فالجواب: أنّه لم يصح هذا عن الحسن
(5)
، قاله ابن العربي
(6)
.
فإن قيل: روى أحمد في مسنده من حديث أسماء بنت عميس، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اليوم الثالث من قتل جعفر، فقال: "لا تحدي بعد يومك هذا
(7)
".
(1)
إرشاد الساري (2/ 398).
(2)
صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا (7/ 59)(5334).
(3)
إرشاد الساري (2/ 398).
(4)
فتح العزيز بشرح الوجيز (11/ 175).
(5)
عمدة القاري (8/ 67).
(6)
أحكام القرآن، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543 هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م (1/ 281). قال: فقد روي عن الحسن أنه جوز ذلك لها احتجاجا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم «قال لأسماء بنت عميس حين مات جعفر: أمسكي ثلاثًا، ثم افعلي ما بدا لك» وهذا حديث باطل.
(7)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث أسماء بنت عميس (45/ 20) (27083) من طريق: محمد بن طلحة، قال: حدثنا الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن شداد، عن أسماء بنت عميس، وقال الإمام أحمد - كما في "الفتح" (9/ 487): إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد، قال الحافظ: وهو مصيرٌ منه إلى أنه يُعلُّه بالشذوذ. ورواه البيهقي في سننه، كتاب العدد، باب الإحداد (7/ 720)(15523) بهذا الإسناد، وقال: لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء، ومحمد بن طلحة ليس بالقوي.
فالجواب: أنّ هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد، فهو شاذ لا يعمل به للإجماع على خلافه، وما أجيب به من أن جعفر بن أبي طالب كان قتل شهيدًا، والشهداء أحياء عند ربهم؛ فلذلك نهى زوجته عن الإحداد عليه بعد الثلاث، فمنظور فيه؛ لأنّ الشهيد حي في حق الآخرة لا في حق الدنيا، إذ لو كان حيًا في حق الدنيا لما كان يجوز تزوج نسائه، ولا كان يقسم تركته.
وفي الحديث دلالة لمذهب أبي حنيفة وأبي ثور: أنّه لا يجب الإحداد على الزوجة الذمية؛ لأنّه قيد ذلك بقوله: " تؤمن بالله"، ولا على الصبية؛ لأنّه لا تسمى امرأة إلا بعد البلوغ
(1)
.
(1)
عمدة القاري (8/ 67).