الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الجَنَائِزِ
باب: في الْجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَاّ لَهُ أَسْنَانٌ؛ فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَاّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ.
[76 أ/س]
قال الشارح رحمه الله:
[33 ب/ص]
/ (بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الجنائز)، وفي رواية بتقديم كتاب الجنائز على البسملة على قياس مفتتح سور القرآن، وفي أخرى:"باب ما جاء في الجنائز"، وفي أخرى:"بابٌ في الجنائز"، بالتنوين في باب
(1)
.
والجنائز: جمع جنازة، وهي بفتح الجيم: اسم للميت المحمول، وبكسرها: اسم للنعش الذي يحمل عليه الميت
(2)
.
وقال بعكسه؛ حكاه صاحب "المطالع"
(3)
، وقيل: هما لغتان فيهما
(4)
.
وقال الأزهري
(5)
: "لا يُسمَّى السرير جنازة؛ حتى يشدَّ الميِّت عليه مكفَّنًا، فإذا لم يكنْ عليه ميت؛ فهو سرير، ونعش"
(6)
.
وقيل: لا يُقال نعش أيضًا إلا إذا كان عليه ميت، ذكره الحافظ العسقلاني
(7)
، واشتقاقه من جَنَزه يجنزه، وبابه باب: ضَرَبَ؛ إذا ستره. ذكره ابن فارس
(8)
.
(1)
فتح الباري، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، المحقق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه، وذكر أطرافها: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر (3/ 109).
(2)
الصحاح، تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار- دار العلم للملايين - بيروت لبنان، الطبعة الرابعة 1407 هـ- 1987 م، مادة (جنز)(3/ 870).
(3)
هو: إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن باديس، المعروف بابن قرقول، (أبو إسحاق) محدث، ولد بالمرية من الأندلس في صفر، وتوفي بفاس في 6 شوال، ومن مصنفاته:(مطالع الأنوار على صحاح الآثار في فتح ما استغلق من كتاب الموطأ)، ومسلم والبخاري وإيضاح مبهم لغاتهم. ينظر: سير الأعلام النبلاء (20/ 520)(334).
(4)
مطالع الأنوار على صحاح الآثار، إبراهيم بن يوسف بن أدهم الوهراني الحمزي، أبو إسحاق ابن قرقول (المتوفى: 569 هـ)، تحقيق: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة قطر، الطبعة: الأولى، 1433 هـ - 2012 م (2/ 150)، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، المكتبة العتيقة ودار التراث (1/ 156).
(5)
هو: أبو منصور محمد بن أحمد الهرويِّ، الملقب بالأزهري نسبة إلى جده الأزهر، عالم من علماء اللغة العربية، عاش في العصر العباسي، وألف العديد من الكتب والمصنفات في فقه اللغة، أشهرها: تهذيب اللغة. سير أعلام النبلاء (16/ 315)(222).
(6)
تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، الدار المصرية للتأليف والترجمة، حققه عبد السلام محمد هارون، مادة (جنز)(3/ 400).
(7)
فتح الباري (3/ 109).
(8)
معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، المحقق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399 هـ - 1979 م (1/ 485).
وقال الحافظ العسقلاني: أورد المؤلف كتاب الجنائز بين الصَّلاة والزَّكاة لتعلقها بهما؛ لأنَّ الذي يُفعل بالميِّتِ مِن غسل وتكفين وغير ذلك، أهمُّه الصَّلاة عليه؛ لما فيها مِن الدعاء له بالنجاة من
العذابِ ولا سيَّما /عذاب القبر الذي سيدفن فيه
(1)
.
[76 أ/ص]
[34 ب/س]
وقال العينيّ: "للإنسان حالتان: حالة الحياة، وحالة الممات، /ويتعلَّق بكل منهما أحكام العبادات وأحكام المعاملات؛ فمن العبادات: الصَّلاة المتعلقة بالأحياء، ولما فرغ عن بيان ذلك؛ شرع في بيان الصلاة المتعلقة بالموتى".
(2)
(وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ) عند خروجه من الدنيا (لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ)، ولفظ:"آخرُ" بالرفع اسم كانَ، وخبرها: قوله: (لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ).
ويروى بنصب "آخرَ"
(3)
على أنَّه: خبر كان المقدَّم، وساغ كون كلمة:(لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ) مسند إليه؛ لأنَّ المراد بها لفظها؛ فهي في حكم المفرد، ولم يذكر جواب "مَنْ"، وهو في الحديث مذكور، وهو قولُه:(دَخَلَ الجَنَّة)، وقد رواه أبو داود والحاكم من طريق كُثَيِّر بن مرة الحضرميِّ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ كَانَ آخرُ كَلامِهِ لا إلَهَ إلا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ"
(4)
.
(1)
فتح الباري (3/ 109).
(2)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعلامة بدر الدين العيني، ضبطه وصححه: عبدالله محمود محمد، دار الكتب العلمية، بيروت _لبنان، الطبعة الأولى _2001 م (8/ 3).
(3)
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (المتوفى: 923 هـ)، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة السابعة، 1323 هـ.
(4)
سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر دار الفكر، كتاب الجنائز، باب في التلقين (3/ 190)، (3116) من طريق من طريق صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن معاذ بن جبل، وأخرجه حاكم في "المستدرك على الصحيحين"، محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1411 هـ - 1990 م، مكان النشر: بيروت، كتاب الجنائز (1/ 503)، (1299) بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعلم أنَّه مَن شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة"
(1)
.
وفي "مسند مسدَّد
(2)
": عن معاذ رضي الله عنه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله، قالها ثلاثًا، قال: بشرِّ الناس؛ أنَّه مَن قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة"
(3)
.
وروى أبو يعلى في "مسنده": عن أبي حَرب عن زَيدِ بن خَالدِ الجُهنيِّ قال: "أشهد على أبي قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي: أنَّه مَن شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة"؛
(4)
وكأنَّه لم يثبت عند البخاريِّ حديث على شرطه في هذا الباب؛ فاكتفى بما يدلُّ عليه.
(1)
إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري، دار الوطن - الرياض، الطبعة: الأولى - 1420 هـ - 1999 م، كتاب الإيمان، باب (فيمن شهد أن لا إله إلا الله)(1/ 77)، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وما وجدتُ هذا الحديث في مسند ومصنف ابن أبي شيبة.
(2)
هو الإمام: أبو الحسن مسدد بن مسرهد الأسدي البصري، ثقة حافظ، يُقَالُ: إنه أول من صنف المسند بالبصرة، مات سنة ثمان وعشرين، ويقال: اسمه عبد الملك ابن عبد العزيز، ومسدد لقب؛ تهذيب الكمال للمزي (27/ 443)، (5899).
(3)
مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي، دار المأمون للتراث - دمشق - 1404 - 1984، الطبعة: الأولى، تحقيق: حسين سليم أسد، مسند أنس بن مالك (7/ 9) (3899) من طريق: أبي الربيع، حدثنا حماد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس - وأورده ابن عبد البر في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(9/ 241)، وراوه البخاري من طريق قتادة عن أنس، كِتَابُ العِلْمِ، بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ (1/ 37)(128).
(4)
إتحاف الخيرة المهرة، كتاب الإيمان، باب (فيمن شهد أن لا إله إلا الله)(1/ 79)، (27)، من طريق قدامة بن محمد بن قدامة المدني، حدثني مخرمة، عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني، وما وجدتُ هذا الحديث في مسند أبي يعلى، وقال البوصيرى: هذا إسناد فيه مقال، أبو حرب هذا لم يسم. قال الذهبي: مجهول. وذكره ابن حبان في الثقات. وقدامة بن محمد قال أبو حاتم: لا بأس به. وقال ابن حبان في الضعفاء: لا يجوز الاحتجاج به إذ انفرد، يروي مقلوبات.
وقال الكرمانيُّ: قوله: "لا إله إلا الله" أي: هذه الكلمة، والمراد: هي وضميمتها: محمد رسول الله
(1)
.
وقال العينيُّ: ظاهرُ الحديث أنَّه في حقِّ المشرك، فإنَّه إذا قال: لا إلَهَ إلا اللهُ، يُحْكَمُ بإسلامه؛ فإذا استمر على ذلك إلى أن مات دخل الجنة؛ وأمّا الذين ينكرون نبوَّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويدعون أنه مبعوث للعرب خاصَّة؛ فإنَّه لا يحكم بإسلامهم بمجرد قولهم: لا إله إلا الله، فلا بدَّ مِن ضميمته محمد رسول الله.
وجمهور العلماء اشترطوا لصحة إسلامهم-بعد التلفظ بالشهادتين-أن يقول: تبرَّأتُ عَنْ كُلِّ دين سوى دين الإسلام؛ ومراد البخاريِّ من هذه الترجمة: أنَّ مَن قال: لا إله إلا الله، من أهل الشرك، ومات لا يشرك بالله شيئًا؛ فإنَّه يدخل الجنة، كما يدلُّ عليه حديث الباب
(2)
.
وقال بعض العلماء: إنَّه كان قبل نزول الفرائض والأوامر والنواهي، وقال ابنُ رشيد: يحتمل أن يكون مراد البخاريِّ: الإشارة إلى أنَّ من قال: لا إلَهَ إلا اللهُ عِنْدَ الموت مخلصًا كان ذلك مسقطًا لما تقدم له، والإخلاص يستلزم التوبة والندم، ويكون النطق علمًا على ذلك
(3)
.
[77 أ/س]
وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّه يلزم مما قاله أنَّ من قال: لا إلَهَ إلا اللهُ؛ واستمر عليه، ولكنَّه لم يذكره /عند الموت، لم يدخل تحت هذا الوعد الصادق، انتهى
(4)
.
وأنت خبير بأنَّ ما قاله ابن رشيد أهون مما قاله العيني من أنَّه في حق المشرك.
(1)
صحيح أبي عبدالله البخاري، بشرح الكرماني، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، طبعة ثانية، 1981 م (7/ 48).
(2)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 2).
(3)
العلامة ابن رُشَيْد له كتاب في مناسبات صحيح البخاري، ولكنه غير مطبوع، لذلك انظر كلامه في: فتح الباري (3/ 110).
(4)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 3).
قال الزين بن المنير
(1)
: "هذا الخبر يتناول بلفظه من قالها؛ فَبَغَتَهُ الموتُ، أو طالتْ حياتُه؛ لكنَّه لم يتكلم بشيء غيرها، ويُخْرِجُ بمفهومه: مَنْ تَكَلَّمَ لكنَّه استصحب حكمها من غير تجديد نطق بها؛ فإن عمل أعمالًا سيِّئةً كان في المشيئة، وإنْ عمل عملًا صالحًا؛ ففي سعة رحمة الله تعالى، إذ لا فرق بين الإسلام والقطعي، وبين الحكمي المستصحب"، انتهى
(2)
.
وحكى الترمذيُّ عن عبد اللهِ بن مبارك: أنّه لُقَّن عند الموت، فأُكْثِرَ عليه، فقال: إذا قلتُ مرة؛ فأنا على ذلك مالم أتكلم بكلام
(3)
.
وهذا يدلُّ على أنَّه كانَ يرى التفرقة في هذا المقام، وروى ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة:"أنَّه لما احتضر أرادوا تلقينه؛ فتذاكروا حديث معاذ رضي الله عنه، فحدَّثهم به أبو زرعة بإسناده، وخرجت روحه في آخر قوله: "لا إله إلا الله".، رحمه الله
(4)
.
فإنْ قيل: لمَ حذف البخاريّ جواب "مَنْ" في الترجمة؛ مع أنَّ لفظ الحديث: " مَن كانَ أخر كلامه لا إلَهَ إلا اللهُ دخلَ الجنة"؟
(1)
هو الإمام: زين الدين عليّ بن محمد بن منصور أبو الحسن ابن المنير الأصغر (ت: 695 هـ)، وقيل:(696 هـ)، وهو أخو ناصر الدين ابن المنير الأكبر (ت: 683 هـ)، صاحب كتاب المتواري على أبواب البخاري، وقد يخلط بينهما؛ كما اختلط فيه بعض العلماء، ولم يفرقوا بينهما. ينظر ترجمته: الأعلام للزركلي (1/ 220)، و (4/ 177).
(2)
فتح الباري (3/ 109).
(3)
الجامع الصحيح سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرين، الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، أبواب الجنائز، باب (ما جاء في تلقين المريض عند الموت، والدعاء له عنده)(3/ 298)(977).
(4)
الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (المتوفى: 327 هـ)، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1271 هـ 1952 م (1/ 345).
فالجوابُ: أنَّه قد قيل مراعاة لتأويل وهب بن منبه؛ لأنَّه لما قيل له: " أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ "، قال:"بلى، ولكنْ ليس مفتاحٌ إلا له أسَنَان. . . إلى آخره"، فكأنَّه أشار بهذا إلى أنَّه لا بدَّ مِن الطاعاتِ، وأنَّ بمجرَّدِ القول به بدون الطاعاتِ لا يَدْخُلُ الجنَّة.
فظنَّ هذا القائلُ أنَّ رأى البخاريِّ في هذا مثل رأى وهب بن منبِّه؛ فلذلك حذف لفظ" دخل الجنَّةَ"، الذي هو جواب "مَنْ"، والذي يظهر أنَّ حذفه إنَّما كان اكتفاءً بما ذُكِرَ في حديث الباب؛ فإنَّه صرَّح بأنَّ من مات -ولم يشرك بالله شيئًا-؛ فإنَّه يدخلُ الجنَّة -وإنْ ارتكب الذنبين العظيمين المذكورين فيه-
(1)
، مع أنَّ الداوديَّ
(2)
قال: "قول وهب محمول على التشديد، أو لعلَّه لم يبلغه حديث أبي ذر رضي الله عنه، وهو حديث الباب
(3)
".
ثمَّ الظَّاهر مِن حديث معاذ المذكور مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في صحيح مسلم: "لَقِّنُوا موتاكُمْ لا إلَهَ إلا اللهُ"
(4)
، الحديث.
أي: من قَرُبَ موتُه؛ كقوله -تعالى-: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أنَّه يذكر عند المحتضر قول: "لا إلَهَ إلا الله"؛ ليتذكرَ، بلا زيادة عليه، فلا تُسنُّ زيادة (محمدٌ رسولُ اللهِ)؛ لظاهر الأخبار.
(1)
الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (المتوفى: 327 هـ)، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1271 هـ = 1952 م (1/ 345).
(2)
هو أحمد بن نصر، أبو حفص الداوديّ: فقيه مالكي. له كتاب (الأموال - خ) في أحكام أموال المغانم والأراضي التي يتغلب عليها المسلمون. النصيحة في شرح صحيح البخاري: ويسميه البعض " النصيح "، وقد ألف هذا الكتاب الجليل في تلمسان حيث ألف أكثر كتبه بها. الأعلام للزركلي (1/ 264).
(3)
شرح الداودي على صحيح البخاري مفقود، أورده ابن حجر في" فتح الباري"(3/ 113)، وعزاه للداودي.
(4)
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ كتاب الجنائز، باب (تلقين الموتى لا إله إلا الله)، رقم الحديث (6/ 631)(916).
وقيل: تُسَنُّ زيادته، وقال الأسنويُّ
(1)
: لو كانَ المحتضر كافرًا لُقِّن بالشهادتين، وأُمِرَ بهما -والله أعلم-
(2)
.
(وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ)
(3)
-بكسر الموحَّدةِ، وقد مرَّ في " كتاب العلم"-:(أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ) تعني كلمتي الشهادة؟
قال الزين بن المنير: قول: (لا إلَهَ إلا اللهُ) لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعًا
(4)
.
(مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ) يجوز نصب "مفتاح" على أنَّه خبر ليس، ويجوز رفعه على أنَّه اسم ليس، وخبره مقدَّم عليه.
(قَالَ) -أي: وهب- (بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَاّ لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ) جياد؛ فهو من بابِ حَذِفِ النَّعْتِ؛ إِذْ دلَّ السِّياقُ عليه؛ لأنَّ مسمى المفتاح لا يعقل إلا بأسنان.
(فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا): بأنْ جئت بمفتاح ليس له ذلك (لَمْ يُفْتَحْ لَكَ)، وذكر أبو نعيم الأصفهانيِّ في كتابه "أحوال الموحدِّين
(5)
" أنَّ أسنان هذا المفتاح: هي الطَّاعاتُ الواجبةُ المنضَّمةُ إلى كلمةِ
(1)
هو: عبد الرحيم بن الحسن بن عليِّ الإسنويِّ الشافعيّ، أبو محمد: جمال الدين، فقيه أصولي، من علماء العربية. الأعلام للزركلي (3/ 344).
(2)
إرشاد الساري (2/ 372)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب لزكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري زين الدين أبو يحيى السنيكي (المتوفى: 926 هـ)، دار الكتاب الإسلامي (1/ 296).
(3)
هو: وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار، أبو عبد، أخو همام بن منبه (ت: 110 هـ). تهذيب الكمال (31/ 140)(6767).
(4)
فتح الباري (3/ 110).
(5)
أَحْوَال الْمُوَحِّدين لأبي نعيم، والمعجم المفهرس أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، المحقق: محمد شكور المياديني، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ-1998 م (125).
التَّوحيدِ: مِن القيامِ بطاعةِ الله -تعالى-، وتأديتها، ومفارقة معاصي الله -تعالى- /ومجانبتها
(1)
؛ وشبَّهها بأسنان المفتاح من حيثُ الاستعانةُ بها في فتح المغلقات، /وتيسير المستصعبات.
[33 ب/ص]
[77 أ/ص]
قال الزركشيُّ
(2)
: "أراد بها القواعد التي بُني الإسلام عليها
(3)
".
وتعقَّبه صاحب المصابيح
(4)
بأنَّ من جملة القواعد كلمتي الشهادة التي عبَّر عنها بالمفتاح؛ فكيف تعدُّ بعد ذلك في الإنسان
(5)
؟ وقال بعد ذلك: " وإلا لم تفتح لك "، معناه: فتحًا تامًّا، أو لم تفتح في أول الأمر، وهذا بالنسبة إلى الغالب، وإلَّا فالحقُّ أنَّ أهل الكبائر في مشيئة الله -تعالى-، وأنَّ من قال:" لا إله إلا الله "، مخلصًا أتى بمفتاح وله أسنان، لكن مَن خلط ذلك بالكبائر حتَّى مات مصرًّا عليها لم يكن أسنانه قويَّة؛ فربما طال علاجه؛ بخلاف مذهب الرافضة والإباضية، وأكثر الخوارج يقولون: إنَّ أصحاب الكبائر يُخلَّدون في النار بذنوبهم، والقرآنُ ناطقٌ بتكذيبهم، قال الله -تعالى-:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وحديث الباب أيضًا يكذِّبهم، وقد مضتْ أحاديث تدلُّ على أنَّ قائل:"لا إلَهَ إلا اللهُ" يدخل الجنَّة غير مقيَّدة بشيء، ومن ذلك في "صحيح مسلم " من حديث عثمان رضي الله عنه مرفوعًا: " مَنْ
(1)
صفة الجنة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 هـ)، المحقق: علي رضا عبد الله، الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق / سوريا (2/ 39).
(2)
هو: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشيِّ، أبو عبد الله، بدر الدين: عالم بفقه الشافعية والأصول (6/ 60).
(3)
التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح لبدر الدين الزركشيّ (ت 794 هـ): دراسة وتحقيق، دكتوراه / يحيى بن محمد بن علي الحكمي، 1422 هـ (2/ 301)، وإرشاد الساري (2/ 372).
(4)
هو: الحسين بن مسعود بن محمد، الفراء، البغوي، شافعي فقيه محدث مفسر، نسبته إلى ((بغشور)) من قرى خراسان بين هراة ومرو، الأعلام للزركلي (2/ 259).
(5)
مصابيح السنة، الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي محي السنة ركن الدين أبو محمد، المحقق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي - محمد سليم إبراهيم سمارة - جمال حمدي الذهبي، دار المعرفة، (1407 - 1987)، ط: 1 (1/ 535)، وشرح مشكاة المصابيح، (4/ 1374 - 1375).
ماتَ وهُوَ يعلمُ أن لا إلَه إلا الله دَخَلَ الجنَّة".
(1)
نعم الأعمال علامات ودلائل على ذلك، والله أعلم.
أما أثر وهب هذا؛ فقد وصله المؤلِّف في " التاريخ
(2)
"، وأبو نعيم في " الحلية " مِن طريق محمد بن سعيد بن رمَّانة، بضمِّ الرَّاء وتشديد الميم، وبعد الألف نون قال: أخبرني أبي قال: قيل لوهب بن منبه فذكره.
(3)
وكأن القائل لوهب بن منبه أشار إلى ما رواه ابن إسحاق في " السيرة ": أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما أرسلَ العلاء بن الحضرميِّ قالَ له: إذا سألت عن مفتاح الجنة؛ فقل: مفتاحها لا إله إلا الله،
(4)
وروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعًا أخرجه البيهقيُّ في " الشعَبِ " بنحوه، وزادَ:" لكن مِفْتاح بلا أسنانٌ، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فُتِحَ لك، وإلا لم يفتحْ لك"
(5)
، وهذه الزِّيادةُ: نظير ما أجاب به وهبٌ؛ فيحتمل أنْ تكون مدرجة في حديث معاذ رضي الله عنه
(6)
.
(1)
صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا (1/ 55)(26).
(2)
التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق السيد هاشم الندوي، دار الفكر، (2/ 258).
(3)
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، دار الكتاب العربي، هـ 1405 بيروت، (4/ 66).
(4)
لم أجده في سيرة ابن إسحاق، ولكن ورد في الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (المتوفى: 581 هـ)، المحقق: عمر عبد السلام السلامي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2000 م (7/ 515)، وتغليق التعليق على صحيح البخاري، أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، المكتب الإسلامي، دار عمار، 1405 هـ، بيروت، عمان - الأردن (2/ 454)، وقال الحافظ ابن حجر:"وقد روي هذا بسند ضعيف رواه البيهقي في الشعب من حديث معاذ بن جبل وذكر ابن إسحاق في السيرة".
(5)
لم أجد هذا الحديث في مطبوع شعب الإيمان، وذكره ابن حجر في فتح الباري، فتح الباري (3/ 110).
(6)
فتح الباري (3/ 110).
وأخرج سعيد بن منصور بسند حسن، عن وهب بن منبه قريبًا مِن كلامه هذا، ولفظه:" مثل الداعي بلا عمل الرامي بلا وتر"
(1)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1237 -
حَدَّثَنَا: مُوسَى بْنُ إسماعيل، حَدَّثَنَا: مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا: وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه -، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى فَأَخْبَرَنِي - أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي - أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، قُلْتُ وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؛ قَالَ «وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ» .
قال الشارح رحمه الله:
[78 أ/س]
(حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسماعيل): أبو سلمة المنقريُّ التبوذكيُّ
(2)
، وقد مرَّ غير مرَّةٍ، (قال:
(3)
حَدَّثَنَا: مَهْدِىُّ) -بفتح الميم- (/بْنُ مَيْمُونٍ) البصريِّ الأزديِّ
(4)
، وقد مرَّ في باب" مَن إذا لم يتم السجود"، (قال:
(5)
حَدَّثَنَا: وَاصِلٌ): اسم فاعل من الوصول -هو ابن حيَّان: بفتح المهملة،
(1)
لم أجد هذا الحديث في مطبوع سعيد بن منصور، ولكن ورد في الزهد لعبد الله بن أحمد بن حنبل، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 1999 م (1/ 301)، وفتح الباري (3/ 110) من طريق سماك بن الفضل عن وهب بن منبه.
(2)
هو: موسى بن إسماعيل المنقري، مولاهم، أبو سلمة التبوذكي البصري، تهذيب الكمال (29/ 22)(6235).
(3)
زاد على أصل البخاري لفظ "قال".
(4)
هو: مهدي بن ميمون الأزدي المعولي، مولاهم، أبو يحيى البصري، تهذيب الكمال، (28)(593)(6224).
(5)
زاد على أصل البخاري لفظ "قال"
وتشديد المثناة التحتيَّة وبالنون -، (الأَحْدَبُ)
(1)
ضدَّ الأقعس، وقد مرَّ في باب " المعاصي من الجاهليِّة" من كتاب" الإيمان ".
(عَنِ الْمَعْرُورِ) بفتح الميم وسكون العين المهملة، وبالرّاء المكررة، (بْنِ سُوَيْدٍ)
(2)
بضم السين المهملة على صيغة التصغير آخره دال مهملة، وقد تقدَّم أيضًا في الباب المذكور (عَنْ أَبِى ذَرٍّ)
(3)
جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه، (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى)، والمراد به جبرائيل عليه السلام، وفسَّره به في " التوحيد " من طريق شعبة، عن واصل حيث قال:" أتاني جبرائيل عليه السلام فبشَّرني، أنَّه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة ".
(4)
الحديث.
وأورده المؤلِّف في" اللِّباس " من طريق أبي الأسود، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم-؛ ثم استيقظ
(5)
؛ فذكر الحديث، وهذا يدلُّ على أنَّه أتاه في المنام، ورواه الإسماعيليُّ من طريق مهديِّ، في أوَّله قصَّة قال: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فلمَّا كان في بعض اللَّيل تنحَّى؛ فلبث طويلًا، ثمَّ أتانا؛ فقال: أتاني آتٍ، الحديث. (فَأَخْبَرَنِى - أَوْ قَالَ بَشَّرَنِى)، وجزم في" التوحيد " بقوله:" فبشّرني"(أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى) أي: من أمَّة الإجابة، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك أي: أمَّة الدعوة، وهو متجه أيضًا
(6)
.
(1)
هو: واصل بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي، بياع السابوري، من بني أسد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان، وهو مولى أَبِي بَكْرِ بن عياش من فوق، تهذيب الكمال (30/ 400)(6662).
(2)
هو: المعرور بن سويد الأسدي، أَبُو أمية الكوفي، تهذيب الكمال، (28)(262)(6085).
(3)
هو: جندب بْن جنادة بْن سفيان بْن عُبَيد بْن الوقيعة بْن حرام بْن غفار صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تهذيب الكمال، (33/ 294)(7351).
(4)
صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة (6/ 2721)(7487).
(5)
صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب الثياب البيض (7/ 149)(5827).
(6)
فتح الباري (3/ 110).
(لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا)
(1)
، وأورده المؤلِّف في "اللِّباس " بلفظ:"ما من عبد قال: (لا إله إلَّا الله)، ثمَّ مات على ذلك"
(2)
، الحديث؛ ولم يورده المؤلِّف هنا جريًا على عادته في إيثار الخفيِّ على الجليِّ، وذلك أنَّ نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد، ويشهد له استنباط عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ثاني حديثي الباب بقوله:" من مات يشرك بالله شيئا دخل النار"، قال القرطبيُّ: "معنى نفي الشرك أن لا يتَّخذ مع الله شريكًا في الألوهيَّة؛ لكنَّ هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعيِّ.
(3)
"
[78 أ/ص]
(دَخَلَ الْجَنَّةَ) قال أبو ذر: رضي الله عنه (قُلْتُ)، وفي روايةٍ:" فقلت"
(4)
: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ)، وقد يتبادر إلى الذهن أنَّ القائل: هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والمقول له الملك الذي بشَّره، وليس كذلك؛ بل القائل: هو أبو ذر، كما أشير إليه، والمقول له هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما بيَّنه المؤلِّف/ في اللّباس.
(5)
وعند الترمذيِّ قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه: "يا رسول الله. . . الخ،
(6)
"، وحرف الاستفهام فيه مقدَّر تقديره أدَخَل الجنة -وإن زنى، وإن سرق-؟ وجملة الشَّرط في محلِّ النصب على الحال، وكأنَّ أبا ذرٍّ رضي الله عنه قال: مستبعدًا؛ لأنَّ في ذهنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن"،
(7)
وما في
(1)
سقط في ب [وأورده المؤلف في اللباس من طريق أبي الأسود عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم استيقظ فذكر الحديث وهذا يدل على أنه أتاه في المنام؛ ورواه الإسماعيلي من طريق مهدي في أوله قصة، قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا ثم أتانا، فقال آت الحديث (فأخبرني أو قال بشرني)، وجزم في التوحيد بقوله فبشرني (أنه مات من أمتي) أي من أمة الإجابة ويحتمل أن يكون أعم من ذلك أي أمة الدعوة، وهو متجه أيضًا (لا يشرك بالله شيئًا)].
(2)
صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب الثياب البيض (7/ 149)(5827).
(3)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 291).
(4)
إرشاد الساري (2/ 373).
(5)
صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب الثياب البيض (7/ 149)(5827).
(6)
سنن الترمذي، أبواب الجنائز، ما جاء في افتراق هذه الأمة (5/ 27)(2644)، من طريق عبد العزيز بن رفيع، والأعمش، كلهم سمعوا زيد بن وهب، عن أبي ذر، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(7)
صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب السارق حين يسرق (6/ 2489)(6782).
معناه؛ لأنَّ ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر؛ لكنَّ الجمع بينهما على قواعد أهل السنَّة يحمِّل هذا على الإيمان الكامل، ويحمِّل حديث الباب على عدم التخليد في النّار.
(قَالَ) صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) يدخل الجنَّة، ولا يلزم من مفهومه أنَّ من لم يزن، ولم يسرق؛ لم يدخل الجنَّة؛ لأنَّه من قبيل "نِعمَ العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه"
(1)
.
فمن لم يزن، ولم يسرق؛ فهو أولى بالدُّخول ممن زنى وسرق، ويمكن أن يكون القائل الأوَّل هو: النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والمقول له هو: الملك الذي بشَّره؛ فيكون صلى الله عليه وسلم قاله مستوضحًا، وقاله أبو ذر مستبعدًا كما تقدَّم آنفًا.
والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة: الإشارة إلى جنس حق الله -تعالى-، وحق العبد، والله أعلم.
وفي الحديث: حجَّة لأهل السنّة أنَّ أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بدخول النار، وأنهم إن دخلوها خرجوا منها، وقال ابن بطَّال: من مات على اعتقاد لا إله إلا الله، وإن بَعُدَ قوله لها عن موته إذا لم يقل بعدها خلافها حتى مات؛ فإنَّه يدخل الجنّة
(2)
.
وقال الزين ابن المنير: حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه من أحاديث الرَّجاء التي أفضى الاتكال ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات، وليس هو على ظاهره: فإنَّ القواعد استقرَّت على أنَّ حقوق
(1)
غريب الحديث، أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، (المتوفى: 224 هـ) المحقق: د. محمد عبد المعيد خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد- الدكن، الطبعة: الأولى، 1384 هـ - 964 م، [عرس](3/ 394)، وقال السيوطي في جامع الحديث (20/ 38) (15550):"أورده أبو عبيد في الغريب"، ولم يسق إسناده، وقد ذكر المتأخرون من الحفَّاظ أنهم لم يقفوا على إسناده.
(2)
شرح صحيح البخارى لابن بطال: أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، مكتبة الرشد - السعودية / الرياض - 1423 هـ - 2003 م، الطبعة: الثانية، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم (3/ 235).
الآدميِّين لا تسقط بمجرَّد الموت على الإيمان؛ ولكنْ لا يلزم مِن عدم سقوطها أنْ لا يتكفل الله بها عمَّن يريد أن يدخله الجنَّة، ومن ثمة رد صلى الله عليه وسلم على أبي ذرٍّ رضي الله عنه استبعاده
(1)
.
[35 ب/س]
فقال في رواية: " على رَغم أنف أبي ذرٍّ"
(2)
، بفتح الرَّاء وسكون المعجمة، ويقال: /بضمِّها وكسر [ها]
(3)
، وهو مصدر رغَم، بفتح الغين وكسرها، مأخوذ من الرغام، وهو التُّراب
(4)
؛ وكأنَّه دعا عليه بأنْ يلصق أنفه بالتراب من غير أن يريد حقيقته، فيحتمل أن يكون المراد بقوله:" دخل الجنة" أي: صار إليها: إمَّا ابتداء من أوَّل الحال، وإمَّا بعد أن يقع ما يقع من العذاب؛ فنسأل الله العفو والعافية.
وفي الحديث أيضا دلالة على أنَّ الكبائر لا تسلب اسم الإيمان: فإنَّ من ليس بمؤمن لا يدخل الجنة وفاقا، وأنّها لا تحبط الطاعات.
[79 أ/س]
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنَّه يدُّل على: أنَّ من مات، ولم يشرك بالله شيئًا؛ فإنَّه يدخل الجنة، وهو معنى قوله في الترجمة:" من كان آخر كلامه (لا إله إلا الله) ": فإنَّ ترك الإشراك هو التوحيد، /والقول:"بلا إله إلا الله" هو التوحيد بعينه.
ورجال إسناد الحديث ما بين بصريٍّ وكوفيٍّ، وقد أخرج متنه المؤلِّف في" التوحيد " أيضًا، وأخرجه مسلم في " الإيمان "، والنسائي في " اليوم والليلة "، والترمذيُّ أيضًا.
(5)
(1)
ينظر فتح الباري (3/ 111).
(2)
صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب الثياب البيض (7/ 149)(5827).
(3)
[وكسرها] سقط [ها] في النسختين.
(4)
الصحاح، مادة [رغم](5/ 1934).
(5)
*صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل، ونداء الله الملائكة (9/ 142)(7487). * صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار (1/ 94)(93). * عمل اليوم والليلة، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303 هـ)، المحقق: د. فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الثانية، 1406، ما يقول عند الموت ذلك (1/ 598)(1115). * سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افْتِرَاقِ هذه الْأُمَّةِ (5/ 27)(2644).
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1238 -
حَدَّثَنَا: عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا: أَبِى، حَدَّثَنَا: الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا: شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ» ، وَقُلْتُ أَنَا:"مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ".
(1)
-
قال الشارح رحمه الله:
(حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) النخعيُّ
(2)
، (قال:
(3)
حَدَّثَنَا أَبِى) حفص بن غياث بن طلق
(4)
.
(قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران
(5)
، (قال: حَدَّثَنَا شَقِيقٌ) ابن سلمة أبو وائل
(6)
، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) ابن مسعود رضي الله عنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شيئًا)، وسقط في رواية قوله:" شيئًا "
(7)
.
(1)
صحيح البخاري، كِتَابُ الجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الجَنَائِزِ، باب وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (2/ 71)(1237) و (1238).
(2)
هو: عُمَر بْن حفص بْن غياث بن طلق، ابن معاوية النخعي، أَبُو حفص الكوفي، تهذيب الكمال (21/ 305)(4217).
(3)
زاد على أصل البخاري لفظ "قال".
(4)
هو: حفص بن غياث بن النخعي، أبو عُمَر الكوفي، قاضيها، وولي القضاء ببغداد أيضًا. تهذيب الكمال، (7/ 56)(1415).
(5)
هو: سُلَيْمان بن مهران الأسدي الكاهلي، مولاهم أبو مُحَمَّد الكوفي الأعمش، تهذيب الكمال (12/ 76)(2570).
(6)
هو: شقيق بن سلمة، أَبُو وائل الأسدي، أسد خزيمة، أدرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يره. تهذيب الكمال (12/ 548)(2767).
(7)
إرشاد الساري (2/ 373).
(دَخَلَ النَّارَ) قال ابن مسعود رضي الله عنه: (وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)؛ لأنَّ انتفاء السبب يوجب انتفاء المسبب، فإذا انتفى الشرك انتفى دخول النار، وإذا انتفى دخول النار يلزم دخول الجنة؛ إذْ لا دار بين الجنة والنار
(1)
، وقد قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [لنساء: 48].
وفي رواية أبي حمزة، عن الأعمش، في تفسير البقرة:"من مات وهو يدعو من دون الله نِدًّا، وفي أوله: قال صلى الله عليه وسلم كلمة، وقلت أنا أخرى: قال: من مات يجعل لله نِدًّا دخل النار، وقلت: من مات لا يجعل لله نِدًّا دخل الجنة".
(2)
وفي رواية وكيع وابن نمير عند مسلم بالعكس، بلفظ:"من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة"، وقلت أنا:"من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار".
(3)
وقال في " التلويح: وهذا يردُّ قول من قال: إن ابن مسعود رضي الله عنه سمع أحد الحكمين فرواه، وضمَّ إليه الحكم الآخر قياسًا على القواعد الشرعيَّة، والذي يظهر أنَّه نسي مرَّة، وحفظ أخرى، فرواهما مرفوعين كما فعله غيره من الصحّابة رضي الله عنهم
(4)
.
كما روى جابر رضي الله عنه عند مسلم بلفظ " قيل يا رسول الله: ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
(5)
.
(1)
إرشاد الساري (2/ 373).
(2)
صحيح البخاري، كتاب تفسير القران، باب قوله:{ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} [البقرة: 165](6/ 23)(4497)
(3)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات مشركا دخل النار، (1/ 94)(93).
(4)
عمدة القاري (8/ 5).
(5)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات مشركا دخل النار، (1/ 94)(93).
وقال الحافظ العسقلاني: لم تختلف الرِّوايات في" الصحيحين " في أنَّ المرفوع الوعيد والموقوف الوعد
(1)
.
وزعم الحميدى في الجمع وتبعه مغلطاى
(2)
في " شرحه "، ومن أخذ عنه: أنَّ في رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس
(3)
، وهو الذي ذكر آنفًا، وكأنَّ سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس
(4)
،؛ لكن بيَّن الإسماعيليّ أنَّ المحفوظ عن وكيع كما في" البخاريّ ": قال: إنّما المحفوظ أنَّ الذي قلبه هو أبو معاوية وحده، وبذلك جزم ابن خزيمة في" صحيحه "
(5)
، والصّواب رواية الجماعة، وكذلك أخرجه" أحمد "من طريق عاصم
(6)
، وابن خزيمة من طريق يسار
(7)
، وابن حبان من طريق المغيرة
(8)
، كلُّهم عن شقيق، وهو الذي يقتضيه النظر؛ لأنَّ
(1)
ينظر فتح الباري (3/ 112)
(2)
هو: مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين: مؤرخ، من حفاظ الحديث، عارف بالأنساب، ينظر، لسان الميزان، (8/ 124)(787)،والأعلام للزركلي (7/ 275).
(3)
الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحَمِيدي أبو عبد الله بن أبي نصر (المتوفى: 488 هـ)، المحقق: د. علي حسين البواب، الناشر: دار ابن حزم - لبنان/ بيروت، الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2002 م (1/ 231).
(4)
مسند أبي عوانة، الإمام أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائني، دار المعرفة، مكان النشر بيروت (1/ 27)(31).
(5)
كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري (المتوفى: 311 هـ)، المحقق: عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، مكتبة الرشد - السعودية - الرياض، الطبعة: الخامسة، 1414 هـ - 1994 م (2/ 849).
(6)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ) المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م (6/ 360)(3811).
(7)
كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري (المتوفى: 311 هـ)، المحقق: عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان الناشر: مكتبة الرشد - السعودية - الرياض، الطبعة: الخامسة، 1414 هـ - 1994 م (2/ 850).
(8)
صحيح ابن حبان، كتاب الإيمان، ذكر استحقاق دخول النار لا محالة من جعل لله ندا (1/ 485)(251).
جانب الوعيد ثابت بالقرآن، وجاءت السنَّة على وفقه فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد فإنَّه في مقام البحث، إذْ لا يصحُّ حمله على ظاهره، كما تقدَّم؛ وكأنَّ ابن مسعود رضي الله عنه لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ:" قيل: يا رسول لله ما الموجبتان؟ "
(1)
، الحديث.
[79 أ/ص]
وقال النوويُّ: "الجيد أنْ يقال: سمع ابن مسعود رضي الله عنه اللفظين من النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولكنَّه في وقت حفظ أحدهما وتيقنه، ولم يحفظ الآخر؛ فرفع المحفوظ وضمَّ الآخر إليه وفي وقت بالعكس، قال: فهذا جمع /بين روايتي ابن مسعود رضي الله عنه، وموافقة لرواية غيره في رفع اللّفظين" انتهى
(2)
.
قال الحافظ العسقلانيُّ: وهذا الذي قاله محتمل بلا شك، لكن فيه بُعْدًا مع اتحاد مخرج الحديث؛ فلو تعدَّد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالًا قريبًا مع أنَّه مستغرب من انفراد راوٍ من الرواة دون رفقته وشيخهم ومن فوقه، فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من هذا التعسُّف.
(3)
ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث يفهم منه: أنَّ الذي يموت ولا يشرك بالله شيئا دخل الجنة كما استنبطه منه ابن مسعود رضي الله عنه " والذي لا يشرك بالله هو القائل لا إله إلا الله"، وكأنَّ المؤلِّف: أراد أن يفسِّر معنى قوله: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله "، بالموت على الإيمان حكمًا أو لفظًا
(4)
.
(1)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات مشركا دخل النار (ج 1/ 94)(93).
(2)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثانية، 1392 هـ (2/ 97).
(3)
ينظر فتح الباري (3/ 112).
(4)
عمدة القاري (8/ 5).
ورجال إسناد هذا الحديث كلُّهم كوفيُّون، وفيه رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ، وقد أخرج متنه المؤلِّف في " التفسير " و "الأَيمان والنذر "، وأخرجه مسلم في " الإيمان "، والنسائيّ في " التفسير".
(1)
وفي الباب عن أبي الدرداء رضي الله عنه أخرجه مسدد في " مسنده " بإسناده إلى أبي مريم قال: سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يحدِّث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " ما مِن رجل يشهد أن لا إله إلا الله، ومات لا يشرك بالله شيئا إلا دخل الجنة، أو لم يدخل النار"، قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق، ورغم أنف أبي الدرداء "
(2)
، وأبو مريم الثقفيّ قاضي البصرة، ذكره ابن حبان في " الثقات"
(3)
.
(1)
صحيح البخاري كتاب التفسير، بَابُ قَوْلِهِ:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165](6/ 23)(4497)، وكتاب الأيمان والنذر، بَابُ إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَتَكَلَّمُ اليَوْمَ، (8/ 139)(6683). *صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار (1/ 94)(93). *سنن النسائي الكبرى، باب قوله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا، (10/ 20)(10944).
(2)
مسند مسدد من المسانيد المفقودة، لذلك انظر هذا الحديث في: إتحاف الخيرة المهرة (1/ 74)، وقال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات، أبو مريم الثقفي قاضي البصرة ذكره ابن حبان في الثقات.
(3)
الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 هـ)، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة: الأولى، 1393 هـ= 1973 (5/ 314)(5009).
بَابُ: الأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1239 -
حَدَّثَنَا: أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا: شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ -رضى الله عنه -، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ؛ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِ، وَالإِسْتَبْرَقِ.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(بَابُ الأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)، ولم يبين حكم هذا الأمر لأنَّ قولَه:"أمرنا" أعمُّ من أن يكون للوجوب أو للندب، كما سيجيء الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-.
(حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطيالسي
(1)
(قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجاج
(2)
(عَنِ الأَشْعَثِ) بفتح الهمزة، وسكون المعجمة، وفتح المهملة والمثلثة، وهو ابن الشعثاء المحاربي
(3)
، وقد مَرَّ في باب التيمن في الوضوء.
(1)
هو: هشام بن عَبد المَلِك الباهلي، مولاهم، أَبُو الوليد الطيالسي البَصْرِيّ. تهذيب الكمال (30/ 226)(6584).
(2)
هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي، أبو بسطام الواسطي، مولى عبدة بن الأغر، مولى يزيد بن المهلب بن أبي صفرة. تهذيب الكمال، (12/ 480)(2739).
(3)
هو: أشعث بن أبي الشعثاء، واسمه: سليم بن أسود المحاربي الكوفي، وهو أخو عبد الرحمن بن أبي الشعثاء. تهذيب الكمال (3/ 271)(526).
[35 ب/ص]
(قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدٍ) بضم المهملة، وفتح الواو، وسكون المثناة التحتية (بْنِ مُقَرِّنٍ)
(1)
بضم الميم، وفتح القاف، /وكسر الرَّاء المشدَّدة، وبالنون الكوفي (عَنِ الْبَرَاءِ)
(2)
، وفي رواية عن البرَاءِ بن عازب
(3)
(رضي الله عنه) ولمسلم من طريق زهير بن معاويةَ عن أي:
(4)
الأشعث عن معاويةَ بن سويد قال: دخلتُ على البرَاء بن عازب رضي الله عنه فسمعته يقول: أمرنا. . . " الحديث
(5)
، ورجال إسناد هذا الحديث ما بين بصري، وواسطي، وكوفي.
[80 أ/س]
وقد أخرج متنه المؤلف في المظالم، واللباس، والطب، والنذور، والنكاح، والاستئذان، والأشربة، وأخرجه مسلم في "الأطعمة"، والتِّرْمذي في "الاستئذان، واللِّباس"، /والنسائي في "الجنائز، والإيمان، والنذور، والزينة"، وابن ماجه في "الكفارات، واللباس"
(6)
.
(1)
هو: معاوية بن سويد بن مقرن المزني، أبو سويد الكوفي، ابن أخي النعمان بن مقرن. تهذيب الكمال (28)(181)(6056).
(2)
هو: البراء بن عازب بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الحارثي الخزرجي. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 155)(173).
(3)
إرشاد الساري (2/ 374)(1239).
(4)
سقط [أي] في ب.
(5)
صحيح مسلم، كتاب اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، (3/ 1635) (2066 (.
(6)
* صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر بإتباع الجنائز (2/ 71)(1239)، وكتاب المظالم، باب نصر المظلوم (3/ 113)(2425)، وكتاب النكاح، باب حق إجابة الوليمة والدعوة، (7/ 24)(5175)، وكتاب الأشربة، باب آنية الفضة، (7/ 113)، (5635)، وكتاب اللباس، باب المثيرة الحمراء، (7/ 153)(5849)، وكتاب الأدب،: باب تشميت العاطس (8/ 49)(6222)، وكتاب الاستئذان: باب إفشاء السلام (8/ 52)(6235). * صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء. . . (3/ 1635)(2066). * سنن التِّرْمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس المعصفر (5/ 117)(2809). * سنن النسائي المجتبى، كتاب الجنائز،: باب الأمر باتباع الجنائز (4/ 54)(1934)، وكتاب الأيمان والنذور،: باب إبرار القسم، (7/ 8)(3778)، وكتاب الزينة، باب ذكر النهي عن الثياب القسية، (8/ 201)(5309). * سنن ابن ماجة، كتاب الكفارات،: باب إبرار القسم، (1/ 683)(2115)، وكتاب اللباس،: باب كراهية لبس الحرير، (2/ 1187)(3589).
(قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ،) وفي رواية: رَسولِ الله
(1)
(صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ) أي: بسبع خصال (وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ)، والمشي معها إلى حين دفنها بعد الصلاة عليها، أما الصلاة؛ فهي من فروض الكفاية عند الجمهور، وقال أصبغ
(2)
من المالكية: الصلاة على الميت سنة
(3)
.
وقال الداودي: اتباع الجنائز حملها بعض الناس عن بعض، قال: وهو واجب على ذي القرابة الحاضر والجار، ويراه للتأكيد لا للوجوب الحقيقي.
ثُمَّ الاتِّباع على ثلاثةِ أقسام:
الأول: أن يصلي فقط؛ فله قيراط.
والثاني: أن يذهب فيشهد دفنها؛ فله قيراطان.
والثالث: أن يلقنه.
(4)
قال العينيُّ: والتلقينُ عِنْدَنا عند الاحتضار، وقد عُرِفَ في الفروع، وكذلك المشي خلف الجنازة أفضل عندنا
(5)
.
(1)
: إرشاد الساري (2/ 374).
(2)
هو أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، أبو عبد الله المصري، سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبو عبد الله، شعيب الأرناؤوط، محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، 1413 بيروت (10/ 656).
(3)
الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق محمد حجي، دار الغرب، 1994 م بيروت، (2/ 465).
(4)
عمدة القاري، (8/ 7).
(5)
عمدة القاري، (8/ 7).
وفي التوضيح: المشي أمامها بقربها أفضل عندنا من الاتباع
(1)
، وبه قال أحمد؛ لأنه شفيع، وحق الشفيع أن يتقدم، وعند المالكية ثلاثة أقوال: التقديم، والتأخر، وتقدم الماشي وتأخر الراكب، وأما النساء؛ فيتأخرون بلا خلاف
(2)
، ومشهود مذهبهم كمذهبنا.
واحتجَّتِ الشافعيةُ فيما ذهبوا إليه بحديث أخرجه الأربعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: "رأيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهم، يمشون أمام الجنازة"
(3)
، وبه قال القاسم، وسالم بن عبد الله، والزهري، وشريح، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعلقمة، والأسود، وعطاء، ومالك، ويُحْكى ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن بن علي، وابن الزبير، وأبي قتادة، وأبي أسيد
(4)
.
وذهب إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وسُوَيْد بن غفلة، ومسروق، وأبو قلابة، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وإسحق، وأهل الظاهر إلى: أن المشي خلف الجنازة أفضل
(5)
،
(1)
التوضيح لشرح جامع الصحيح، (9/ 391).
(2)
الذخيرة، (2/ 465).
(3)
سنن أبي داود، كتاب الجائز:، باب المشي أمام الجنازة (3/ 205) (3179). من طريق: سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه. رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه الترمذي في "سننه "، كتاب الجنائز، باب ما جاء في المشي أمام الجنازة (3/ 329)(1007) بهذا الإسناد، وأخرجه النسائي في "سننه الكبرى"، كتاب الجنائز، مَكَانُ الْمَاشِي من الْجَنَازَةِ (4/ 56)(1944). وأخرجه ابن ماجة في"سننه"، كتاب الجنائز،: باب ما جاء في المشي أمام الجنازة (1/ 475)(1482)، بهذا الإسناد.
(4)
رواه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب: في المشي أمام الجنازة ومن رخص فيه (3/ 277)(11336 - 11348)، والمغني لابن قدامة (2/ 354)، وعمدة القاري (8/ 8).
(5)
رواه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب: من كان يحب المشي خلف الجنارة. (3/ 278)(11349 - 11357)، والإشراف على مذاهب العلماء، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (المتوفى: 319 هـ)، صغير أحمد الأنصاري أبو حماد، مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة -الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1425 هـ -2004 م (2/ 341)، ومختصر اختلاف العلماء (/ 404)، والمحلى (3/ 393).
ويُرَوى ذلك عن على بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي أُمامة، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
واحتجوا في ذلك بما رواه أبو داود بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتبع الجنازةُ بصوتٍ ولا نارٍ"، وزاد هارونُ شيخ أبي داود، ولا مشي بين يديها
(1)
، واحتجوا أيضًا بحديثِ سَهْلِ بن سعد رضي الله عنه:"أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يمشى خلفَ الجنازة"، رواه ابن عَدي في الكامل
(2)
.
[80 أ/ص]
وبحديث أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: سأل أبو سَعيدٍ الخدري عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهم: "/المشي خلف الجنازة أفضل، أم أمامها؟ ". فقال علي رضي الله عنه: "والذي بعث محمدًا بالحق إنَّ فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها؛ كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع"، فقال أبو سعيد: رضي الله عنه "أبرأيكَ تقولُ، أم شيء سمعتَه من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ " فغضب، وقال:"لا والله، بل سمعتُ غيرَ مرَّةٍ، ولا اثنين، ولا ثلاث؛ حتى سبعًا"، فقال أبو سعيد رضي الله عنه:"إني رأيتُ أبا بكر، وعمر رضي الله عنهم يمشيان أمامها"، فقال:
(1)
سنن أبي داود، كتاب الجنائز: باب في النار يتبع بها الميت، (3/ 203) (3171) من طريق: باب بن عمير، حدثني رجل من أهل المدينة، عن أبيه، عن أبي هريرة، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل، أبو عبد الله الشيباني، تحقيق الناشر: مؤسسة قرطبة، مصر، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (16/ 485)(10831)، إسناده ضعيف لجهالة الرجل المدني وأبيه، وباب بن عمير الحنفي فيه جهالة أيضًا، قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/ 622) (26): له حديث واحد في سنن أبي داود، وهو مستور. قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 120) (633): باب ابن عمير الشامي مقبول من السابعة.
(2)
الكامل في ضعفاء الرجال: للإمام الحافط أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، الطبعة الاولى، تحقيق الدكتور سهيل زكار الطبعة الثالثة قرأها ودققها على المخطوطات يحيى مختار غزاوي خريج جامعة أم القرى الطبعة الثالثة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان (7/ 193)، وقال: وهذا لا يعرف إلا من رواية يحيى العطار بهذا الإسناد وهو بين الضعف.
"يغفرُ الله لهما؛ لقد سمعا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعتُه، وإنهما -والله- لخير هذه الأمة؛ ولكنهما كَرِها أن يجمع النَّاس ويتضايقوا، فأحبَّا أن سهَّلا على النَّاس"، رواه عبدالرزاق في (مصنفه)
(1)
.
وروى عبد الرَّزاقِ أيضًا: أخبرنا معمرٌ عن طاووس عن أبيه قال: "ما مشي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى مات إلا خلف الجنازة
(2)
".
وروى ابن أبي شيبة، ثنا: عيسى بن يونس، عن ثور، عن شريح
(3)
، عن مسروق قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكلِ أمةٍ قربانًا، وإن قربان هذه الأمة موتاها؛ فاجعلوا موتاكم بين أيديكم
(4)
.
وروى الدارقطني من حديث: عبيد الله بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك، قال: "جاء ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: إنَّ أمَّه توفيتْ، وهي نَصرانية، وهو يحب أن يحضرها، فقال له صلى الله عليه وسلم: اركب دابتك، وسر أمامها؛ فإنَّك إذا كنتَ أمامها لم تكن معها
(5)
".
(1)
المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، 1403، بيروت، كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة (3/ 447)، (6267) من طريق: المطرح أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. إسناده ضعيف، فيه مطرح بن يزيد الأسدي وهو ضعيف الحديث، قال ابن حجر في التقريب (ص: 534) (6698): " مطرح بن يزيد أبو المهلب الكوفي، ضعيف من السادسة".
(2)
نفس المصدر، كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة (3/ 445)(6262). الحديث مرسل بإسناد حسن، قاله العيني في" شرح سنن أبي داود" (6/ 110) وقال ابن حجر في "الدراية في تخريج احاديث الهداية" (1/ 238): وأخرج بإسناد صحيح عن طاوس مرسلًا.
(3)
الصحيح هو [مريح بن مسروق] وليس شريح عن مسروق كما جاء في مصنف ابن أبي شيبة.
(4)
المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، 1409، الرياض، كتاب الجنائز، باب من رخص في الركوب أمام الجنازة، (2/ 478)(11241) الحديث مرسل بإسناد حسن كما جاء في "الدراية في تخريج احاديث الهداية"(1/ 238).
(5)
سنن الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني، حققه وضبط نصه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ -2004 م، كتاب الجنائز، باب وضع اليمنى على اليسرى ورفع الأيدي عند التكبير، (2/ 439) (1835) من طريق: أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، فيه أبو معشر، ضعفه دار القطني.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أن أباه قال له: "كن خلف الجنارة؛ فإن مقدمها للملائكة، ومؤخرها لبني آدم"
(1)
.
[81 أ/س]
وهذه الأحاديث المذكورة -وإن كانت ضعيفة-؛ لكنها تتقوى بكثرتها؛ فتصلح للاحتجاج، مع أن لنا فيه حديثًا رواه البخاريُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معها حتَّى يُصلي عليها، ويفرغ من دفنها؛ فإنَّه يرجعُ من الأجر بقيراطين
(2)
" والاتباع لا يكون إلا إذا مشى خلفها؛ فدل ذلك على أن الجنازة متبوعة، وقد جاء هذا اللفظ صريحًا في حديث رواه أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "الجنازة متبوعة"، ورواه التِّرْمذي، /وابن ماجه، وأحمد، وإسحق، وأبو يعلى، وابن أبي شيبةَ
(3)
؛ وأما أثر طاوس؛ فإنه -وإن كان مرسلًا فهو حجة عندنا-.
(1)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، في الجنازة يسرع بها إذا خرج بها أم لا، (2/ 480) (11275) من طريق: معاوية بن قرة، قال حدثنا أبو كرب، أو أبو حرب، عن عبد الله بن عمرو.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: اتباع الجنائز من الإيمان، (1/ 18)(47).
(3)
سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة (3/ 206) (3184) من طريق: يحيى بن عبد الله التيمي، عن أبي ماجدة، عن ابن مسعود، قال أبو داود: وهو ضعيف هو يحيى بن عبد الله وهو يحيى الجابر، قال أبو داود:«وهذا كوفي وأبو ماجدة بصري» ، قال أبو داود:" أبو ماجدة، هذا لا يعرف. وأخرجه التِّرْمذي في "سننه"، كتاب الجنائز، باب ما جاء في المشي خلف الجنازة (3/ 332) (1011) بهذا الإسناد، وقال أبو عيسى: هذا حديث لا يعرف من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه قال سمعت محمد بن إسماعيل يضعف حديث أبي ماجد لهذا. وأخرجه ابن ماجة في "سننه" باب ما جاء في المشي أمام الجنازة (1/ 476) (1484) بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة مصنفه، كتاب الجنائز، باب من رخص في الركوب أمام الجنازة، (2/ 478) (11240) بهذا الإسناد. وأخرجه أحمد في "مسنده" مسند عبد الله بن مسعود (6/ 64) (3585). وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" مسند عبد الله بن مسعود (8/ 452)(5038) بهذا الإسناد.
وحديثهم الذي احتجوا، وهو حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنه قد اختلف فيه أئمة الحديث بحسب الصحة والضعف، وقد رُوي متصلًا ومرسلًا؛ فذهب ابن المبارك إلى ترجيح الرواية المرسلة على المتصلة، رواه التِّرْمذي، وغيره عنه
(1)
، وقال النسائي بعد تخريجه للرواية المتصلة: "هذا خطأ، والصواب: أنه مُرْسَلٌ
(2)
"، وقال التِّرْمذي: "وأهل الحديث كلُّهم يَرَونَ أن الحديث المرسل في ذلك أصح
(3)
".
[36 ب/س]
فإن قيل: روى التِّرْمذي، حدثنا: محمد بن المثنى، ثنا: محمد بن بكر، ثنا: يونس بن يزيد عن الزهريِّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه:"أن النَّبي صلى الله عليه وسلم /كان يمشي أمام الجنازة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم ".
فالجواب أنه قال التِّرْمذي: "سألتُ محمدًا عن هذا الحديث؛ فقال: هذا أخطأ فيه محمد بن بكر، وإنما يُرْوى هذا عن يونس عن الزهري أن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهم كانوا يمشون أمام الجنازة
(4)
"، فإذا صح الأمرُ على ذلك؛ فلا يبقى لهم حجة فيه؛ لأن المرسل ليس بحجة عندهم
(5)
.
وتأويلهم الاتباع بالأخذ في طريق الجنازة والسعي لأجلها، كما يقال: الجيش يتبع السلطان، أي: تتوخى موافقته، وإن تقدَّم كثيرٌ منهم في المشي والركوب، فصرف اللفظ عن ظاهره بلا داعٍ إليه، والله أعلم.
(1)
سنن التِّرْمذي، (3/ 330).
(2)
سنن النسائي، (4/ 56).
(3)
سنن التِّرْمذي، (3/ 330).
(4)
وسنن التِّرْمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في المشي خلف الجنازة (3/ 332)(1010).
(5)
عمدة القاري (12/ 130).
(وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ) بالجر عطفًا على الاتباع، أي: زيارته، من عدتُ المريضَ أعودُه عيادةً؛ إذا زرتُه، وسألتُ عن حاله، وعاد إلى فلانٍ يعود عودة وعودًا؛ إذا رجع، وفي المثل: العود أحمد
(1)
؛ وهي سنة.
[81 أ/ص]
وقيل: واجبة بظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه الآتي، وَقَدْ روى في ذلك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهم: أبو موسى، وثوبان، وأبو هريرة، وعلى بن أبي طالب، وأبو أمامةَ، وجابر بن عبد الله، وجابر بن عتيك، وأبو مسعود، وأبو سعيد، وعبد الله بن عمر، وأنس، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن عمرو، وأبو أيوب، وعثمان، وكعب بن مالك، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، وعمر بن خطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، والمسيب بن حزن، وسلمان، وعثمان بن أبي العاص، /وعوف بن مالك، وأبو الدرداء، وصفوان بن عسال، ومعاذ بن جبل، وجبير بن مطعم، وعائشة، وفاطمة الخزاعية، وأم سليم، وأم العلاء رضي الله عنهم
(2)
.
فحديث أبي موسى عند البخاريِّ: "عودوا المريض، وأطعموا الجايع، وفكوا العاني
(3)
".
وحديث ثوبان عند مسلم: "أن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسولَ الله، وما مخرفة الجنة؟ قال: جناها"، والمخرفة: البستان، يعني: يستوجب الجنة ومخارفها
(4)
.
(1)
لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى، مادة عود، (3/ 315). وتاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي
تحقيق مجموعة من المحققين، الناشر دار الهداية، مادة عود، (8/ 434).
(2)
التمهيد (24/ 275).
(3)
صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب قول الله تعالى:{كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 57]، (7/ 67)(5373).
(4)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض، (4/ 1989)(2568).
وحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه سيأتي في هذا الباب -إن شاء الله تعالى-.
وحديث علىٍّ بن أبي طالب عند التِّرْمذي: "ما من عبد يَعودُ مسلمًا إلا أتبعه الله سبعين ألف ملك يصلون عليه، أي ساعة من النهار، وكانت حتى يمسي، وأي ساعة من الليل كانت حتى يصبح
(1)
".
وحديث أبي أمامةَ عند أحمد: "من تمام عيادة المريض أن يضع أحدُكمْ يَدَهُ على جبهته أو يده، ويسأله كيف هو
(2)
؟ ".
وحديث جابر بن عبد الله عند أحمد أيضًا "من عاد مريضًا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس؛ فإذا جلس اغتمس فيها
(3)
".
وحديث جابر بن عتيك عند أبي داود: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد عبد الله بن ثابت؛ فذكر الحديث مطولًا
(4)
".
(1)
سنن التِّرْمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض، (3/ 300) (969) من طريق: الحسين بن محمد قال: حدثنا إسرائيل، عن ثوير، عن أبيه عن علي، وقال:"هذا حديث حسن غريب وقد روي عن علي هذا الحديث من غير وجه منهم من وقفه ولم يرفعه".
(2)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ) المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م. حديث أبي أمامة الباهلي (36/ 572) (22236) من طريق: يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. وأخرجه الترمذي في سننه (5/ 76)(2731)، وقال:"هذا إسناد ليس بالقوي" قال محمد: "وعبيد الله بن زحر ثقة، وعلي بن يزيد ضعيف".
(3)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث عبد الله بن جابر رضي الله عنه، (22/ 162)(14260) من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الجنائز، (1/ 501) (1295) من طريق هشيم بهذا الإسناد. وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: على شرط مسلم.
(4)
سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب في فضل من مات في الطاعون، (3/ 188)(3111) من طريق مالك، عن عبد الله بن عبد الله، عن عتيك بن الحارث بن عتيك، أنه أخبره أن عمه جابر بن عتيك، إسناده حسن، رجاله ثقات عدا عتيك بن الحارث الأنصاري وهو مقبول ذكره ابن حبان في "الثقات" وصحح حديثه هذا في صحيحه، فصل في الشهيد (7/ 461)(3189)، وقد صحح حديثه هذا الحاكم (1/ 503)(1300) بهذا الإسناد، وسكت عنه الذهبي.
وحديث أبي مسعود عند الحاكم: "للمسلم على المسلم أربعُ خلال: يشمتُه إذا عَطس، ويُجيبُه إذا دَعاه، ويُشهده إذا مات، ويعودُه إذا مَرِضَ
(1)
".
وحديث أبي سعيد عند ابنِ حبانَ: "عُودا المريضَ واتَّبعوا الجنائز
(2)
".
وحديث عبد الله بن عمر عند مسلم: "من يعود منكم سعد بن عبادة، فقام، وقمنا
(3)
معه، ونحن بضعة عشر
(4)
".
وحديث أنس عند البخاري قال: "كان غلامٌ يهودي يخدمُ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ، فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم يعودُه فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: الحمدُ للهِ الَّذي أنقذَهُ مِنَ النَّار
(5)
".
وحديث أسامةَ بن زيد عند الحاكم، قال: "خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعودُ عبدَ الله بن أُبَي في مرضِه الَّذي ماتَ فيه
(6)
".
(1)
المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، 1411 هـ -1990 م، بيروت كتاب الجنائز (1/ 500)(1292)، صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(2)
صحيح ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق شعيب الأرنؤوط.
مؤسسة الرسالة، 1414 - 1993، بيروت، باب المريض وما يتعلق به، (7/ 221) (2955) من طريق: همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي عيسى الأسواري، عن أبي سعيد الخدري، ولكن بلفظ "عودوا المرضى واتبعوا الجنائز" إسناده حسن، رجاله ثقات عدا أبو عيسى الأسواري قال ابن حجر في "التقريب" (1/ 663) (8294): أبو عيسى الأسوارى البصري مقبول.
(3)
[فقمنا] في (ب).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الجنائز باب في عيادة المرضى، (2/ 637)، (925).
(5)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، (2/ 94)، (1356).
(6)
المستدرك على الصحيحين، كتاب الجنائز، (1/ 491) (1262) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال الذهبي على شرط مسلم، من طريق محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، إسناده حسن، رجاله ثقات عدا ابن إسحاق القرشي، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص: 467) (5725): وهو صدوق يدلس.
[82 أ/س]
وحديث زيدِ ابن أرقم عنده أيضًا: "عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني
(1)
"، /وقال الحاكم: صحيح على شرطهما.
وحديث سعد بن أبي وقاص عند الحاكم أيضًا قال: "اشتكيت بمكةَ؛ فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، ووضع يده على جبهتي
(2)
".
وحديث ابن عباس عنده أيضًا: "من عاد أخاه المسلم؛ فليقعد عند رأسه. . . الحديث
(3)
"، وقال: صحيح على شرط البخاريِّ.
وحديث ابن عمرو عنده أيضًا: "إذا عاد أحدكم مريضًا؛ فليقل: "اللهم اشف عبدك
(4)
"، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وحديث أبي أيوب عند ابن أبي الدنيا قال: "عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأنصار؛ فأكب عليه يسأله، فقال: يا رسول الله ما غمضت منذ سبع ليالٍ، ولا أحد يحضرني، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخي اصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها
(5)
".
(1)
نفس المصدر، كتاب الجنائز، (1/ 492) (1265) وقال: وله شاهد صحيح من حديث أنس بن مالك. من طريق: حجاج بن محمد، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أرقم، إسناده حسن رجاله ثقات عدا يونس بن أبي إسحاق السبيعي، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 613) (7899): صدوق يهم قليلًا.
(2)
نفس المصدر، كتاب الجنائز، (1/ 492) (1267) من طريق: مكي بن إبراهيم، ثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، قال الذهبي:"لم يخرجاه بهذا اللفظ ".
(3)
نفس المصدر، كتاب الجنائز (1/ 493)(1269)، من طريق: المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وقال الذهبي: على شرط البخاري.
(4)
نفس المصدر، كتاب الجنائز، (1/ 495) (1273) من طريق: ابن وهب، ثنا يحيى بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، إسناده حسن رجاله ثقات عدا يحيى بن عبد الله، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 592) (7584): وهو صدوق.
(5)
المرض والكفارات، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا القرشي البغدادي، تحقيق عبد الوكيل الندوي، الدار السلفية، 1411 - 1991، بومباي، (1/ 43) (34) من طريق: فصال بن جبير الغداني، عن بشر بن عبد الله بن أبي أيوب الأنصاري، عن أبيه، عن جده إسناد ضعيف؛ لأن فيه فضال بن جبير الغداني وهو ضعيف الحديث، قال ابن حبان في المجروحين (2/ 204) (860): يروي عن أبي أمامة ما ليس من حديثه لا يحل الاحتجاج به بحال.
وحديث عثمان عند. . . .
(1)
؟ قال: "دخل عليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعودُني وأنا مريضٌ، فقال: أعيذك بالله الأحدِ الصَّمَدِ
(2)
الحديث"، وسَنَدُهُ جَيدٌ.
وحديث كعب بن مالك عند الطبرانيِّ في الكبير: "من عاد مريضًا خاض في الرحمة، فإذا جلس استنقع فيها
(3)
".
وحديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عند الطبراني أيضًا: "من عاد مريضًا، فلا يزال في الرحمة حَتَّى إذا قعد عنده استنقع
(4)
فيها، ثُمَّ إذا خرج من عنده؛ فَلا يَزالُ يخوض فيها حتَّى يروح من حيث خرج
(5)
".
وحديث عمر بن الخطاب عند ابن مردويه: "قال: يا رسول الله ما لنا من الأجر في عيادة
(1)
لم يبين الشارح.
(2)
مجمع الزوائد (5/ 110)(8441)، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى في الكبير عن شيخه موسى بن حيان، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3)
المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مكتبة الزهراء، 1404 - 1983، الموصل، عمر بن الحكم بن ثوبان عن كعب بن مالك، (19/ 102) (204) من طريق: أبي معشر، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحكم، عن أبي بكر، عن أبي حفص عن كعب بن مالك. قال ابن حجر في التقريب (ص: 559) (7100): نجيح بن عبد الرحمن السِنْدي المدني، مشهور بكنيته، ضعيف من السادسة أسن واختلط. وقال شعيب الأرنؤوط: حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي معشر: وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي.
(4)
[واستنقع] في ب.
(5)
المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، 1415، القاهرة، (من أسمه محمد) (5/ 273) (5296) من طريق: إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني قيس أبو عمارة، وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن عمرو بن حزم إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن أبي أويس ". وقال الهيثمي: في مجمع الزوائد (2/ 297)(3764): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله موثقون.
المريض؟ فقال: إن العبد إذا عاد المريض خاض في الرحمة إلى حقوه"
(1)
.
وحديث أبي عبيدة بن الجراح عند ابن أبي شيبة في مصنفه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عاد مريضًا، أو أماط أذى من الطريق؛ فحسنة بعشر أمثالها
(2)
".
وحديث سلمان عند الطبراني قال: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُني؛ فلما أراد أن يخرج قال: يا سلمانُ كشف الله ضرَّك، وغَفَرَ ذَنْبَك، وعافاك في دينك، وجسدك إلى أجلك
(3)
".
وحديث عثمان بن أبي العاص عند الحاكم في المستدرك: "جاءني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعودُني مِن وَجَعٍ اشتدَّ بي
(4)
".
(1)
الترغيب والترهيب،: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة (المتوفى: 535 هـ)، أيمن بن صالح بن شعبان، دار الحديث - القاهرة، الطبعة: الأولى 1414 هـ - 1993 م (3/ 85)(2122) من طريق: أبي بكر بن مردويه، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن مليح البخاري، حدثنا أسباط بن اليسع، ثنا حفص بن داود الربعي، حدثنا عبد الواحد بن عبد الله بن أيمن البخاري، حدثنا عباد بن كثير، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، إسناده ضعيف فيه عباد بن كثير قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 290) (3139): عباد ابن كثير الثقفي البصري، متروك قال: أحمد روى أحاديث كذب.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، ما جاء في ثواب عيادة المريض، (2/ 444) (10838) من طريق: بشار بن أبي سيف، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن عياض بن غطيف، عن أبي عبيدة بن الجراح، إسناده حسن رجاله ثقات عدا بشار بن أبي سيف الجرمي، قال ابن حجر في"التقريب" (ص: 122) (671). وهو مقبول. وعياض مختلف في صحبته، وقد ذكره الحافظ في القسم الثالث في "الإصابة (5/ 130) ".
(3)
المعجم الكبير، زاذان أبو عمرو عن سلمان رضي الله عنه، (6/ 240)(6106)، من طريق: وهب بن حفص الحراني، ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود، ثنا عمرو بن خالد، عن أبي هاشم، عن زاذان، عن سلمان. اسناده ضعيف؛ لأن فيه عمرو بن خالد القرشي، متروك ورماه وكيع بالكذب من السابعة، ذكره ابن حجر في "تقريب التهذيب" (ص: 421) (5021)، ووهب بن يحيى البجلي وهو يضع الحديث، ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال"(4/ 355)(9436).
(4)
المستدرك للحاكم، كتاب الجنائز، (1/ 494) (1271) من طريق: يزيد بن خصيفة، عن عمرو بن عبد الله، عن نافع بن جبير، عن عثمان بن أبي العاص. ولكن بلفظ:" أن عثمان بن أبي العاص قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذه وجع قد كاد يبطله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. . . . "«هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. بهذا اللفظ إنما أخرجه مسلم، من حديث الجريري، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عثمان بن أبي العاص بغير هذا اللفظ» "وقال الذهبي: رواه مسلم بنحو من حديث يزيد بن عبد الله.
[36 ب/ص]
وحديث عوف بن مالك /عند الطبراني: " أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: عُودُوا المريضَ، واتَّبِعوا الجنازةَ
(1)
".
[82 أ/ص]
وحديث /أبي الدرداءِ عند الطبراني أيضًا: "قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الرَّجل إذا خرج يعود أخًا له مؤمنًا خاض في الرحمة إلى حقويه؛ فإذا جلس عند المريض؛ فاستوى جالسًا غمرته الرحمة
(2)
".
وحديث صفوان بن عسال عند الطبراني أيضًا قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زار أخاه المؤمن خاض في الرحمة حتى يرجعَ، ومن زار أخاه المريض خاضَ في رياضِ الجنة حتى يرجع
(3)
".
وحديث معاذ بن جبل عند الطبرانيِّ أيضًا قال: "قال رسولُ الله: صلى الله عليه وسلم خمسٌ من فعل واحدة منهنَّ كان ضامنًا على الله عز وجل: من عاد مريضًا، أو خرج مع الجنازة، أو خرج غازيا، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته؛ فسلم النَّاس منه، وسلم من الناس
(4)
".
(1)
المعجم الكبير للطبراني: أبو هريرة عن عوف بن مالك، (18/ 38)(66)، من طريق يزيد بن عياض، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عوف بن مالك اسناده ضعيف، فيه: يزيد بن عياض بن يزيد بن جُعدبة، كذبه مالك وغيره، من السادسة، تقريب التهذيب (ص: 604) (7761)، وأخرجه البزار في مسنده (البحر الزخار) من حديث عوف بن مالك (7/ 171) (2736) من طريق: نصر بن علي، عن عيسى بن يونس، عن أبي حمزة، عن ابن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبيه، عن عوف بن مالك، بإسناد صحيح.
(2)
مسند الشاميين، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، 1405 - 1984، بيروت. يونس بن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني، (3/ 264) (2221) من طريق: معاوية بن يحيى، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أبي إدريس، عن أبي الدرداء، إسناده ضعيف، فيه معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف الحديث، ذكره الحافظ العسقلاني في التقريب (ص: 538) (6768).
(3)
المعجم الكبير للطبراني، عاصم بن أبي النجود عن زر (8/ 67) (7389) من طريق: عبد الأعلى بن أبي المساور، ثنا عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: أتينا صفوان بن عسال. ولكن بلفظ " من زار أخاه المؤمن خاض في رياض الجنة حتى يرجع ومن عاد أخاه المؤمن خاض في رياض الجنة حتى يرجع " إسناده ضعيف فيه عبد الأعلى بن أبي المساور الزهري وهو متروك الحديث كذبه ابن معين، تقريب التهذيب (ص: /332) (3737).
(4)
نفس المصدر: عبد الله بن عمرو بن العاص عن معاذ، (20/ 37)(55)، من طريق ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن معاذ بن جبل حديث حسن، ابن لهيعة سيئ الحفظ، لكن قد احتمل بعض أهل العلم رواية قتيبة عنه، ثم هو لم ينفرد بروايته لهذا الحديث، فقد روي بنحوه من وجه آخر عن معاذ. وأخرجه أحمد في "مسنده"(36/ 412)(22093) من طريق قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد.
وحديث جُبير بن مطعم عنده أيضًا قال: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عادَ سعيد بن العاص؛ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكمده بخرقة
(1)
".
وحديث عائشة رضي الله عنها عند سيف في كتاب الردة: قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العيادة سنة، عودوا غبًا؛ فإن أُغمي على مريض؛ فحتى يفيق
(2)
".
وحديث فاطمة الخزاعية عند ابن أبي الدنيا قالت: "عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار فقال: كيف نجدك؟ قالت: بخير يا رسول الله. . . الحديث
(3)
".
وحديثُ أمِّ سليم عند ابن أبي الدنيا في كتاب (المرض، والكفارات) قالتْ: "مرضتُ؛ فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أُمَّ سُليم أتعرفين النار، والحديد، وخبث الحديد، قلت: نعم يا رسول
(1)
نفس المصدر: نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، (2/ 138)(1584)، من طريق: ابن دأب، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن نافع بن جبير، عن أبيه، عن جده، إسناد فيه متهم بالوضع: ابن دأب: وهو عيسى بن يزيد الليثي، قال الذهبي في"ميزان الاعتدال" (3/ 328) (6626):" وكان أخباريا علامة نسابة لكن حديثه واه، قال خلف الأحمر: كان يضع الحديث، وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. "يكمده بخرقة": التكميد أن تسخن خرقة وتضوع على العضو الوجع، ويتابع ذلك مرة بعد مرة ليسكن. وتلك الكمادة والكماد. النهاية:(4/ 33).
(2)
الفردوس بمأثور الخطاب، أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني الملقب إلكيا، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، 1406 هـ -1986 م، بيروت. عن عائشة، (3/ 81)(4226). وعمدة القاري (8/ 10) ولم أجد سند هذا الحديث.
(3)
المرض والكفارات لابن أبي الدنيا، (1/ 161)(204)، من طريق: خالد بن مرداس، حدثنا عبد الله بن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن فاطمة الخزاعية، إسناده حسن رجاله ثقات، وأخرجه عبد الرزاق في الجامع (منشور كملحق بمصنف عبد الرزاق) (11/ 195) (20306) من طريق: معمر، عن الزهري، قال: حدثتني فاطمة الخزاعية.
الله، فقال: يا أُمَّ سليم؛ فإنَّك إن تخلصي من وجعك هذا تخلصي منه؛ كما تخلص الحديد من النار من خبثه
(1)
".
وحديث أم العلاء عند أبي داود قالت: "عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة-
(2)
. . . الحديث".
ثُمَّ إن عيادة المريض سنة كما تقدم؛ سواء كان المريض الرمد، وغيره من الأمراض، وسواء الصديق، والعدو، ومن يعرفه، ومن لا يعرفه، ولو ذميًّا، وإذا كان قريبًا أو جارًا يتأكدُ ذلك؛ وفاء بصلة الرحم، وحق الجوار؛ لعموم الأخبار، والظاهر أن المعاهد والمستأمن كالذمي.
[83 أ/س]
وفي استحباب عيادة أهل البدع المنكرة، وأهل الفجور، والمكوس-إذا لم يكن قرابة، ولا جوار، ولا رجاء توبة-نظر فإنا مأمورون بمهاجرتهم، /ولتكن العيادة غبا، فلا يواصلها كلُّ يومٍ، إلا أن يكون مغلوبًا، وهذا في غير القريب والصديق ونحوهما ممن يستأنس به المريض، أو يتبرك به، أو يشق عليه عدم رؤيته كل يوم، أما هؤلاءِ؛ فيواصلونها مالم ينهوا، أو لم يعلموا كراهته
(3)
وقول الغزاليّ: " إنما يعاد بعد ثلاث لخبر ورد فيه رد بأنه موضوع ذكره القسطلاني
(4)
، ويدعو له، وينصرف، ويستحب في دعائه أن يقول: "أسأل الله العظيم ربِّ العرش العظيم أن يشفيك
(5)
سبع مرات"،
(1)
نفس المصدر، (1/ 42)(33)، من طريق: جعفر بن سليمان، حدثنا أبو سنان القسملي، حدثنا جبلة بن أبي الأنصاري، حدثتنا أم سليم الأنصارية إسناده ضعيف، فيه: عيسى بن سنان القسملي وهو ضعيف الحديث، ترجمته في تقريب التهذيب (ص: 438) (5283).
(2)
سنن أبي داود، كتاب: الجنائز، باب: عيادة النساء، (3/ 184)(3092)، إسناده حسن من أجل عبد الملك بن عُمير، فهو صدوق حسن الحديث، وقد حسَّن هذا الحديثَ الحافظُ المنذري في "مختصر السنن"كتاب الجنائز، باب الامراض المكفرة للذنوب، (4/ 274)(2965).
(3)
المجموع للإمام النووي، دار الفكر، 1997 م، بيروت، (5/ 102).
(4)
إرشاد الساري (2/ 374).
(5)
سنن التِّرْمذي، كتاب: الطب، باب ما جاء في التداوي بالعسل (4/ 410) (2083) من طريق: المنهال بن عمرو يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وقال:"هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث المنهال بن عمرو".
رواه التِّرْمذي، وحسنه، ويخفف المكث عنده، بل تكره إطالته؛ لما فيه إضجاره ومنعه من بعض تصرفاته
(1)
، والله أعلم.
(وَإِجَابَةِ الدَّاعِي) بالجرِّ أيضًا، والإجابة مصدر، والاسم الجابة بمنزلة الطاعة، يُقال: أجابه، وأجاب عن سؤاله والاستجابة بمعنى الإجابة
(2)
، ومنه الجواب، والداعي من دعا يدعو دعوة، والدعوة بالفتح إلى الطعام بالكسر في النسب، والضم في الحرب، ويقال: دعوتُ اللهَ له، وعليه دعاء
(3)
، وفي التوضيح: إنْ كانت الدعوة إلى وليمة النكاح؛ فجمهور العلماء على الوجوب، قالوا: والأكل واجب على الصائم. انتهى
(4)
، وعندنا مستحب.
وقال الطيبيُّ
(5)
: إذا دعا المسلم المسلم إلى ضيافة وجب عليه طاعته إذا لم يكن ثمة ما يتضرر بدينه من الملاهي ومفارش الحرير
(6)
.
وقال الفقيه أبو الليث
(7)
: إذا دعيت إلى وليمةٍ؛ فَإن لم يكن ماله حرامًا، ولم يكن فيها فسقٌ؛ فلا بأس بالإجابة، وإن كان ماله حرامًا؛ فلا يجيب، وكذلك إذا كان فاسقًا معلنًا؛ فلا يجيبه؛ ليعلم
(1)
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة: السابعة، 1323 هـ. (2/ 374)
(2)
تاج العروس، مادة جوب (2/ 202)، ولسان العرب، مادة جوب (1/ 283).
(3)
تاج العروس، مادة دعو (38/ 46)، ولسان العرب، مادة دعا (14/ 257).
(4)
التوضيح، كتاب الجنائز، (9/ 393).
(5)
هو: الحسين بن محمد بن عبد الله، شرف الدين، الطيبي. من علماء الحديث والتفسير والبيان. من تصانيفه و " الكاشف عن حقائق السنن النبوية ". [الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، تحقيق، محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1392 هـ/ 1972 م، صيدر اباد/ الهند 2 (/185)، ومعجم المؤلفين (4/ 53).
(6)
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن)، شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (743 هـ)، د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة - الرياض)، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م (4/ 1331).
(7)
هو: نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، أبو الليث الفقيه الملقب بإمام الهدى. قال فيه صاحب الجواهر المضية: الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة. تفقه على أبي جعفر الهندواني وغيره. من كتبه: (خزانة الفقه)،و (النوازل)، و (عيون المسائل)؛ و (التفسير)،و (تنبيه الغافلين): كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي، دار الكتب العلمية، 1413 - 1992، بيروت، (2/ 1981).
أنَّكَ غيرُ راضٍ بفسقه، وإذا أتيت وليمة فيها منكر؛ فانههم عن ذلك؛ فإن لم ينتهوا فارجع؛ لأنَّك إن جالستهم ظنُّوا أنك راضٍ بفعلهم، وروي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من تشبه بقوم فهو منهم"
(1)
، وقال بعضهم: إجابة الدعوة واجبة لا يسعُ ترْكَها
(2)
. واحتجُّوا بما رُوِيَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لم يجبِ الدعوةُ؛ فقد عصى أبا القاسم
(3)
".
[83 أ/ص]
وقالتْ عامةُ العلماءِ: ليستْ بواجبةٍ؛ ولكنَّها سنةٌ، والأفضلُ أن يجيب إذا كانت الوليمة يدعى فيها الغني والفقير، وإذا دعيتَ إلى الوليمة وأنتَ صائمٌ؛ فأخبره بذلك، فإن قال: لابدَّ من الحضور؛ فأجبه، فإذا دخلت المنزل؛ فإن كان صومُك تطوعًا وتعلم أنَّه لا يشقُّ عليه ذلك؛ فلا تفطر، /وإن علمتَ أنَّه يشقُّ عليه امتناعك من الطعام، فإن شئتَ؛ فأفطر، واقضِ يومًا مكانه، وإن شئت فلا تفطر، والإفطار أفضل؛ لأنَّ فيه إدخالًا للسرور على المؤمن
(4)
.
وقال بعض الحكماء:
من دعانا فأبينا
…
فله الفضل علينا
(1)
سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة (4/ 44)(4031) عبد الرحمن ابن ثابت، حدثنا حسان بن عطيه، عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر من طريق: إسناده حسن رجاله ثقات عدا عبد الرحمن بن ثابت العنسي قال ابن حجر في "التقريب"(ص: 337)(3820): وهو صدوق يخطئ اختلط ورمي بالقدر.
(2)
عمدة القاري (8/ 10).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، بلفظ " ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" كتاب النكاح، باب: الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، (2/ 1055)(1432).
(4)
عمدة القاري (8/ 10).
وإذا نحن أجبنا
…
رجع الفضل إلينا
(1)
.
قيل: وإياك أن تمتنع بعد الإجابة من الحضور إلا بعذر ظاهر؛ لأنَّ في الامتناع عن الإجابة جفاء، وفيه أيضًا خلاف الوعد؛ وَروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رجلا أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه، وكان فيهم رجل صائم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أجب أخاك وافطر واقض يومًا مكانه"
(2)
.
وروى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا دُعي أحدكم إلى وليمة فليجب، فإن كان مفطرًا فليأكل، وإن كان صائمًا فليصل له
(3)
"، يعني يدعو له بالبركة؛ ورُوِي عن عمر رضي الله عنه أنه دُعِي إلى طعام فجلس، ووُضِع الطعام فمد يده، فقال: "خذوا باسم الله"، ثُمَّ قبض يده، فقال: "إني صائم
(4)
"، كذا في بستان العارفين.
[37 ب/س]
(/وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ) بالجر أيضًا، مسلمًا كان أو ذميًّا، بالقول والفعل، وهو فرض على من قدر عليه، ويطاع أمره؛ وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال
(1)
محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني، تحقيق عمر الطباع، دار القلم، 1420 هـ- 1999 م، بيروت (1/ 743).
(2)
المعجم الأوسط، من اسمه بكر (3/ 306) (3240) من طريق: حماد بن أبي حميد قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن أبي سعيد الخدري، وقال: لا يروى هذا الحديث عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به حماد بن أبي حميد، وهو: محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف، تقريب التهذيب (ص: 475) (5836).
(3)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، (2/ 1054)، (1431). ولكن بلفظ "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم".
(4)
لم أعثر على هذا الأثر في " بستان العارفين" عن عمر، ووجدته عن ابن عمر في "مسند الشافعي"، محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي، دار الكتب العلمية - بيروت، (1/ 337)(1583) بإسناد صحيح، من طريق: أخبرنا ابن عيينة، أنه سمع عبيد الله بن أبي يزيد، ولكن بلفظ:"دعا أبي عبد الله بن عمر فأتاه فجلس ووضع الطعام فمد عبد الله بن عمر يده وقال: خذوا باسم الله وقبض عبد الله يده وقال: إني صائم".
رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إن كان ظالمًا كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه عن الظلم؛ فإنَّ ذلك نصره
(1)
"، رواه البخاري، والتِّرْمذي.
وفي رواية مسلم عن جابر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما: إن كان ظالما فلينهه؛ فإنه له نصرة، وإن كان مظلومًا؛ فلينصره
(2)
".
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهنيِّ عن أبيه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من حمى مؤمنًا عن منافق -أراه قال-: بعث الله ملكًا يحمي لحمه يومَ القيامةِ من نار جهنَّم
(3)
"، رواه أبو داود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنتقمنَّ من الظالمِ في عاجله وآجله، ولأنتقمنَّ من رأى مظلومًا؛ فقدر أن ينصره فلم يفعل"
(4)
، رواه أبو الشيخ ابن حيان في كتاب التوبيخ
(5)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب الإكراه، باب: يمين الرجل لصاحبه: إنه أخوه [ص: 22]، إذا خاف عليه القتل أو نحوه " (9/ 22)، (6952). وسنن التِّرْمذي، كتاب الفتن، (4/ 523)، (2255).
(2)
صحيح مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالما أو مظلوما، (4/ 1998)، (2584).
(3)
سنن أبي داود: كتاب الأدب، باب: من رد عن مسلم غيبة (4/ 27)(4883)، من طريق: عبد الله بن سليمان، عن إسماعيل بن يحيى المعافري، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، إسناده ضعيف، لجهالة إسماعيل بن يحيى المعافري، ذكره ابن حجر في "التقريب" (ص: 110) (481)، وضعف سهل بن معاذ، ضعفه ابن معين. ميزان الاعتدال للذهبي (2/ 241)(3592).
(4)
معجم الكبير للطبراني، علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، (10/ 278)(10652)، من طريق: أحمد بن محمد بن يحيى، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، إسناد ضعيف فيه أحمد بن محمد الحضرمي وهو ضعيف الحديث ذكره الذهبي في"ميزان الاعتدال" (1/ 151) (593). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفهم.
(5)
لم أجد هذا الحديث في الكتاب: التوبيخ والتنبيه، لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري المعروف بأبِي الشيخ الأصبهاني (المتوفى: 369 هـ).
(وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ) بالجر أيضًا، والإبرار بكسر الهمزة إفعال من البر خلاف الخبث، يقال: أبر القسم إذا صدقه، ويرى إبرار المُقْسِم بضم الميم، وسكون القاف، وكسر السين، قيل: هو تصديق من أقسم عليك، وهو أن يفعل ما سأله الملتمس، وأقسم عليه أن يفعله، وقال الطيبيُّ: المرادُ من المقسم الحالف، ويكون المعنى: أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل، وأنت تقدر على تصديق يمينه، كما لو أقسم أن لا يفارقك حتَّى تفعلَ كذا، وأنت تستطيعُ فِعْلَهُ؛ فأفعل؛ لئلا يحنث في يمينيه
(1)
.؛ وهو خاصٌ فيما يحل، وهو من مكارمِ الأخْلاقِ؛ فإن ترتب على تركه مصلحة؛ فلا، ولذا قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في قصة تعبير الرؤيا:" لا تقسم، حين قال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت"
(2)
.
[84 أ/س]
(وَرَدِّ السَّلَامِ) وهو فرض على الكفاية، وفي التوضيح ردُّ السلام فرض على الكفاية عند مالك والشافعي، وعند الكوفيين فرض عين على كلِّ أحد من الجماعة
(3)
، وقال صاحب المعونة: الابتداء بالسَّلام /سنة، ورده آكد من ابتدائه
(4)
. وأقله: السلام عليكم، وقال أصحابنا: ردُّ السَّلام فريضة على كل من سمع السلام؛ إذا قام به البعض سقط عن الباقين
(5)
، والتسليم سنة، وثواب المُسَلِّم أكثر، ولا يصح الرد حتى يسمعه المسلم إلا أن يكون أصم؛ فينبغي أن يرد عليه بتحريك شفتيه، وكذلك تشميت العاطس.
(1)
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن)، شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (743 هـ) د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة -الرياض) الطبعة: الأولى، 1417 هـ -1997 م (4/ 1332).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الرؤيا، باب في تأويل الرؤيا (4/ 1777)(2269)، وسنن التِّرْمذي، كتاب الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النَّبي صلى الله عليه وسلم الميزان والدلو (4/ 542)، (2293).
(3)
التوضيح (9/ 394).
(4)
المعونة على مذهب عالم المدينة، القاضي أبي محمد عبدالوهاب علي بن نصر المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت _ لبنان، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1998 م، (2/ 570).
(5)
المبسوط، شمس الدين السرخسي، دار المعرفة، بيروت (30/ 274).
ولو سلم على جماعة وفيهم صبي؛ فرد الصبيِّ إن كان لا يعقل لا يصح، وإن كان يعقل هل يصح؟ فيه اختلاف
(1)
، ويجيب على المرأة رد سلام الرجل، ولا ترفع صوتها؛ لأن صوتها عورة، وإن سلمت عليه، فإن كانت عجوزًا ردَّ عليها، وإن كانت شابة ردَّ في نفسه
(2)
، وعلى هذا التفصيل تشميت الرجل المرأة وبالعكس، ولا يجب ردُّ سلام السائل، ولا ينبغي أن يسلم على من يقرأ القرآن؛ فإن سلم عليه يجب الرد عليه
(3)
.
(وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ) بالجر أيضًا، وتشميتُ العاطس دعاء له بالخير، وكل داعٍ لأحد بخير؛ فهو مشمت، ويقال أيضًا بالسين المهملة
(4)
، وقال ابن الأثير: التشميت بالشين والسين الدعاء بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما، يقال: شمت فلانًا وشمت عليه تشميتًا فهو مشمت، واشتمامة من الشوامت، وهي القوائم؛ كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله عز وجل، وقيل معناه: أبعدك الله عن الشماتة، وجنَّبكَ ما يشمت به عليك، والشماتة فرح العدو بِبَلِيَّةٍ تنزلُ بمن يعاديه، يقال: شمت به يشمت؛ فهو شامت وأشمته غيره
(5)
، والمراد به أن يقول: يرحمك الله إذا حمد العاطس، ويرد العاطس بقوله يهديكم الله ويصلح بالكم؛ وروى عن الأوزاعي أن رجلًا عطس
(1)
: الدر المختار، دار الفكر، 1386، بيروت، (6/ 414).
(2)
حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، لابن عابدين. دار الفكر للطباعة والنشر. 1421 هـ -2000 م. مكان النشر بيروت (6/ 369).
(3)
تحفة الملوك، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، تحقيق د. عبد الله نذير أحمد دار البشائر الإسلامية، 1417، بيروت، (241).
(4)
: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة 1407 هـ-1987 م (1/ 254)، والنهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق طاهر أحمد الزاوى -محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، 1399 هـ -1979 م، بيروت 2/ 397، ولسان العرب (2/ 46) مادة: سمت. والنهاية (2/ 499)، ولسان العرب (2/ 51) مادة شمت.
(5)
: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير [شمت](2/ 499).
بحضرته فلم يحمد، فقال: كيف تقول إذا أعطست؟ قال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله
(1)
، وهو وجوابه سنة على الكفاية؛ خلافًا للبعض، فقد قال مالك:"ومن عطس في الصلاة حمد في نفسه"، وخالفه سحنون فقال: "ولا في نفسه
(2)
"، وقد ذكر بعض ما يتعلق به رد السلام.
(وَنَهَانَا عَنْ سبع) وقد سقط في رواية لفظ سبع
(3)
، (آنِيَةِ الْفِضَّةِ) وعلى تقدير وجود سبع يجوز في الآنية الجر والرفع، أما الجر: فعلى أنه بدل من سبع، وأما الرفع
(4)
: فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أحدها آنية الفضة، والنهي فيه نهي تحريم، وكذلك آنية الذهب بل هي أشد.
[84 أ/ص]
قال أصحابنا: لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة للرجال والنساء
(5)
؛ لما في حديث حذيفة / رضي الله عنهم عند الجماعة: "ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها. . . الحديث
(6)
"، وقالوا: وعلى هذا المجمرة، والملعقة، والمدهن، والمكحلة، والميل، والمرآة. . . ونحو ذلك، فيستوى في ذلك الرجال والنساء لعموم النهي، والحكمة مشتركة، وهي السرف، والخيلاء، وعليه الإجماع، ويجوز الشرب في الإناء المفضض، والجلوس على السرير المفضض-إذا كان يتقي موضع الفضة، أي: يتقي فمه، وقيل: يتقي أخذه باليد، وقال أبو يوسف: يُكره، وقول محمد مضطرب، ويجوز التجمل بالأواني من الذهب والفضة بشرط أن لا يريد به التفاخر والتكاثر؛ لأن فيه إظهار نعم الله تعالى
(7)
.
(1)
: عمدة القاري (8/ 11)
(2)
: المدونة الكبرى، مالك بن أنس، دار صادر، بيروت (1/ 100).
(3)
إرشاد الساري (2/ 375).
(4)
سقط في ب (فعلى أنه بدل من سبع وأما الرفع)
(5)
الهداية شرح بداية المبتدي، لأبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغياني، المكتبة الإسلامية (4/ 78).
(6)
صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض (7/ 77)(5426) وصحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء (3/ 1638)(2067).
(7)
: الهداية شرح بداية المبتدي، (4/ 78 - 79).
(و) عن (وَخَاتَمِ الذَّهَبِ) الخاتم بفتح التاء وكسرها، والخيتام والخاتام كله بمعنى، والجمع الخواتيم
(1)
، وهو حرام على الرجال، ومن الناس من أباح التختم بالذهب لما روى الطحاوي في شرح الأثار بإسناده إلى محمد بن مالك قال:"رأيتُ على البراء خاتمًا من ذهب؛ فقيل له، فقال: "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ [الغينمة]
(2)
فألبسنيه وقال: البس ما كساك الله عز وجل ورسوله
(3)
"، والجواب أن الترجيح للمحرم، وما روى من ذلك كان قبل النهي.
[37 ب/ص]
وأما التختم بالفضة؛ فإنه يجوز؛ لما روى عن أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا من فضة له فصٌّ /حبشي، ونقش فيه محمد رسول الله
(4)
" رواه جماعة، والسنة أن يكون قدر مثقال فما دونه، والتختم سنة لمن يحتاج إليه كالسلطان، والقاضي، ومن في معناهما، ومن لا حاجة له
(5)
إليه؛ فتركه أفضل
(6)
.
(وَ) عن (الْحَرِيرِ) وهو حرام على الرجال دون النساء كسابقه؛ لما روى أبوداود وابن ماجه من حديث عليِّ رضي الله عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله، ثُمَّ قال: إنَّ هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها
(7)
".
(1)
الصحاح في اللغة [ختم](5/ 1908).
(2)
سقط من (أ-ب).
(3)
شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبدالملك بن سلمة أبو جعفر الطحاوي، تحقيق محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، 1399، بيروت، كتاب الكراهة، باب التختم بالذهب، (4/ 259)) من طريق: علي بن معبد قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا أبو رجاء، عن محمد بن مالك، إسناده ضعيف على نكارة في متنه، كما ذكره الذهبي في "الميزان" (2/ 520، وقال: هذا حديث منكر.
(4)
صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: لا ينقش على نقش خاتمه (7/ 157)، (5877) صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب في اتخاذ النَّبي صلى الله عليه وسلم خاتما لما أراد أن يكتب إلى العجم (3/ 1657)(2092).
(5)
سقط في ب له
(6)
حاشية ابن عابدين، (6/ 362).
(7)
سنن أبي داود: كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء، (4/ 50)(4057)، من طريق أبي أفلح الهمداني، عن عبد الله بن زرير أنه سمع علي بن أبي طالب. وسنن ابن ماجة: كتاب اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء، (2/ 1189)(356)، إسناده حسن رجاله ثقات عدا أبو أفلح الهمداني، قال ابن حجر "في التقريب" (1/ 619) (7944) ": أبو أفلح الهمداني المصري مقبول من الخامسة".
وروى عن جماعة من الصحابة أنهم رووا حل الحرير للنساء، وهم عمر، وحديثه عند البزار
(1)
.
وأبو موسى الأشعري، وحديثه عند التِّرْمذي
(2)
، وعبد الله بن عمرو، وحديثه عند إسحاق، والبزار، وأبي يعلى
(3)
، وعبد الله بن عباس، وحديثه عند البزار
(4)
، وزيد بن أرقم، وحديثه عند ابن أبي شيبه
(5)
، وواثلة بن الأسقع، وحديثه عند الطبراني
(6)
.
(1)
البحر الزخار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم، 1409 هـ، بيروت، المدينة، بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وفي إحدى يديه حرير وفي الأخرى ذهب، فقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها، وهذا الحديث لا نعلم رواه عن إسماعيل، عن قيس، عن عمر إلا عمرو بن جرير، وعمرو لين الحديث، وقد احتمل حديثه وروي عنه. ومما روى قيس بن أبي حازم عن عمر (1/ 467).
(2)
سنن الترمذي: كتاب اللباس، باب ما جاء في الحرير والذهب، (4/ 217). بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم" قال أبو عيسى وحديث أبي موسى حديث حسن صحيح.
(3)
مسند البزار، ومما روى عبد الله بن زرير الغافقي، عن علي (3/ 102)(887) ومسند أبي يعلى، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1/ 273) (325) عند كلاهما عن علي بن أبي طالب. وذكره الزيلعي في نصب الراية (4/ 224) وقال: وأما حديث عبد الله بن عمرو: فرواه إسحاق بن راهويه، والبزار، وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم.
(4)
مسند البزار، مسند ابن عباس رضي الله عنهما، (2/ 170) (4836) من طريق: إسماعيل بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس بلفظ:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وفي يده قطعة من ذهب وقطعة من حرير فقال: ألا إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم". إسناده ضعيف فيه إسماعيل بن مسلم، قال ابن حجر في "لتقريب" (ص: 110) (484): ضعيف الحديث.
(5)
لم أجد هذا في "مصنف ومسند" ابن أبي شيبة، ولكن وجدت في نصب الراية، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (المتوفى: 762 هـ)، محمد يوسف البَنُوري، المحقق: محمد عوامة، الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر -بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية-جدة - السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 هـ/1997 م (4/ 225) وقال: وأما حديث زيد بن أرقم: فرواه ابن أبي شيبة في مسنده، حدثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد ثنا سعيد بن أبي عروبة ثنا ابن زيد بن أرقم أخبرتني أنيسة بنت زيد عن أبيها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب والحرير حل لإناث أمتي، حرام على ذكورها"،.
(6)
المعجم الكبير، أسماء بنت واثلة بن الأسقع، عن أبيها (22/ 97) (234) من طريق: محمد بن عبد الرحمن قال: حدثتني أسماء بنت واثلة، عن أبيها، قال ابن الملقن في "البدر المنير" (1/ 649): وهذا سند لا أعلم به بأسا، وشيخ الطبراني لا أعرفه، وسليمان: ذكره ابن حبان في «ثقاته» ، وأخوه: وثقه أبو زرعة، والنسائي. وقال أبو حاتم: هو من التابعين، لا يسأل عن مثله. وأسماء: تابعية، لا أعلم حالها الآن.
[85 أ/س]
وعقبة بن عامر الجهني، وحديثه عند أبي سعيد بن يونس
(1)
، /فأحاديثهم خصَّت أحاديث التحريم على الإطلاق، وقال بعضُهم: حرام على النساء أيضًا؛ لعموم النهي.
(وَ) عن (الدِّيبَاجِ) بكسر الدَّال فارسي معرب، وقال ابن الأثير: الديباج الثياب المتخذة من الإبريسم، وقد يفتح داله ويجمع على ديابيج ودبابيج بالياء والباء؛ لأن أصله دبّاج
(2)
.
(وَ) عن (الْقَسِّىِّ) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة، وقال ابن الأثير: هو ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتي بها من مصر؛ نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبًا من تنيس؛ يقال لها: القسّ بفتح القاف، وبعض أهل الحديث يكسرها، وقيل: أصل القسّي القزّي بالزاي
(3)
منسوب إلى القزّ؛ وهو ضربٌ من الابريسم، وقيل: هو ردئ الحرير؛ فأبدل من الزاى سين، وقيل: هو منسوب إلى القسّ؛ وهو الصقيع لبياضه
(4)
.
وقال العينيُّ: القس وتنيس وقز كانت مدنًا على ساحل بحر دمياط غلب عليها البحر؛ فاندثرت وكانت تخرج منها ثياب مفتخرة ويتاجر بها في البلاد
(5)
.
ثُمَّ القسّي: إن كان حريره أكثر من الكتان؛ فالنهي عنه للتحريم، وإلا فللكراهة كذا قيل، والظاهر أنه إن كان تمامه بالحرير يحرم، وإن كان بالكتان لا يحرم.
(1)
لم أجد في كتاب تاريخ ابن يونس المصري، لعبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي، أبو سعيد (المتوفى: 347 هـ) ولكن وجدت في نصب الراية للزيلعي (4/ 225) وقال: وأما حديث عقبة بن عامر الجهني: فرواه أبو سعيد بن يونس في تاريخه" سمعت مسلمة بن مخلد سمعت عقبة بن عامر الجهني، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، بلفظ حديث زيد بن أرقم".
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر، [دَبَجَ](2/ 97).
(3)
سقط في ب بالزاي
(4)
: النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/ 60).
(5)
: عمدة القاري (8/ 7).
(وَ) عن (الإِسْتَبْرَقِ) بكسر الهمزة ثخين الديباج على الأشهر، وقيل: رقيقه
(1)
وقال النسفي: في قوله -تعالى- {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الدخان: 53] السندس: ما دَقَّ من الحرير والديباج والإستبراق ما غلظ منه
(2)
.
ثُمَّ إنَّ الحرير يتناول الثلاثة الأخيرة، وفائدة ذكرها بعده: الاهتمام بحكمها، أو دفع وهم أن تخصيصها بأسماء لا ينافي دخولها تحت حكم العام، أو الإشعار بأن هذه الثلاثة غير الحرير نظرًا إلى العرف، وكونها ذات أسماء مختلفة مقتضيًا لاختلاف مسمَّياتها
(3)
، وسقط من هذا الحديث الخصلة السابعة، وهي ركوبُ المياثر بالمثلثة، وقد ذكرها في الأشربة واللباس،
(4)
وهي جمع الميثرة: وهي وطاء يكون على السرج من حرير أو صوف أو غيره
(5)
، وقيل: الميثرة جلود السباع.
وقال النووي: الميثرة بكسر الميم من الوثارة بالمثلثة، يُقال: هو وثير أي لين، وهو وطاء كانت النساء تصنعه لأزواجهن على السروج، ويكون من الحرير والصوف وغيرهما
(6)
.
فإن قيل: فهذا السابع إذا كان من غير الحرير مما يحل فما وجه النهي عنه.
[85 أ/ص]
فالجواب: أن النهيَّ عنه ليس للحرمة؛ بل الكراهة، والنهي المذكور في الحديث أعم من أن يكون للحرمة، وأن يكون للكراهة، وكذا الأمر المذكور فيه /أعمُّ من أن يكون للوجوب، وأن يكون للندب؛ ففي بعض الأمور المذكورة للوجوب، وفي بعضها للندب؛ كما عرفت.
فإن قيل: فعلى هذا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي، وذلك ممتنع.
(1)
: النهاية في غريب الحديث والأثر، (1/ 47).
(2)
: تفسير النسفى، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، دار النفائس ـ بيروت 2005، تحقيق الشيخ: مروان محمد الشعار، (4/ 194).
(3)
: عمدة القاري (8/ 7).
(4)
صحيح البخاري: كتاب الأشربة، باب آنية الفضة، (7/ 113)، (5635). وكتاب اللباس، باب المثيرة الحمراء، (7/ 153)، (5849).
(5)
: النهاية في غريب الحديث، (5/ 150).
(6)
: صحيح مسلم بشرح النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، 1392، بيروت (14/ 33).
فالجواب: أنه ليس ممتنعًا عند الشافعي، وأمَّا عند غيره؛ فالمراد منه معني مجازي أعم من الحقيقي والمجازي، وهذا المجاز هو المجاز الذي يسمَّى بعموم المجاز.
فإن قيل: كيف جوَّز الشافعي الجمع بينهما وشرط المجاز أن يكون معه قرينة صارفة عن إرادة المعني الحقيقي؟
فالجواب: أنَّ المجاز عند الأصوليين أعمُّ مما عند أهل المعاني، فكما جاز عندهم في الكناية: إرادة المعني الحقيقي، وإرادة غيره أيضًا في استعمال واحد؛ كذلك المجاز عنده، وحاصله: أنه لا بد في المجاز من قرينة دالة على إرادة المعنى المجازي أعم من أن تكون صارفة عن إرادة المعنى الحقيقي أو لا كذا قال الكرماني فليتأمل
(1)
.
فإن قيل: إن بعض الأحكام المذكورة في الحديث عام للرجال والنساء كآنية الفضة، وبعضها خاص للرجال كحرمة خاتم الذهب، ولفظ الحديث يقتضي التساوي.
فالجواب: أن التفصيل علم
(2)
من غير هذا الحديث؛ كما سبق الإشارة إليه؛ فإن الأحاديث يفسر بعضها بعضا
(3)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ::
1240 -
حَدَّثَنَا: مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا: عَمْرُو بْنُ أَبِى سَلَمَةَ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ
(1)
الكواكب الدراري للكرماني، (7/ 51).
(2)
[أعلم] في ب.
(3)
الكواكب الدراري للكرماني، (7/ 51).
الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ». تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَرَوَاهُ سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) كذا في جميع الروايات غير منسوب، وقال الكلاباذي
(1)
روى البخاري عن محمد غير منسوب في كتاب الجنائز، ويُقال إنه محمد بن يحيى الذهلي، وقال: في أسماء رجال الصحيحين محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذئب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري، روى عنه البخاري في "الصوم، والطب، والجنائز، والعتق، وغير موضع قريبًا من ثلاثين موضعًا"، ولم يقل حدثنا: محمد بن يحيى الذهلي مصرحًا، ويقول: حدثنا محمد، ولا يزيد عليه، ويقول: محمد بن عبد الله؛ ينسبه إلى جده، ويقول: محمد بن خالد ينسبه إلى جدِّ أبيه
(2)
.
والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شعب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه؛ فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه، مات محمد بن يحيى بعد البخاري بيسير
(3)
.
(1)
هو: أبو نصر احمد بن محمد بن الحسين البخاري وكلاباذ محلة من بخارى: تذكرة الحفاظ
أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت:(3/ 1027).، وشذرات الذهب: ج 3 ص 151.
(2)
الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن، أبو نصر البخاري الكلاباذي (المتوفى: 398 هـ)، المحقق: عبد الله الليثي
دار المعرفة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1407. (1/ 425) و (2/ 687).
(3)
هو: محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي، أبو عبد الله النيسابوري الإمام الحافظ.: تهذيب الكمال، (26/ 617)(5686).
(قال حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِى سَلَمَةَ
(1)
) بفتح اللام أبو حفص التنيسي مات سنة ثنتي عشرة ومائتين، وضعفه ابن معين بسبب أن في حديثه عن الأوزاعي مناولة وإجازة، لكن بين أحمد بن صالح المصري، أنه كان يقول فيما سمعه: حدثنا، ولا يقول ذلك فيما لا يسمعه
(2)
، وعلى هذا؛ فقد عنعن هذا الحديث؛ فدل على أنه لم يسمعه.
[38 ب/س]
[86 أ/س]
والجواب /عن طرف البخاري أنه يعتمد /على المناولة، ويحتج بها وقصارى هذا الحديث أن يكون منها، وقد قواه بالمتابعة التي ذكرها عقيبه، ولم ينفرد به عمرو مع ذلك؛ فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم وغيره، عن الأوزاعي، وكان البخاري فد اختار طريق عمرو لوقوع التصريح فيها بالإخبار بين الأوزاعيِّ والزُّهريِّ
(3)
.
(عَنِ الأَوْزَاعِىِّ) عبدالرحمن بن عمرو
(4)
(قَالَ أَخْبَرَنِى) بالإفراد (ابْنُ شِهَابٍ) الزهري
(5)
(قَالَ أَخْبَرَنِي) بالإفراد أيضًا (سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
(6)
) بفتح المثناة التحتية المشددة (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ).
(1)
هو: عمرو بن أبي سلمة التنيسي، أبو حفص الدمشقي، مولى بني هاشم نزل تنيس،: تهذيب الكمال، (22/ 52)(4378).
(2)
تهذيب الكمال (22/ 52).
(3)
الفتح الباري (3/ 113_114).
(4)
هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد وقد قيل بن يحمد بن عبد عمرو الأوزاعي رحمه الله من حمير وقد قيل من همدان وقد قيل إن الأوزاع التي نسب إليها قرية بدمشق خارج باب الفراديس. الثقات لابن حبان (7/ 62)(9019).
(5)
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب القرشي الزهري، أبو بكر المدني، سكن الشام (26/ 419)(5606).
(6)
تهذيب الكمال، سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي، المخزومي، أبو محمد المدني، سيد التابعين (11/ 67)(2358).
قال الكرماني: هذا اللفظ أعمُّ من الواجب على الكفاية، وعلى العين، ومن المندوب
(1)
. وقال ابن بطال: أي حق الحرمة والصحبة
(2)
.
وفي التوضيح: الحق فيه بمعني حق حرمته وجميل صحبته له لا أنَّه من الواجب ونظيره
(3)
"حق على المسلم أن يغتسل كل جمعة
(4)
".
وقال الحافظ العسقلاني: معنى الحق هنا الوجوب
(5)
؛ خلافًا لقول ابن بطال، والظاهر هو الأول فتأمل.
وفي رواية مسلم من طريق عبد الرزاق، أخبرنا: معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خمس تجب للمسلم على أخيه"
(6)
الحديث.
(رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ) بفتح الدال المهملة (وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) إذا حمد الله ويستوى في هذه
(7)
الخمس جميع المسلمين: برُّهم، وفاجرهم، وعطف المندوب على الواجب سائغ إن دل عليه القرينة؛ كما يقال: صم رمضان، وستًا من شوال؛ فإن القِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم.
(1)
كواكب الدراري للكرماني (7/ 52).
(2)
شرح صحيح البخاري لابن بطال، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض (3/ 238_239).
(3)
التوضيح لشرح جامع الصحيح (9/ 395 - 396).
(4)
*أخرجه البخاري، كتاب الآذان، باب وضوء الصبيان (1/ 171)(858). وكتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟ (2/ 5) (897_898). * وأخرجه مسلم: كتاب الجمعة باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (2/ 580)(845 - 846).
(5)
: فتح الباري (3/ 113).
(6)
صحيح مسلم: كتاب: السلام، باب: من حق المسلم للمسلم رد السلام (4/ 1704)(2162).
(7)
هذا في ب.
وعند مسلم قال عبد الرزاق: حدَّثني: يحيى بن أيوب، وقتيبة، وَابْنُ حُجْرٍ، قالوا: حدثنا إسماعيل -وهو ابن جعفر عن العلاء-، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال إذا لقيته؛ فسلم عليه، وإذا دعاك؛ فأجبه، وإذا استنصحك؛ فانصح
(1)
، وإذا عطس، فحمد الله؛ فشمته
(2)
، وإذا مرض؛ فعده، وإذا مات؛ فأتبعه"
(3)
ورجال إسناد هذا الحديث ما بين نيسابوري وتنيسي وشامي ومدني وفيه: رواية التابعي عن التابعي، وقد أخرج متنه النسائي في "اليوم والليلة"
(4)
أيضًا.
(تَابَعَهُ) أي عمرو بن سلمة (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) هو ابن همام
(5)
(قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابن راشد
(6)
، وهذه المتابعة ذكرها مسلم، وقد مر آنفًا.
وقال عبد الرزاق: كان معمر يرسل هذا الحديث عن الزهري، وأسنده مرة عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(وَرَوَاهُ سَلَامَةُ) بتخفيف اللام، وفي رواية سلامة بن روح بفتح الراء ابن خالد بن عقيل الإيلي، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، وهو ابن أخي عقيل بن خالد الآتي
(7)
.
(1)
سقط (له) من متن الحديث.
(2)
أصله (فسمته).
(3)
صحيح مسلم: كتاب السلام، باب: من حق المسلم للمسلم رد السلام (4/ 1705)(2162).
(4)
عمل اليوم والليلة للنسائي: تحقيق: د. فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، ط 2. ما يقول إذا عطس (1/ 239) (221).
(5)
هو: عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم، اليماني، أبو بكر الصنعاني،: تهذيب الكمال (18)(52)(3415).
(6)
هو: معمر بن راشد الأزدي الحداني، أبو عروة ابن أبي عمرو البصري، مولى عبد السلام بن عبد القدوس أخي صالح بن عبد القدوس سكن اليمن.: تهذيب الكمال (28)(303)(6104).
(7)
هو: سلامة بن روح بن خالد بن عقيل بن خالد القرشي الأموي، أبو خربق، وقيل: أبو روح الأيلي، ابن أخي عقيل بن خالد مولى عثمان بن عفان.: تهذيب الكمال (12/ 304)(2665).
(عَنْ عُقَيْلٍ) / بضم العين، وفتح القاف، هو: ابن خالد بن عقيل، وهو عم سلامة السابق
(1)
، وهذه المتابعة.
[86 أ/ص]
قال الحافظ العسقلاني: أظنها في الزهريات للذهلي، وذكر البخاري أن السلامة
(2)
سمع من عقيل ابن خالد، وذكر غير واحد أن حديثه عنه من كتاب؛ ولم يسمع منه
(3)
، وسُئِلَ أبو زرعة عن سلامة؛ فقال ضعيف منكر الحديث
(4)
والله أعلم.
(1)
هو: عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي، أبو خالد الأموي، مولى عثمان بن عفان.: تهذيب الكمال (20)(242)(4001).
(2)
سَلامَة، بتَخْفِيف اللَّام: ابْن خَالِد بن عقيل الْأَيْلِي توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة، وَهُوَ ابْن أخي عقيل، بِضَم الْعين: إِبْنِ خَالِد بن عقيل، قاله العيني في عمدة القاري (8/ 13).
(3)
فتح الباري: (3/ 113).
(4)
تهذيب الكمال، يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، مكان النشر بيروت، 1400 - 1980، (12/ 305). وتهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار الفكر، 1404 - 1984، بيروت، (4/ 253).