الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ: قَوْلِ المَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الجِنَازَةِ: قَدِّمُونِي
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1316 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِى. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَىْءٍ إِلَاّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإِنْسَانُ لَصَعِقَ» .
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(بَابُ: قَوْلِ المَيِّتِ) أي: الصالح (وَهُوَ عَلَى الجِنَازَةِ) أي: السرير (قَدِّمُونِي) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التنيسي (قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو ابن سعد.
(قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) المقبري (عَنْ أَبِيهِ) كيسان (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ) سعد بن مالك الأنصاري (الْخُدْرِىَّ) رضي الله عنه (قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ) يحتمل أن يراد بالجنازة نفس الميت، وبوضعها جعله على السرير.
ويحتمل أن يراد بها السرير وبوضعها على الأكتاف والأعناق، والأول أولى*
(1)
؛ لقوله بعد ذلك: "فإن كانت صالحة قالت" فإن المراد به الميت. ويؤيده رواية عبدالرحمن بن مهران مولى أبي هريرة، قال: أوصى أبو هريرة رضي الله عنه، إذا أنا
(2)
مت فلا تضربوا علي فسطاطًا ولا تتبعوني بنار، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن المؤمن إذا وضع على سريره قال: قدموني
قدموني، وإن
(1)
*وإنما قلنا أولى لاحتمال التجوّز.
(2)
[أنا إذا] في ب.
الكافر إذا وضع على سريره قال: يا ويله أين تذهبون به؟ "
(1)
رواه أبو داود الطياليسي عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن عبدالرحمن
(2)
إلى آخره.
(3)
[77 ب/ص]
(فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِى) إلى ثواب عملي الصالح الذي قدمته، وظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق، يقوله بلسان القال
(4)
بحروف وأصوات يخلقها الله تعالى فيه. وقال ابن بطال: إنما يقول ذلك الروح
(5)
. ورده ابن المنير بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال؛ ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤس الكافر. وكذا قال غيره، وزاد: أو يكون ذلك مجازًا باعتبار / ما يؤول إليه الحال بعد إدخال القبر وسؤال الملكين.
والحق أنه لا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن؛ لأنه يحتاج إلى دليل، والله عز وجل قادر على أن يحدث نطقًا في الميت إذا شاء، وأما ما زاده الغير فهو بمعزل عن المقام كما لا يخفى على من ينظر في سياق الكلام، والله أعلم بحقيقة المرام
(6)
.
(وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذلك) أي: غير صالحة كما في رواية
(7)
: (قَالَتْ لأَهْلِهَا).
(1)
: مسند أبي داود الطيالسي، ما أسند أبو هريرة، وما روى عبد الرحمن بن مهران، عن أبي هريرة (4/ 98)(2457)، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الرحمن بن مهران، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 351) (4019). مقبول من الثالثة. وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه النسائي في سننه الصغرى (4/ 40)(1908) بهذا الإسناد.
(2)
[عبدالرحمن] سقط في ب.
(3)
[نحوه رضي الله عنه].
(4)
هكذا ورد في النسختين.
(5)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 366).
(6)
فتح الباري (3/ 185).
(7)
فتح الباري (3/ 185).
قال الطيبي: أي: لأجل أهلها إظهار لوقوعه في الهلكة
(1)
(يَا وَيْلَهَا) إذ كل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى الويل: الهلاك والحزن، كأنه قال: يا حزني احضر فهذا أوانك، وأضيف / الويل إلى ضمير الغائب حملًا على المعنى، كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه، أو كأنه لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها، وجدها كأنها غيره، ويؤيد الأول أن في رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال:" يا ويلتاه أين تذهبون بي؟ "
(2)
فدل على أن ذلك من تصرف الراوي.
[177 أ/ص]
(أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟) قاله تحسرًا وتحزنًا كراهية ما يقدم إليه (يَسْمَعُ صَوْتَهَا) المنكر (كُلُّ شَىيْءٍ) ممن له عقل كالملائكة، والجن، أو من الحيوان، أو من جنس المخلوق، فإنه لا مانع من إنطاق الله الجسد بغير روح وإسماع كلامه كل شيء من المخلوقات وهو على كل شيء قدير.
(إِلَاّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإِنْسَانُ) صوتها المنكر بالويل المزعج (لَصَعِقَ) لغشي عليه أو يموت من شدة هول ذلك.
قال ابن بزيزة: هو مختص بالميت الذي هو غير صالح، وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه فلا يناسب الصعق من سماع كلامه، انتهى.
(3)
ويحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح أيضًا؛ لكونه غير مألوف، وقد روى أبو القاسم بن مندة هذا الحديث في كتاب الأهوال
(4)
بلفظ: "لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن والمسيء"
(5)
فدل على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضًا والله أعلم.
وقد استشكل هذا مع ما ورد في حديث السؤال في القبر: "فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعها كل شيء إلا الثقلين" ولا استشكال؛ لأنه استثنى في الأول الإنس فقط وفي الثاني الجن
(1)
الكاشف عن حقائق السنن (2/ 1391).
(2)
السنن الكبرى للبيهقي، جماع أبواب المشي بالجنازة باب الإسراع في المشي بالجنازة (4/ 32)(6845) من طريق ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، أن أبا هريرة، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الرحمن بن مهران، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 351) (4019). مقبول من الثالثة، وروى له مسلم، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه النسائي في سننه الصغرى (4/ 40)(1908)، بهذا الإسناد.
(3)
فتح الباري (3/ 185).
(4)
"كتاب الْأَهْوَال وَالْإِيمَان بالسؤال" ويبدو أنه مفقود ومؤلفه ابن منده الإبن: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق (ت 470 هـ.)، ترجمته الأعلام للزركلي (3/ 327).
(5)
رواه عنه العسقلاني في فتح الباري (3/ 185).
والإنس؛ وذلك لأن كلام الميت لا يقتضي الصعق إلا من الآدمي؛ لكونه لم يألف سماع كلام الميت بخلاف الجن في ذلك، وأما الصيحة التي يصيحها المضروب في القبر فإنها غير مألوفة للجن والإنس جميعًا؛ لكون سببها عذاب الله تعالى، ولا شيء أشد منه على مكلف فأشرك فيه الجن والإنس، أعاذنا الله تعالى من عذابه وأدخلنا برحمته في دار ثوابه بحرمة نبيه صلى الله عليه وسلم.