الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1339 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليهما السلام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَىْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ. فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ» . قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ» .
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
[210 أ/ص]
(بَابُ مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ) أي: في بيت المقدس إما طلبًا للقرب من الأنبياء المدفونين هناك عليهم السلام / تيّمنًا بجوارهم، وتعرّضًا للرحمة النازلة عليهم، اقتداء بموسى عليه السلام، وهو الذي رجحه القاضي عياض
(1)
، أو ليقرب عليه المشي إلى المحشر، وتسقط عنه المشقّة الحاصلة لمن بعد عنه. وهو الذي قاله المهلب
(2)
.
(أَوْ نَحْوِهَا) بالجر عطفًا على الأرض المقدسة والمراد به بقية ما يشد إليه الرحال من الحرمين الشريفين، رزقنا الله تعالى بأحدهما مع الرضى عنا
(3)
إنه الجواد الكريم، وفي معناه مدافن الأنبياء وقبور الشهداء والأولياء.
(1)
إكمال المعلم (7/ 353).
(2)
عمدة القاري (3/ 207).
(3)
[عنا] سقط من ب.
(حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ
(1)
) هو ابن غبلان، الغين المعجمة، وقد مر في باب النوم قبل العشاء قال:(حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) هو ابن همام قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابن راشد (عَنِ ابن طَاوُسٍ
(2)
) عبدالله (عَنْ أَبِيهِ
(3)
) طاوس بن كيسان.
(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ) لم يرفع الحديث ههنا
(4)
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك عابه الإسماعيلي، ولكن رفعه في أحاديث الأنبياء عليهم السلام
(5)
على ما سيجيء.
(أُرْسِلَ) على البناء للمفعول (مَلَكُ الْمَوْتِ) بالرفع على أنه نائب عن الفاعل؛ أي: أرسل الله ملك الموت (إِلَى مُوسَى عليهما السلام) في صورة آدمي اختبارًا وابتلاء كابتلاء الخليل بالأمر
(6)
بذبح ولده، ولم يبعث الله إليه ملك الموت وهو يريد قبض روحه حينئذ، ولو أراد ذلك لكان ما أراد حين لطم، (فَلَمَّا جَاءَهُ) ظنه آدمي حقيقة تسور عليه منزله بغير إذنه ليوقع به مكروهًا.
(صَكَّهُ) بالصاد المهملة أي: لطمه على عينه التي ركبت في الصور البشرية التي جاءه فيها دون الصورة الملكية ففقأها، كما صرح به مسلم في روايته
(7)
، ويدل عليه قوله الآتي هنا:"فرد الله عز وجل عينه" ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الرسول فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذنه
(8)
. ومحال أن يعلم موسى عليه السلام أنه ملك الموت ويفقأ عينه.
(1)
هو: محمود بن غيلان العدوي، مولاهم أبو أحمد المروزي، نزيل بغداد، ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، وقيل بعد ذلك، تقريب التهذيب (1/ 522)(6503).
(2)
هو: عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، تقريب التهذيب (ص: 308) (3397).
(3)
هو: طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري، مولاهم الفارسي يقال اسمه ذكوان وطاوس لقب، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة ست ومائة وقيل بعد ذلك، تريب التهذيب (ص: 281) (2996).
(4)
[هنا] في ب
(5)
صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد (4/ 157)(3407).
(6)
[بالأمر] سقط من ب.
(7)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم (4/ 1842)(2372).
(8)
سنن الترمذي، أبواب الاستئذان والآداب، باب من اطلع في دار قوم بغير إذنهم (5/ 64) (2708) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم عليه السلام فلم يعرفهم ابتداء، ولو علمهم لكان من المحال أن يقدم إليهم عجلًا؛ لأنهم لا يطعمون.
وقد جاء الملك إلى- مريم عليها السلام فلم تعرفه، ولو عرفته لما استعاذت منه.
وقد دخل الملكان على داود عليه السلام في شبه آدميين يختصمان عنده فلم يعرفهما وقد جاء جبريل عليه السلام إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإيمان فلم يعرفه، وقال:"ما أتاني في صورة قط إلا عرفته فيها غير هذه المرة"
(1)
.
[211 أ/س]
فلا يستنكر أن لا يعرف موسى عليه السلام الملك حين دخل عليه، فلا يرد إنكار بعض أهل البدع والجهمية هذا الحديث، وبطل قولهم: لا يخلو أن يكون موسى عليه السلام عرف ملك الموت، أو لم يعرفه، فإن / عرفه فقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فرواية من روى أنه كان يأتي موسى عيانًا لا معنى لها.
وأما قول الجهمية: إن الله تعالى لم يقتص لملك الموت من اللطمة وفقء العين، والله تعالى لا يظلم أحدًا.
فهذا دليل على جهلهم، من أخبرهم أن بين الملائكة والآدميين قصاصًا؟ أو من أخبرهم أن الملك طلب القصاص فلم يقتص له، ثم الظاهر أن ذلك من موسى عليه السلام كان عمدًا
(2)
فقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم: "أن الله تعالى لم يقبض نبيًا قط حتى يريه مقعده في الجنة ويخبره"
(3)
فلم ير أن يقبض روحه قبل أن يريه مقعده من الجنة ويخيره فلما جاءه الملك وأراد قبض روحه؛ كما يدل عليه رواية مسلم: "جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام. فقال له: أجب ربك. لطم موسى عين ملك الموت ففقأها"
(4)
.
[92 ب/ص]
يعني لكون ذلك قبل أن يريه مقعده / ويخيره عز وجل، فقول من قال: إنه كان خطأ فهو خطأ، والحاصل أنه أكرم الله تعالى موسى عليه السلام في حياته بأمور أفرده بها فلما دنت وفاة لطف به أيضًا بأن لم يأمر الملك بأخذ روحه قهرًا لكن أرسله على سبيل الامتحان في صورة البشر فاستنكر
(1)
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، (8/ 202)
(2)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 323).
(3)
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (4/ 1894)(2444).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم (4/ 1843)(2372).
موسى عليه السلام شأنه ودفعه عن نفسه فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها دون الصورة الملكية، وقد كان في طبع موسى عليه السلام حدة روي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارًا، وجاز عليه أن يأذن له الله تعالى في هذه اللطمة ويكون ذلك امتحانًا للملطوم، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
(1)
.
وقال ابن قتيبة في مختلف الحديث: أذهب موسى عليه السلام العين التي هي تخييل وتمثيل، وليست على حقيقتها، وعاد ملك الموت إلى حقيقة خلقته، كما كان لم ينتقض منه شيء
(2)
والله أعلم.
(فَرَجَعَ) أي: ملك الموت (إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ:) رب (أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ) ليعلم موسى عليه السلام إذا رأى صحة عينه أنه من عند الله. وفي رواية "فيرد الله" بلفظ المضارع "إليه عينه" بكلمة إلى بدل على
(3)
.
[211 أ/ص]
(وَقَالَ) له: (ارْجِعْ) إلى موسى عليه السلام (فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ) بالمثناة الفوقية في الكلمة الأولى وبالمثلثة في الثانية أي: على ظهر ثور (فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ / شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ) موسى عليه السلام: (أي: رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا) أي: ماذا يكون بعد هذه السنين وفي رواية: ثم مه. وهي: ما الاستفهامية. ولما وقف عليها زيد هاء السكت
(4)
.
(قَالَ) أي: الله تعالى (ثُمَّ) يكون بعدها (الْمَوْتُ قَالَ) موسى عليه السلام: (فَالآنَ) يكون الموت، والآن اسم لزمان الحال الفاصل بين الماضي والمستقبل، فلما خيره الله تعالى اختار الموت شوقًا إلى لقاء ربه تعالى كما خير نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: الرفيق الأعلى.
(فَسَأَلَ اللَّهَ موسى) ربه تبارك وتعالى (أَنْ يُدْنِيَهُ) من الإدناء أي: يقربه (مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ) أي: المطهرة، وكلمة "أن" مصدرية في موضع نصب أي: سأل الله الدنو من بيت المقدس ليدفن فيه.
(1)
التوضيح (10/ 47). فتح الباري (3/ 207). وعمدة القاري (8/ 149).
(2)
تأويل مختلف الحديث، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276 هـ)، المكتب الاسلامي - مؤسسة الإشراق، الطبعة: الطبعة الثانية- مزيده ومنقحة 1419 هـ - 1999 م، (402).
(3)
إرشاد الساري (2/ 436).
(4)
عمدة القاري (8/ 149).
(رَمْيَةً بِحَجَرٍ) أي: دنوًا لو رمى رام حجرًا من ذلك الموضع الذي هو موضع قبره عليه السلام لوصل إلى بيت المقدس؛ وإنما سأل ذلك لفضل من دفن في الأرض المقدسة من الأنبياء والصالحين فاستحب مجاورتهم في الممات كما في الحياة؛ ولأن الناس يقصدون المواضع الفاضلة ويزورون قبورها ويدعون لأهلها، إنما لم يسأل نفس البيت المقدس وسأل الدنو منها لخوف أن يكون قبره مشهورًا فيفتنن به الناس، كما أخبر الشارع صلى الله عليه وسلم: إن اليهود والنصارى "اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
(1)
.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله تعالى
(2)
.
[212 أ/س]
وكان موسى عليه السلام إذ ذاك في التيه ومعه بنو إسرائيل، وقد أمرهم الله بدخول إلى بيت المقدس، وقتل الجبابرة فامتنع قومه وقالوا {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} [المائدة: 24] فحرم الله عليهم دخولها أبدًا غير الرجلين اللذين قالا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} [المائدة: 23]. وهما: كالب ويوشع، وتيههم الله في القفار أربعين سنة في ستة فراسخ، وهم ستمائة ألف مقاتل، فكانوا يسيرون كل يوم جادِّين، حتى إذا سموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه، وكان الغمام يظلهم من حر الشمس ويطلع لهم عمود من نور / يضيء لهم، وينزل عليهم المن والسلوى، ولا تطول شعورهم، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله. وكان ذلك حالهم إلى أن أفناهم الموت، ولم يدخل الأرض المقدسة إلا أولادهم مع يوشع عليه السلام ولم يدخلها أحد ممن امتنع أن يدخلها أولًا، ومات هارون عليه السلام في التيه، ومات موسى عليه السلام بعده بسنة قبل فتح الأرض المقدسة، ودخل يوشع بعد موته بثلاثة أشهر على الصحيح، ولم يبق من النقباء إلا كالب ويوشع
(3)
.
ولما لم يتهيأ لموسى عليه السلام دخولها لغلبة الجبارين عليها، ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلب القرب منها؛ لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه.
(1)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 102)(1390).
(2)
تأريخ مدينة دمشق (61/ 181)، من طريق أبي حذيفة إسحاق بن القرشي عن سعيد عن قتادة عن الحسن [وليس عن ابن عباس] قال:"لو علمت بنو إسرائيل قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله". وعمدة القاري (8/ 149).
(3)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 623).
وقيل: إنما طلب الدنو؛ لأن النبي عليه السلام يدفن حيث يموت ولا ينقل. قيل: فيه نظر؛ لأن موسى عليه السلام قد نقل يوسف عليه السلام، من مصر إلى بلد إبراهيم الخليل عليه السلام. وفيه نظر؛ لأن موسى عليه السلام ما نقله إلا بالوحي، فكان ذلك مخصوصًا به
(1)
. وكان عمر موسى عليه السلام مائة وعشرين سنة وقال وهب: خرج موسى عليه السلام لبعض حاجته، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرًا لم ير شيئًا قط أحسن منه، فقال لهم: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا: أتحب أن يكون لك؟ قال: وددت. قالوا: فانزل واضطجع فيه، وتوجه إلى ربك، قال: ففعل، ثم تنفس أسهل تنفس، فقبض الله روحه عليه الصلاة والسلام
(2)
.
(قَالَ) أبو هريرة رضي الله عنه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ) بفتح المثلثة أي: هناك (لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطور).
ذكر ياقوت في كتاب المشترك: أن الطور سبعة مواضع، منها: جبل ببيت المقدس يقال له طور زيتا. وفي الأثر "مات بطور زيتا سبعون ألف نبي قتلهم الجوع"
(3)
وهو شرقي وادي سلوان، ومنها: طور هارون علم لجبل عال مشرق في قبلى بيت المقدس، وفيه - فيما قيل- قبر هارون، أخي موسى عليهما السلام
(4)
.
[93 ب/س]
والظاهر أن الطور المذكور هو أحد الطورين المذكورين ولكن الأقرب أنه طور زيتا والله أعلم.
/ (عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ) وهو الرمل المجتمع، وهذا ليس صريحًا في الإعلام بقبره الشريف.
[212 أ/ص]
ومن ثمة حصل الاختلاف فيه، وفي المرآة: اختلفوا في موضع قبر موسى عليه السلام، / على أقوال: أحدها: أنه بأرض التيه، هو وهارون عليهما السلام ولم يدخلا الأرض المقدسة إلا رمية بحجر،
(1)
عمدة القاري (8/ 149).
(2)
تاريخ الطبري، ذكر وفاة موسى وهارون ابنى عمران عليهم السلام (1/ 434) * المستدرك على الصحيحين، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، ذكر وفاة موسى عليه السلام (2/ 634)(4112) هذا الحديث في سنده عند الحاكم عبد المنعم بن إدريس اليماني، وإنه يضع الحديث وخاصة ما رواه عن أبيه عن وهب بن منبه وهذا منها، ترجمه في" ميزان الاعتدال"(2/ 668). فعليه يكون الحديث بهذا الإسناد موضوعًا.
(3)
معجم البلدان [الطور](4/ 48)، ولم أقف على سند هذا الأثر.
(4)
المشترك وضعا والمفترق صقعا، للإمام شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبد الله الحموي، عالم الكتب- بيروت، الطبعة: الثانية، 1406 هـ -1986 م، (297).
رواه الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال: لا يعرف قبره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبهم ذلك بقوله:"إلى جانب الطور عند الكثيب الأحمر"، ولو أراد بيانه لبينه صريحًا.
وقال ابن إسحاق: لم يطلع على قبر موسى عليه السلام إلا الرخمة، وهي التي أطلعت على قبر هارون لما دفن في التيه، فنزع الله عقلها- أي: إلهامها- لئلا تدل عليه.
الثاني: أنه بباب "لد" بالبيت المقدس. وقال الطبري: هو الصحيح
(1)
وتعقبه العيني: بأنه كيف يكون هو الصحيح وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ووهب وعامة العلماء: إنه بأرض التيه
(2)
.
الثالث: أن قبره ما بين عالية وعويلة، ذكره الحافظ أبو القاسم في تاريخ دمشق: وهما محلتان عند مسجد القدم، ويقال: إن قبره رئي في المنام هناك. قال: والأصح أنه بتيه بني إسرائيل
(3)
.
الرابع: أن قبره بواد بين بصرى والبلقاء.
الخامس: أن قبره بدمشق. ذكره الحافظ أبو القاسم عن كعب الأحبار.
وذكر ابن حبان في صحيحه: "أن قبر موسى عليه السلام بمدين بين المدينة وبين بيت المقدس"
(4)
.
واعترض عليه الضياء محمد بن عبد الواحد في كتاب علل الأحاديث بأن مدين ليست قريبة من القدس ولا من الأرض المقدسة، وقد اشتهر أن قبرًا بأريحا -وهي من الأرض المقدسة- مزار، ويقال: إنه قبر موسى عليه السلام وعنده كثيب أحمر، كما في الحديث:" وطريق"
(5)
. كما جاء في بعض طرق الحديث: "إلى جانب الطريق"
(6)
بدل "إلى جانب الطور" والدعاء عنده مستجاب.
وفي الحديث استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والقرب من مدافن الصالحين
(7)
.
وفيه: أن للملك قدرة على التصور بصورة غير صورته.
(1)
تاريخ الطبري، ذكر وفاه موسى وهارون ابنى عمران عليهم السلام (1/ 434)
(2)
عمدة القاري (8/ 150).
(3)
تاريخ دمشق (61/ 15)(7741).
(4)
صحيح ابن حبان، كتاب الإسراء، ذكر الموضع الذي فيه رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم موسى صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره (1/ 242)(50).
(5)
عمدة القاري (8/ 150)
(6)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 322) وفتح الباري (6/ 442).
(7)
شرح النووي على شرح مسلم (15/ 128).
وفيه: في قوله: "يضع يده على متن ثور" دلالة على أن الدنيا قد ذهب أكثرها. وفيه: دلالة على الزيادة في العمر، مثل الحديث الآخر:"من سره أن يبسط رزقه وينسأ في أثره فليصل رحمه"
(1)
وهو يؤيد قول من قال في قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} [فاطر: 11] الآية أنه زيادة ونقص في الحقيقة
(2)
.
(تتمة) واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد؛ فقيل: يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته
(3)
. وقيل: يستحب. والأولى تنزيل ذلك على حالتين: فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح، كالدفن في البقاع الفاضلة. والاستحباب حيث يكون ذلك كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها
(4)
والله أعلم.
وقد أخرج هذا الحديثَ مسلمٌ في أحاديث الأنبياء كالبخاري مرفوعًا، وأخرجه النسائي في الجنائز
(5)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق (3/ 56)(2067).
(2)
عمدة القاري (8/ 150)
(3)
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (5/ 464).
(4)
الحاوي الكبير (3/ 26).
(5)
صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد (4/ 157)(3407). *صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم (4/ 1842)(2372) * السنن الصغرى للنسائي، كتاب الجنائز، نوع آخر (4/ 118)(2089).