الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ المَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1379 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(بَابُ المَيِّتِ) بالإضافة، وفي رواية: بابٌ، بالتنوين، وقوله:"الميتُ" مرفوع على الابتداء، خبره. (يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ) وفي رواية: سقط لفظ "مقعده"
(1)
(بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ) أي: وقتهما، وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء. والمراد من المقعد الموضع الذي أعد له في الجنة أو في النار.
(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هو ابن أبي أويس (قَالَ حَدَّثَنِى) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ) بن الخطاب (- رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ) قال ابن التين: يحتمل أن يراد "بالغداة والعشي" غدوة واحدة وعشية واحدة يكون العرض فيهما، وحينئذ معنى قوله: حتى يبعثك الله. أي: لا يصل إليه إلى يوم البعث، ويحتمل أن يراد كل غدوة وكل عشي وذلك لا يكون إلا بأن
(1)
إرشاد الساري (2/ 467).
يكون الإحياء لجزء منه، فإنا نشاهد الميت قد فني، وذلك يمنع إحياء جميعه وإعادة جسمه، ولا يمتنع أن تعاد الحياة في جزء أو أجزاء منه وتصح مخاطبته والعرض عليه انتهى
(1)
.
والأول موافق للأحاديث المتقدمة قبل بابين في سياق المساءلة، وعرض المقعدين على كل واحد.
[271 أ/س]
وقال القرطبي: يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط، ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن. قال: وهذا في حق المؤمن والكافر واضح
(2)
. فأما المؤمن المخلَّطُ فمحتمل أيضًا في حقِّه/ لأنه يدخل الجنة بالآخرة ولو بعد حين، ثم هو مخصوص بغير الشهداء،
وقيل: يحتمل أن يقال: إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها، فإن فيه قدرًا زائدًا على ما هي فيه الآن
(3)
.
وقال ابن عبد البر: قال بعضهم: يدل ذلك على أن الأرواح على أفنية القبور، قال: والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية القبور لا أنها لا تفارق الأفنية؛ بل هي كما قال مالك: "أنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت"
(4)
.
وقال العيني: كونها تسرح حيث شاءت لا يمنع كونها على الأفنية؛ لأنها تسرح، ثم تأوي إلى القبر
(5)
، وعن مجاهد:" الأرواح على القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارق"
(6)
والله أعلم.
(1)
التوضيح (10/ 162).
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 145).
(3)
فتح الباري (3/ 243).
(4)
ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 89).
(5)
عمدة القاري (8/ 209).
(6)
الاستذكار (3/ 89).
(إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) قال التوربشتي: تقديره: إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه،
(1)
انتهى.
أو التقدير: إن كان من أهل الجنة فالمعروض عليه من مقاعد أهل الجنة، بحذف المبتدأ وبحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
وقال الطيبي: يجوز أن يكون المعنى: إن كان من أهل الجنة فسيبشر بما لا يكتنه كنهه، ويفوز بما لا يقدر قدره؛ لأن هذا المنزل طليعة تباشر السعادة الكبرى؛ لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الفخامة، كقولهم:"من أدرك الصمان فقد أردك المرعى"
(2)
.
وفي رواية مسلم بلفظ: "إن كان من أهل الجنة فالجنة وإن كان من أهل النار فالنار"
(3)
فالتقدير: فالمعروض الجنة أو النار.
(وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ النَّارِ) زاد أبو ذر: "فمن أهل النار"
(4)
أي: فمقعد من مقاعد أهلها، أو فالمعروض عليه من مقاعد أهل النار، أو المعني فيتهكم بما لا يكتنه كنهه؛ لأنها مقدمة بتاريخ الشقاوة الكبرى والنقمة العظمى. والمقصود تنعيم أهل الجنة وتعذيب أهل النار بمعاينة ما أعد لهما وانتظارهما ذلك إلى اليوم الموعود.
(1)
الميسر في شرح مصابيح السنة، للإمام أبي عبد الله فضل الله بن الصدر السعيد تاج الملة والدين الحسن التوربشتي (المتوفي -661 هـ)، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز- سعودية، الطبعة: الثانية، 1429 هـ -2008 م، (1/ 72).
(2)
الكاشف عن حقائق السنن (2/ 591).
(3)
صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (4/ 2199)(2866).
(4)
إرشاد الساري (2/ 467)(1378).
(فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). ولمسلم: "حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة"
(1)
بزيادة "إليه".
وحكى ابن عبد البر فيه الاختلاف بين أصحاب مالك، وأن الأكثرين رووه كرواية البخاري، وأن ابن القاسم رواه كرواية مسلم
(2)
. نعم، روى النسائي رواية ابن القاسم كلفظ البخاري
(3)
.
واختلف في ضمير "إليه" فقيل: يرجع إلى المقعد، وقيل: يرجع إلى الله تعالى؛ أيْ: إلى لقائه ورضوانه أو عذابه وخذلانه، ورجوعه إلى المقعد أشبه، ويؤيده رواية الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ:"ثم يقال هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة".
(4)
.
وقال الطيبي: معنى" يبعثك الله" و"حتى" للغاية، أنه يرى بعد البعث من الله كرامة ومنزلة ينسى عنده هذا المقعد، كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)} [ص: 78] أي: أنك مذموم مدعو عليك باللعنة إلى يوم الدين، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما تنسي اللعن معه
(5)
.
وفي هذا الحديث إثبات عذاب القبر وأن الروح لا تفني بفناء الجسد؛ لأن العَرْضَ لا يقع إلا على حيٍّ
(6)
وقد تقدم الكلام فيه آنفًا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صفة النار، والنسائي في الجنائز
(7)
.
(1)
صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (4/ 2199)(2866).
(2)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (14/ 103).
(3)
السنن الكبرى، كتاب الجنائز، وضع الجريدة على القبر (2/ 480).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (4/ 2199)(2866).
(5)
الكاشف عن حقائق السنن (2/ 591)، والكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/ 577).
(6)
فتح الباري (3/ 243).
(7)
صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (4/ 2199)(2866). *السنن الصغرى للنسائي، كتاب الجنائز، وضع الجريدة على القبر (4/ 106)(2070).