الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِىُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ؟ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِىِّ الإِسْلَامُ
؟
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
وَقَالَ الْحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَدُ مَعَ الْمُسْلِمِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - مَعَ أُمِّهِ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ. وَقَالَ: الإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(باب) بالتنوين (إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِىُّ فَمَاتَ) قبل البلوغ (هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ) أو لا؟ (وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِىِّ الإِسْلَامُ؟).
[232 أ/ص]
وفي هذا الباب ترجمتان؛ الأولى: أن الصبي إذا أسلم فمات قبل البلوغ هل يصلي عليه؟ فيه خلاف؛ فلذلك لم يذكر جواب الاستفهام، ولا خلاف أنه يصلى على الصغير المولود في الإسلام؛ لأنه كان على دين/ أبويه
(1)
.
قال ابن القاسم: إذا أسلم أحد أبويه على ثلاثة أقوال:
أحدها: يتبع أيهما أسلم، وهو أحد قولي مالك، وبه أخذ ابن وهب، ويصلى عليه إن مات على هذا.
[102 ب/س]
والثاني: أنه يتبع أباه ولا يعد بإسلام أمه، وهذا قول مالك في المدونة. /
والثالث: أنه يتبع أمه، وإن أسلم أبوه، وهذه مقالة شاذة ليست في مذهب مالك.
(2)
وقال ابن بطال: أجمع العلماء في الطفل الحربي يسبى ومعه أبواه، أن إسلام [الأم]
(3)
إسلام له، واختلفوا فيما إذا لم يكن معه أبوه، أو وقع في الغنيمة دونهما، ثم مات في ملك مشتريه، فقال مالك في المدونة: لا يصلي عليه إلا أن يجيب إلى الاسلام بأمر يعرف به أنه عقله، وهو المشهور
(1)
التوضيح (10/ 82).
(2)
المدونة (1/ 255)، والنَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ (1/ 599 - 603).
(3)
الأب في [شرح ابن بطال (3/ 342)].
من مذهبه
(1)
، وعنه: إذا لم يكن معه أحد من آبائه ولم يبلغ أن يتدين أو يدعى، ونوى سيده الإسلام فإنه يصلي عليه، وأحكامه أحكام المسلمين في الدفن في مقابر المسلمين والموارثة
(2)
، وهو قول ابن الماجشون وابن دينار واصبغ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي
(3)
.
وفي رواية شروح الهداية: إذا سبي صبي مع أحد أبويه فمات لم يصل عليه حتى يقر بالإسلام وهو يعقل أو يسلم أحد أبويه، خلافا لمالك في إسلام الأم، والشافعي في إسلامه، قال: هو والولد يتبع خير الأبوين دينا والتبعية للأبوين، ثم الدار، ثم اليد
(4)
.
وفي المغنى: لا يصلى على أولاد المشركين، إلا أن يسلم أحد أبويهم، أو يموت مشركًا فيكون ولده مسلمًا ، أو يسبى منفردًا فإنه يصلى عليه. وقال أبو ثور: إذا سبى مع أحد أبويه لا يصلى عليه، إلا إذا أسلم
(5)
. وعنه: إذا أسر مع أبويه أو أحدهما أو وحده ثم مات قبل أن يختار الإسلام يصلى عليه
(6)
.
وأما الترجمة الثانية فإنه ذكرها هنا بلفظ الاستفهام وترجم في كتاب الجهاد بصيغة تدل على الجزم، فقال: كيف يعرض الإسلام على الصبي؟ وذكر فيه قصة ابن صياد، وفيه:"قد قارب ابن صياد يحتلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " الحديث
(7)
.
(1)
التهذيب في اختصار المدونة، خلف بن أبي القاسم محمد، الأزدي القيرواني، أبو سعيد ابن البراذعي المالكي (المتوفى: 372 هـ)، دراسة وتحقيق: الدكتور محمد الأمين ولد محمد سالم بن الشيخ، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2002 م (1/ 338).
(2)
المدونة (1/ 255)
(3)
شرح ابن بطال (3/ 342).
(4)
العناية شرح الهداية، محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبد الله ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي (المتوفى: 786 هـ)، دار الفكر (2/ 131).
(5)
المغني (2/ 417).
(6)
الإشراف على مذاهب العلماء (2/ 351)(876).
(7)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي (4/ 70)(3055).
وفيه: عرض الإسلام على الصغير، واحتج به قوم على صحة إسلام الصبي الذي قارب الاحتلام، وهو مقصود البخاري من تبويبه بقوله: "وهل يعرض على الصبي الإسلام؟ وجوابه: يُعْرَض. وبه قال أبو حنيفة ومالك خلافًا للشافعي
(1)
.
[233 أ/س]
(وَقَالَ الْحَسَنُ) البصري (وَشُرَيْحٌ) بضم المعجمة القاضي المشهور / (وَإِبْرَاهِيمُ) النخعي (وَقَتَادَةُ) أي: ابن دعامة (إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أي: أحد الوالدين (فَالْوَلَدُ مَعَ الْمُسْلِمِ).
أما أثر الحسن البصري فأخرجه البيهقي من حديث يحيى بن يحيى، ثنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن في الصغر قال: مع المسلم من والديه
(2)
.
وأما أثر شريح فأخرجه البيهقي أيضًا عن يحيى بن يحيى ثنا، عن هشيم، عن أشعث، عن الشعبي، عن شريح، أنه اختصم إليه في صبي، أحد أبويه نصراني، قال: الوالد المسلم أحق بالولد
(3)
.
وأما أثر إبراهيم النخعي فأخرجه عبدالرزاق، عن معمر، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال في نصرانيين بينهما ولد صغير فأسلم أحدهما قال: أولاهما به المسلم
(4)
.
وأما أثر قتادة فأخرجه عبدالرزاق أيضًا عن معمر عنه نحو قول الحسن
(5)
.
(وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَعَ أُمِّهِ) لبابة بنت الحارث الهلالية (مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ).
وهذا تعليق وصله المؤلف في هذا الباب؛ حيث قال: حدثنا علي بن عبدالله أخبرنا سفيان قال: قال عبيد الله: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: " كنت أنا وأمي من المستضعفين؛ أنا من الولدان وأمي من النساء".
وأراد بقوله: "من المستضعفين" قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ} [النساء: 98]. وهم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد.
(1)
عمدة القاري (8/ 168).
(2)
السنن الكبرى، كتاب الدعوى والبينات، باب: الولد يسلم بإسلام أحد أبويه. (10/ 454)(21294).
(3)
السنن الكبرى، كتاب الدعوى والبينات، باب: الولد يسلم بإسلام أحد أبويه. (10/ 454)(21293).
(4)
مصنف عبد الرزاق، كتاب أهل الكتاب، النصرانيان يسلمان لهما أولاد صغار (6/ 28)(9899).
(5)
مصنف عبد الرزاق، كتاب أهل الكتاب، النصرانيان يسلمان لهما أولاد صغار (6/ 28)(9900).
(وَلَمْ يَكُنْ) ابن عباس رضي الله عنهما (مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ) المشركين، وهذا من كلام البخاري، ذكره مستنبطًا، ولكن هذا مبني على أن إسلام العباس رضي الله عنه كان بعد وقعة بدر.
فإن قلت: روى ابن سعد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه أسلم قبل الهجرة، وأقام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك لمصلحة المسلمين
(1)
. فالجواب: أن في إسناده الكلبي وهو متروك
(2)
.
ويرده أيضًا أن العباس أسر ببدر وفدى
(3)
نفسه كما سيأتي في المغازي
(4)
إن شاء الله تعالى.
ويرده أيضًا أن الآية التي في قصة المستضعفين نزلت بعد بدر بلا خلاف، وكان شهد بدرًا مع المشركين، وكان خرج إليها مكرهًا وأسر يومئذ ثم أسلم بعد ذلك، والصحيح أنه هاجر عام الفتح في أول السنة وأسلم وقدم مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهد الفتح ذكره الحافظ العسقلاني
(5)
.
[233 أ/ص]
(وَقَالَ: الإِسْلَامُ /يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) كذا قال البخاري، ولم يعين من القائل وربما يظن أن القائل هو ابن عباس رضي الله عنهما وليس كذلك؛ فإن الدارقطني أخرجه في كتاب النكاح في سننه بسند صحيح على شرط الحاكم فقال: حدثنا محمد بن عبدالله بن إبراهيم ثنا أحمد بن الحسين الحداد،
(6)
ثنا شبانة
(7)
بن خياط، ثنا حشرج بن عبدالله بن حشرج، حد ثنى أبي، عن جدى، عن عائذ بن عمرو المزني، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"الإسلام يعلو ولا يعلى"
(8)
.
(1)
الطبقات الكبرى، العباس بن عبد المطلب (4/ 7).
(2)
فتح الباري (3/ 220).
(3)
[فدى].
(4)
صحيح البخاري، كتاب المغازي (5/ 85)(4017).
(5)
فتح الباري (3/ 220).
(6)
الحذاء في سنن الدارقطني.
(7)
شباب في سنن الدارقطني.
(8)
سنن الدارقطني، كتاب النكاح، باب المهر (4/ 371)(3620)، من طريق حشرج بن عبد الله بن حشرج، حدثني أبي، عن جدي، عن عائذ بن عمرو، وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/ 338)(12155) بهذا الإسناد، وأخرجه الروياني في مسنده (2/ 37)(783) بهذا الإسناد أيضًا، وأخرجه الأصبهاني في أخبار أصبهان (1/ 92) بهذا الإسناد، إسناد ضعيف فيه عبد الله بن حشرج المزني وهو مجهول، وحشرج بن عائذ المزني وهو مجهول أيضًا. قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"(2/ 409)(4272)، عن أبيه، لا يعرف من ذا. وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 311) (1332): قال ابن عباس رضي الله عنه "الإسلام يعلو ولا يعلى" كذا ذكره البخاري في صحيحه ولا يصح رفعه.
وروى أن عائذ بن عمرو جاء عام الفتح مع أبي سفيان بن حرب فقال الصحابة: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو ولا يعلى
(1)
. وفي هذه القصة أن للمُبْدَأ به في الذكر تأثيرًا في الفضل لما يفيده من الاهتمام.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أوالنصراني يفرق بيهما الإسلام يعلو ولا يعلى
(2)
.
[102 ب/ص]
فإن قيل: ما مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب؟ فالجواب: أن الباب في نفس الأمر ينبئ عن علو الإسلام، ألا ترى أن الصبي غير المكلف إذا أسلم ومات يصلى عليه، وذلك ببركة الإسلام وعلو قدره، وكذلك يعرض عليه الإسلام حتى لا يحرم /من هذه الفضيلة
(3)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1354 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ -وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ- فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ:«تَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ؟» . فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ وَقَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ. فَقَالَ لَهُ: «مَاذَا تَرَى؟» . قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ» ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّى قَدْ
(1)
أخبار أصبهان، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 هـ) المحقق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ-1990 م (1/ 92).
(2)
المحلى (5/ 371)، وقال ابن حجر: وهذا إسناد صحيح لكن لم أعرف إلى الآن من أخرجه، تغليق التعليق (2/ 490).
(3)
عمدة القاري (8/ 169).
خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا». فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» . فَقَالَ عُمَرُ - رضى الله عنه - دَعْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ»
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) بفتح المهملة هو لقب عبدالله بن عثمان قال (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هو ابن المبارك (عَنْ يُونُسَ) هو ابن يزيد الأيلي (عَنِ الزُّهْرِىِّ) محمد بن مسلم بن شهاب.
(قَالَ: أَخْبَرَنِى) بالإفراد (سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمر (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ) أباه (عُمَرَ) أي: ابن الخطاب رضي الله عنه (انْطَلَقَ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى رَهْطٍ).
قال في الصحاح: رهط الرجل: قومه وقبيلته. وقال أبو زيد: الرهط: ما دون العشرة من الرجال
(1)
.
وفي العين: هو عدد جمع من ثلاثة إلى عشرة، وبعض يقول: من سبعة الى عشرة، وما دون السبعة الى الثلاثة: نفر
(2)
. وعن ثعلب، الرهط: للأب الأدنى. والرهط: لا واحد له من لفظه
(3)
، وفي الجامع الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة وربما جاوزاذلك
(4)
، و"أراهط" جمع الجمع، ولا يكون فيهم امرأة
(5)
.
[234 أ/س]
(قِبَلَ) بكسر القاف وفتح الموحدة /أي: جهة (ابْنِ صَيَّادٍ) وبفتح المهملة وتشديد التحتية وبالدال المهملة، ويروي: ابن صائد.
وقال ابن الجوزي: إن ابن الصياد يقال له: ابن الصائد وابن صائد، واسمه صافي كقاضي وقيل: عبدالله
(6)
. وقال الواقدي: هو من بني النجار
(7)
.
(1)
الصحاح تاج اللغة [رهط](3/ 1128).
(2)
العين [باب الهاء والطاء والرّاء](4/ 19)
(3)
لسان العرب، حرف الطاء المهملة، فصل الراء (7/ 305)، "المحكم"(4/ 176).
(4)
"جمهرة اللغة"(2/ 761).
(5)
"جمهرة اللغة"(2/ 761)، عمدة القاري (8/ 169).
(6)
كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 334).
(7)
عمدة القاري (8/ 169).
وكان سبب انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم إليه ما رواه أحمد من طريق جابر، وقال:" ولدت امرأة من اليهود غلامًا ممسوحة عينه، والأخرى طالعة ناتئة، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الدجال"
(1)
.
(حَتَّى وَجَدُوهُ) أي: الرسول ومن معه من الرهط، والضمير المنصوب لابن صياد، وفي رواية: حتى وجده بالإفراد أي: وجد النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد حال كونه
(2)
(يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ) بضم الهمزة والطاء بناء من حجر كالقصر وقيل: هو الحصن، وجمعه آطام
(3)
.
وبنى مغالة: بفتح الميم وبالغين المعجمة المخففة بطن من الأنصار وفي رواية مسلم: بني معاوية
(4)
.
ذكر الزبير بن أبي بكر: أن كل ما كان عن يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فهو لبني مغالة، ومسجده صلى الله عليه وسلم في بني مغالة وما كان على يسارك فلبني جديلة وبنو معاوية هم بنو جديلة
(5)
. وهي امرأة نسبوا إليها وهي امرأة عدي بن عمرو بن مالك بن النجار
(6)
.
(وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ) بضم اللام وسكونها أي: البلوغ (فَلَمْ يَشْعُرْ) ابن صياد (حَتَّى ضَرَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: تَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ؟) بحذف همزة الاستفهام.
(1)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه (23/ 213)(14955)، من طريق محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، إسناده على شرط مسلم. وأخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2243)(2929) مختصرًا، من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله.
(2)
عمدة القاري (8/ 170).
(3)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1862).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد (4/ 2245)(2930).
(5)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 117). قال العلماء: المشهور المعروف هو الأول.
(6)
اللباب في تهذيب الأنساب، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630 هـ) دار صادر - بيروت - 1400 هـ - 1980 م (3/ 240).
وفيه: عرض الإسلام على الصبي الذي لم يبلغ، ومفهومه، أنه لو لم يصح إسلامه لما عرض صلى الله عليه وسلم الإسلام على ابن الصياد، وهو غير بالغ، وبه يطابق الحديث الترجمة بجزئيها وفي رواية: لابن صائد
(1)
.
(فَنَظَرَ إِلَيْهِ) أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم (ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ) هم مشركو العرب نسبوا إلى ما عليه أمة العرب وكانوا لا يكتبون. وقيل: نسبة إلى أم القرى
(2)
.
وفيه إشعار بأن اليهود الذين كان منهم ابن صياد كانوا معترفين ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن يدعون أنها مخصوصة بالعرب وفساد حجتهم واضح؛ لأنهم إذا أقروا برسالته استحال كذبه فوجب تصديقه في دعواه الرسالة الى كافة الناس
(3)
.
[234 أ/ص]
(فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: /أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ) النبي صلى الله عليه وسلم كذا هو بالضاد المعجمة أي: تركه، والمعنى: ترك سؤاله أن يسلم ليأسه منه، وزعم القاضي عياض أنه بصاد مهملة. قال: وهي روايتنا عن الجماعة. وقيل: بالصاد المهملة وهو الضرب بالرِّجْل؛ مثل الرفس بالسين المهملة. لكن قال القاضي عياض: لم أجد هذه اللفظة في أصول اللغة
(4)
.
ووقع في رواية القاضي التميمي: فرفضه، بضاد معجمة. قيل: وهو وهم. وفي رواية المروزي: فرقصه، بقاف وصاد مهملة. قيل: ولا وجه له
(5)
.
وعند الخطابي: فرصَّهُ بصاد مهملة مشددة أي: ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض
(6)
. ومنه قوله تعالى {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4]
(وَقَالَ) صلى الله عليه وسلم (آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ) قال الكرماني: وتبعه البرماوي ما حاصله: أن وجه مناسبة هذا القول لقول ابن صياد: "أتشهد أني رسول الله؟ " هو أنه لما أراد أن يظهر للقوم كذبه -في دعواه الرسالة- أخرج الكلام مخرج الإنصاف؛ يعني: آمنت برسل الله، فإن كنت رسولًا صادقًا
(1)
عمدة القاري (22/ 198).
(2)
عمدة القاري (8/ 170).
(3)
فتح الباري (6/ 173).
(4)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار [ر ص ف](1/ 294).
(5)
فتح الباري (18/ 54).
(6)
غريب الحديث (1/ 634).
في دعواك غير ملبس عليك الأمر آمنت بك، وإن كنت كاذبًا وخلط الأمر عليك فلا، لكنك خلط عليك الأمر، فاخسأ ولا تعد طورك حتى تدعى الرسالة. والله أعلم
(1)
.
ثم شرع يسأله عما يرى (فَقَالَ لَهُ: مَاذَا تَرَى) وأراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعواه الرسالة (قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ) أي: أرى الرؤيا ربما تصدق وربما تكذب.
قال القرطبي: كان ابن صياد على طريق الكهنة يخبر بالخبر فيصح تارة ويفسد أخرى
(2)
.
وفي حديث جابر رضي الله عنه عند الترمذي فقال: "أرى حقًا وباطلًا وأرى عرشًا على الماء"
(3)
.
(فَقَالَ) له (النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ) بضم الخاء المعجمة وكسر اللام المشددة، وروى بتخفيف اللام أيضًا، معناه: خَلَّطَ عليكَ شيطانُك ما يلقي إليك من السمع مع ما يكذب.
(ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّى قَدْ خَبَأْتُ) أي: أضمرت (لَكَ خَبِيئًا) فعيل بمعنى مفعول أي: مخبوء ويروي خَبْئًا على وزن "فَعْل"
(4)
.
واختلف في هذا المخبوء ،ما هو؟ فقال القرطبي: الأكثر على أنه أضمر له في نفسه: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10].
[235 أ/س]
[103 ب/س]
وقال الداودي: كان في يده سورة الدخان مكتوبة
(5)
. / وقال الخطابي: ولامعنى للدخان هنا؛ لأنه ليس مما يخبأ في كف أو كم؛ بل الدخ نبت موجود /بين النخيل والبساتين
(6)
.
(1)
كواكب الدراري (7/ 129).
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 264).
(3)
سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في ذكر ابن صياد (4/ 517) (2247) وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه مسلم، باب ذكر ابن صياد (4/ 2241)(2925)، من طريق الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.
(4)
عمدة القاري (7/ 170).
(5)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 264).
(6)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار [د خ خ](1/ 254)، في هذا النقل عن الخطابي نظر؛ فالذي في كتبه: الدخ: الدخان.
وقال أبو موسى المديني في كتابه المغيث: قيل: إن الدجال يقتله عيسى عليه السلام بجبل الدخان، فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراده. انتهى
(1)
.
وفيه نظر؛ فإن في حديث زيد بن حارثة عند البزار والطبراني في الأوسط: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خبأ له سورة الدخان"
(2)
. وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها فعند أحمد في حديث الباب: "وخبأ له: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] "
(3)
.
(فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ) بضم الدال المهملة وفتحها لغتان
(4)
.
وقال النووي: المشهور في كتب اللغة والحديث ضم الدال فقط
(5)
. واعْتُرِضَ عليه بأن ابن سيده وابن التياني وأبا المعالي وصاحب مجمع الغرائب حكوا الفتح
(6)
حاشا الجوهري؛ فإنه نص على الضم ولم يذكر غيره
(7)
.
ورُدَّ عليه بأن حكاية هؤلاء الفتح لا يستلزم نفي الضم، كما أن ذكر الجوهري الضم لا يستلزم نفي الفتح
(8)
. وقال الكرماني: بضم الدال وتشديد الدخان وهو لغة فيه
(9)
.
(1)
المجموع المغيث في غريبي القران والحديث، أبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني (ت 581 هـ)، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، الطبعة الثانية، 1426 هـ -2005 م. من كتاب الدال، من باب الدال مع الخاء (1/ 450).
(2)
مسند البزار (البحر الزخار)، مسند زيد بن حارثة رضي الله عنه (4/ 168)(1334)، من طريق زياد بن الحسن بن فرات القزاز، عن أبيه، عن جده فرات القزاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن زيد بن حارثة. وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، باب العين من اسمه علي (4/ 164) (3875) وقال الهيثمي في" المجمع" (8/ 4): رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه زياد بن الحسن بن فرات، ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان.
(3)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (10/ 428)(6360)، من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم في صحيحه، باب ذكر ابن صياد (4/ 2246)(2930) بهذا الإسناد.
(4)
الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 315).
(5)
شرح صحيح مسلم (18/ 49).
(6)
المحكم والمحيط الأعظم [د خ خ](4/ 506).
(7)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية [دخخ](1/ 420).
(8)
عمدة القاري (8/ 171).
(9)
كواكب الدراري (7/ 130).
وقال القرطبي: وجدته في كتاب الشيخ "الدخْ" ساكن الخاء مصححا عليه، وكأنه على الوقف. قال: وأما الذي في الشعر فمشدد الخاء، وكذلك قرأته في الحديث
(1)
.
وقال ابن قرقول: الدُّخّ لغة في الدخان والمعنى لم يستطع ابن صياد أن يتم الكلمة، ولم يهتد من الآية الكريمة إلا لتينك
(2)
الحرفين على عادة الكهنة من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن أو من هواجس النفس
(3)
.
(فَقَالَ) له النبي صلى الله عليه وسلم (اخْسَأْ) هو في الأصل لفظ يزجر به الكلب ويطرد، أمر من خسأتُ الكلب خسئًا: طردته، وخسأ الكلب نفسه، يتعدى ولا يتعدى، واخسأ أيضًا فهو خطاب الكلب زجرًا واستهانة أي: اسكت صاغرًا مطرودًا
(4)
(فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) بنصب تعدو بكلمة لن. وحكى السفاقسى"فلن تعْدُ" بغير واو، قال القزاز: هي لغة لبعض العرب يجزمون بلن مثل لم
(5)
. وقال ابن مالك الجزم بلن حكاها الكسائى
(6)
. وقيل: حذفت الواو تخفيفًا، وقيل: لن بعنى لا
(7)
.
وقوله: تعدو، يروى بالتاء المثناة الفوقية؛ فـ"قدرك" نُصِبَ على المفعولية أي: لا تتجاوز أنت قدرك إلى ما لا يقدر عليه إلا الأنبياء عليهم السلام. ويروي بالمثناة التحتية فقدرك مرفوع على الفاعلية.
قال ابن الجزري يعني: لا يبلغ قدرك أن تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص بالأنبياء عليهم السلام، ولا من قبل الإلهام الذي يدركه الصالحون، وإنما كان الذي قاله ابن صياد من شئ
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 264).
(2)
أي: هذين
(3)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 255)، ومطالع الأنوار على صحاح الآثار [الدال مع الخاء](3/ 18).
(4)
العباب الزاخر واللباب الفاخر، رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي (المتوفى: 650 هـ)، تحقيق د. فير محمد حسن، مطبعة المجمع العلمي العراقي، الطبعة الأولى، 1398 هـ -1978 م، (1/ 49).
(5)
عمدة القاري (8/ 171).
(6)
شَوَاهِد التَّوضيح وَالتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح (1/ 217).
(7)
عمدة القاري (8/ 171).
ألقاه الشيطان إليه إما لكون النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك بينه وبين نفسه فسمعه الشيطان، وإما لكون الشيطان سمع ما يجري بينهما من السماء، لأنه اذا قضى القضاء في السماء تكلمت به الملائكة /فاسترق الشيطان السمع، وإما لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث به بعض أصحابه بما أضمر. ويدل على ذلك قول عمر رضي الله عنه: وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] فالظاهر انه اعلم الصحابة بما يخبأ له
(1)
.
[235 أ/ص]
وإنما فعل ذلك به ليختبره على طريقة الكهان وليتعين للصحابة حاله وكذبه (فَقَالَ عُمَرُ) أي: ابن الخطاب صلى الله عليه وسلم (دَعْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ) بجزم "أضرب" في جواب الأمر، وجُوِّزَ الرفعُ أيضًا.
(فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِنْ يَكُنْهُ) بوصل الضمير، وهو خبر كان وضع موضع المنفصل، واسمها مستتر فيها، وفي رواية:"إن يكن هو" قيل: وهو الصحيح؛ لأن المختار في خبر كان هو الانفصال.
تقول: كان إياه، وهو الذي اختاره ابن مالك في التسهيل
(2)
وشرحه
(3)
تبعًا لسيبويه، واختار في ألفيته الاتصال
(4)
.
وعلى هذه الرواية، فلفظة "كان" تامة، و"هو" تأكيد للضمير المستتر، أو وضع "هو" موضع إياه باستعارة المرفوع للمنصوب، أي: إن يكن إياه، أي: الدجال
(5)
. وفي مرسل عروة عند الحادث بن أبي أسامة "إن يكن هو الدجال"
(6)
(1)
كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 336).
(2)
شرح تسهيل الفوائد، محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (المتوفى: 672 هـ) المحقق: د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: الأولى (1410 هـ - 1990 م)(1/ 154).
(3)
شَوَاهِد التَّوضيح وَالتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح (1/ 79).
(4)
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، النكرة والمعرفة (1/ 104).
(5)
عمدة القاري (8/ 171).
(6)
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، ذكر ابن صياد والتردد في كونه الدجال (18/ 421) (4515) من طريق: الحارث، حدثنا الحكم بن موسى، ثنا عباد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، به موضع الإرسال.
(فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ) بالنصب على الأصل، ويروي بالجزم على لغة من يجزم بلن
(1)
.
وفي حديث جابر رضي الله عنه: "فلست بصاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم عليهما السلام"
(2)
.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ) وسيجيئ التفصيل في ذلك إن شاء الله تعالى.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1355 -
وَقَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِى فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، يَعْنِى: فِى قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ - وَهْوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ - هَذَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ» . وَقَالَ شُعَيْبٌ فِى حَدِيثِهِ: فَرَفَصَهُ رَمْرَمَةٌ، أَوْ زَمْزَمَةٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ الْكَلْبِىُّ وَعُقَيْلٌ: رَمْرَمَةٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَمْزَةٌ
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(وَقَالَ سَالِمٌ) هو ابن عمر، وهو متصل بالإسناد السابق من تتمة الحديث السابق (سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أي: بعد انطلاقه مع عمر رضي الله عنه في رهط قبل ابن صياد كما مر في أول الحديث.
(وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ) رضي الله عنه أي: وانطلق هو معه صلى الله عليه وسلم (إِلَى النَّخْلِ الَّتِى فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ) أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يَخْتِلُ) بفتح المثناة التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية أي: يستغفل (أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا) من كلامه الذي يقول في خلوته (قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ) أي: قبل أن يرى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ابنُ صياد، والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يستغفله ليسمع كلامه وهو لا يشعر، حتى يعلم هو وأصحابه أهو كاهن أم ساحر؟.
(1)
شَوَاهِد التَّوضيح وَالتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح (1/ 217).
(2)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، (23/ 213) (14955). وتقدم تخريجه في (ص: 838).
(فَرَآهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ) /الجملة حالية (يَعْنِى فِى قَطِيفَةٍ) أي: في كساء له خمل، والجمع قطائف
(1)
، وقال ابن جني
(2)
: وقد كسر على "قطوف" وفي الصحاح الجمع قطائف وقُطُف: مثل صحيفة وصُحُف، وقال: كأنهما جمع قطيف وصحيف
(3)
. وفي رواية سقط قوله: "يعني في قطيفة"
(4)
[236 أ/س]
[103 ب/ص]
(لَهُ) أي: لابن صياد (فِيهَا) أي: في القطيفة (رَمْزَةٌ) براء مهملة مفتوحة وميم ساكنة / فزاي معجمة (أَوْ زَمْرَةٌ) بتقديم الزاي المعجمة وتأخير الراء المهملة على الشك؛ فالأُولى من الرمز؛ وهو الإشارة. والثانية من الزمر الذي منه المزمار ،والمراد حكاية صوته.
وقيل: الرمزة بتقديم المهملة صوت خفي بكلام لا يفهم، والزمرة بتقديم الزاي صوت من داخل الفم
(5)
.
وفي رواية: "رمرمة" برائين مهملتين وميمين، أو "زمزمة" بزائين معجمتين وميمين؛ فأما التي بالمهملتين فأصلها من الحركة، وهي ههنا بمعنى الصوت الخفي. وأما التي بالمعجمتين فهي كذلك
(6)
.
وقال الخطابي: هي بالمعجمتين تحريك الشفتين بالكلام. وقال غيره: هي كلام العلوج؛ وهي صموت الخياشيم والحلق لا يتحرك فيه اللسان والشفتان
(7)
.
قال في القاموس: وهُمْ -أي: العلوج- صموت لا يستعملون لسانا ولا شفة، لكنه صوت يديرونه في خياشيمهم وحلوقهم، فيفهم بعضهم عن بعض
(8)
.
(فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ) أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يَتَّقِى) أي: يخفي نفسه (بِجُذُوعِ النَّخْلِ) حتى لا تراه أم ابن صياد.
(1)
المحكم والمحيط الأعظم [القاف والطاء والفاء](6/ 287).
(2)
ابن جني (ت: 392 هـ) هو: عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح: من أئمة الأدب والنحو، وله شعر. ولد بالموصل وتوفي ببغداد (392 هـ)، عن نحو 65 عامًا.
(3)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية [قطف](4/ 1417).
(4)
إرشاد الساري (2/ 448).
(5)
عمدة القاري (8/ 174).
(6)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 292).
(7)
أعلام الحديث (344).
(8)
القاموس المحيط، فصل الزاي (1/ 1118).
(فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ) أمه (يَا صَافِ) بصاد مهملة وفاء مكسورة (وَهْوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ -: هَذَا مُحَمَّدٌ) صلى الله عليه وسلم.
(فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ) بالثاء المثلثة وبالراء؛ أي: نهض من مضجعه، وقام بسرعة وفي رواية الكشميهني:"فثاب" بالموحدة، بدل الراء؛ أي: رجع عن الحالة التي كان فيها
(1)
.
(فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ تَرَكَتْهُ) أمه ولم تعلمه بمجيئنا (بَيَّنَ) أظهر لنا من حاله ما يطلع به على حقيقة أمره مما يهون عليكم شأنه.
(وَقَالَ شُعَيْبٌ) وهو ابن أبي حمزة الحمصي، وقد وصله المؤلف في الأدب
(2)
(فِى حَدِيثِهِ فَرَفَصَهُ) بفاء بعد الراء فصاد مهملة، وفي نسخة:"فرضَّهُ" بحذف الفاء الثانية وتشديد الضاد المعجمة أي: ضغطه وضم بعضه إلى بعض.
[236 أ/ص]
وقال شعيب أيضًا: (رَمْرَمَةٌ) برائين مهملتين وميمين (أَوْ زَمْزَمَةٌ.) بزائين معجمتين وميمين على الشك أيضًا، /يعني أن شعيبًا روى هذا الحديث عن الزهري كما رواه يونس وقال: في رواية هكذا.
(وَقَالَ إِسْحَاقُ الْكَلْبِىُّ
(3)
وَعُقَيْلٌ) بضم العين المهملة وفتح القاف، وهو ابن خالد الأيلي، وقد وصله المؤلف في الجهاد
(4)
(رَمْرَمَةٌ) بمهملتين أي: رواه عن الزهري كذلك وفي رواية: هنا "رمزة" بتقديم المهملة وتأخير المعجمة، وفي نسخة: وقال إسحق الكلبي وعقيل: "رمرمة" بمهملتين.
(1)
عمدة القاري (8/ 174).
(2)
صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب قول الرجل للرجل: اخسأ (8/ 40)(6173).
(3)
هو: إسحاق بن يحيى بن علقمة الكلبي الحمصي العَوصي، صدوق، قيل إنه قتل أباه، من الثامنة، تهذيب الكمال (2/ 492)(390)، وتقريب التهذيب (ص: 103) (391).
(4)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يجوز من الاحتيال والحذر، مع من يخشى معرته (4/ 64)(3033).
وفي رواية إسحق وصلها الذهلي
(1)
في الزهريات، وليس في رواية المستملي والكشميهنى وأبى الوقت ذكر إسحق الكلبي
(2)
.
(وَقَالَ مَعْمَرٌ) عن الزهري أيضًا وقد وصله المؤلف في كتاب الجهاد
(3)
(رَمْزَةٌ) بمهملة فميم ساكنة فزاي معجمة وفي رواية أبي ذر هنا زمرة بتقديم المعجمة على المهملة وهذه الألفاظ كلها متقاربة المعاني
(4)
.
ثم إنهم اختلفوا في أن الدجال هو ابن صياد أو غيره؛ فذهب قوم إلى أن الدجال هو ابن صياد، قال مسلم في صحيحه: باب في قصة ابن الصياد وأنه الدجال، وروى بإسناده إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما "قال: كنا مع رسول صلى الله عليه وسلم، فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد، ففر الصبيان وجلس ابن صياد، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تربت يداك، أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، بل تشهد أني رسول الله، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذرني يارسول الله حتى أقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن الذي ترى، فلن تستطيع قتله"
(5)
وروى مسلم أيضًا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، قال: لقيه رسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما في بعض طرق المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ما ترى؟ قال: أرى عرشًا على
الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟ قال: أرى صادقين وكاذبًا - أو كاذبين وصادقًا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لُبِّسَ [عليك]
(6)
دعوه"
(7)
.
(1)
هو: محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي، مولاهم، النيسابورىّ، أبو عبد الله: من حفاظ الحديث، ثقة.
من أهل نيسابور، واعتنى بحديث الزهري فصنفه وسماه (الزهريات) في مجلدين، (ت 258 هـ) سير أعلام النبلاء (12/ 273)(104).
(2)
فتح الباري (3/ 220). وإرشاد الساري (2/ 449).
(3)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يجوز من الاحتيال والحذر، مع من يخشى معرته (4/ 70)(3035).
(4)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار [ر م ي](1/ 292).
(5)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد (4/ 2240)(2924).
(6)
"عليه" في أصل الحديث.
(7)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد (4/ 2241)(2925).
[237 أ/س]
ثم روى مسلم من حديث محمد بن المنكدر، قال:"رأيت جابر بن عبدالله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال، فقلت: له تحلف على ذلك؟ قال: إني سمعت عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم /فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم "
(1)
وكذا رواه أبو داود من حديث محمد ابن المنكدر
(2)
.
وقال النووي: قال العلماء قصة ابن الصياد مُشكِلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أو غيره؟ ولا شك أنه دجال من الدجاجلة. قال العلماء: ظاهر الأحاديث في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره؛ ولهذا قال لعمر رضي الله عنه:"إن يكن هو فلن تستطيع قتله"
(3)
.
وفي سنن أبي داود في خبر الجساسة
(4)
من حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن، قال: شهد جابر أنه هو ابن صياد، قلت: فإنه مات، قال: وإن مات، قلت: فإنه قد أسلم، قال: وإن أسلم، قلت: فإنه قد دخل المدينة، قال: وإن دخل المدينة"
(5)
وأخرج أبو داود من حديث نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: والله، ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد"
(6)
وإسناده صحيح.
(1)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد (4/ 2243)(2929).
(2)
سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في خبر ابن صائد (4/ 121)(4331) من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمد بن المنكدر إسناده صحيح. وأخرجه البخاري، باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة، لا من غير الرسول (9/ 109)(7355)، ومسلم باب ذكر ابن صياد (4/ 2243)(2929) من طريق عبيد الله بن معاذ، بهذا الإسناد.
(3)
شرح صحيح مسلم (18/ 46).
(4)
هي امرأة تجر شعر جلدها ورأسها.
(5)
سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة (4/ 119)(4328)، من طريق واصل بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر. إسناده ضعيف. فقد اضطرب فيه الوليد بن عبد الله بن جميع، كما قال العقيلي في "الضعفاء"(4/ 317) وساق منه قصة ابن صياد، فمرة جعله من مسند جابر، ومرة جعله من مسند أبي سعيد. وقد قال الحاكم: لو لم يخرج له مسلم لكان أولى.
(6)
سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في خبر ابن صائد (4/ 120)(4330)، من طريق يعقوب -يعني ابن عبد الرحمن- عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، صحيح الإسناد موقوف.
وقال الخطابي: اختلف السلف في أمره بعد كبره، فروى عنه أنه تاب من ذلك القول، ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم: اشهدوا
(1)
.
[104 ب/س]
واعترض عليه بما رواه أبو داود بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه قال: "فقدنا /ابن صياد يوم الحرة"
(2)
ويرد بهذا قول من قال: إنه مات بالمدينة وصلّوا عليه.
وفي كتاب الفتوح
(3)
: لما نزل النعمان على السوس أعياهم حصارها فقال لهم القسيسون: يا معشر العرب إن مما عهد علماؤنا وأوائلنا أن لا يفتح السوس إلا الدجال، فإن كان فيكم فستفتحونها، وإن لم يكن فيكم فلا قال، وصافى ابن صياد في جند النعمان وأتى باب السوس غضبانًا فدقه برجله، وقال: انفتح. فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق وانفتح الباب فدخل المسلمون
(4)
.
وقال ابن التين: والأصح أنه ليس هو؛ لأن عينه لم تكن ممسوحة، ولا عينه طافية، ولا وجدت فيه علامة
(5)
.
(1)
معالم السنن (4/ 349).
(2)
سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في خبر ابن صائد (4/ 121)(4333)، من طريق شيبان، عن الأعمش، عن سالم، عن جابر، إسناده صحيح. وأخرجه ابن شيبة في مصنفه (7/ 499)(37531) بهذا الإسناد.
(3)
هو للعلامة: سيف بن عمر الأسدي التَّمِيمي: من أصحاب السير. كوفي الأصل، اشتهر وتوفي ببغداد (200 هـ)، ميزان الاعتدال (2/ 255).
من كتبه (الجَمَل) و (الفتوح الكبير) و (الردة)
(4)
أخرجه الطبري في تاريخه، باب: ذكر فتح السوس (4/ 91) قال الحافظ ابن حجر وغاية ما يجمع بين ما تضمنه حديث تميم وخبر الجساسة وبين أحاديث كون الدجال هو ابن صياد أن الدجال هو الذي رآه تميم موثقًا بعينه وأن ابن صياد شيطان ظهر في صورة الدجال تلك المدة التي قدر الله خروجه فيها ثم ذهب وهذا ممكن والله أعلم.
(5)
عمدة القاري (8/ 172).
وروى ابن أبي شيبة
(1)
عن الفلتان بن عاصم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" أما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين اليسرى، عريض النحر، فيه [دفاء] "
(2)
أي: انحناء.
وروى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار"
(3)
.
وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بين ظهراني الناس المسيح الدجال، فقال:"إن الله تعالى ليس بأعور، ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه طافئة" رواه مسلم
(4)
.
وفي صحيح مسلم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: صحبت ابن صائد إلى مكة، فقال لي: ما لقيت من الناس، يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه لا يولد له. قال: قلت: بلى، قال: فقد ولد لي، أو ليس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل المدينة ولا مكة. قلت: بلى، قال: فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا أريد مكة، قال: ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو، فلبسني"
(5)
.
وفي لفظ له قال: "فما زال حتى كاد أن يأخذ في قوله، قال: فقال له: أما والله إني لأعلم الآن حيث هو، وأعرف أباه وأمه"
(6)
.
وفي لفظ له "ثم قال: أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، قال: قلت له: تبا لك سائر اليوم"
(7)
.
(1)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الفتن، ما ذكر في فتنة الدجال (7/ 488)(37458)، من طريق عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله، يعني الفلتان بن عاصم. إسناده متصل، رجاله ثقات. وأخرجه البزار في "مسنده"(9/ 143)(3698)، وقال الهيثمي في "مجمع": رواه البزار، ورجاله ثقات.
(2)
دمامة
(3)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه (4/ 2248)(2934).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه (4/ 2247)(2933).
(5)
صحيح مسلم، (4/ 2241)(2927).
(6)
صحيح مسلم، (4/ 2242)(2927).
(7)
صحيح مسلم، (4/ 2242)(2927).
وقال القرطبي: وأما احتجاجه بأنه مسلم والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد به، وأن الدجال لا يدخل الحرمين وقد دخلهما هو، فغير واضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبرت عن صفات الدجال وقت فتنته. والله تعالى أعلم
(1)
.
[238 أ/س]
ثم إنه إذا كان هو الدجال، كيف كان حاله إلى وقت خروجه في آخر الزمان. قال صاحب زهرة الرياض: رأيت في أمالي القاضي الإمام أبي بكر محمد بن على بن الفضل بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينا رسول صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة فلما سلم استقبل أصحابه بوجهه يحدثهم؛ إذ أقبلت صيحة شديدة بناحية اليهود ما سمعنا صيحة أشد منها، فأرسل رجلًا ليأتينا بالخبر. قال: فما مكث حتى رجع وقد تغير لونه فقال: يا رسول الله أما علمت أن البارحة وُلِدَ وَلَدٌ في اليهود، وأنه غضب وتزيد حتى امتلا البيت منه، وقد ضم أمه مع سريرها إلى زاوية البيت ودفع السقف عن حيطانها وهم يخافون، فاسترجع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني أخاف أنه الدجال. فلما مضت سبعة أيام قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا تمضون بنا إلى هذا المولود. فإذا الدجال على رأس نخلة يلتقط رطبًا ويأكله، وله همهمة شديدة وأمه جالسة في أصل النخلة، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم نادته: يا ابن الصائد هذا محمد قد أقبل. فسكت وترك الهمهمة. قال: فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ونزل الدجال من النخلة /واتبع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اسمعوا إلى مقالته وأنا أسأله، ثم قال: أتشهد أني نبي. وقال له الدجال: أتشهد أني نبي. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه. قال: فقام عمر رضي الله عنه فضرب بالسيف على هامته فنبا *
(2)
السيف كأنه قد ضرب على حجر، ثم رجع السيف فشج رأس عمر رضي الله عنه. قال: فوقع عمر رضي الله عنه صريعًا جريحًا يسيل الدم من رأسه. قال: وقام الدجال على رأسه يسخر به ويستهزئ به، حتى ورد الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم مسرعًا حزينًا حتى أتى عمر رضي الله عنه فقال: ما الذي دعاك إلى هذا؟ فأخبره بما جرى، فقال صلى الله عليه وسلم: يا عمر إنك لن تستطيع أن ترد قضاء الله تعالى. قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده المباركة على رأس عمر، فدعا الله
تعالى فالتحم الجرح بإذن الله تعالى، وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله وددت أن يرفعه الله تعالى. فقال النبي: صلى الله عليه وسلم أتحب ذلك يا عمر؟ قال: نعم. قال: اللهم افعل. فنزل جبريل عليه السلام في قطعة من الغمام كشبه الترس، فنزل على رأس الدجال، وهو جالس في وسط اليهود فأخذ بناصيته ، وجذبه
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 264).
(2)
* نبا من النَّبْوَة.
عن ظهر الأرض، وأمه وأبوه وقومه ينظرون إليه ويبكون عليه، فرفعه جبريل عليه السلام فألقاه إلى جزيرة في البحر، حتى قدم تميم الداري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره"
(1)
وأخرج مسلم حديثًا طويلًا عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أوله: " أن تميمًا الداري كان رجلا نصرانيا فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال"
(2)
الحديث.
وقال البيهقى: من ذهب إلى أن ابن صياد غير الدجال احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة،
(3)
.
ثم إنه قد قيل: كيف سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يدعى البنوة كاذبًا؟ وكيف تركه بالمدينة يساكنه في داره ويجاوره فيها؟
[104 ب/ص]
وأجيب بأن هذا فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين، وقد امتحن قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم وهلكوا/ ونجا من هداه الله تعالى
(4)
.
وقال الخطابي: والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفائهم؛ وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبينهم كتابًا صالحهم فيه على أن لا يهاجروا وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلا في جملتهم
(5)
.
[238 أ/ص]
/وقيل: لأنه كان من أهل الذمة. وقيل: لأنه كان دون البلوغ، وهو ما اختاره القاضي عياض فلم يجر عليه الحدود
(6)
.
فإن قيل: لم اشتغل به النبي صلى الله عليه وسلم وحاور معه المحاورات المذكورة؟
(1)
لسان الميزان، حرف الميم، من اسمه محمد (5/ 298). قال ابن حجر: فيه "محمد" بن علي بن الفضل الزرنحري وجاء عنه حديث موضوع في قصة بن صياد نقل عنه في كتاب يسمى زهر الرياض فيه أباطيل كثيرة، قلت: وهذا ظاهر البطلان والله المستعان.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة (4/ 2262).
(3)
شرح صحيح مسلم (18/ 48) فيه: قال البيهقي في كتابه "البعث والنشور": "اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا هل هو الدجال؟ ولو أقف عليه في كتاب المذكور. .
(4)
شرح السنة للبغوي (15/ 75).
(5)
معالم السنن (4/ 349).
(6)
إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (8/ 233).
فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم كان يبلغه ما يدعيه من الكهانة وما يتعاطاه من الكلام في الغيب، فامتحنه ليعلم حقيقة حاله ويظهر أمره الباطل للصحابة رضي الله عنهم ،وأنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان فيلقي على لسانه ما يلقيه الشيطان للكهنة
(1)
.
فإن قيل: روى الترمذي وغيره من حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر" قال: هذا حديث صحيح
(2)
.
وفي صحيح مسلم: "الدجال مكتوب بين عينيه ك ف ر؛ أي: كافر"
(3)
وفي لفظ له: "يقرؤه كل مسلم"
(4)
وفي حديث عبدالله بن عمر، رضي الله عنه:"ما من نبي إلا أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه"
(5)
الحديث رواه مسلم.
وقد ثبت في أحاديث الدجال أنه يخرج بعد خروج المهدي، وأن عيسى عليه السلام يقتله، فما وجه إنذار الأنبياء عنه؟
فالجواب: أن المراد به تحقيق خروجه؛ يعني: لا شك في خروجه فلا تشكوا فيه، وتنبهوا على فتنته فإن فتنته عظيمة جدًا، تدهش العقول وتحير الألباب، مع سرعة سيره في الأرض وقلة مكثه
(6)
.
وإنما خص نوحًا عليه السلام بالذكر لأنه مقدم المشاهير من الأنبياء عليهم السلام كما قدم في قوله تعالى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] الآية
(7)
.
(1)
معالم السنن (4/ 349).
(2)
سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في قتل عيسى ابن مريم الدجال (4/ 516)(2245)، من طريق محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه (4/ 2248)(2933).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه (4/ 2248)(2933).
(5)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد (4/ 2245)(2931).
(6)
شرح صحيح مسلم للنووي (18/ 59).
(7)
عمدة القاري (8/ 173).
وفي حديث الباب وغيره حجة لمذهب أهل الحق من صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله تعالى به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى؛ من إحياء الميت الذي يقتله، وظهور زهرة الدنيا والخصب معه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماءَ أن تمطِر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على شيء من ذلك، ثم يقتله عيسى بن مريم عليهما السلام.
وأبطل أمرَه الخوارجُ والجهميةُ وبعضُ المعتزلة، وزعم الجبائي ومن وافقه أنه صحيح الوجود لكن ما معه خيالات لا حقيقة لها ليفرق بينه وبين النبي.
[239 أ/س]
وأجيب عنه بأنه لا يدعي النبوة فيحتاج إلى فارق، إنما يدعي الألوهية وهو مُكذِّبٌ في ذلك؛ لسمات الحدوث فيه ونقص /صورته وعوره وتكفيره المكتوب بين عينيه؛ ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاعُ الناس لشدة الحاجة والفاقة وسد الرمق، أو خوفًا من أذاه وتقية
(1)
.
وفي الحديث صحة إسلام الصبي، وهو مقصود البخاري من التبويب كما مر، وفيه دليل على صلابة عمر رضي الله عنه وقوة دينه. وفيه دلالة على التثبيت في أمر النهي وأن لا يستباح الدماء إلا بيقين والله أعلم.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1356 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِىٌّ يَخْدُمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقُولُ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» .
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(1)
شرح صحيح مسلم للنووي (18/ 59).
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الواشحي البصري قال (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ) بالواو (عَنْ ثَابِتٍ) البناني.
(عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِىٌّ) قيل: كان اسمه عبد القدوس. ذكره ابن بشكوال حكاية عن صاحب العتبية
(1)
.
(يَخْدُمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم) حال كونه (يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (أَسْلِمْ) أمر من الإسلام (فَنَظَرَ) الغلام (إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ) وفي رواية أبي داود: عند رأسه
(2)
. (فَقَالَ) أبوه وفي رواية أبي ذر: زيادة قوله "له"
(3)
(لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. فَأَسْلَمَ) الغلام.
وفي رواية النسائي عن إسحاق بن راهويه عن سليمان بن حرب: "فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله"
(4)
(فَخَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم) من عنده (وَهْوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ) أي: خلصه ونجاه (مِنَ النَّارِ) وفي رواية أبي داود وأبي خليفة "أنقذه بي من النار"
(5)
ولله در القائل:
ومريض أنت عائده
…
قد أتاه الله بالفرج
(6)
والحكمة في دعائه له بحضرة أبيه، أن الله تعالى أخذ عليه فرض التبليغ لعباده، ولا يخاف في الله لومة لائم.
(1)
غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة (2/ 646)
(2)
سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب في عيادة الذمي (3/ 185)(3095).
(3)
إرشاد الساري (2/ 449)، (فقال له) أبوه وسقط لأبي ذر لفظة: له.
(4)
السنن الكبرى، كتاب السير، عرض الإسلام على المشرك (8/ 9)(8534)، من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، إسناده متصل، رجاله ثقات رجال الشيخين.
(5)
سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب في عيادة الذمي (3/ 185)(3095)، من طريق سليمان بن حرب، حدثنا حماد يعني ابن زيد، عن ثابت، عن أنس، إسناده متصل، رجاله ثقات رجال الشيخين.
(6)
المدهش، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، المحقق: الدكتور مروان قباني، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1405 هـ - 1985 م (1/ 215). للشاعر أبو بكر الشبلي (247 - 334 هـ).
وفي الحديث: أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه يعذب لقوله صلى الله عليه وسلم "الحمد لله الذي أنقذه من النار".
وفيه: جواز عيادة أهل الذمة، ولا سيما إذا كان الذمي جارًا له؛ لأن فيه إظهار محاسن الإسلام، وزيادة التألف بهم ليرغبوا في الإسلام.
وفيه: جواز استخدام الكافر. وفيه: استخدام الصغير. وفيه: عرض الإسلام على الصبي، ولولا صحته منه لما عرضه عليه.
وفيه أيضًا: كشف حال من يخاف مفسدته، وتفتيش الإمام الأمور المهمة بنفسه
(1)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1357 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّى مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ، وَأُمِّى مِنَ النِّسَاءِ.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
[239 أ/ص]
(حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) المعروف بابن المديني قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو ابن عيينة (قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ
(2)
) بضم العين على صيغة التصغير، الليثي المكي. وفي رواية أبي ذر: عبيد الله بن أبي يزيد/ من الزيادة.
(3)
(سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي) لبابة أم الفضل (مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ) المسلمين الذين بقوا بمكة لصد المشركين، أو ضعفهم عن الهجرة، مستذلين ممتهنين، يلقون من الكفار شدة الأذى.
(أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ) أي: الصبيان (وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ).
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
(1)
عمدة القاري (8/ 176).
(2)
هو: عبيد الله بن أبي يزيد المكي مولى آل قارظ بن شيبة، ثقة كثير الحديث، من الرابعة مات سنة ست وعشرين مائة، تهذيب الكمال (19)(178)(3697)، وتقريب التهذيب (ص: 375) (4353).
(3)
إرشاد الساري (2/ 449).
1358 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلَامِ، يَدَّعِى أَبَوَاهُ الإِسْلَامَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلَامِ، إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّىَ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الآيَةَ.
-
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
[105 ب/س]
/ (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ
(1)
) الحكم بن نافع قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة الحمصي.
(قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) الزهري: (يُصَلَّى) على صيغة البناء للمفعول (عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى) بفتح الفاء المشددة صفة مولود.
(وَإِنْ كَانَ) أي: المولود (لِغَيَّةٍ) باللام الجارة، والغية: بفتح الغين المعجمة وتشديد المثناة التحتية، مشتق من الغواية وهي: الضلالة؛ كفرًا أو غيره، ويقال لولد الزنا أيضًا: ولد الغية، ولغيره: ولد الرشد. فالمراد منه وإن كان المولود لكافرة أو زانية
(2)
.
(مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلَامِ) أي: ملته (يَدَّعِى أَبَوَاهُ الإِسْلَامَ أَوْ) يدعي (أَبُوهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ) دين (الإِسْلَامِ).
وقوله: "يدعي" جملة حالية، والحاصل أن مذهب الزهري أنه يصلي على ولد الزنى ولا يمنع ذلك من الصلاة عليه، وهذا مصير منه إلى تسمية الزاني أبا لمن زنى بأمه -وهو قول مالك- وأنه يتبعه في الإسلام وأن الولد محكوم بإسلامه تبعًا لأبويه أو لأبيه فقط
(3)
.
(1)
هو: الحكم بن نافع البَهراني، أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين، تقريب التهذيب (ص: 176) (1464).
(2)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية [غوى](6/ 2450).
(3)
الاستذكار (3/ 116).
(إِذَا اسْتَهَلَّ) أي: إذا صاح عند الولادة. وقوله: (صَارِخًا) حال مؤكدة من فاعل استهل؛ والمراد: العلم بحياته بصياح أوغيره؛ كاختلاج وتحرك بعد الانفصال.
(صُلِّىَ عَلَيْهِ) بضم الصاد وكسر اللام المشددة على البناء للمفعول. وفي رواية: "إذا استهل صلى عليه صارخًا"
(1)
.
(وَلَا يُصَلَّى) بفتح اللام المشددة على البناء للمفعول أيضًا (عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ
(2)
) أو لم يتحرك (مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ) بتثليث السين المهملة والمشهور هو الكسر. وهو الجنين يسقط قبل تمامه.
قال أصحابنا: إذا استهل المولود سمي وغسلوصلى عليه
(3)
وعند الطحاوي: أن الجنين الميت يغسل. قال: ولم نجد فيه خلافًا
(4)
وعن محمد في سقط استبان خلقه وذلك بعد أن بلغ مائة وعشرين يومًا فحينئذ ينفخ فيه الروح أنه يغسل ويكفن ويحنط ولا يصلي عليه ولا يورث
(5)
.
وقال أبو حنيفة: إذا خرج أكثر الولد وهو يتحرك صلى عليه، وإن خرج أقله لم يصل عليه
(6)
.
[240 أ/س]
وفي شرح المهذب: إذا استهل السقط صلى عليه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما /مرفوعًا: "إذا استهل السقط صلى عليه وورث
(7)
" وهو حديث غريب وإنما هو معروف من قول جابر رضي الله عنه ، وقال الترمذي: وكان الموقوف أصح
(8)
. وقال النسائي: الموقوف أولى بالصواب
(9)
.
(1)
إرشاد الساري (2/ 449).
(2)
[لم] في ب.
(3)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 302).
(4)
تحفة الفقهاء (1/ 248).
(5)
تحفة الفقهاء (1/ 248).
(6)
البناية شرح الهداية (3/ 232).
(7)
حديث ابن عباس رواه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 403)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 20)، وذكره ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 114)، وقال الدارقطني في " العلل ": لا يصح رفعه.
(8)
سنن الترمذي، أبواب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد (3/ 341)(1032)، وقال الإمام النووي في "خلاصة الأحكام" رواه الترمذي والنسائي وضعفاه، وقالا:" والأصح أنه موقوف".
(9)
السنن الكبرى، كتاب الفرائض، توريث المولود إذا استهل (6/ 117)(6325)، والمجموع (16/ 110).
ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوب الصلاة على السقط
(1)
، وعن مالك لا يصلى على الطفل إلا أن يختلج ويتحرك وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه يصلي عليه وإن لم يستهل وبه قال ابن سيرين وابن المسيب وأحمد وإسحاق
(2)
.
وقال العبدري
(3)
: أن كان له دون أربعة أشهر لم يصل عليه بلا خوف يعني بالإجماع بل ووري بخرقة ودفن وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك لم يصل عليه عند جمهور العلماء
(4)
، وقال أحمد وداود يصلي عليه
(5)
.
وقال ابن قدامة: السقط: الولد تضعه المرأة ميتًا أو لغير تمام، فأما إن خرج حيًا واستهل؛ فانه يصلي عليه بعد غسله، بلا خلاف. وصلى ابن عمر رضي الله عنهما على ابن ابنه ولد ميتًا. وقال الحسن، وإبراهيم، والحكم، وحماد، ومالك، والأوزاعي وأصحاب الرأي: لا يصلي عليه حتى يستهل. وللشافعي قولان
(6)
.
وحكى عن سعيد بن جبير أنه لا يصلي عليه مالم يبلغ. وقال ابن حزم: ورويناه أيضًا عن سويد بن غفلة
(7)
.
وعند المالكية لا يصلى عليه ما لم يعلم حياته بعد انفصاله بالصراخ وفي العطاس والحركة والرضاع اليسير قولان. أما الرضاع المحقق والحياة المعلومة بطول المكث فكالصراخ
(8)
.
(1)
الإشراف على مذاهب العلماء (2/ 348)(869).
(2)
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (5/ 405).
(3)
هو: علي بن سعيد بن عبد الرحمن بن محرز بن أبي عثمان، المعروف بأبي الحسن العبدري نسبة إلى عبد الدار بن قصي. فقيه، أصولي من تصانيفه:" الكفاية في مسائل الخلاف ". توفّي بِبَغْدَاد يَوْم السبت سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
(4)
المجموع (5/ 258).
(5)
المغني (2/ 389).
(6)
المغني (2/ 389).
(7)
المحلى بالآثار (3/ 387).
(8)
جامع الأمهات، ابن الحاجب الكردي المالكي (1/ 141).
وعن الليث وابن وهب وأبي حنيفة والشافعي أن الحركة والرضاع والعطاس استهلال
(1)
. وعن بعض المالكية أن البول والحدث حياة
(2)
والله اعلم.
(فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) الفاء فيه للتعليل، ورواية ابن شهاب عن أبي هريرة رضي الله عنه منقطعة؛ لأنه لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه شيئًا، ولا أدركه. والبخاري لم يذكره للاحتجاج، إنما ذكر كلامه مسندًا لعلوه
(3)
.
وقال أبو عمر: روي هذا الحديث من وجوه صحاح ثابتة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره ممن رواه عن أبي هريرة رضي الله عنه الأعرج وابن المسيب وابن سيرين وسعيد بن أبي سعيد وأبو سلمة وحميد ابن عبدالرحمن وأبو صالح واختلف على ابن شهاب في روايته فمعمر قال عنه سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه ويونس وابن أبي ذئب قالا عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة،
وقال الأوزاعي: عنه عن حميد قال محمد بن يحيى الذهلي هذه الطرق كلها صحاح عن ابن شهاب وهو عند مالك في الموطأ عن أبي الزناد عن الأعرج
(4)
.
[240 أ/ص]
ورواه عن /أبي الزناد أيضًا عبدالله بن الفضل الهاشمي شيخ مالك وعند ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا "سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم ما كانوا عاملين"
(5)
.
(كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مَوْلُودٍ) كلمة: من زائدة، ومولود مبتدأ وقوله الآتي:"يولد" خبره؛ أي: ما مولود من بني آدم (إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) والمعنى: ما من مولود يوجد على أمر إلا على الفطرة، وهي في اللغة الخلقة؛ والمراد بها هنا ما يراد في الآية الشريفة وهي دين الإسلام؛ لأنه قد اعتورها البيان من أول الآية وهو: قوله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} ومن آخرها وهو: قوله تعالى {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30].
(1)
بدائع الصنائع (1/ 311)، والنوادر والزيادات (1/ 597)، وروضة الطالبين (2/ 117).
(2)
عمدة القاري (8/ 176).
(3)
عمدة القاري (8/ 176).
(4)
الاستذكار (3/ 97).
(5)
صحيح مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/ 2049)(2659).
قال صاحب الكشاف: "فطرةَ الله" نصب بالإغراء أي: الزموا، ومعناه: أنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإسلام؛ لكونه على مقتضى العقل والنظر الصحيح، حتى لو تركوا وطباعهم لما اختاروا عليه دينا. انتهى
(1)
. وفيه تلميح إلى مذهبه في الحسن والقبح.
[105 ب/ص]
وقال الطيبي: كلمة "من" الاستغراقية في سياق النفي يفيد العموم، كقولك: ما أحد خير منك، والتقدير: ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر، والفطرة / تدل على نوع منها، وهو الابتداء والاختراع: كالجلسة والقعدة، والمعنى بها ههنا: تمكن الناس من الهدي في أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن هذا الدين حسنه مركوز موجود في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية وللتقليد، قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16]
(2)
.
والفاء في قوله (فَأَبَوَاهُ) إما للتعقيب وهو ظاهر، وإما للتسبيب أي: إذا تقرر ذلك فمن تغير فإنما تغير بسبب أبويه؛ حيث إنهما (يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) أي: يعلمانه ما هم عليه ويصرفانه عن الفطرة، أو يرغبانه في ذلك، أو يكون تبعا لهما في الدين بولادته على فراشهما فيكون حكمه حكمهما في الدنيا، فإن سبقت له السعادة أسلم إذا بلغ، وإلا مات على كفره، وإن مات قبل بلوغه فالصحيح أنه من أهل الجنة. ولا عبرة بالإيمان الفطري في الدنيا، وإنما العبرة بالإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل، فطفل اليهوديين مثلًا- مع وجود الإيمان الفطري- محكوم بكفره في الدنيا تبعًا لأبويه.
[241 أ/س]
فإن قيل: /الضمير في "فأبواه" راجع إلى كل مولود، وهو عام، فيقتضي تهويد كل المواليد أو نحوه؛ وليس كذلك لبقاء البعض على فطرة الإسلام.
فالجواب: أن الغرض من التركيب أن الضلالة ليست من ذات المولود، ومقتضى طبعه؛ بل أينما حصلت فإنما هي بسبب خارج عن ذاته
(3)
.
(1)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (3/ 479).
(2)
الكاشف عن حقائق السنن (2/ 546).
(3)
الكواكب الدراري (7/ 134)، وعمدة القاري (8/ 177).
(كَمَا تُنْتَجُ) يروي على البناء المفعول، وفي المغرب: نتج الناقة ينتجها نتجًا إذا تولى
(1)
نتاجها حتى وضعت فهو ناتج، وهو للبهائم كالقابلة للنساء؛ ولذا يعدى الى المفعولين، فإذا بنى المفعول قيل: نُتِجت
(2)
.
فقوله: (الْبَهِيمَةُ) مفعوله الأول أقيم مقام الفاعل. وقوله: (بَهِيمَةً) بالنصب مفعوله الثاني.
(جَمْعَاءَ) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا نعت البهيمة؛ وهي التي لم يذهب من بدنها شيء؛ سميت بذلك لاجتماع أعضائها سالمة لا جدع فيها ولا كيَّ
(3)
.
وقوله: (هَلْ تُحِسُّونَ) بضم المثناة الفوقية وكسر الحاء المهملة وتشديد السين المهملة في موضوع الحال أو النعت على تقدير القول؛ أي: مقولًا في حقها: هل تبصرون. (فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) بجيم مفتوحة ودال مهملة ساكنة ممدود، أو هي البهيمة التي قطعت أطرافها من الأذن أو الأنف. وفيه نوع من التأكيد، يعني: كل من نظر إليها قال هذا القول لظهور سلامتها، وتخصيص ذكر الجمع إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر إنما كان بسبب صممهم عن الحق، وأنه كان خليقًا فيهم. فكأنهم جدعوا أذنه؛ إذ الجدع شائعٌ في قطع الأنف
(4)
.
قال الطيبي: قوله: "كما تنتج" إما حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلًا، فالمعنى: يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة، حال كونه شبيهًا بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت
سليمة، وإما صفة مصدر محذوف، أي: يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة، فالأفعال الثلاثة أعنى: يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، تنازعت
(5)
في "كما تنتج" على التقديرين
(6)
.
(1)
[وليَ].
(2)
المغرب (1/ 454).
(3)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 153).
(4)
عمدة القاري (8/ 177).
(5)
في (ب) تناعت.
(6)
الكاشف عن حقائق السنن (2/ 546).
(ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) الظاهر أنه مما أدرجه في الحديث كما بينه مسلم في روايته حيث قال: ثم يقول أبو هريرة "اقرءوا إن شئتم"
(1)
.
[241 أ/ص]
إنما أتى بالمضارع على حكاية الحال الماضية استحضارًا له في ذهن السامع ({فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا})[الروم: 30]) أي: الزموا خلقته التي خلقهم عليها؛ وهي: قبول الحق وتمكنهم من إدراكه، أو: ملة الإسلام، فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أداهم ذلك إليه؛ لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، /وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد. كما مر
(2)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1359 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه- (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو عبدالله بن عثمان وقد مر غير مرة. قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هو ابن المبارك قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) هو ابن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزُّهْرِىِّ.
(قال أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وْ يُنَصِّرَانِهِ) وفي رواية أبي ذر: أو ينصرانه
(3)
.
(1)
صحيح مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/ 2047)(2658).
(2)
فتح الباري (3/ 249).
(3)
إرشاد الساري (2/ 451).
(ويُمَجِّسَانِهِ) ويروي: أو يمجسانه (كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ})[الروم: 30].
استشكل هذا مع كون الأبوين يهودانه مثلًا. وأجيب بأنه ليس إخبارًا محضًا؛ بل هو مؤول بأن يقال: ما ينبغي أن يبدل ومن شأنه ألَّا يبدل، أو يقال: إن المعنى على النهي أي: لا تبدلوا خلق الله تعالى. (ذَلِكَ) إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أو الفطرة إن فسرت بالملة (الدِّينُ الْقَيِّمُ) المستقيم المستوي الذي لا عوج فيه
(1)
.
والمراد من ذكر هذا الطريق الإشارة إلى أن الحديث وصل إليه من هذا الطريق أيضًا، وفيه زيادة قوله {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}
ثم إن العلماء اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة".
فقالت طائفة: ليس معناه عامًا، بمعنى أن جميع المولودين من بني آدم أجمعين يولدون على الفطرة؛ بل معناه أن كل من ولد على الفطرة وكان له أبوان على غير الإسلام هوداه ونصراه
(2)
.
واحتجوا على ذلك بحديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرا"
(3)
.
[106 ب/س]
وبما رواه سعيدبن منصور عن حماد بن زيد عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه يرفعه: " ألا إن بني آدم خلقوا طبقات /؛ فمنهم من يولد مؤمنًا ويحيى مؤمنًا ويموت مؤمنًا، ومنهم
من يولد كافرًا ويحيى كافرًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد مؤمنًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيى كافرًا ويموت مؤمنًا"
(4)
.
(1)
إرشاد الساري (2/ 451).
(2)
الاستذكار (3/ 98).
(3)
صحيح مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/ 2050)(2661)
(4)
سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة (4/ 483) (2191) وقال: وهذا حديث حسن. وأخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، كتاب الفتن والملاحم، (4/ 551)(8543) بهذا الإسناد. وقال" هذا حديث تفرد بهذه السياقة علي بن زيد بن جدعان القرشي، عن أبي نضرة. والشيخان رضي الله عنهما لم يحتجا بعلي بن زيد " وقال الذهبي: ابن جدعان صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.
[242 أ/س]
قالوا: ففي هذا وفي غلام الخضر ما يدل على أن الحديث ليس على عمومه. وأورد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: " كل بني آدم يولد على الفطرة" / وأجابوا بأنه غير صحيح، ولو صح فليس فيه حجة لجواز الخصوص، كما في قوله تعالى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] لم تدمر السماء والأرض وقوله {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] ولم يفتح عليهم أبواب الرحمة
(1)
.
وقال آخرون: معنى الحديث على العموم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم يولد على الفطرة"،ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:"الله أعلم بما كانوا عاملين"
(2)
،ولحديث إبراهيم عليه الصلاة والسلام:"والولدان حوله أولاد الناس. . . "
(3)
.
فهذه كلها تدل على أن المعنى: الجميع يولدون على الفطرة، وضعفوا حديث سعيد بن منصور بوجهين الأول: أن في سنده ابن جدعان
(4)
.
والثاني: أنه لا يعارض دعوى العموم؛ لأن الأقسام الأربعة راجعة إلى علم الله تعالى، فإنه قد يولد الولد بين مؤمنين، والعياذ بالله يكون قد سبق في علمه تعالى غير ذلك، وكذا من ولد بين
كافرين، وإلى هذا يرجع غلام الخضر
(5)
. ويكفي في الرد عليهم حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: "ليس مولود يولد إلا على الفطرة" اخرجه مسلم
(6)
.
ثم إنهم اختلفوا في الفطرة المذكورة فذكر أبو عبيد عن محمد بن الحسن أنه "قبل أن يؤمر الناس بالجهاد"
(7)
.
(1)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 62).
(2)
صحيح البخاري، كتاب القدر، باب: الله أعلم بما كانوا عاملين (8/ 123)(6598).
(3)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين (2/ 100)(1386).
(4)
وقال الحاكم في المستدرك: " هذا حديث تفرد بهذه السياقة علي بن زيد بن جدعان القرشي، عن أبي نضرة. والشيخان رضي الله عنهما لم يحتجا بعلي بن زيد "
(5)
التوضيح (10/ 103)، وعمدة القاري (8/ 178).
(6)
صحيح مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/ 2047) (2658). بلفظ:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة"
(7)
غريب الحديث (2/ 21). التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 67). .
قيل: وفيه نظر؛ لأن في حديث الأسود بن سريع أنه بعد الجهاد، رواه عنه الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال قوم [يبلغوا]
(1)
في القتل إلى الذرية، إنه ليس من مولود إلا وهو يولد على الفطرة فيعبر عنه لسانه"
(2)
.
ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ "ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يُعربَ"
(3)
.
وذكره أبو نعيم في الحلية، وقال: هو حديث مشهور ثابت
(4)
، وفيه نظر؛ لأن علي بن المديني ويحيى بن معين وأبا عبدالله بن مندة وأبا داود وغيرهم أنكروا أن يكون الحسن سمع من الأسود شيئًا
(5)
. وقيل: روى عن الأعمش عن الأسود، وهو حديث بصري صحيح
(6)
.
وقال قوم: الفطرة هنا الخلقة التي يخلق عليها المولود من المعرفة بربه؛ لأن الفطرةَ الخلقةُ ،من الفاطر الخالق، وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار، إنما يولد على السلامة -في
(1)
[بالغوا] في تمهيد.
(2)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 67) وقال: وروى هذا الحديث عن الحسن جماعة منهم بكر المزني، والعلاء بن زياد، والسري بن يحيى وقد روي عن الأحنف عن الأسود بن سريع وهو حديث بصري صحيح. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 123) كتاب: الجهاد، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي: تابعه يونس عن الحسن ثنا الأسود بهذا على شرط البخاري ومسلم. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 316): رواه أحمد والطبراني، وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح.
(3)
صحيح ابن حبان، كتاب الإيمان، باب الفطرة (1/ 230)(132)، من طريق مسلم بن إبراهيم، عن السري، عن الحسن، عن الأسود بن سريع، رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن الحسن- وهو البصري- لم يسمع من الأسود بن سريع فيما ذكره علي ابن المديني في"العلل" (ص: 55).
(4)
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/ 263).
(5)
سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (المتوفى: 275 هـ) المحقق: محمد علي قاسم العمري، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1403 هـ/1983 م (ص 273). وتهذيب الكمال في أسماء الرجال، الأسود بن سريع بن حمير بن عبادة بن النزال، (3/ 222)
(6)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 67) بلفظ: وقد روي عن الأحنف عن الأسود بن سريع وهو حديث بصري صحيح
الأغلب- خلقة وطبعًا وبنية، ليس فيها إيمان ولا كفر ولا معرفة ولا إنكار، ثم يعتقدون الإيمان وغيره إذا ميزوا واحتجوا بقوله في الحديث:"كما تنتج البهيمة" الحديث.
[242 أ/ص]
فالأطفال في حين الولادة كالبهائم السليمة، فإذا بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم إلا مَنْ عصمه الله تعالى، ولو فطروا على الإيمان والكفر في أول أمرهم لما انتقلوا عنه أبدًا؛ فقد تجدهم يؤمنون ثم يكفرون ثم يؤمنون، ويستحيل / أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل شيئًا؛ لأن الله تعالى أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئًا، فاستحال منه إيمان أو كفر أو معرفة أو إنكار، وقال أبو عمر: هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة هنا. والله تعالى أعلم
(1)
.
وقال قوم: إما قال: كل مولود يولد على الفطرة قبل أن تنزل الفرائض؛ لأنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات أبواه قبل أن يهوداه أو ينصراه لما كان يرثهما ويرثانه فلما نزلت الفرائض علم أنه يولد على دينهما
(2)
.
وقال قوم: الفطرة هنا الإسلام؛ لأن السلف أجمعوا في قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أنها دين الإسلام.
واحتجوا بحديث عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تبارك
(3)
تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء
(4)
_ على استقامة وسلامة_" والحنيف في كلام العرب: المستقيم السالم
(5)
.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة" فذكر قص الشارب والاختتان، وذلك من سنن الإسلام، وإليه ذهب أبو هريرة رضي الله عنه والزهري
(6)
.
وقال أبو عمر: يستحيل أن يكون الفطرة المذكورة فيه الإسلام؛ لأن الإسلام والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وهذا معدوم في الطفل
(7)
.
(1)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 70)
(2)
غريب الحديث لابن سلام (2/ 21).
(3)
تبارك سقط من ب
(4)
صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (4/ 2197)(2865) بلفظ" وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم".
(5)
تهذيب اللغة [أبواب الحاء والنون](5/ 71).
(6)
التوضيح (10/ 106).
(7)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 70).
وقال قوم: معنى الفطرة فيه: البداءة التي ابتدأهم عليها؛ أي: على ما فطر الله تعالى عليه خلقه، من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاوة، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من قبولهم
(1)
وآبائهم
(2)
.
وقال قوم: معنى ذلك: أن الله تعالى أخذ من ذرية آدم عليه السلام الميثاق حين خلقهم فقال: " ألست بربكم" فقالوا: جميعًا: "بلى" فأما أهل السعادة فقالوا: "بلى" على معرفة له طوعًا من قلوبهم، وأما أهل الشقاوة فقالوا:"بلى" كرهًا لا طوعًا ومصداق ذلك قوله تعالى {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83]. وقال المروزي: سمعت ابن راهويه يذهب إلى هذا
(3)
.
واحتج ابن راهوية أيضًا بحديث عائشة رضي الله عنها حين مات صبي من الأنصار بين أبوين مسلمين، فقالت عائشة رضي الله عنها:"طوبى له عصفور من عصافير الجنة "فرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مهْ يا عائشة.! وما يدريك أن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلًا وخلق النار وخلق لها أهلًا".
(4)
[243 أ/س]
وقال أبو عمر: قول إسحاق بن راهوية في هذا الباب /لا يرضاه حذاق الفقهاء من أهل السنة، وإنما هو قول المجبرة
(5)
.
[106 ب/ص]
وقال قوم: الفطرة هنا ما يقلب الله عز وجل قلوب الخلق إليه بما يريد ويشاء. وقال أبو عمر: هذا القول وإن كان صحيحًا في الأصل لكنه أضعف [الأقايل]
(6)
من جهة اللغة/ في معنى الفطرة. والله أعلم
(7)
.
(1)
[من ميولهم عن آبائهم] في التمهيد.
(2)
تفسير الطبري (9/ 175).
(3)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 84)
(4)
صحيح مسلم كتاب القدر، باب: معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/ 2050)(2662). مسند أبي داود الطياليسي، مسند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (3/ 152)(1679).
(5)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 90).
(6)
[الأقاويل] في ب.
(7)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 94).