الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإِذْخِرِ وَالحَشِيشِ فِي القَبْرِ
.
قالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1349 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى وَلَا لأَحَدٍ بَعْدِى، أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَاّ لِمُعَرِّفٍ» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ - رضى الله عنه -: إِلَاّ الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ: «إِلَاّ الإِذْخِرَ» . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: «لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا» .
-
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(بَابُ) استعمال (الإِذْخِرِ) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة وفي آخره راء: نبت معلوم طيب الرائحة وله أصل مندق
(1)
وقضبان دقاق ذفر
(2)
الريح، وهو مثل الأسل؛ أسل الكولان، إلا انه أعرض وأصغر كعوبًا، وله ثمرة كأنها مكاسح القصب، إلا أنها أرق وأصغر
(3)
.
وقال أبو زياد: الإذخر يشبه في نباته الغرر، نباته نبات الأسل الذي يعمل منه الحصر، والإذخر أدق منه وله كعوب كثيرة، وهو يطحن فيدخل في الطيب
(4)
.
وقال أبو نصر: هو من الذكور، وإنما الذكور من البقل، وليس الإذخر من البقل، وله أرومة فينبت فيها فهو بالحلية أشبه
(5)
.
[225 أ/ص]
[99 ب/س]
وقال/ أبو عمر: هو من الحلية، وقلما ينبت الإذخر منفردًا، وهو ينبت في السهول /والحزون، وإذا جف الإذخر ابْيَضَّ
(6)
.
(1)
مندفن.
(2)
الذَفَرُ بالتحريك: كلُّ ريح ذَكِيّةٍ من طيبٍ أو نَتْنٍ. يقال مِسْكٌ أَذْفَرُ، بيِّنُ الذَفَرِ، ينظر: الصحاح [ذفر](2/ 662).
(3)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 25) والجامع لمفردات الأدوية والأغذية، ضياء الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد الأندلسي المالقي المعروف بابن البيطار، دار الكتب العلمية - بيروت/لبنان - 1422 هـ-2001 م، (1/ 21).
(4)
المحكم والمحيط الأعظم (5/ 158). والروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام (5/ 32).
(5)
عمدة القاري (8/ 160)
(6)
الجامع لمفردات الأدوية والأغذية (1/ 21).
وفي شرح ألفاظ المنصوري: [الا]
(1)
الإذخر خشب يجلب من الحجاز وبالمغرب صنف منه. قيل: هذا أصح ما قيل في الإذخر، ويدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما:"لبيوتهم وقبورهم"، فإن البيوت ما تسقف إلا بالخشب ولا يجعل على اللحود إلا الخشب، هذا.
وفيه أن المراد به ما ينسد به الفُرَج التي تتخلل بين اللبنات بدليل قوله: (وَالحَشِيشِ) فإن الحشيش وهو اليابس من الكلأ
(2)
لا يسقف به؛ لأنه غير متماسك لا رطبًا ولا يابسًا
(3)
.
(فِي القَبْرِ) فإن قيل: ليس في الحديث ذكر الحشيش فلم ذكره في الترجمة؟.
فالجواب: أنه نبَّه به على إلحاقه بالإذخر؛ لأن المراد باستعمال الإذخر هو سد الفرج التي بين اللبنات والبسط لا التطيب، فيكون الحشيش في معناه، كما أن المسك وما جانسه من الطيب داخل في معنى الحنوط والكافور للميت. والله أعلم
(4)
.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ
(5)
) بفتح المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة آخره موحدة، الطائفي.
قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ) هو ابن عبدالمجيد الثقفي. قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) هو الحذاء.
(عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عباس رضي الله عنهما (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما (عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم) أنه (قَالَ) يوم فتح مكة: (حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ) أي جعلها حرامًا، وقد فسره بقوله:(فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى وَلَا لأَحَدٍ بَعْدِى) وفي رواية: "ولا تحل لأحد بعدي"
(6)
.
(1)
زائدة في أ -ب.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 390).
(3)
عمدة القاري (8/ 161).
(4)
عمدة القاري (8/ 161).
(5)
هو: محمد بن عبد الله بن حَوْشَب الطائفي نزيل الكوفة، صدوق من العاشرة، تهذيب الكمال (25/ 473) (5341). وتقريب التهذيب (ص: 487) (6013).
(6)
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح (5/ 153)(4313).
ولفظه في الحج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله"
(1)
الحديث.
وفي غزوة الفتح: "إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة"
(2)
.
وأخرجه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مكة حرام، حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر"
(3)
.
وأخرجه الطحاوي أيضًا عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، والشمس والقمر، ووضعها بين هذين الأخشبين"
(4)
الحديث.
[226 أ/س]
قوله الأخشبين: أي الجبلين المطيفين بمكة، وهما أبو قُبيس والأحمر، وهو جبل مشرف وجهه على قُعَيْقِعَان
(5)
، والأخشب كل جبل غليظ خشن
(6)
. وفي الحديث: "لا تزول /مكة حتى يزول أخشباها"
(7)
(1)
صحيح البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحرم (2/ 147)(1587).
(2)
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح (5/ 153)(4313).
(3)
مسند البزار (البحر الزخار) المنشور باسم البحر الزخار، مسند ابن عباس رضي الله عنهما (11/ 184)(4926)، من طريق المحاربي عن أيوب بن عائذ عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس.، إسناده حسن رجاله ثقات عدا أيوب بن عائذ الطائي وهو صدوق رمي بالإرجاء، تقريب التهذيب (1/ 118)(616).
(4)
شرح معاني الآثار، كتاب مناسك الحج باب دخول الحرم، هل يصلح بغير إحرام؟ (2/ 260)(4157)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال الحافظ ابن حجر في"التقريب" (ص: 601) (7717): يزيد بن أبي زياد ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن، وقال في "هدي الساري" (ص: 459): مختلف فيه، والجمهور على تضعيف حديثه، إلا أنه ليس بمتروك علق له البخاري موضعًا واحدًا في اللباس.
(5)
قعيقعان: موضع بمكة.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر [خَشَبَ](2/ 32).
(7)
أخبار المكيين من كتاب التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة، أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة (المتوفى: 279 هـ)، المحقق: إسماعيل حسن حسين، دار الوطن - الرياض، الطبعة: الأولى، 1997 (ص 97)، لم أقف عليه مرفوعًا؛ وإنما رواه موقوفًا في "أخبار مكة"(1/ 78)، من قول ابن عباس، أنه وجد في حجر كتاب فيه:"أنا الله ذو بكة الحرام، وضعتها يوم صنعت الحرم. . " وفيه: لا تزول حتى يزول أخشباتها. . " ثم رواه عن مجاهد، وكذا عبد الرزاق في "مصنفه" (5/ 150)(9220) رواه عن مجاهد أيضًا.
(أُحِلَّتْ لِى) أي: أبيح لي القتال فيها (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) لم يرد بها الساعة اثنتي عشرة ساعة؛ بل المراد القليل من الوقت والزمان، وإنه كان بعض النهار ولم يكن يومًا تامًا، ويدل عليه ما في رواية "وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس"
(1)
.
قيل: هي من ضحوة النهار إلى ما بعد العصر. وقيل: أراد بها ساعة الفتح؛ أبيحت له إراقة الدم فيها دون الصيد وقطع الشجر ونحوهما.
(لَا يُخْتَلَى) بضم المثناة التحتية وسكون المعجمة وفتح المثناة الفوقية على البناء للمفعول من الاختلاء أي: لا يُجَزُّ ولا يقطع. يقال: خليت الخلا واختليته، أي: جززته وقطعته
(2)
.
(خَلَاهَا) بفتح الخاء واللام مقصورًا، هو الرَّطبُ من الكلأ ،كما أن الحشيش هو اليابس منه، والواحدة خلاة، ولامه ياء لقولهم: خليت البقل قطعته
(3)
.
وفي المحكم وقيل: الخلا، كل بقلة قطعتها. وقد يجمع على أخلاء، حكاه أبو حنيفة الدِّينَوَرِيُّ. وأخلت الأرض كثر خلاها، واختلاه جزه. وقال اللحياني: نزعه
(4)
.
وقال القاضي: ومعنى لا يختلى: خلاها لا يحصد كلاها، مقصور ومده بعض الرواة، وهو خطأ؛ بل الممدود هو الموضع الخالي، وأيضًا مصدر خلا يخلو والمخلا وعاء يختلي فيه للدابة، ثم
سمى كل ما يعتلف فيه مما يعلق في رأسها مخلاة، والمعنى: لا يقطع كلاها الرطب الذي ينبت بنفسه
(5)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح (5/ 149)(4294).
(2)
الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية [خلا](6/ 2331).
(3)
الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية [خلا](6/ 2331).
(4)
المحكم والمحيط الأعظم [خ ي ل](5/ 258).
(5)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار [خ ل ي](1/ 239).
(وَلَا يُعْضَدُ) على البناء للمفعول أيضًا، أيْ: لا يقطع ولا يكسر
(1)
. يقال: عضد واستعضد بمعنى، كما يقال: علا واستعلى كذلك.
(شَجَرُهَا) وقال الطبري: معنى "لا يعضد شجرها"، لا يفسد ولا يقطع، من: عضد الرجل الرجل أصاب عضده بسوء
(2)
.
وفي الموعب
(3)
: عضدت الشجر أعضده عضدًا، مثل ضرب، إذا قطعته.
وفي المحكم:
(4)
الشيء معضود وعضيد
(5)
.
(وَلَا يُنَفَّرُ) على البناء للمفعول من التنفير؛ يقال: نفر ينفر نفورًا ونفارًا إذا فرَّ وذهب
(6)
(صَيْدُهَا) أي: لا يزعج من مكانه.
(وَلَا تُلْتَقَطُ) على البناء للمفعول أيضًا (لُقَطَتُهَا) بضم اللام وفتح القاف وسكونها؛ أيْ: لا ترفع ساقطتها (إِلَاّ لِمُعَرِّفٍ) بضم الميم وكسر الراء المشددة، وهو الذي يعرفها ليجئ صاحبها ويأخذ، وفي لفظ للبخاري:"ولا يلتَقِطُ لُقَطَتَهَا إلا من عرفها"
(7)
.
[226 أ/ص]
وفي لفظ: "ولا تحل لقطتها إلا لمنشد"
(8)
والمنشد هو المعرف، والناشد هو الطالب؛ يقال: نشدت /الضالة إذا طلبتها، فإذا عرفتها قلت: أنشدتها، وأصل الإنشاد رفع الصوت، ومنه إنشاد الشعر
(9)
.
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار [ع ض د](2/ 96).
(2)
تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 هـ)، المحقق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني - القاهرة (1/ 44).
(3)
الموعب. معجم لغوي عربي ضائع: أُلِّفَ في الأندلس؛ اسمه (الموعب) بقي ضائعا، ومؤلف هذا المعجم هو ابن التيان أو التياني (ت 426 هـ) واسمه الكامل (تمام بن غالب بن عمر). . لقد ورد ذكر هذا المعجم في معجم الأدباء طبعة مرغوليوث ج 2/ص 394.
(4)
المحكم والمحيط الأعظم [ع ض د](1/ 391).
(5)
[وفي المحكم الشيء معضود وعضيد] سقط من ب.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر [نَفَرَ](5/ 92).
(7)
صحيح البخاري، كتاب في اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة (3/ 125)(2433).
(8)
صحيح البخاري، كتاب في اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة (3/ 125)(2433).
(9)
النهاية في غريب الحديث والأثر [نشد](5/ 53).
(فَقَالَ الْعَبَّاسُ): رضي الله عنه (إِلَاّ الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا) جمع صائغ وأصله: الصوغة (وَقُبُورِنَا) أيْ: ليكن هذا مستثنى من الكلأ يا رسول الله (فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم: (إِلَاّ الإِذْخِرُ) يحتمل أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم باجتهاد منه، أو أوحى إليه في الحال، أو أوحى إليه قبل ذلك أنه إن طلب منه أحد
(1)
استثناء شيء فاستثن.
ثم لفظ "الإذخر" هنا إما مرفوع على البدلية، وإما منصوب على الاستثناء؛ لكونه واقعًا بعد النفي، لكن المختار -كما قاله ابن مالك- نصبه؛ إما لكون الاستثناء متراخيًا من المستثنى منه فتفوت المشاكلة بالبدلية، وأما لكون الاستثناء عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودًا أولًا.
(2)
[99 ب/ص]
(وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ: صلى الله عليه وسلم لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا) /وهذا التعليق وصله المؤلف في باب كتابة العلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه: "أن خزاعة قتلوا رجلًا من بني ليث- عام فتح مكة- بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فركب راحلته فخطب، فقال: إن الله حبس عن مكة القتل، أو الفيل" الحديث. وفيه: " فقال رجل: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا؟ "- أي: لحاجة سقف بيوتنا، نجعله فوق الخشب، ولحاجة قبورنا في سد الفرج التي بين اللبنات والفرش- "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر"
(3)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1349 م - وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -: لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ.
-
(1)
[أَحَدًا] في ب.
(2)
شرح تسهيل الفوائد (2/ 283).
(3)
صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم (1/ 33)(112).
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ) هو ابن عمير بن عبيد القرشي
(1)
(عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ
(2)
) هو ابن يناق، بفتح المثناة التحتية وتشديد النون آخره قاف. المكي.
(عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ
(3)
) أيْ: ابن عثمان بن أبي طلحة العبدرية (سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ) بسكون العين وضم التاء، وفي رواية: بفتح العين وكسر التاء لالتقاء الساكنين.
وهذا التعليق وصله ابن ماجه بإسناده إلى أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، قالت: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح، فقال: يا أيها الناس إن الله حرم مكة، يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا
يأخذ لقطتها إلا منشد. فقال العباس: إلا الإذخر، فإنه /للبيوت والقبور، فقال رسول الله: إلا الإذخر"
(4)
[227 أ/س]
واختلف في صحبة صفية هذه، وأبعد من قال: لا رؤية لها. وقد صرح هنا بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
.
(1)
هو: أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم، وثقه الأئمة ووهم بن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة وهو ابن خمس وخمسين، تهذيب الكمال (2/ 9)(137)، وتقريب التهذيب (ص: 87) (137).
(2)
هو: الحسن بن مسلم بن يَنّاق المكي، ثقة من الخامسة ومات قديمًا بعد المائة بقليل، تهذيب الكمال (6/ 325)(1275)، وتقريب التهذيب (ص: 164) (1286).
(3)
هي: صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية، لها رؤية وحدثت عن عائشة وغيرها من الصحابة، وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر الدارقطني إدراكها، تقريب التهذيب (ص: 749) (8622).
(4)
سنن ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل مكة (2/ 1038)(3109)، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، وباقي رجاله ثقات. وعلقه البخاري في "صحيحه" بإثر الحديث الباب (1349) بصيغة الجزم عن أبان بن صالح.
(5)
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، صفية بنت شيبة الحاجب بن عثمان بن أبي طلحة (35/ 212)(7874).
وقد أخرج ابن منده من طريق محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبدالله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة، قالت:" والله لكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة"
(1)
الحديث.
(وَقَالَ مُجَاهِدٌ
(2)
عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لِقَيْنِهِمْ) بفتح القاف وسكون المثناة التحتية وبالنون هو: الحداد، أي: فإنه لحاجة حدادهم
(3)
.
(وَ) لحاجة (بُيُوتِهِمْ) أورده لقوله: لقينهم بدل قوله: لقبورنا، وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية الأولى لموافقة رواية أبي هريرة وصفية رضي الله عنهما.
ثم هذا التعليق قطعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور في أول الباب، رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وسيأتي موصولًا في كتاب الحج
(4)
.
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث بوجوه.
وأخرجه مسلم أيضًا من طريق مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم الفتح فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية" الحديث وفيه: "فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر. فإنهم لِقَيْنِهِم ولبيوتهم. فقال: إلا الإذخر"
(5)
.
(1)
المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، ذكر صفية بنت شيبة بن عثمان رضي الله عنهما (4/ 78)(6938) سكت عنه الذهبي في التلخيص.
(2)
هو: مجاهد بن جَبْر أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي، ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون، تهذيب الكمال (27/ 228)(5783)، وتقريب التهذيب (ص: 520) (6476).
(3)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار [ق ي ن](2/ 197).
(4)
صحيح البخاري، باب: لا يحل القتال بمكة (3/ 14)(1834).
(5)
صحيح مسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام (2/ 986)(1353).
وفي الحديث: أن مكة حرام، ويحرم فيها أشياء مما يحل في غيرها من البلاد، فإن قيل: في الحديث: "أن الله حرم مكة" وفي حديث صحيح: "أن إبراهيم عليه السلام حرم مكة"
(1)
. فالجواب: أن المراد أن إبراهيم عليه السلام أبلغ تحريم الله لها، فكان التحريم على لسانه، فنسب إليه
(2)
.
وحكى الماوردي وغيره الخلاف بين العلماء في ابتداء تحريم مكة؛ فذهب الأكثرون إلى أنها ما زالت محرمة، وأنه خفى تحريمها فأظهره إبراهيم عليه السلام وأشاعه، وذهب آخرون إلى أن ابتداء تحريمها من زمن إبراهيم عليه السلام وأنها كانت قبل ذلك غير محرمة كغيرها من البلاد، وإن معنى حرمها الله يوم خلق السموات والأرض: أنه قدر ذلك في الأزل أنه سيحرمها على لسان إبراهيم عليه السلام
(3)
.
وقيل: معناه أنه كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم عليه السلام سيحرم مكة بأمر الله تعالى
(4)
.
[227 أ/ص]
ثم في قوله صلى الله عليه وسلم: " أحلت لي ساعةً من نهار" دليل لأبي حنيفة: أن مكة فتحت /عنوة لا صلحًا
(5)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فتحها بالقتال. وبه قال الأكثرون، وسيجيء في حديث أبي شريح العدوي
"فإِنْ أحدٌ ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقولوا له: إن الله أذِن لرسوله، - عليه
(6)
- ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعةً من النهار"
(7)
.
وذهب الشافعي وجماعة إلى أنها فتحت صلحًا وتأولوا الحديث على أنه أبيح له القتال لو احتاج إليه، ولو احتاج إليه لقاتل ولكنه لم يحتج إليه
(8)
.
(1)
صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة (2/ 991)(1361).
(2)
عمدة القاري (8/ 162).
(3)
الأحكام السلطانية، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450 هـ) دار الحديث - القاهرة (ص 250).
(4)
شرح صحيح مسلم للنووي (9/ 124).
(5)
المبسوط (10/ 37).
(6)
عليه زاد على أصل الحديث.
(7)
صحيح البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب: لا يعضد شجر الحرم (3/ 14)(1832).
(8)
شرح السنة للبغوي (11/ 153).
وقال ابن دقيق العيد: وهذا التأويل يبعده قوله: " لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم " -يعني في حديث أبي شريح-؛ فإنه يقتضي وجود قتاله ظاهرًا
(1)
.
وقال الشيخ زين الدين: وفي المسألة قول ثالث وهو أن بعضها فتحت صلحًا وبعضها فتحت عنوة؛ لأن المكان الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع فيه القتال، وإنما وقع في غير المكان الذي دخل منه، هذا
(2)
.
وفي الحديث أيضًا: "لا يجوز اختلاء خلا مكة" هذا مما ينبت بنفسه بالإجماع، وأما الذي يزرعه الناس نحو البقول والخضراوات، والفصيل فإنها يجوز قطعها. واختلف في المرعي فيما أنبته الله من خلاها، فمنعه أبو حنيفة ومحمد وأجازه أبو يوسف ومالك والشافعي وأحمد. وقال ابن المنذر: أجمع على تحريم قطع شجر الحرم
(3)
.
وقال: اختلف الناس في قطع شجر الحرم هل فيه جزاء أم لا؟ فعند مالك لا جزاء فيه. وعند أبي حنيفة والشافعي فيه الجزاء
(4)
. وهذا فيما لم يغرسه الآدمي من الشجر وأما ما غرسه الآدمي فلا شيء فيه
(5)
.
وحكى الخطابي: أن مذهب الشافعي منع قطع ما غرسه الآدمي من شجر البوادي ونماه، وأنه وغيره مما أنبته الله سواء
(6)
.
واختلف في جزاء الشجر، فعند الشافعي: في الدوحة بقرة، وما دونها. وعند أبي حنيفة: يؤخذ منه قيمة ما قطع يشترى به هدى، فإن لم يبلغ ثمنه تصدق به بنصف صاع لكل مسكين
(7)
.
[100 ب/س]
وقال الشافعي: في الخشب/ ونحوه قيمته بالغة ما بلغت. وقال الكوفيون: فيها قيمتها، والمحرم والحلال في ذلك سواء
(8)
.
(1)
إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 62)(220).
(2)
عمدة القاري (8/ 162).
(3)
الإجماع (1/ 60).
(4)
المُعْلم بفوائد مسلم (2/ 114).
(5)
الإقناع لابن المنذر (1/ 243)، الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 400).
(6)
معالم السنن (2/ 220).
(7)
إكمال المعلم (4/ 471)، وعمدة القاري (8/ 162).
(8)
المجموع (7/ 447) والبناية شرح الهداية (4/ 413).
واختلفوا في أخذ السواك من شجر الحرم: فعن مجاهد
(1)
وعطاء
(2)
وعمرو بن دينار
(3)
أنهم رخصوا في ذلك، وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي
(4)
، وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السنا يستمشي به ولا ينزع من أصله، ورخص فيه عمرو بن دينار
(5)
.
[228 أ/س]
وفيه دليل على أن الشجر المؤذي لا يقطع من الحرم لإطلاق قوله: "ولا يعضد شجرها"، وهو اختيار /أبي سعد المتولّي من الشافعية. وذهب جمهور أصحاب الشافعي إلى أنه لا يحرم قطع الشوك؛ لأنه مؤذ، فأشبه الفواسق الخمس، وخصوا الحديث بالقياس. وقال النووي: والصحيح ما اختاره المتولى
(6)
.
وفي الحديث: تحريم إزعاج صيد مكة ونبه بالتنفير على الإتلاف ونحوه؛ لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى.
وفيه أيضًا: أن آخذ لقطة الحرم ليس له غير التعريف أبدًا، ولا يملكها بحال ولا يستنفقها، ولا يتصدق بها حتى يظفر بصاحبها، بخلاف لقطة سائر البقاع، وهو أظهر قَوْلَيِ الشافعي، وبه قال أحمد
(7)
.
وعندنا لقطة الحل والحرم سواء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة"
(8)
من غير فصل
(9)
.
(1)
مصنف عبد الرزاق، كتاب المناسك، باب ما ينزع من الحرم (5/ 143)(9199).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، من رخص أن يأخذ من الحرم السواك ونحوه ومن كرهه (3/ 411)(15467).
(3)
مصنف عبد الرزاق، كتاب المناسك، باب ما ينزع من الحرم (5/ 143)(9201).
(4)
المجموع (7/ 447).
(5)
المغني (3/ 321).
(6)
شرح صحيح مسلم للنووي (9/ 126).
(7)
شرح السنة (7/ 299) والمغني (6/ 82).
(8)
صحيح البخاري، كتاب في اللقطة، باب ضالة الغنم (3/ 124)(2428).
(9)
اللباب في الجمع (2/ 562)، وعمدة القاري (8/ 163).
وروى الطحاوي عن معاذة العدوية: "أن امرأة قد سألت عائشة رضي الله عنها فقالت: إني قد أصبت ضالة في الحرم، فإني قد عرفتها فلم أجد أحدًا يعرفها. فقالت عائشة رضي الله عنها: استنفقي بها"
(1)
.
وفيه جواز استعمال الإذخر في القبور والصاغة وأهل مكة يستعملون من الإذخر ذريرة
(2)
ويطيبون بها أكفان الموتى
(3)
. والله أعلم.
(1)
شرح معاني الآثار، كتاب الإجارات، باب اللقطة والضوال (4/ 139)(6085)، من طريق شعبة، عن يزيد الرشك، عن معاذة العدوية، أن امرأة سألت عائشة.
(2)
ذَرِيرَةً: قال النووي" هي فتات قصب يجاء به من الهند.
(3)
عمدة القاري (8/ 163)