الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِىُّ الْجَزَعُ الْقَوْلُ السَّيِّئُ وَالظَّنُّ السَّيِّئُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ عليه السلام (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ).
1301 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ - قَالَ - فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا وَنَحَّتْهُ في جَانِبِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ كَيْفَ الْغُلَامُ قَالَتْ قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ. وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، قَالَ فَبَاتَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِمَا كَانَ مِنْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا في لَيْلَتِكُمَا» . قَالَ سُفْيَانُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ
(1)
.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ) بضم الياء، من يظهر، على أنّه من الأفعال، وينصب "حزنه" على المفعولية
(2)
.
(عِنْدَ) حلول (الْمُصِيبَةِ) فترك ما أبيح له من إظهار الحزن الذي لا إسخاط فيه لله تعالى، قهرًا للنفس بالصبر الذي هو خير، قال تعالى:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} [النحل: 126].
(1)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب: مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (2/ 82)، (1301).
(2)
فتح الباري (3/ 169).
(وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ) أي: ابن سليم، (الْقُرَظِىُّ) بضم القاف وفتح الراء بعدها ظاء مشالة: المديني حليف الأوس، سمع زيد بن أرقم وغيره، قال قتيبة: بلغني أنّه ولد في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقال الواقدي: توفي بالمدينة سنة: سبع وعشرين
(1)
ومائة، وهو ابن ثمان وتسعين سنة
(2)
.
(الْجَزَعُ) الذي حظّره الشرع، (الْقَوْلُ السَّيِّئُ) أي: الذي يبعث الحزن غالبًا، (وَالظَّنُّ السَّيِّئُ) أي: اليأس من تعويض الله المصاب في العاجل، وهو خير وأنفع له من الفائت أو الاستبعاد لحصول ما وعد به من الثواب على الصبر، ومناسبته للترجمة من حيث المقابلة وهي ذكر الشيء وما يضاده معه، وذلك: أنّ ترك إظهار الحزن من القول الحسن، والظن الحسن وإظهاره مع الجزع الذي حظره الشرع قول سيء، وظن سيء
(3)
.
(وَقَالَ: يَعْقُوبُ) عليه السلام ، (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى) البث: أصعب الهمّ الذي لا يصبر صاحبه على كتمانه، فيبعثه إلى الناس أي: ينشره. (وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ) لا إلى غيره، ومناسبته للترجمة من حيث إنّه عليه الصلاة والسلام، لما ابتلى بفراق يوسف عليه الصلاة والسلام، صبر ولم يشك إلى أحد ولا بثّ حزنه إلا إلى الله تعالى، فطابق الترجمة من هذه الحيثية.
(حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ
(4)
) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، والحَكَم بفتح المهملة والكاف: العبدي، وقد مرّ في باب: التهجُّد، (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ
(5)
) الأنصاريّ، ابن أخي أنس بن مالك رضي الله عنه ، مات سنة: أربع وثلاثين ومائة.
(1)
[سبع عشرة].
(2)
هو: محمد بن كعب بن سليم بن أسد أبو حمزة القرظي المدني، وكان قد نزل الكوفة مدة، ثقة عالم، من الثالثة، مات سنة عشرين وقيل قبل ذلك، سير أعلام النبلاء (5/ 65)، تقريب التهذيب (ص: 504) (6257).
(3)
فتح الباري (3/ 169).
(4)
هو: بشر بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي النيسابوري، أبو عبد الرحمن، ثقة زاهد فقيه، من العاشرة، مات سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين، سير أعلام النبلاء (12/ 344)(139)، وتقريب التهذيب (ص: 123) (683).
(5)
هو: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني، أبو يحيى، ثقة حجة، من الرابعة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقيل بعدها، سير أعلام النبلاء (6/ 34)(11)، وتقريب التهذيب (ص: 101) (352).
(أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ اشْتَكَى) أي: مرض وليس المراد منه أنّه صدرت منه الشكوى، لكن لما كان الأصل أنّ المريض يحصل منه ذلك استعمل في كل مريض
(1)
.
[160 أ/س]
(ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ): زيد بن سهل الأنصاري، وابنه هو: أبو عمير، الذي كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ، يمازحه /ويقول له: " يا
(2)
أبا عمير ما فعل النغير
(3)
"، كما سيأتي في "كتاب الأدب"، بيّن ذلك ابن حبان في روايته من طريق: عمارة بن زاذان، عن ثابت
(4)
.
وزاد من طريق جعفر بن سليمان، عن ثابت في أوله قصة تزويج أم سليم بأبي طلحة بشرط أن يسلم، وقال فيه:"فحملت فولدت غلامًا صبيحًا، فكان أبو طلحة يحبه حبًا شديدًا، فعاش حتى تحرّك فمرض، فحزن أبو طلحة حزنا شديدًا حتى تضعضع، وأبو طلحة يغدو ويروح على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فراح روحة"
(5)
(- قَالَ - فَمَاتَ) ذلك الابن (وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ) أي: من البيت وكان يكون عند النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر النهار كما أفادت الرواية السابقة، وفي رواية الإسماعيلي كان لأبي طلحة ولد فتوفي فأرسلت أم سليم أنسًا يدعو أبا طلحة وأمَرته أن لا يخبره بوفاة ابنه وكان أبو طلحة صائمًا"
(6)
.
(فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ) أم سليم أم أنس بن مالك رضي الله عنهما ، (أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، هَيَّأَتْ شَيْئًا) أي: أعدت طعامًا وأصلحته لأبي طلحة لصومه، وقيل: هيأت شيئًا من حالها وتزينت لزوجها تعرضًا
(1)
عمدة القاري (8/ 98).
(2)
زاد (يا) في ب.
(3)
صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس (8/ 30)(6129).
(4)
صحيح ابن حبان، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، ذكر كنية هذا الصبي المتوفى لأبي طلحة، وأم سليم (16/ 158)(7188)
(5)
صحيح ابن حبان، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، ذكر وصف تزوج أبي طلحة أم سليم (16/ 155)(7187)، من طريق جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت عن أنس إسناده صحيح على شرط مسلم.
(6)
فتح الباري (3/ 170).
للجماع، وقيل: هيأت أمر الصبي بأن غسلته وكفّنته على ما جاء في رواية أبي داود الطيالسي عن مشايخه عن ثابت "فهيئات الصبي"
(1)
.
وفي رواية حميد عند ابن سعد "فتوفي الغلام فهيأت أم سليم أمره"
(2)
.
وفي رواية عمار بن زاذان عن ثابت "فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبًا"
(3)
.
(وَنَحَّتْهُ) بفتح النون والحاء المهملة المشددة أي: جعلته (فِى جَانِبِ الْبَيْتِ) وقيل: بعدته، وفي رواية جعفر عن ثابت:"فجعلته في مخدعها"
(4)
، (فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ:) لها (كَيْفَ الْغُلَامُ؟ قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ) بالهمز، أي: سكنت، (نَفْسُهُ) بسكون الفاء، كذا للأكثر.
[70 ب/ص]
والمعنى: إنّ نفسه كانت قلقة منزعجة بعارض المرض، فسكنت بالموت، وظنّ أبو طلحة أنّ مرادها: سكنت بالنوم لوجود العافية، وفي رواية أبي ذر:"هدأ" بإسقاط التاء "نفسه"، /بفتح الفاء أي: سكن؛ لأن المريض يكون نفسه عاليًا، فإذا زال مرضه سكن، وكذا إذا مات
(5)
.
وفي رواية أنس بن سيرين: "هو أسكن ما كان"
(6)
، ونحوه في رواية جعفر عن ثابت، وفي رواية معمر عن ثابت:"أمسى هاديًا"
(7)
.
(1)
مسند أبي داود الطيالسي، وما أسند أنس بن مالك الأنصاري ثابت البناني عن أنس بن مالك (3/ 534)(2168)، من طريق سليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة، وجعفر بن سليمان، كلهم عن ثابت، عن أنس، إسناده متصل، رجاله ثقات، رجاله رجال البخاري عدا أبو داود الطيالسي روى له البخاري تعليقًا.
(2)
الطبقات الكبرى (5/ 56)، من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن بكر السهمي قالا: حدثنا حميد الطويل قال: قال أنس بن مالك. إسناده صحيح.
(3)
صحيح ابن حبان، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، ذكر وصف تزوج أبي طلحة أم سليم (16/ 155)، (7187)، تقدم تخريجه في (ص:532).
(4)
صحيح ابن حبان، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، ذكر وصف تزوج أبي طلحة أم سليم (16/ 155)، (7187) تقدم تخريجه في (ص:532).
(5)
عمدة القاري (8/ 98).
(6)
صحيح البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد، لمن لم يعق عنه، وتحنيكه (7/ 84)، (5470).
(7)
المنتخب من مسند عبد بن حميد، أبو محمد عبد الحميد بن حميد بن نصر الكَسّي ويقال له: الكَشّي بالفتح والإعجام (المتوفى: 249 هـ) المحقق: صبحي البدري السامرائي، محمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1408 - 1988. مسند أنس بن مالك (1/ 372)، (1240).
[160 أ/ص]
وفي /رواية حميد: "بخير ما كان"
(1)
، والكلّ متقارب المعاني.
(وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ) عنت أم سليم أنّه قد استراح من نكد الدنيا وتعبها، وهو من حسن المعاريض، وهو ما احتمل معنيين، وهذا من أحسنها؛ فإنها أخبرت بكلام لم تكذب فيه ولكن ورت به عنى المعنى الذي كان يحزنه، ألا ترى أن نفسه قد هدأت كما قالت بالموت وانقطاع النفس، وأوهمته أنه استراح من قلقه.
وقال ابن بطال: هدأ نفسه من معاريض الكلام
(2)
، وأرادت بسكون النفس: الموت، وظنّ أبو طلحة: أنّها تريد به سكون نفسه من المرض، وزوال العلة وتبدلها بالعافية، وأنّها صادقة فيما خيل إليه في ظاهر قولها وبارك الله لهما بدعائه صلى الله عليه وسلم ، فرزقا تسعة أولاد من القرّاء الصلحاء، وذلك بصبرها فيما نالها ومراعاتها زوجها، وإنّما لم تجزم بكونه استراح، بل قالت: أرجو أدبًا أو لم تكن عالمة بأن الطفل لا عذاب عليه، ففوضت الأمر إلى الله تعالى مع وجود رجائها بأنه استراح من نكد الدنيا
(3)
.
(وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ) أي: بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها وإلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت جزمًا، ولذا ورد "أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب"
(4)
.
(قَالَ) أنس رضي الله عنه: (فَبَاتَ) أي: بات أبو طلحة مع امرأته المذكورة، وهذه كناية عن الجماع، لقوله:(فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ)؛ لأن الاغتسال غالبًا لا يكون إلا من الجماع، وقد وقع التصريح بذلك في رواية أنس بن سيرين:"فقرّبت إليه العشاء فتعشىّ، ثمّ أصاب منها"
(5)
.
(1)
الطبقات الكبرى (5/ 56).
(2)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 285).
(3)
عمدة القاري (8/ 98).
(4)
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، باب: المعاريض فيها مندوحة عن الكذب (10/ 336)، من طريق سعيد - هو ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن الحصين، وقال: هذا هو الصحيح موقوفًا.
(5)
صحيح البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد، لمن لم يعق عنه، وتحنيكه (7/ 84)، (5470).
وفي رواية حماد عن ثابت: "ثم تطيبت"
(1)
، زاد جعفر عن ثابت:"فتعرضت له حتى واقع بها"
(2)
.
وفي رواية سليمان عن ثابت: "ثمّ تصنّعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها"
(3)
وفي رواية عبد الله بن عبد الله: "ثم تعرّضت له، فأصاب منها"
(4)
.
وإنّما فعلت ما فعلت؛ إعانة لزوجها على الرضى والتسليم، ولو أعلمته بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته، ولم يبلغ الغرض الذي أرادته، ولعلّها عند موت الطفل قضت حقه من البكاء اليسير، والله أعلم.
[161 أ/س]
(فَلَمَّا أَرَادَ) أبو طلحة (أَنْ يَخْرُجَ) من البيت (أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ) أي: الابن المذكور، (قَدْ مَاتَ) وفيه زيادة /عند مسلم من رواية سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس رضي الله عنه،: "قال: مات ابن لأبي طلحة، من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بأبنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، فقال: ثم تصنّعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنّه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم، ألهم أم يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فأحتسب ابنك، قال: فغضب وقال: تركتيني
(1)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه (21/ 452)، (14065).
(2)
صحيح ابن حبان، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، ذكر وصف تزوج أبي طلحة أم سليم (16/ 155)، (7187) تقدم تخريجه في (ص:532).
(3)
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه (4/ 1909)، (2144).
(4)
فتح الباري (3/ 170).
حتى تلطخت، ثمّ أخبرتنى بابني، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بارك الله لكما في ليلتكما"، قال: فحملت
(1)
، الحديث بطوله.
وفي رواية عبد الله فقالت: " يا أبا طلحة أرأيت قومًا اعاروا متاعهم، ثمّ بدالهم فيه فأخذوه فكأنهم وجدوا في انفسهم"
(2)
زاد حماد في روايته عن ثابت" فأبوا أن يردوها، فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك، إن العارية مؤداة إلى أهلها، ثم اتفقا فقالت: " إن الله أعارنا فلانا ثم أخذه منا زاد حماد "فاسترجع"
(3)
.
(فَصَلَّى مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِمَا كَانَ مِنْهُمَا) بالتثنية، وفي رواية الكشميهني:"منها" بضمير المؤنثة المفردة
(4)
.
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا) وفي رواية "لهما في ليلتهما"، وفي رواية أنس بن سيرين:"اللهم بارك لهما"، ولا تعارض؛ لأن الكل دعاء وفي رواية أنس بن سيرين من الزيادة:"فولدت غلامًا"
(5)
، وفي رواية عبد الله بن عبد الله:"فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة" وسيأتي الكلام على قصة تحنيكه وغير ذلك، حيث ذكره المؤلف في العقيقة
(6)
.
(قَالَ سُفْيَانُ) أي: ابن عيينة بالإسناد المذكور، (فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ) هو: عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، كما عند البيهقي وسعيد بن منصور، عن مسروق، عن عباية بن رفاعة قال:"كانت أم أنس رضي الله عنهما ، تحت أبي طلحة رضي الله عنه "، فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت، عن أنس
(1)
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه (4/ 1909)، (2144).
(2)
فتح الباري (3/ 170).
(3)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه (21/ 452)، (14065).
(4)
إرشاد الساري (2/ 412).
(5)
صحيح البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد، لمن لم يعق عنه، وتحنيكه (7/ 84)، (5470).
(6)
صحيح البخاري، كتاب العقيقة باب تسمية المولود غداة يولد، لمن لم يعق عنه، وتحنيكه (7/ 84)(5470)
- رضي الله عنه ، وقال في آخره:" فولدت له غلامًا، قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلّهم قد ختم القران".
(1)
وقال الحافظ العسقلاني: وأفادت هذه الرواية: أنّ في رواية سفيان تجوُّزًا في قوله: "لهما"؛ لأنه ظاهره أنه من ولدهما بغير واسطة، وإنما المراد من أولاد ولدهما المدعوِّ له بالبركة، وهو عبد الله بن أبي طلحة
(2)
.
وتعقبه العيني: بأنا لا نسلم التجوز في رواية سفيان؛ لأنّه ما صرّح في قوله: "فقال رجل من الأنصار. . . إلخ" بأنْ قال: رأيت منهما أولهما تسعة أولاد، وقوله صلى الله عليه وسلم:"يبارك لهما" لا يستلزم أن يكون التسعة منهما، فافهم
(3)
.
(فَرَأَيْتُ تِسْعَةَ أَوْلَادٍ، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ) وفي رواية: "فرأيت لهما"، أي: لهما بواسطة ولدهما عبد الله بن أبي طلحة، وبهذا يندفع تعقب العيني للحافظ العسقلاني كما مرّ آنفًا.
[71 ب/س]
فإن قيل: قد وفع في رواية سفيان هنا "تسعة أولاد"، بتقديم الفوقية على السين /وفي رواية عباية المذكورة سبع بنين.
فالجواب: أنّ الظاهر أنّ المراد بالسبعة من ختم القران كلّه، وبالتسعة من قرأ معظمه
(4)
.
وذكر ابن المديني: من أسماء ولد عبد الله بن أبي طلحة، وكذا ابن سعد وغيره من أهل العلم بالأنساب: إسحاق وإسماعيل، ويعقوب، وعمير، وعمر، ومحمد، وعبد الله، وزيد، والقاسم.
(5)
(1)
دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 هـ) المحقق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث الطبعة: الأولى - 1408 هـ - 1988 م، كتاب: الشمائل ونحوها، باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة لحمل أم سليم من أبي طلحة (6/ 198) من طريق يوسف بن يعقوب، حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا سعيد بن مسروق، عن عباية بن رافع، به موضع الإرسال.
(2)
فتح الباري (3/ 171).
(3)
عمدة القاري (8/ 99).
(4)
فتح الباري (3/ 171).
(5)
الطبقات الكبرى (3/ 382).
وفي الحديث: عدم إظهار الحزن عند المصيبة، وهو فقه الباب، كما فعلت أم سليم، فإنّها اختارت الصبر وقهرت نفسها.
وفيه: منقبة عظيمة لأم سليم بصبرها ورضاها بقضاء الله تعالى رضي الله عنها.
وفيه: جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة لمن قدر عليها، وأنّ ذلك مما ينال به رفيع الدرجات وجزيل الأجر.
وفيه: أنّ المرأة تتزين لزوجها تعرضًا للجماع.
وفيه: أن من ترك شيئًا لله تعالى وآثر ما ندب إليه، وحضّ عليه من جميل الصبر، أنّه يعوض خيرًا مما فاته، ألا ترى إلى قوله:" فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القران".
وفيه: مشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا يبطل حقًا لمسلم، وفيه: إجابة دعوة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفيه: بيان حال أم سليم من الجلد وجودة الرأي وقوة العزم، وسيأتي في "الجهاد" و"المغازي" أنّها كانت تشهد القتال، وتقوم بخدمة المجاهدين، إلى غير ذلك مما انفردت به عن معظم النسوة رضي الله عنها.