الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1360 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِى طَالِبٍ:«يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ (مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ) الآيَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(بابٌ) بالتنوين (إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ) قبل المعاينة (لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ) ينفعه ذلك، وإنما لم يذكر جواب "إذا" لمكان التفصيل فيه، وهو: أنه لا يخلو إما أن يكون من أهل الكتاب أو لا يكون، وعلى التقديرين لا يخلو إما أن يقول: لا اله إلا الله، في حياته قبل معاينة الموت، أو قالها عند موته؛ فإذا قال ذلك بعد معاينة الموت لا ينفعه ذلك، سواء كان من أهل الكتاب أو لا؛ لقوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 158] الآية
(1)
.
وإذا قال ذلك قبل معاينة الموت ولم يكن من أهل الكتاب ينفعه ذلك حتى يحكم بإسلامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "لا إله الا الله"
(2)
الحديث، وأما إذا كان من أهل الكتاب فلا ينفعه حتى يتلفظ بكلمتي الشهادة، واشترط أيضًا أن يتبرأ عن كل دين سوى دين الإسلام.
وقيل: إنما ترك الجواب لأنه صلى الله عليه وسلم لما قال لعمه أبي طالب: قل: "لا إله الا الله، أشهد لك بها". كان محتملًا أن يكون ذلك خاصًا به؛ لأن غيره إن قال بها وقد أيقن بالوفاة لا ينفعه ذلك
(3)
.
(1)
[يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ] سقط من (أوب).
(2)
صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة، (1/ 87)(392).
(3)
عمدة القاري (8/ 179).
(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
(1)
) هو إما ابن راهوية وإما ابن منصور
(2)
، ولا قدح في الإسناد بهذا اللبس؛ لأن كلا منهما بشرط البخاري، قاله الكرماني
(3)
.
قال: (أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
(4)
) بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف القرشي الزهري، مات في قرب دجلة واسط في شوال سنة ثمان ومائتين.
(قَالَ: حَدَّثَنِى) بالإفراد (أَبِى) إبراهيم بن سعد أبو إسحق الزهري، كان على قضاء بغداد ومات بها سنة ثلاث [وثلاثين]
(5)
ومائة
(6)
.
(عَنْ صَالِحٍ) هو ابن كيسان الغفاري أبو الحارث، ويقال: أبو محمد مات بعد الأربعين ومائة
(7)
.
(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري (قَالَ أَخْبَرَنِى) بالإفراد (سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ) بضم الميم وفتح السين المهملة وفتح المثناة التحتية على المشهور وقيل: بكسرها، ابن حزن ضد السهل ،والمسيب وأبوه
(1)
هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو محمد بن راهويه المروزي، ثقة حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود: أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، تقريب التهذيب (ص: 99)
(2)
هو: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة إحدى وخمسين، تقريب التهذيب (ص: 103) (384).
(3)
الكواكب الدراري (7/ 135).
(4)
هو: يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو يوسف المدني، نزيل بغداد، ثقة فاضل من صغار التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين، تهذيب الكمال (32/ 308)(7082)، وتقريب التهذيب (ص: 607) (7811).
(5)
ثمانين.
(6)
هو: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد ثقة حجة تُكُلِّم فيه بلا قادح، من الثامنة مات سنة خمس وثمانين ومائة، تهذيب الكمال (2/ 88)(174)، وتقريب التهذيب (ص: 89) (177).
(7)
هو: صالح بن كيسان المدني، أبو محمد، أو أبو الحارث مؤدب، ولد عمر ابن عبد العزيز، ثقة ثبت فقيه، من الرابعة، مات بعد سنة ثلاثين ومائة أو بعد الأربعين، تهذيب المكمال (13/ 79)(2834)، وتقريب التهذيب (ص: 273) (2884).
صحابيان هاجرا إلى المدينة، وكان المسيب ممن بايع تحت الشجرة، وكان رجلًا تاجرًا /يروى له سبعة أحاديث للبخاري منها ثلاثة
(1)
.
[243 أ/ص]
وقال الذهبي: المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي له صحبة، يروى عنه ابنه أسلم بعد خيبر وحزن له هجرة، وكان أحد الأشراف، وقتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(2)
.
(عَنْ أَبِيهِ
(3)
) المسيب بن حَزْن بفتح المهملة وسكون الزاي وبالنون (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ) أي: علاماتها وذلك قبل النزع، وإلا لما كان ينفعه الإيمان لو آمن، يدل عليه محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم ولكفار قريش. قاله الكرماني والبرماوي
(4)
.
ويحتمل أن يكون انتهى إلى النزع، لكن رجا النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إذا أقر بالتوحيد، ولو في تلك الحالة، أن ذلك ينفعه بخصوصه، ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة إلى غيره. والله أعلم
(5)
.
وأبو طالب اسمه عبد مناف، قاله غير واحد. وقال الحاكم: تواترت الأخبار أن اسمه كنيته قال: ووجد بخط على رضي الله عنه الذي لا شك فيه، وكبت علي بن [أبي]
(6)
طالب
(7)
. وقال أبو القاسم المغربي الوزير
(8)
: اسمه عمران
(9)
.
(1)
تهذيب الكمال، سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب (11/ 66)(2358).
(2)
سير أعلام النبلاء (1/ 219).
(3)
هو: المسيب بن حَزْن بن أبي وهب المخزومي، أبو سعيد، له ولأبيه صحبة، عاش إلى خلافة عثمان، تقريب التهذيب (ص: 532) (6674).
(4)
كواكب الدراري (2/ 493).
(5)
فتح الباري (8/ 507).
(6)
[أبو] في ب.
(7)
المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم (3/ 116)، وقد تواترت الأخبار بأن أبا طالب كنيته اسمه.
(8)
هو: الحسين بْن عليّ بْن حسين بْن محمد، الوزير أبو القاسم بْن أبي الحَسَن الشيعيّ، عُرف بابن المغربيّ. [المتوفى: 418 هـ]، تاريخ الإسلام (9/ 294)(327).
(9)
التوضيح (10/ 114).
(جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ) كان كُنْيَتَه أبو الحكم، وكناه رسول صلى الله عليه وسلم بأبي جهل، واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، ويقال له: ابن الحنظلية، واسمها: أسماء بنت سلامة بن مخرمة، وكان أحول مأْبونًا
(1)
، وكان رأسه أول رأس جُزَّ في الإسلام، فيما ذكره ابن دريد في (وشايحه)، مات على الكفر
(2)
.
(وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ) بضم الهمزة (بْنِ الْمُغِيرَةِ) وأمه عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، ثم أسلم يوم الفتح وتوفي شهيدًا بالطائف
(3)
.
ويحتمل أن يكون المسيب شهد هذه القصة حال كفره، ولا يلزم من تأخر إسلامه ألَّا يكون شهد ذلك كما شهد بها عبدالله بن أبي أمية.
(فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وفي رواية: " قال" بدون الفاء (لأَبِى طَالِبٍ يَا عَمِّ) وفي رواية: "أيْ عمِّ"، ويجوز إثبات الياء وحذفها
(4)
.
(قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، كَلِمَةً) نصب إما على البدلية أو على الاختصاص (أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ) والجملة صفة "كلمة" وفي رواية: "أُحاجُّ لك بها عند الله تعالى"
(5)
.
[244 أ/س]
(فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي: أتعرض (عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم /يَعْرِضُهَا) بفتح الياء التحتية وكسر الراء (عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ) أي: أترغب عن ملة عبدالمطلب.
قال القاضي عياض: وفي نسخة: ويعيداه؛ يعني أبا جهل وعبدالله. وقال أيضًا: في جميع الأصول: ويعود له بتلك المقالة يعني أبا طالب
(6)
.
(1)
أي: ذكر بالقبيح.
(2)
أنساب الأشراف [عداوة قريش للرسول](1/ 125). والتوضيح (10/ 115).
(3)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب، عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة (3/ 869)(1474).
(4)
إرشاد الساري (2/ 451).
(5)
عمدة القاري (8/ 181).
(6)
إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (1/ 187).
ووقع في مسلم: "لولا
(1)
تعيرني قريش، يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع"
(2)
بالجيم والزاي وهو الخوف.
وذهب الهروي والخطابي فيما رواه عن ثعلب أنه بخاء معجمة وزاي مفتوحتين
(3)
. قال القاضي عياض: ونبهنا غير واحد أنه الصواب ومعناه الضعف والخور
(4)
.
(حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ) أي: في آخر أزمنة تكليمه إياهم (هُوَ) أي: أبو طالب وهو إما عبارة أبي طالب وأراد به نفسه، وإما عبارة الراوي ولم يحك كلامه بعينه لقبحه وهو من التصرفات الحسنة.
(عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا) حرف تنبيه. وقيل: بمعنى حقًا.
[107 ب/س]
(وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) كما استغفر إبراهيم عليه السلام / لأبيه (مَا لَمْ أُنْهَ) بضم الهمزة مضارع مجهول مجزوم من النهي (عَنْكَ). وفي رواية غير الكشميهني: "مالم أنه عنه". أي: عن الاستغفار الدال عليه قوله: "لأستغفرن لك"
(5)
.
(فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ) أي: في أبي طالب أو في الاستغفار (مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ" الآيَةَ) وفي رواية: "فأنزل الله تعالى فيه الآية" فحذف لفظ ما كان للنبي أي: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] أي: ما كان ينبغي له ولهم الاستغفار للمشركين.
وقال الثعلبي: قال أهل المعاني: "ما" يأتي في القرآن على وجهين بمعنى النفي كقوله تعالى: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل: 60]{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل
عمران: 145]، والآخر بمعنى النهي كقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53] وهي في حديث أبي طالب نهى. وتأول بعضهم الاستغفار هنا بمعنى الصلاة
(6)
.
(1)
سقط (أن) من أصل الحديث.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أول الإيمان قول لا إله إلا الله (1/ 55)(25).
(3)
غريب الحديث للخطابي (3/ 253).
(4)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار، [ج ز ى](1/ 148).
(5)
عمدة القاري (8/ 181).
(6)
الكشف والبيان عن تفسير القرآن (5/ 101).
وقال الواحدي: سمعت أبا عثمان الجبري، سمعت أبا الحسن بن مقسم سمعت أبا اسحق الزجاج يقول في هذه الآية: أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب
(1)
.
[244 أ/ص]
وفي معاني الزجاج: يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على أبي طالب الإسلام وعند وفاته، وذكر له وجوب حقه عليه، فأبى أبو طالب، فقال صلى الله عليه وسلم:"لأستغفرن لك حتى أُنْهى عن ذلك". ويروي أنَّه أستغفر لأمه، وروى أنه استغفر لأبيه، وأنّ المؤمنين ذكروا محاسن آبائهم في الجاهلية، وسألوا أن يستغفروا لآبائهم لما كان من محاسن كانت لهم، /فأعلم الله عز وجل أن ذلك لا يجوز فقال:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: 113] الآية
(2)
.
وذكر الواحدي من حديث موسى بن عبيدة قال: أنبأنا محمد بن كعب القُرَظي قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها، قالت له قريش: أرسل إلى ابن أخيك، يرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها ما يكون لك شفاء، فأرسل إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله حرمها على الكافرين طعامها وشرابها" ثم أتاه فعرض عليه الإسلام، فقال: لولا أن نعير بها فيقال: جزع عمك من الموت لأقررت بها عينك، واستغفر له بعد ما مات، فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا
ولذوي قراباتنا قد استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه، ومحمد صلى الله عليه وسلم لعمه، فاستغفروا للمشركين حتى نزلت: " {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الآية
(3)
.
ومن حديث ابن وهب، ثنا ابن جريج عن أيوب بن هانئ، عن مسروق، عن عبدالله" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر ونحن معه فتخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلًا"
(1)
أسباب نزول القرآن، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468 هـ) المحقق: عصام بن عبد المحسن الحميدان، دار الإصلاح - الدمام الطبعة: الثانية، 1412 هـ - 1992 م (1/ 338).
(2)
معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311 هـ)، المحقق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى 1408 هـ - 1988 م (2/ 473).
(3)
أسباب نزول القرآن للواحدي (1/ 262) وإسناده ضعيف: فيه موسى بن عبيدة ضعيف، المجروحين لابن حبان (2/ 234)(907)، وذكره محب الدين الطبري في "الرياض النضرة" دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية (1/ 159)، وقال: وهو مرسل.
وفيه "فجاء وله نحيب فسئل فقال: هذا قبر أمي" وفيه "وإني استأذنت ربي في زيارة أمي فأذن، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه، ونزل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية. فأخذني ما يأخذ الوالد لولده من الرقة فذلك الذي أبكاني"
(1)
.
وفي رواية الكلبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد استغفر إبراهيم لأبيه، وهو مشرك لأستغفرن لأمي. فأتى قبرها ليستغفر لها فدفعه جبرئيل عليه السلام ، عن القبر. وقال:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية
(2)
.
وقال الثعلبي: من حديث سعيد عن أبيه المسيب أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم أي: لأبي طالب-: "أيْ عمِّ إنك أعظم الناس عليَّ حقا، وأحسنهم عندي يدًا، ولأنت أعظم عندي حقًا من والدي، فقل كلمة [تحسب]
(3)
لك بها شفاعتي يوم القيامة" وفيه نزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية
(4)
.
وروى الحاكم من حديث أبي الخليل عن علي رضي الله عنه، قال: سمعت رجلًا يستغفر لأبويه،
(5)
وهما مشركان، قال: أولم يستغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه؟ فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه
(6)
.
[245 أ/س]
ولما ذكر السهيلي قوله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا} [التوبة: 113] /قال: قد استغفر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" ولا يصح أن تكون الآية التي نزلت في عمه ناسخةً لاستغفاره يوم أحد؛ لأن عمه توفي قبل ذلك ولا ينسخ المتقدم المتأخر.
(1)
أسباب نزول القرآن للواحدي (1/ 262)، وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، تفسير سورة التوبة (2/ 366) (3292) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه هكذا بهذه السياقة» إنما أخرج مسلم حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة فيه مختصرا ". وقال الذهبي: أيوب بن هاني ضعفه ابن معين.
(2)
عمدة القاري (8/ 181).
(3)
[تجب].
(4)
الكشف والبيان عن تفسير القرآن (5/ 99).
(5)
[فَقلت: تستغفر لِأَبَوَيْك وهما مُشْرِكَانِ؟] سقط من أصل الحديث.
(6)
المستدرك على الصحيحين، كتاب التفسير، تفسير سورة التوبة (2/ 366) (3292) وقال:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» تقدم تخريجه في قريبًا.
ويجاب: بأن استغفاره لقومه مشروط بتوبتهم من الشرك كأنه أراد الدعاء بالتوبة، وقد جاء في بعض الروايات "اللهم اهد قومي".
وقيل: أراد مغفرة تصرف عنهم عقوبة الدنيا من المسخ وشبهه.
وقيل: يكون الآية تأخر نزولها، فنزلت بالمدينة ناسخةً الاستغفار للمشركين، فيكون سبب نزولها متقدمًا ونزولها متأخرًا لا سيما، وبراءة من آخر ما نزل فتكون على هذا ناسخة لاستغفاره
(1)
.
وقال ابن بطال: أي: محاجة يحتاج إليها من وافى ربه بما يدخله الجنة؟
وأجيب: بأنه صلى الله عليه وسلم ظن أن عمه اعتقد أن من آمن في مثل حاله لا ينفعه إيمانه؛ إذ لم يقارنه عمل سواه من صلاة وصيام وحج وشرائط الإسلام، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن من قال: لا إله الا الله، عند موته أنه يدخل في جملة المؤمنين، وإن تعرى من عمل سواها هذا
(2)
.
وفي قوله: "وحج"نظر؛ لأنه لم يكن فرضا حينئذ بالإجماع.
وقيل: يحتمل أن يكون أبو طالب قد عاين أمر الآخرة وأيقن بالموت، وصار في حالة لا ينتفع بالإيمان لو آمن، فرجا له صلى الله عليه وسلم إن قال: لا إله الا الله، وأيقن بنبوته أن ينفع
(3)
له بذلك، ويحاج
له عند الله تعالى في أن يتجاوز عنه، ويقبل منه إيمانه في تلك الحال، ويكون ذلك خاصًا بأبي طالب وحده لمكانته من حمايته ومدافعته عنه صلى الله عليه وسلم
(4)
.
[107 ب/ص]
وقيل: كان أبو طالب ممن عاين براهين النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق بمعجزاته، ولم يشك في صحة نبوته؛ لأنه كان ينهي قريشًا عن التعرض / لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عنه فلا يؤمن.
(5)
وروى أنهم اجتمعوا إلى أبي طالب وأرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم سوءًا
(6)
فقال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
…
حتى أوسد في التراب دفينا
(1)
الروض الأنف (4/ 19).
(2)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 345).
(3)
[يشفع].
(4)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 345).
(5)
[به]
(6)
أخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق حدثني يعقوب بن عتيبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشًا قالت لأبى طالب هذه المقالة فذكر القصة» قال ابن إسحاق: ثم قال: فذكر هذا الشعر. جماع أبواب المبعث (2/ 188).
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
…
وأبشر بذاك وقرَّ منه عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح
…
ولقد صدقت وكنت ثمه
(1)
أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه
…
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سُبَّة
…
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
(2)
[245 أ/ص]
كما قال الله تعالى في حقه {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26] الآية فرجا له صلى الله عليه وسلم /بكلمة الإخلاص حتى يسقط عنه إثم العناد والتكذيب. والله أعلم
(3)
.
ورجال إسناد حديث الباب ما بين مروزي ومدني، وفيه رواية الابن عن الأب، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر، وأخرجه البخاري في سورة "براءة" أيضًا
(4)
.
(1)
[ثَمَّ].
(2)
لأبى طالب، لما اجتمع عنده قريش وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/ 14).
(4)
صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113](6/ 69)(4675).