الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1393 -
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا» . وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنِ الأَعْمَشِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الأَعْمَشِ. تَابَعَهُ عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ عَرْعَرَةَ وَابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ شُعْبَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(باب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ) أي: شتمهم، من السب، بمعنى القطع. وقيل: من السبة، وهي: حلقة الدبر، كأنه على القول الأول: قطع المسبوب عن الخير والفضل، وعلى الثاني: كشف العورة وما ينبغي أن يستر. والمراد من الأموات أموات المسلمين على ما سيأتي.
(حَدَّثَنَا آدَمُ) هو ابن أبي إياس. قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابن الحجاج (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو ابن جبر المفسر.
(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ) اللام فيه للعهد أي: المسلمين ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر: رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم"
(1)
وأخرجه أبو داود أيضًا في كتاب الأدب من سننه.
(1)
سنن الترمذي، أبواب الجنائز، باب ما جاء في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قبض (3/ 330)(1019) من طريق معاوية بن هشام، عن عمران بن أنس المكي، عن عطاء، عن ابن عمر، وقال:«هذا حديث غريب» . سمعت محمدا يقول: «عمران بن أنس المكي منكر الحديث» ، وروى بعضهم، عن عطاء، عن عائشة. وعمران بن أبي أنس مصري أقدم وأثبت من عمران بن أنس المكي. إسناده ضعيف لضعف عمران بن أنس المكي، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 428) (5144): ضعيف. وأخرجه أبو داود في سننه (4/ 275)(4900) بهذا الإسناد، وله شاهد من حديث المغيرة بن شعبة، أخرجه أحمد في "مسنده"(30/ 149)(18209)، وابن حبان في "صحيحه" (7/ 292) (3022) من طريق: إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا الملائي وأبو داود الحفري قالا: حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة أنه سمع المغيرة بن شعبة. ولفظه: "لا تسبوا الأموات، فتؤذوا الأحياء". وإسناده صحيح.
ولا حرج في ذكر مساوئ الكفار، ولا يذكر لهم محاسن إن كانت لهم من صدقة وإعتاق وإطعام طعام ونحو ذلك، اللهم إلا أن يتأذى بذلك مسلم من ذريته فيجتنب ذلك حينئذ؛ كما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد والنسائي:"أن رجلًا من الأنصار وقع في أبي العباس رضي الله عنه كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر، فقال: أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم على الله؟ قالوا: أنت. قال: فإن العباس مني، وأنا منه، فلا تسبوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا. فجاء القوم، فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك"
(1)
.
وفي كتاب الصمت لابن أبي الدنيا في حديث مرسل صحيح الإسناد من رواية محمد بن علي الباقر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُسبَّ قتلى بدرٍ من المشركين وقال: لا تسبوا هؤلاء، فإنه لا يخلُص إليهم شيء مما تقولون وتؤذون الأحياء، [ألا إن البدء ألوم]
(2)
"
(3)
.
[290 أ/س]
وقال / ابن بطال: ذكر شرار الموتى من أهل الشرك خاصة جائز؛ لأنه لا شك أنهم في النار. وقال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة؛ فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد يكون منه الغلبة، فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة له. فكذلك الميت
(4)
.
وقال الحافظ العسقلاني: وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياءً وأمواتًا
(5)
.
(فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا) بفتح الهمزة من الإفضاء أي: وصلوا (إِلَى مَا قَدَّمُوا) من خير أو شر فيجازي كل بعمله.
(1)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (4/ 466)(2734) * السنن الصغرى للنسائي، كتاب القسامة، القود من اللطمة (8/ 33)(4775) * المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم ذكر إسلام العباس رضي الله عنه (3/ 367) (5411) وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبي: صحيح.
(2)
(الْبَذَاءَ لُؤْمٌ) ورد في كتاب الصمت.
(3)
الصمت وآداب اللسان، باب ذم الفحش والبذاء (1/ 183)(320)، من طريق علي بن الجعد، أخبرني القاسم بن الفضل الحداني، عن محمد بن علي، وقال العيني في العمدة (8/ 230): مرسل صحيح الإسناد.
(4)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 354، 384).
(5)
فتح الباري (3/ 259).
(تتمة) قال الزين ابن المنير: لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقًا.
والجواب: أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير والشر: "وجبت" و"أنتم شهداء الله في الأرض"
(1)
ولم ينكر عليهم. ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون؛ لأن الكفار مما يتقرَّب إلى الله بسبِّهم انتهى"
(2)
.
وتعقبه العيني: بأنا لا نسلم إشعار الترجمة بالانقسام وإنما تشعر بذلك لو كانت كلمة "ما" موصولة، فأما إذا كانت مصدرية فلا؛ بل هي على العموم
(3)
.
وقال القرطبي- في الكلام على حديث "وجبت"-: يحتمل أجوبة.
الأول: أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرًا به فيكون من باب: "لا غيبة لفاسق". أو كان منافقًا.
[127 ب/س]
ثانيها: يحمل النهي على ما بعد الدفن /، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه.
ثالثها: يكون النهي العام متأخرًا فيكون ناسخًا، وهذا ضعيف
(4)
.
وقال ابن رشيد: ما محصله أن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين؛ أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة عليه، وقد يجب في بعض المواضع، وقد يكون فيه مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد؛ فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه، قال: ولأجل الغفلة عن هذا التفصيل ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر، وإنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة، وهذا الممنوع هو على معنى السب؛ بل لِقائلٍ أن يمنع أن ما كان على وجه الشهادة وقصد التحذير يسمى سبًا في اللغة، ولما كان المتن قد يشعر بالعموم أتبعه بالترجمة التي بعده
(5)
. والله أعلم
(1)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت (2/ 97)(1367).
(2)
فتح الباري (3/ 258).
(3)
عمدة القاري (8/ 230).
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 608).
(5)
فتح الباري (3/ 256)
(وَرَوَاهُ) أي الحديث المذكور (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ) السعدي الرازي وليس لابن عبد القدوس في الصحيح غير هذا الموضع الواحد، وذكره البخاري في التأريخ وقال: إنه صدوق، إلا أنه يروي عن قوم ضعفاء
(1)
.
[290 أ/ص]
(عَنِ الأَعْمَشِ) /سليمان بن مهران (وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ
(2)
) العدوي المولى الكوفي، قال البخاري: محمد بن أنس كوفي كان بالري يحدث عن إبراهيم بن موسى الفراء الرازي. وأنس والد محمد كالجادة، وهو كوفي سكن الدينور، وثَّقَهُ أبو زرعة وغيره، روى عنه من شيوخ البخاري إبراهيم بن موسى الرازي
(3)
.
(عَنِ الأَعْمَشِ) أيضًا قال الكرماني: قال ههنا: "رواه"، ولم يقل:"تابعه"؛ لأنه روى استقلالًا وبطريق آخر لا متابعة لآدم بطريقه
(4)
.
(تَابَعَهُ) أي تابع آدم (عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ
(5)
) بفتح الجيم وسكون العين المهملة وقد تقدم في "باب: أداء الخمس من الأيمان" وقد وصل هذه المتابعة المؤلف في الرقاق
(6)
.
(وَ) كذا تابعه (ابْنُ عَرْعَرَةَ
(7)
) بعينين مفتوحتين بينهما راء ساكنة، وقد تقدم في "باب: خوف المؤمن".
(1)
هو: عبد الله بن عبد القدوس التميمي السعدي الكوفي، صدوق رمي بالرفض، وكان أيضًا يخطئ، من التاسعة، وقال البخاري: هو في الأصل صدوق، إلا إنه يروي عن أقوام ضعاف، تهذيب الكمال (15/ 242)(3397)، تقريب التهذيب (ص: 312) (3446).
(2)
محمد بن أنس، مولى آل عمر، كوفي سكن الدينور، صدوق يغرب، من التاسعة تهذيب الكمال (24/ 504)(5082)، وتقريب التهذيب (ص: 469) (5750).
(3)
التاريخ الكبير للبخاري (1/ 41)(71).
(4)
الكواكب الدراري (7/ 164).
(5)
هو: علي بن الجعد بن عبيد الجوهري، البغدادي، ثقة ثبت، رمي بالتشيع، من صغار التاسعة، مات سنة ثلاثين ومائتين، تهذيب الكمال (20/ 341)(4034)، وتقريب التهذيب (ص: 398) (4698).
(6)
صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب سكرات الموت (8/ 107)(6516).
(7)
محمد بن عرعرة بن البِرِنْد السامي البصري، ثقة، من صغار التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، تهذيب الكمال (26/ 108)(5463)، وتقريب التهذيب (ص: 496) (6137).
(وَ) تابعه (ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ
(1)
) هو محمد بن أبي عدي، وقد تقدم في "كتاب الغسل". (عَنْ شُعْبَةَ)، وروى البخاري عن علي بن الجعد وابن عرعرة بدون الواسطة، وروى عن ابن أبي عدي بالواسطة؛ لأنه لم يدرك عصره وطريق ابن أبي عدي ذكرها الإسماعيلي ووصله أيضًا من طريق عبدالرحمن بن مهدي عن شعبة
(2)
.
(تذييل) أخرجه عمرو بن شبة
(3)
من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش في كتاب "أخبار البصرة" عن محمد بن يزيد الرفاعي عنه بهذا السند إلى مجاهد عن عائشة رضي الله عنها "قالت: ما فعل يزيد الأرجيُّ -لعنه الله-؟ قالوا: مات قالت: أستغفر الله. قالوا: ما هذا. . . " فذكرت الحديث أي: حديث الباب
(4)
.
وأخرج من طريق مسروق أن عليًا رضي الله عنه بعث يزيد بن قيس الأرجيِّ في أيام الجمل برسالة، فلم ترُدَّ عليه جوابًا، فبلغها أنه عاب عليها ذلك فكانت تلعنه، ثم لما بلغها موته نهت عن لعنه، وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن سب الأموات" وصححه ابن حبان من وجه آخر عن الأعمش عن مجاهد بالقصة
(5)
.
(1)
محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وقد ينسب لجده، وقيل: هو إبراهيم أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات سنة أربع وتسعين [ومائة] على الصحيح، تهذيب الكمال (24/ 321)(5029)، تقريب التهذيب (ص: 465) (5696).
(2)
ذكره العيني في عمدة القاري (8/ 231).
(3)
[عمر بن شبة]
(4)
وأخرجه الطبراني في "الدعاء"(1/ 572)(2067)، باب النهي عن سب الموتى، من طريق أبان، عن سعيد بن جبير، عن مسروق، عن عائشة، إسناد ضعيف، فيه: أبان بن أبي عياش العبدي، وهو متروك الحديث. وأورده الحافظ العسقلاني في فتح الباري (3/ 259)، وعزاه لعمر بن شبة.
(5)
صحيح ابن حبان، كتاب الجنائز وما يتعلق بها مقدما أو مؤخرا، فصل في الموت وما يتعلق به من راحة المؤمن وبشراه وروحه وعمله والثناء عليه (7/ 290) (3021) من طريق: عبد الله بن عمر بن أبان قال: حدثنا عبثر عن الأعمش عن مجاهد، إسناده صحيح.