الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ إِذَا أُدْرِجَ فِى كَفَنِهِ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ::
1241 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ؛ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى نَزَلَ؛ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ فَتَيَمَّمَ النَّبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ-؛ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ؛ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى؛ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ؛ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ؛ فَقَدْ مُتَّهَا.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(بابُ) جواز (الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ إِذَا أُدْرِجَ) أي: إذا لُفَّ (فِي أكفانه) بالجمع، وفي رواية: في كفَنِه، بالإفراد
(1)
.
قال ابن رشيد: موقع هذه الترجمة من الفقه: أن الموت لما كان سبب تغير محاسن الحيِّ التي عهد عليها؛ فإنه يكون كريهًا في المنظر؛ فلذلك أُمِرَ بتغميضه وتسجيته، كان ذلك مظنة المنع من كشفه، حتَّى قال النخعي: ينبغي أن لا يطَّلِعَ عليه إلا الغاسل ومن يليه، فترجمة المؤلف: إشارة إلى جواز ذلك، ولما كان حاله بعد التسجية مثل حاله بعد التكفين؛ وقع التطابق بين الترجمة والحديث من هذه الحيثية، كما ستطلع عليه
(2)
.
(1)
إرشاد الساري (2/ 376).
(2)
فتح الباري (3/ 114).
وقال الزين ابن المنير ما محصله: إنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه كان عالِمًا بأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يزال مصونًا عن كل أذى؛ فساغ له الدخول من غير تنصيب عن الحال، وليس ذلك لغيره
(1)
.
(حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
(2)
) بكسر الموحدة، وسكون المعجمة: أبو محمد السجستاني المروزي، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
(قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هو: ابن المبارك
(3)
(قَالَ أَخْبَرَنِي) بالإفراد (مَعْمَرٌ) هو: ابن راشد (وَيُونُسُ) هو: ابن يزيد
(4)
كلاهما (عَنِ الزُّهْرِيِّ) ابن شهاب (قَالَ أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) ابن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
(5)
(أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبي صلى الله عليه وسلم)، وسقط في رواية قوله: زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم
(6)
(أَخْبَرَتْهُ: قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ) بضم المهملة، وسكون النون، بعدها حاء مهملة، ويُرْوَي بضم النون أيضًا، منازل بني الحارث بن الخزرج بالعوالي، بينها وبين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميل، وكان أبو بكر رضي الله عنه متزوجًا فيهم
(7)
(حَتَّى نَزَلَ) عن فرسه (فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ (النبوي (فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَتَيَمَّمَ) أي: قصد الصدِّيق رضي الله عنه (النَّبي صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُسَجًّى) جملة
(1)
فتح الباري (3/ 115).
(2)
هو: بشر بن محمد السختياني، أبو محمد المروزي. تهذيب الكمال (4/ 145)، (705).
(3)
هو: عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التميمي، مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام. تهذيب الكمال (16/ 6)، (3520).
(4)
هو: يونس بن يزيد بن أبي النجاد، ويقال: يونس ابن يزيد بن مشكان بن أبي النجاد الأيلي، تهذيب الكمال (32/ 551)، (7188).
(5)
هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل. تهذيب الكمال (33/ 370)، (7409).
(6)
إرشاد الساري (2/ 376).
(7)
عمدة القاري (16/ 185).
اسمية وقعت حالًا، وهو اسم مفعول من سجَّيْتُ الميتَ تسجية: إذا مددت عليه ثوبًا، ومعناه هنا مغطًّى
(1)
.
[87 أ/س]
(بِبُرْدِ حِبَرَةٍ) يُروى بالوصف وبالإضافة، والبرد - بضم الموحدة وسكون الراء-: نوع من الثياب /معروف، والجمع: أبراد، وبرود، والبردة: الشملة المخططة؛ وحِبَرة على وزن عنبة: ثوب يماني يكون من قطن، أو كتان مخطط غالي الثمن
(2)
، وقال الداودي: هو ثوب أخضر
(3)
.
(فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ) الشريف صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ) هذا اللفظ من النوادر حيث هو لازم، وثلاثيُّه كَبَّ متعد، عكس ما هو المشهور في القواعد التصريفية
(4)
(فَقَبَّلَهُ) بين عينيه.
وقد ترجم عليه النسائي، وأورده صريحًا، حيث قال: تقبيل الميت، وأين يقبل منه؟ في حديثه:"إن أبا بكر رضي الله عنه قبَّل بين عيني النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو ميت"
(5)
.
(وبَكَى
(6)
) اقتداء به صلى الله عليه وسلم "حيث دخل على عثمان بن مظعون رضي الله عنه، وهو ميت؛ فأكب عليه، وقبله، ثم بكى حتى سالت دموعه على وجنتيه"
(7)
، رواه الترمذي.
[38 ب/ص]
وفي التمهيد: " لما توفي عثمان رضي الله عنه /كشف النَّبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه، وبكى بكاءً طويلًا، وقبل بين عينيه؛ فلما رُفِع على السرير قال: "طوبى لك يا عثمان، لم تلبسك الدنيا، ولم تلبسها"
(8)
.
(1)
الصحاح تاج اللغة: مادة [سجى](6/ 2372).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر [برد](1/ 116).
(3)
عمدة القاري (8/ 24).
(4)
عمدة القاري (8/ 14).
(5)
سنن النسائي الكبرى: كتاب الجنائز، تقبيل الميت وأين يقبل منه (2/ 386) (1978) من طريق: يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، إسناده صحيح على شرط البخاري.
(6)
[ثم بكى] في صحيح البخاري.
(7)
سنن الترمذي: كتاب الجنائز، باب ما جاء في تقبيل الميت (3/ 314)(989) من طريق عاصم بن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(8)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387، المغرب، (21/ 224) وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 515) (1334) وقال: هذا حديث متداول بين الأئمة إلا أن الشيخين لم يحتجا بعاصم بن عبيد الله، وشاهده الصحيح المعروف حديث عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وعائشة، «أن أبا بكر الصديق قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت» ، ووافقه الذهبي.
(فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ) أي: مَفْدِيٌّ بأبي، مبتدأ وخبر، وقيل: تقديره فديتك بأبي، وفيه نظر (يَا نَبيَّ اللَّهِ، لَا يَجْمَعُ اللَّهُ) برفع يجمع (عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ) قال الداودي: لم يجمع الله عليك شدة بعد هذا الموت؛ لأنَّ الله قد عصمك من أهوال القيامة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها لما قالت: واكرباه: "لا كرب على أبيك بعد اليوم"
(1)
، قال: وقيل: لا يموت موتة آخرى في قبره كما يحيى غيره في القبر؛ فيسأل، ثم يقبض
(2)
.
قال المولى علي القاري: الصحيح أنه لا يموت أحد في قبره ثانيًا، وإنما يحصل للموتى عند النفخة الأولى غشيان كالأولى، وأول من يفيق من تلك الحالة هو صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن التين:
(3)
أراد بذلك موته، وموت شريعته، يدل عليه قوله:"من كان يعبد محمدًا"؛ وقيل: إنما قال ذلك ردًّا على من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت، وسيبعث، ويقطع أيدي رجال وأرجلهم
(4)
؛ لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة آخرى؛ فأخبر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين، كما جمعهما على غيره، كالذي مر على قرية
(5)
.
وقيل: إنه معارض لقوله -تعالى-: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11].
(1)
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النَّبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (6/ 15)، (4462).
(2)
فتح الباري (3/ 114)، وعمدة القاري (8/ 14).
(3)
ابن التين: هو عبد الواحد بن التين، أبو محمد، الصفاقسي، المغربي، المالكي. الشهير بابن التين، فقيه محدث مفسر. له اعتناء زائد في الفقه ممزوج بكثير من كلام المدونة وشراحها اعتمده الحافظ ابن حجر في شرح البخاري وكذلك ابن رشد وغيرهما، من تصانيفه:" المخبر الفصيح في شرح البخاري الصحيح ".
(4)
عمدة القاري (8/ 14).
(5)
إرشاد الساري (2/ 376).
أجيب: بأن الأولى: الخلقة من التراب، ومن نطفة؛ لأنهما موات، والثانية: التي تموت الخلق، وإحدى الحياتين في الدنيا والآخرى بعد الموت في الآخرة
(1)
.
وعن الضحاك: أن الأولى: الموت في الدنيا، والثانية: الموت في القبر بعد الفتنة والمسألة
(2)
، وقيل: إنه لا يجوز أن يقال: النطفة والتراب ميت، وإنما الميت من تقدمت له حياة، ورد بقوله -تعالى-:{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} [يس: 33]، ولم يتقدم لها حياة قط، وإنما خلقها الله جمادًا ومواتًا، وهذا من سعة كلام العرب
(3)
.
[87 أ/ص]
(أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ) بصيغة المجهول، وفي رواية "كتب الله عليك"
(4)
أي: قدر عليك (فَقَدْ مُتَّهَا) بضم
(5)
الميم وكسرها، من مات يموت، ومات يمات
(6)
، /والضمير فيه يرجع إلى الموتة.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1242 -
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه خَرَجَ، وَعُمَرُ رضي الله عنه يُكَلِّمُ النَّاسَ؛ فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى؛ فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ-رضي الله عنه، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَكُوا عُمَرَ؛ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا
يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} ؛ وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا
(1)
التوضيح (9/ 409).
(2)
عمدة القاري (8/ 14).
(3)
عمدة القاري: (8/ 14).
(4)
إرشاد الساري (2/ 376).
(5)
[وضم] في ب.
(6)
القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، سنة النشر، بيروت (206).
يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ -رضى الله عنه-؛ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) أي: ابن عبد الرحمن (وأخبرني
(1)
ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه خَرَجَ) من حجرة النَّبي صلى الله عليه وسلم (وَعُمَرُ رضي الله عنه يُكَلِّمُ النَّاسَ) ويقول: "والله لا أسمع أحدًا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِض إلا ضربته بسيفي هذا، وقد سل سيفه، وكان يقول أيضًا: إنما أرسل إليه صلى الله عليه وسلم كما أرسل إلى موسى عليه السلام، فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم"
(2)
، أي: من المنافقين، أو المرتدين، أو المريدين للخلافة، وفي رواية: كان يقول: "ذهب محمد لميعاد ربه، كما ذهب موسى لمناجاة ربه"
(3)
، وكأن الحامل عليه ما ظنه أن هذا من الغشيان المعتاد له صلى الله عليه وسلم، أو ذهوله عن حسه، فأحال الموت عليه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن عمر رضي الله عنه ظن أن أجله صلى الله عليه وسلم لم يأت، وأن الله -تعالى- منَّ على عباده بطول حياته
(4)
، وقيل: وكأنه رضي الله عنه رأى في ذلك أن يردع المنافقين واليهود إلى أن يجتمع المؤمنون، وأما أبو بكر رضي الله عنه فرأى إظهار الأمر تجلدًا.
(1)
فأخبرني في صحيح البخاري.
(2)
صحيح ابن حبان: ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد في اليوم الذي توفي فيه الخروج إلى أمته (14/ 588)(6620) من طريق الزهري: عن أنس بن مالك، عن عمر بن الخطاب. ومصنف ابن أبي شيبة، ما جاء في وفاة النَّبي صلى الله عليه وسلم (7/ 429)(37035)، إسناده صحيح.
(3)
التوضيح (9/ 409).
(4)
سقط في ب طول حياته.
(فَقَالَ) له أبو بكر رضي الله عنه (اجْلِسْ، فَأَبَى) أن يجلس لما حصل له من الدهشة والحزن، (فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه؛ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَكُوا عُمَرَ) وفي رواية للمؤلف:"أن عمر رضي الله عنه قام يقول، والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجاءَهُ أبو بكر رضي الله عنه؛ فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبله، فقال: بأبي وأمي طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقنك الله الموتتين أبدًا، ثم خرج، فقال: أيها الحالف على رِسلك_ بكسر الراء، أي: على مهلك؛ فلما تكلم أبو بكر رضي الله عنه جلس عمر رضي الله عنه، فحمد اللهَ أبو بكر، وأثنى عليه"
(1)
الحديث.
(فَقَالَ) أبو بكر رضي الله عنه (أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قال الله عز وجل
(2)
: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ) [آل عمران: 144]، فسيخلو كما خلوا، وكما أن أتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلوهم، فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوه؛ لأن الغرض من بعثة الرسول تبليغ الرسالة وإلزام الحجة؛ لا وجوده بين أظهر قومه.
[88 أ/س]
وسقط في رواية قوله: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}
(3)
إلَى {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] يعني تلا قوله -تعالى-: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144]، الفاء متعلقة للجملة الشرطية بالجملة قبلها، وهي قوله تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} على معنى التسبيب، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله/ سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت أو قتل، مع علمهم أن خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكًا به يجب أن يجعل سببًا
(1)
صحيح البخاري: كتاب أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النَّبي صلى الله عليه وسلم:«لو كنت متخذا خليلا» (5/ 6)، (3667).
(2)
قال الله تعالى في البخاري.
(3)
إرشاد الساري (2/ 376).
للتمسك بدين محمد صلى الله عليه وسلم، لا للانقلاب عنه، وإنما ذكر القتل وقد علم أنه لا يقتل لكونه مجوزا عند المخاطبين.
فإن قيل: أما علموه من قوله -تعالى- {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]؟
فالجواب: أن هذا مما يختص بالعلماء منهم وذوي البصيرة، ألا ترى أنهم سمعوا بخبر قتله فهربوا في غزوة أحد، على أنه يحتمل العصمة من فتنة الناس، وإضلالهم؛ والمراد من الانقلاب على الأعقاب: الأدبار، عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم به من الجهاد وغيره.
[39 ب/س]
وقيل: الارتداد وما ارتد أحد من المسلمين ذلك اليوم في تلك الغزوة إلا ما كان من قول المنافقين، ويجوز أن يكون على وجه التغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار، والانكشاف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم وإهماله؛ "ومن {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا (144)} [آل عمران: 144] يعني: فما ضر إلا نفسه؛ لأن الله -تعالى- لا يجوز عليه المضار والمنافع، {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} الذين
(1)
لم ينقلبوا، كأنس بن النضر وأضرابه، وسماهم شاكرين /لأنَّهم شكروا نعمة الإسلام فيما فعلوا
(2)
.
رُوِيَ أنه لما رَمَى عبدُ الله بن قمئة الحارثي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته، وشج وجهه؛ أقبل يريد قتله، فذب عنه مصعب بن عمير -، وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد- حتى قتله ابن قمئة، وهو يُرى، أي: يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: قد قتلت محمدًا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قتل، وقيل: كان الصارخ الشيطان، ففشا في الناس خبر قتله، فانكفؤوا، أي: رجعوا من موضع الحرب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلّى عباد الله حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه،
(1)
[الذين] في ب.
(2)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 هـ) دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1407 هـ (1/ 424).
فلامهم على هروبهم، فقالوا: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا، أتانا خبر قتلك، فرعبت قلوبنا، فولينا مدبرين، فنزلت
(1)
.
[88 أ/ص]
ورُوِي: أنه لما صرخ الصارخ قال بعض المسلمين: ليت عبد الله بن أُبي يأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان، وقال ناس من المنافقين: لو كان نبيًّا لما قتل، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم، فقال أنس ابن النضر عم أنس بن مالك رضي الله عنها: يا قوم، إن كان قتل محمد فإنَّ رب محمد حيٌّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ /فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ثم شدَّ بسيفه فقاتل حتى قتل، وعن بعض المهاجرين: أنَّه مر بأنصاري يتشخط أي: يضطرب في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمدًا قد قتل، فقال الأنصاري: إن كان قتل فقد بلَّغ، قاتلوا على دينكم
(2)
.
وإنما تلا أبو بكر رضي الله عنه هذه الآية تعزيًا وتصبرًا، قال ابن عباس: رضي الله عنها (وَاللَّهِ) وفي رواية فوالله
(3)
(لَكَأَنَّ) بتشديد النون (النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ) أي: الآية، وفي رواية
أنزلها، يعني
(1)
أخرجه الطبري في تفسيره، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 هـ) تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001 م (6/ 99) من طريق محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، إسناده حسن من أجل أسباط، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 98) (310): " صدوق كثير الخطأ يغرب"، وبه موضع إرسال.
(2)
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت (1/ 449 - 450). وتاريخ الطبري، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، مكان النشر بيروت (2/ 68)، وتخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (المتوفى: 762 هـ) المحقق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، دار ابن خزيمة - الرياض، الطبعة: الأولى، 1414 هـ. (1/ 230) وقال:" روى الطبري في تفسيره حدثنا محمد بن الحسين ثنا أحمد بن المفضل ثنا أسباط عن السدي".
(3)
إرشاد الساري (2/ 376).
هذه الآية
(1)
(حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه -؛ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ) بصيغة المجهول (بَشَرٌ إِلَاّ يَتْلُوهَا) أي: ما يسمع بشر يتلو شيئًا إلا يتلوها، هذه الآية، وزاد ابن أبي شيبة، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه إنما قال: "ما مرّ في المنافقين لأنهم أظهروا الاستبشار ورفعوا رؤوسهم، وأن أبا بكر رضي الله عنه ضم إلى تلك الآية {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزمر: 30] يعني: أنك ستموت، وأن أعداءك أيضًا سيموتون، وقوله -تعالى-:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34]
(2)
.
وفي الحديث: استحباب تسجية الميت أي: تغطيته بثوب، وحكمتها: صيانته عن الانكشاف، وستر صورته المتغيرة عن الأعين.
وفيه: جواز تقبيل الميت لفعل أبي بكر رضي الله عنه اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم، وفيه: جواز البكاء على الميت من غير نوح.
وفيه: أن الصديق رضي الله عنه أفضل من عمر رضي الله عنه، وهذه إحدى المسائل التي ظهر فيها ثاقب علمه، وفضل معرفته، وسداد رأيه، وبارع فهمه، وحسن إسراعه بالقرآن وثبات نفسه، وكذلك مكانته عند الناس؛ فإنه حين تشهد مال إليه الناس وتركوا عمر رضي الله عنه، ولم يكن ذلك إلا لعظيم منزلته في النفوس، وسمو محله عندهم، وقد أقر بذلك عمر صلى الله عليه وسلم حين مات الصديق رضي الله عنه؛ فقال: والله ما أحب أن ألقى الله بمثل عمل أحد إلا بمثل عمل أبي بكر رضي الله عنه، ولوددت أني شعرة في صدره"
(3)
.
(1)
إرشاد الساري (2/ 376).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة: ما جاء في وفاة النَّبي صلى الله عليه وسلم (7/ 427)، (37021) من طريق: ابن فضيل، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، وأخرجه البزار في "مسنده"(1/ 182)(103) من طريق علي بن المنذر به، وقال الهيثمي في "مجمع الزائد" (9/ 38) (14277) ":"رواه البزار في" كشف الأستار عن زوائد البزار" (1/ 402)(852)، ورجاله رجال الصحيح غير علي بن المنذر، وهو ثقة.
(3)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 242)، وعمدة القاري (8/ 14).
[89 أ/س]
وذكر الطبري عن ابن عباس رضي الله عنها قال: إني والله لأمشي مع عمر رضي الله عنه في خلافته، وبيده الدرة، وهو يحدث نفسه، ويضرب قدمه بدرته، ما معه غيري؛ إذ قال لي: يا ابن العباس، هل تدري ما حملني على مقالتي التي قلت حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ /قلت: لا أدري والله يا أمير المؤمنين، قال: فإنَّه ما حملني على مقالتي تلك إلا قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] إلى قوله {شَهِيدًا} [البقرة: 143]، فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها
(1)
.
وفيه: حجة لمالك في قوله بأن في الصحابة مخطئًا ومصيبًا في التأويل
(2)
، وفيه: اهتمام عائشة رضي الله عنها بأمر الشريعة، وأنها لم يشغلها ذلك عن حفظها ما كان من أمر الناس في ذلك اليوم، وفيه: غيبة الصديق عن وفاته صلى الله عليه وسلم، وفيه: الدخول على الميت من غير استئذان، ويجوز أن يكون عند عائشة رضي الله عنها غيرها؛ فصار كما لمحفل لا يحتاج الداخل إلى إذن، ورُوِي: أنه استأذن؛ فلما دخل أذن للناس، وفيه: جواز التفدية بالآباء والأمهات، وفيه: ترك تقليد المفضول عند وجود الفاضل
(3)
.
(1)
تاريخ الطبري (2/ 238) من طريق ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس. إسناد ضعيف لأن فيه: ابن حميد، وهو متروك الحديث، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/ 530) (7453):" قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وكذبه أبو زرعة. وفيه: حسين بن عبد الله، وهو ضعيف الحديث قال الحافظ العسقلاني في "التقريب" (ص: 167) (1326): " الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، ضعيف، من الخامسة.
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، 1973، بيروت (4/ 211).
(3)
عمدة القاري (8/ 14 - 15).
ورجال إسناد هذا الحديث ما بين مروزي وبصري وإيلى ومدني، وفيه: رواية التابعي عن التابعي، وقد أخرج متنه المؤلف في "المغازي، وفي "فضل أبي بكر"، وأخرجه النسائي في "الجنائز"، وكذا ابن ماجة
(1)
.
*** *** ***
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ::
1243 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ - امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً؛ فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِى تُوُفِّيَ فِيهِ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ؛ دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم:«وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟» ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي - وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ - مَا يُفْعَلُ بِي» ؛ قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا.
1243 م- حَدَّثَنَا: سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا: اللَّيْثُ مِثْلَهُ، وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ:"مَا يُفْعَلُ بِهِ". وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ.
(1)
* صحيح البخاري: كتاب: أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، باب لو كنت متخذًا خليلًا (5/ 4)، (3667). وكتاب المغازي، باب مرض النَّبي صلى الله عليه وسلم ووفاته. (6/ 13)، (4452). *سنن النسائي المجتبى: كتاب الجنائز: باب تقبيل الميت، (4/ 11)، (1841). * سنن ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (1/ 520)، (1627).
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ
(1)
) بضم الموحدة، هو: يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي
(2)
(قال
(3)
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو: ابن سعد الإمام
(4)
(عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين هو: ابن خالد (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِي (قَالَ أَخْبَرَنِي) بالإفراد (خَارِجَةُ
(5)
) على صيغة اسم الفاعل من الخروج (بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الأنصاري التابعي الجليل، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، مات سنة مائة (أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ
(6)
) بنت الحارث بن ثابت بن خارجة الأنصارية، وقال أبو عيسى الترمذي: هي أم خارجة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودها في مرضها
(7)
.
(امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ) عطف بيان، أو رفع بتقدير هي امرأة (بَايَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) جملة في محل النصب، أو الرفع على أنها صفة امرأة (أَخْبَرَتْهُ) أي: أخبرت خارجة- وهي خبر إن- التي اسمها أم العلاء (أَنَّهُ) الضمير فيه للشأن (اقْتُسِمَ) على صيغة المجهول (الْمُهَاجِرُونَ) نائب عن الفاعل (قُرْعَةً) نصب بنزع الخافض أي: بقرعة، والمعنى اقتُسِم الأنصار والمهاجرون بالقرعة في نزولهم
(1)
هو: يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي، أبو زكريا المصري، مولى بني مخزوم. تهذيب الكمال (31/ 401)، (6858).
(2)
أبو زكريا المخزومي سقط من (ب)
(3)
بدون (قال) في البخاري.
(4)
هو: ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، مولى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر. تهذيب الكمال (24/ 255)، (5016).
(5)
هو: خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري، أبو زيد المدني، أخو إسماعيل بن زيد بن ثابت، وسعد بن زيد بن ثابت. (8/ 8)، (1589).
(6)
هي: أم العلاء بنت الحارث بن ثابت بن خارجة ابن ثعلبة بن الجلاس بن أمية بن حذارة بن عوف بن الحارث ابن الخزرج الأنصارية (35/ 375)، (7996).
(7)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، 1412 هـ، بيروت (4/ 1948).
عليهم، وسكناهم في منازلهم؛ لأن المهاجرين لما دخلوا المدينة لم يكن معهم شيء من أموالهم، فدخلوها فقراء، وكان بنوا مظعون ثلاثة: عثمان، /وعبد الله، وقدامة؛ بدريون أخوال آل ابن عمر
(1)
.
[38 ب/ص]
[39 ب/ص]
(فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ) - بالظاء المعجمة، والعين المهملة- الجمحي القرشي أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة، ولما دفن بالبقيع، قال صلى الله عليه وسلم: "نِعمَ السلف هو لنا رضي الله عنه
(2)
".
أي: وقع في سهمنا، أي: في سهم الذين /أم العلاء منهم، ويروى:"فصار لنا بالصاد"
(3)
القصيرة، فإن ثبتت هذه الرواية؛ فمعناها صحيح.
(فَأَنْزَلْنَاهُ فِى أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ) بكسر الجيم (وَجَعَهُ) بفتح الجيم نصب على المصدر (الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّىَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِى أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم) عليه (فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ) بالسين المهملة، وفي آخره موحدة، وهي كنية عثمان ابن مظعون رضي الله عنه، وحرف النداء محذوف، والتقدير: يا أبا السائب، (فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ) جملة اسمية، ومثل هذا التركيب يُسْتَعْمَلُ عرفًا في معني القسم، كأنها قالت: أقسم بالله، وكلمة: على، لمعنى الاستعلاء فقط، بدون ملاحظة المضرة، أو هي بمعنى اللام (لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ) جواب القسم (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «وَمَا يُدْرِيكِ) بكسر الكاف أي: من أين علمت؟ (أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ) أي: عثمان رضي الله عنه، وفي رواية: أن
(1)
عمدة القاري: (8/ 16).
(2)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب، (3/ 1053).
(3)
مسند إسحاق بن راهويه، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي المروزي المعروف بـ ابن راهويه (المتوفى: 238 هـ)، المحقق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1412 - 1991، ما يروى عن أم العلاء الأنصارية عن النَّبي صلى الله عليه وسلم (5/ 87)، (2193) وقال ابن حجر في "الفتح" (3/ 115): وهو صحيح من حيث المعنى إن ثبتت الرواية.
الله قد أكرمه
(1)
(فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ) أي: مَفْديٌّ بأبي أنت (يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ) أي: هو مؤمن خالص مطيع، فإذا لم يكن هو من المكرمين من عند الله، فمن يكرمه الله؟
(فَقَالَ) وفي رواية: قال
(2)
صلى الله عليه وسلم: (أَمَّا هُوَ) أي: عثمان رضي الله عنه (فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ) أي: الموت (وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ) وكلمة: أما، تقتضي القسيم، وقسيمها هنا مقدر، والتقدير: وأمَّا غيره؛ فخاتمة أمره غير معلومة، أهو ممن يرجى لهم الخير عند اليقين أم لا؟ (وَاللَّهِ مَا أَدْرِى - وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ) صلى الله عليه وسلم (مَا يُفْعَلُ بِي) كلمة ما موصولة أو استفهامية، وفي رواية الكشميهني ما يُفعَل به؟ أي بعثمان
(3)
.
[90 أ/س]
قال الحافظ العسقلاني: وهو غلط منه؛ فإن المحفوظ في رواية الليث هو الأول؛ ولذلك عقبه المؤلف برواية نافع بن يزيد عن عقيل، التي لفظها "ما يفعل به" وعلَّق منها هذا القدر فقط إشارة إلى أن باقي الحديث لم يختلف فيه
(4)
. ثم قوله: ما يفعل بي، هو الموافق لما في سورة الأحقاف من قوله -تعالى-:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا} [الأحقاف: 9]، البِدْع بمعنى البديع، كالخف بمعنى الخفيف، كانوا يقترحون عليه الآيات، ويسألونه عما لم يوح إليه من الغيوب، فقيل له: قل: ما كنت بِدْعًا من الرسل فآتيكم /بكل ما تقترحونه، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات فإن الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم الله من آياته، ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم، ولقد أجاب موسى عليه السلام عن قول فرعون:{فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)} [طه: 51] بقوله: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [طه: 52] وما أدري؛ لأنه لا علم لي بالغيب، وما يفعل بي ولا بكم، أي ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان من أفعاله، ويقدر لي ولكم من قضاياه؛ إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ؛ وعن الحسن: وما أدري ما
(1)
إرشاد الساري (2/ 377).
(2)
إرشاد الساري (2/ 377).
(3)
إرشاد الساري (2/ 377).
(4)
فتح الباري (3/ 115).
يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا، ومَن الغالب والمغلوب
(1)
؟ وعن الكلبي
(2)
: قال له أصحابه - وقد ضجروا من أذى المشركين، حتى متى نكون على هذا؟ فقال:"ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم؟ " أأُترَك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها؟ يعني: في منامه، ذات نخيل وشجر
(3)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنها: ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، وقال: هي منسوخة بقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]
(4)
لأن سورة الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما
(5)
، وفيه: تأمل على ما قيل، فإنه خبر؛ والخبر لا يدخله النسخ كما بين في محله، فالأَوْلى أن يقول: إن ذلك كان قبل أن يخبر الله نبيه بغفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولعل مراد ابن عباس رضي الله عنها ذلك، والتعبير بالنسخ سهو من الراوي عنه، ويجوز أن يكون نفيًا للدراية المفصلة؛ إذ إجماله - وهو أصل الإكرام- معلوم.
قال البرماوي
(6)
: وكثير من التفاصيل معلوم أيضًا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أنا أول من يدخل الجنة"
(7)
، فالخفي بعض التفاصيل، فإن قيل: عثمان هذا رضي الله عنه أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر
(1)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 هـ) دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1407 هـ (4/ 298).
(2)
هو: أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي، المفسر. وكان أيضا رأسا في الأنساب، إلا أنه شيعي، متروك الحديث (توفي: 146 هـ)، سير أعلام النبلاء (6/ 248)(111).
(3)
الناسخ والمنسوخ، قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، أبو الخطاب السدوسي البصري (المتوفى: 117 هـ)، حاتم صالح الضامن، كلية الآداب - جامعة بغداد، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1418 هـ/ 1998 م (1/ 47).
(4)
المصدر نفسه (4/ 298).
(5)
فتح الباري: (3/ 116).
(6)
هو الإمام: محمد بن عبد الدائم بن موسى بن عبد الدائم، العسقلانيّ الأصل، البرماويّ ثمّ القاهريّ، ولد بالقاهرة سنة (719 هـ)، وَنَشَأ بهَا واشتغل فِي فنون شتى على أيدي العلماء الكبار، وتوفي سنة (864)، ومن تصانيفه:(اللامع الصبيح على الجامع الصحيح، وجمع العدة لفهم العمدة).
انظر ترجمته في: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250 هـ)، دار المعرفة - بيروت (2/ 181).
(7)
المعجم الأوسط للطبراني: من اسمه علي، (4/ 268) (4160). معاوية بن واهب بن سوار الجرمي قال: نا عمي أنيس بن سوار، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أنس، إسناده ضعيف فيه معاوية بن وهب وهو مجهول الحال قال الهيثمي في "المجمع"(7/ 177)(11740). وأخرجه مسلم في صحيحه من طريق آخر عن أنس، بلفظ " أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة" كتاب الإيمان، باب في قول النَّبي صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا (1/ 188)، (196).
الهجرتين، وشهد بدرًا، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة، وقد أخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم بأن أهل بدر غفر الله لهم.
فالجواب: أن ذلك قبل أن يخبر أن أهل بدر غفر الله لهم، ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه:"ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه"
(1)
؛ لأنه قاله صلى الله عليه وسلم، وذلك قاله أم العلاء، وقوله صلى الله عليه وسلم خبر من لا ينطق عن الهوى، وذلك كلام أم العلاء، وليسا بسواء.
(2)
(قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا) ففي الحديث أنه لا يُجزم لأحد بالجنة إلا ما نص عليه الشارع، كالعشرة المبشرة وأمثالهم؛ لا سيما والإخلاص أمر قلبي لا اطلاع لنا عليه، وفيه مواساة الفقراء الذين ليس لهم مال ولا منزل ببذل المال وإباحة المنزل.
[90 أ/ص]
وفيه: إباحة الدخول على الميت بعد التكفين، وفيه: جواز القرعة، وفيه: جواز الدعاء للميت
(3)
؛ / ورجال إسناد هذا الحديث ما بين مصري بالميم، وأيلي ومدني، وفيه: رواية التابعي عن التابعي، وقد أخرجه المؤلف في "الجنائز"، و"الشهادات"، و"التفسير"، و"الهجرة"، و"التعبير"، وأخرجه النسائي في "الرؤيا"
(4)
، ومطابقته للترجمة أظهر من أن يخفى.
(1)
صحيح البخاري (2/ 72)، (1244).
(2)
ينظر عمدة القاري: (8/ 16).
(3)
عمدة القاري: (8/ 17).
(4)
*صحيح البخاري: كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت (2/ 72)، (1241)، وكتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، (3/ 181)، (2687)، وكتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، (5/ 67)، (3929)، وكتاب التعبير، باب العين الجارية في المنام (9/ 38)، (7018). *سنن النسائي الكبرى: كتاب التعبير، باب العين الجاري، (4/ 385)، (7634).
(حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ) بضم العين، وفتح الفاء، وسكون التحتية بعدها راء، نسبة لجده، واسم أبيه كثير أبو عثمان المصري
(1)
، (قال حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو ابن سعد عن عقيل عن الزهري (مِثْلَهُ) أي: مثل الحديث المذكور، وأخرجه من هذا الطريق في "التعبير" على ما يأتي -إن شاء الله تعالى-
(2)
.
[40 ب/س]
(وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ
(3)
) أبو يزيد مولى شرحبيل بن حسنة القرشي المصري، مات سنة ثمان وستين ومائة (عَنْ عُقَيْلٍ
(4)
) بضم العين، وفتح القاف (مَا يُفْعَلُ بِهِ) بالهاء بدل الياء/ أي: بعثمان رضي الله عنه، وذلك لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يعلم من ذلك إلا ما يوحى إليه.
وهذا التعليق وصله الإسماعيلي بسنده إلى عقيل (وَتَابَعَهُ) أي: وتابع عقيلًا في روايته عن الزهري (شُعَيْبٌ
(5)
) هو ابن أبي حمزة، وقد وصل هذه المتابعة المؤلف، في كتاب "الشهادات"، قال: حدثنا أبو إيمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري إلى آخره
(6)
(وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ
(7)
) وقد وصلها ابن
أبي
(1)
هو: سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم بن يزيد بن الأسود الأنصاري مولاهم، أبو عثمان المصري. تهذيب الكمال (11/ 36)، (2344).
(2)
صحيح البخاري: كتاب التعبير، بَابُ رُؤْيَا النِّسَاءِ (9/ 34)، (ر 7003).
(3)
هو: نافع بن يزيد الكلاعي، أبو يزيد المصري، ويقال: إنه مولى شرحبيل بن حسنة القرشي. تهذيب الكمال (29/ 296)، (6371).
(4)
هو: عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي، أبو خالد الأموي، مولى عثمان بن عفان. تهذيب الكمال (20/ 242)، (4001).
(5)
هو: شعيب بن أبي حمزة، واسمه دينار، القرشي الأموي، مولاهم أبو بشر الحمصي. تهذيب الكمال (12/ 516)، (2747).
(6)
صحيح البخاري: كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، (3/ 181)، (2687).
(7)
هو: عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم الجمحي مولى موسى بن باذام، تهذيب الكمال (22/ 5)، (4360).
عمر
(1)
في مسنده: عن ابن عيينة، عنه، عن الزهري (وَمَعْمَرٌ) هو ابن راشد، وقد وصلها المؤلف في باب العين الجارية من كتاب "التعبير": من طريق ابن المبارك، عنه، عن الزهري
(2)
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
1244 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِى، وَيَنْهَوْنِني عَنْهُ، وَالنَّبي صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَانِي؛ فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم:«تَبْكِينَ، أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» . تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
(3)
) بالموحدة، والمعجمة المشددة (قال
(4)
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ
(5)
) بضم المعجمة محمد بن جعفر البصري (قال
(6)
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) هو ابن الحجاج (قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
(1)
هو: أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. وصنف (المسند)(ت: 243) سير أعلام النبلاء (12/ 96)(28).
(2)
صحيح البخاري: كتاب التعبير، باب العين الجارية في المنام (9/ 38)، (7018).
(3)
هو: محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي، أبو بكر البصري بندار، وإنما قيل له: بندار لأنه كان بندارا في الحديث، والبندار: الحافظ، تهذيب الكمال (24/ 511)، (5086).
(4)
(قال) لم يرد في البخاري.
(5)
هو: محمد بن جعفر الهذلي، مولاهم، أبو عبد الله البصري، المعروف بغندر، صاحب الكرابيس، وكان ربيب شعبة، تهذيب الكمال (25/ 5)، (5120).
(6)
(قال) لم يرد في البخاري.
الْمُنْكَدِرِ
(1)
، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي) عبد الله بن عمرو، وكان قتله يوم أحد وكان المشركون مثلوا به: جدعوا أنفه وأذنيه، وكانت غزوة أحد في سنة ثلاث من الهجرة في شوال.
[91 أ/س]
(جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ) حال كوني (أَبْكِي) عليه (وَيَنْهَوْنِي) بحذف النون على التخفيف، وفي رواية الكشميهني: وينهونني بزيادة النون على الأصل (عَنْهُ) أي: عن البكاء وسقط لفظ عنه في رواية
(2)
(وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَانِي عنه
(3)
، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ) هي عمة جابر شقيقة أبيه عبد الله بن عمرو (تَبْكِي، فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم) معزيًا لها ومخبرًا لها بما آل إليه أمره من الخير (تَبْكِينَ أَوْ لا تَبْكِينَ) كلمة (أو) ليست للشك من الراوي؛ بل هي من كلام /الرسول صلى الله عليه وسلم للتسوية بين البكاء وعدمه.
(فَمَا) بالفاء، وفي رواية ما بدونها
(4)
(زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ) من غسله، ومعناه: أنه مكرم عند الملائكة، وإظلاله بأجنحتها لاجتماعهم عليه، وتزاحمهم على المبادرة لصعودهم بروحه، وتبشيره بما أعد الله له من الكرامة، أو أنهم أظلوه من الحر؛ لئلا يتغير، أو لأنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وروَى بقي بن مخلد
(5)
عن جابر رضي الله عنه: "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ألا أبشرك أن الله أحيا أباك، وكلمه كفاحًا، وما كلم أحدًا قط إلا من وراء حجاب
(6)
".
(1)
هو: محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهذير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي (26/ 504)، (5632).
(2)
إرشاد الساري (2/ 377).
(3)
(عنه) لم يرد في البخاري.
(4)
إرشاد الساري (2/ 378).
(5)
هو: الإمام، القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن الأندلسي، القرطبي، الحافظ، صاحب (التفسير) و (المسند) اللذين لا نظير لهما. (المتوفى: 276 هـ) سير أعلام النبلاء (13/ 285)(137).
(6)
سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن، باب: ومن سورة آل عمران (5/ 230)(3010) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ولا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم، وقد روى عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، شيئًا من هذا، ورواه علي بن عبد الله بن المديني، وغير واحد من كبار أهل الحديث، هكذا عن موسى بن إبراهيم. وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 224)(4914)، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه " وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
وفيه: فضيلة عظيمة له لم تُسْمَع لغيره من الشهداء في دار الدنيا، وفيه: جواز البكاء على الميت بلا نياحة، ونهي أهل الميت بعضًا عن البكاء للرفق بالباكي.
ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: "جعلت أكشف الثوب عن وجهه"؛ لأن الثوب أعم من الذي سجوه به، ومن الكفن، وأخرج هذا الحديث المؤلف في (الفضائل) أيضًا، وأخرجه النسائي في (الجنائز) و (المناقب)
(1)
(تَابَعَهُ) أي: تابع شعبة (ابْنُ جُرَيْجٍ
(2)
) بالجيمين عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج (قال
(3)
أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ الْمُنْكَدِرِ) وفي نسخة محمد بن المنكدر
(4)
(سَمِعَ) أي: أنه سمع (جَابِرًا رضي الله عنه) وصل هذه المتابعة مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله
(5)
"جاء قومي بأبي قتيلًا يوم أحد، مُسَجًّى، وقد مُثِّل به" الحديث
(6)
، وذكر المؤلف: هذه المتابعة لينفي ما وقع في نسخة ابن هامان في صحيح مسلم، عن عبد الكريم، عن محمد بن علي بن حسين، عن جابر رضي الله عنه
(1)
*صحيح البخاري: كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت، (2/ 72)(1244). وكتاب الجهاد والسير، باب ظل الملائكة على الشهيد، (4/ 21)(2816). وكتاب المغازي، باب من قتل من المسلمين يوم أحد، (5/ 102) (4078). *سنن النسائي الكبرى: كتاب الجنائز، تسبيحة الميت، (1/ 605)، (1969). وكتاب المناقب، فضل عبد الله بن حرام رضي الله عنه (5/ 68)، (8247).
(2)
هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج القرشي الأموي، أبو الوليد وأبو خالد المكي، مولى أمية بن خالد، تهذيب الكمال (18/ 338)، (3539).
(3)
قال: لم يرد في البخاري.
(4)
إرشاد الساري (2/ 378).
(5)
في نسخة الأم أوله.
(6)
صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهما (4/ 1918)، (ر 2471).
جعل محمد بن علي بدل محمد بن المنكدر؛ فبين المؤلف: أن الصواب ابن المنكدر، كما رواه شعبة، وأيدها براوية ابن جريج، والله أعلم
(1)
.
(1)
عمدة القاري (8/ 18).