الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ: الكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ
.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ؛ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ - قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِى ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا".
-
ققَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
[116 أ/ص]
(بَابُ) جواز (الكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)، وأشار بهذه الترجمة إلى أن الثلاثة ليس بواجبٍ، بل هو كفن السنة، فإن اقتصر على الاثنين من غير ضرورة يكون تركًا للسنة، وأمّا الواحد /الساتر؛ فلا بد منه، وسيأتي مزيد لذلك -إن شاء الله تعالى-.
(حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ
(1)
) محمد بن الفضل السدوسي، المعروف بـ (عارم)، (قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ)، وفي رواية الأصيلي:" حماد بن زيد"
(2)
، (عَنْ أَيُّوبَ)، السختياني، (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر
(3)
، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ).
(1)
هو: محمد ابن الفضل السدوسي أبو النعمان البصري لقبه عارم ثقة ثبت تغير في آخر عمره، من صغار التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وعشرين، تهذيب الكمال (26/ 287)(5547)، وتقريب التهذيب (1/ 502)(6226).
(2)
فتح الباري (3/ 136).
(3)
هو: سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه من الثالثة وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة قتل بين يدي الحجاج، سنة خمس وتسعين ولم يكمل الخمسين. تهذيب الكمال (10/ 358)(2245) وتقريب التهذيب (1/ 234)(2278).
ورجال هذا الإسناد ما بين بصري وكوفي، وقد أخرج متنه المؤلف في (الحج) أيضًا، وكذا مسلم، وأبو داود، والنسائي فيه أيضًا
(1)
.
[52 ب/س]
(قَالَ بَيْنَمَا) بالميم أصله: بَيْنَ؛ فَزِيدَتْ فيه الألفُ والميمُ، وهو من الظروف الزمانية، يُضافُ إلى جملة من فعلٍ وفاعلٍ أو مبتدأ وخبرٍ، ويحتاج إلى جوابٍ يتمُّ به المعنى، وجوابه هنا قوله الآتي:"إذ وقع. . . إلخ"، (رَجُلٌ) قال الحافظ العسقلاني: /لم أَقِفْ على تسميتِه
(2)
، وهو مبتدأ خبره قوله:(وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ)، للحج عند الصخرات -موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه ابن حزم
(3)
، وليس المراد خصوص الوقوف المقابل للقعود؛ لأنّه كان راكبًا على ناقته؛ ففيه إطلاق لفظ الواقف على الراكب، (إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ) أي: ناقته التي صَلُحَتْ للرَّحْلِ، (فَوَقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ -) شكٌّ مِنْ الراوي، والأولُ من الوقصِ: وهو كسر العنق، وهو المعروفُ عند أهلِ اللُّغةِ
(4)
، والثاني من الإيقاصِ: وهو شاذٌّ، وفي فصيحِ ثَعْلَب: وَقَصَ الرجلُ، إذا سَقَطَ عن دابَّتِهِ؛ فانْدَقَّتْ عنقُهُ، فهو موقوصٌ
(5)
، وعن الكسائي: وَقَصَتْ عنقُهُ وقصًا، ولا يُقالُ: وَقَصَتْ العنقُ نفسَها
(6)
، والضمير المرفوع في (وَقَصَتْهُ) للراحلة، والمنصوب للرجل، وقال الخطابي: معناه: أنها صَرَعَتْهُ؛ فكسرتْ عنقَهُ
(7)
، (قَالَ) وفي رواية: فقال (النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ).
(1)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب: الكفن في ثوبين (2/ 75)، (1265)، وكتاب الحج، باب: ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة (3/ 15)، (1839). *صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات ((2/ 865)، (1206) *سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب: المحرم يموت كيف يصنع به؟ (3/ 219)، (3238). *وسنن النسائي، كتاب الجنائز، كيف يكفن المحرم إذا مات؟ (4/ 39)، (1904).
(2)
فتح الباري (3/ 136).
(3)
حجة الوداع، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، المحقق: أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع - الرياض، الطبعة: الأولى، 1998 (1/ 175).
(4)
تهذيب اللغة، (بَاب الْقَاف وَالصَّاد)(9/ 174).
(5)
الفصيح، أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس، المعروف بثعلب، تحقيق ودراسة: دكتور عاطف مدكور، دار المعارف (270).
(6)
الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1061).
(7)
أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري (1/ 322).
وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في الحج بلفظ: (في ثوبيه)
(1)
، وفي رواية النسائي من طريق: يونس بن نافع، عن عمرو بن دينار:"في ثوبيه اللذين أَحْرَمَ فيهما"
(2)
، فلا دلالةَ في الحديثِ على إبدال ثيابِ المحرمِ كما ظنَّ.
وقال المحبُّ الطبري: "ولم يَزِدْ ثالثًا إكرامًا له كما في الشهداء؛ حيث قال: زملوهم بدمائهم"
(3)
.
وقال النووي في المجموع: "لأنه لم يكن مال غيرهما"
(4)
.
(وَلَا تُحَنِّطُوهُ) بالحاء المهملة وتشديد النون المكسورة، أي: لا تجعلوا في شيء من غُسْله أو في كفنه حنوطًا.
(وَلَا تُخَمِّرُوا) بالخاء المعجمة، أي: ولا تُغَطُّوا (رَأْسَهُ) بل أبقوا له أثرُ إحرامِهِ مِنْ منع ستر رأسه إن كان رجلًا، ووجهه وكَفَّيْه إن كانت امرأة، وفي إفراد مسلم:"ولا تخمروا رأسه ولا وجهه"
(5)
، وقال البيهقي: وذِكْرُ الوجهِ هو من بعض رواته، والصحيح هو القصر على الرأس
(6)
.
[117 أ/س]
(فَإِنَّهُ) أي: فإن هذا الرجلَ (يُبْعَثُ)، على البناء للمفعول، (يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، حال كونه (مُلَبِّيًا)، والمعني: أنه /يُحْشَرُ يوم القيامة على هيئته التي مات عليها؛ ليكون ذلك علامةً لحجه،
(1)
صحيح البخاري، كتاب الحج، باب: المحرم يموت بعرفة (3/ 17)، (1849).
(2)
السنن الصغرى للنَّسائي، كتاب الجنائز، كيف يكفن المحرم إذا مات (4/ 39)، (1904) من طريق: يونس بن نافع، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، إسناده حسن من أجل يونس بن نافع الخراساني، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 614) (7917) صدوق يخطئ. وباقي رجاله ثقات.
(3)
غاية الإحكام في أحاديث الأحكام، محب الدين أبي جعفر أحمد بن عبدالله الطبري (ت 694)، تحقيق: د. حمرة أحمد الزّين، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 2004 م -1424 هـ (3/ 530).
(4)
المجموع (5/ 145).
(5)
صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات (2/ 866)، (1206).
(6)
السنن الكبرى للبيهقي، جماع أبواب ما يجتنبه المحرم، باب: لا يغطي المحرم رأسه وله أن يغطي وجهه (5/ 77).
كالشهيد يأتي وأوداجُه تَشْخبُ دمًا، أو المعني: أنه يُحْشَرُ حال كونه قائلًا: "لبيك اللهم لبيك"، وفي (التوضيح) لابن الملقن، وفي رواية: ملبدًا، أي: حال كونه ملبدًا شعرَهُ بصمغ ونحوه
(1)
.
واحتج بهذا الحديث: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأهل الظاهر في أن المحرم يبقى على إحرامه بعد الموت، ولهذا يُحْرَمُ سِتْرُ رأْسِهِ وتَطَيُّبِهِ
(2)
، وهو قول: عثمان، وعلي، وابن عباس رضي الله عنهم، وكذا قول عطاء، والثوري
(3)
.
وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي إلى: أنه يصنع به ما يصنع بالحلال
(4)
، وهو مَرْويٌّ عن عائشةَ وابن عمرَ رضي الله عنهم، وكذا عن طاوس
(5)
؛ لأنها عبادةٌ شُرِعَتْ للحيّ فبَطُلَتْ بالموت كالصلاة والصيام
(6)
، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"، وإحرامه من عمله ولأن الإحرام لو بَقِيَ لَطِيفَ به وكَمُلَتْ مناسكُه
(7)
، وأُجِيبَ: بأن ذلك ورد على خلاف الأصل؛ فيُقْتَصرُ به على مورد النص، ولا سيما قد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهداء
(8)
، ورُدَّ ذلك بأنه لا نسلم أنه ورد على خلاف الأصل، كيف وقد أمر بغسله بالماء والسِّدْر وهو الأصل في الموتى؟
وأما قوله: "ولا تحنطوا. . . . إلخ"؛ فهو مخصوص به، وفي قوله: والحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهداء، رُدَّ عليه، وبيانُ ذلك: أن استبقاء دم الشهيد مخصوص به؛ فكذلك استبقاء شعار الإحرام مخصوص بالوقوص.
(1)
التوضيح (9/ 474).
(2)
المجموع (5/ 161)، والمغني (3/ 152).
(3)
روى عن بعضهم ابن أبي شيبة في مصنفه، في كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303 - 304)، (14429 - 14439).
(4)
المبسوط (2/ 53).
(5)
روى عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه، في كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303 - 304)(14432 - 14434).
(6)
التوضيح (9/ 474).
(7)
ينظر عمدة القاري (8/ 51).
(8)
فتح الباري (3/ 137).
وأجابوا عن الحديث بأنه ليس عامًّا بلفظه؛ لأنه في شخص معين؛ ولأنه لم يَقُلْ: "يُبْعَثُ يوم القيامة مُلَبِّيًا"؛ لأنه محرم؛ فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل. وقال: اغسلوه بِسِدْرٍ، والمحرم لا يجوز غسلُهُ بسِدْرٍ، وذكر الطرطوشي في (كتاب الحج) أنَّ أبا الشعثار جابر بن زيد، روى عن ابن عباس رضي الله عنها قال:" لا تُخَمِّروا رأسَهُ، وخمروا وجهه"
(1)
.
وقد روى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خمروا وجوههم، ولا تشبهوا باليهود"
(2)
.
ورواه الدارقطني بإسناده، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنها يرفعه، وحكم ابن القطان بصحته
(3)
، ولفظه:"خَمِّروا وجوهَ موتاكم"
(4)
.
وفي الموطأ: "أن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما
(5)
لما مات ابنه واقد، وهو محرم كفنه، وخمر وجهه ورأسه وقال: لولا أنَّا
(6)
محرمون لحنَّطناك يا واقد"
(7)
.
وفي المصنف - بأسانيد جياد- عن عطاء قال: "وقد سئل عن المحرم يُغَطَّى رأسُهُ إذا مات، غطى ابن عمر وكشف غيره"
(8)
.
(1)
عمدة القاري (8/ 51).
(2)
حجة الوداع لابن حزم، الباب الحادي عشر: الاختلاف في تكفين المحرم (1/ 274) وقال: هذا حديث مرسل لا يقوم بمثله حجة.
(3)
بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن بن القطان (المتوفى: 628 هـ)، تحقيق: د. الحسين آيت سعيد، دار طيبة - الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ-1997 م (3/ 410).
(4)
سنن الدارقطني، كتاب الحج، باب المواقيت (3/ 368).
(5)
سقط من ب.
(6)
[أن]. في ب.
(7)
موطأ، كتاب الحج، باب: تخمير المحرم وجهه (1/ 327)، (14) من طريق نافع، عن عبد الله بن عمر.
(8)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303)(14431)، من طريق: ابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء.
[117 أ/ص]
وقال طاوس: "يغيب رأسُ المحرمِ إذا مات"
(1)
، وقال الحسنُ: /"إذا مات المحرمُ؛ فهو حلالٌ"
(2)
، ومن حديث مجاهد عن عامر: "إذا مات المحرم
(3)
ذهب إحرامه"
(4)
.
ومن حديث إبراهيم عن عائشة: "إذا مات المحرم ذَهَبَ إحرام صاحبكم"
(5)
، وقاله عكرمة
(6)
-بسند جيد-.
وحكى ابن حزم أنه صحَّ عن عائشة رضي الله عنها تحنيط الميت المحرم إذا مات وتطييبه وتخمير رأسه
(7)
، وعن جابر عن أبي جعفر قال:"المحرم يُغَطَّى رأسُهُ، ولا يُكْشَفُ"
(8)
.
قال ابن بطال: "وفي الحديث أن من شَرَعَ في طاعةٍ، ثم حال بينه وبين إتمامها الموت يرجى له أن الله -تعالى- يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل، ويقبله منه إذا صحت النية، ويشهد له قوله -تعالى-: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] "
(9)
.
(1)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303) (14432) من طريق: يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303)(14433)، من طريق: عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن.
(3)
[إذا مات المحرم] سقط من ب.
(4)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303)(14434).
(5)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303)(14435)، من طريق: وكيع، عن عقبة بن أبي صالح، عن إبراهيم، عن عائشة.
(6)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 303)(14435)، من طريق: أبي داود الطيالسي، عن عبد الرحمن بن يسار قال: سمعت عكرمة
(7)
المحلى (5/ 151).
(8)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، باب: في المحرم يموت يغطى رأسه (3/ 304)(14438) من طريق: عبيد الله، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، وحسن هذه الآثار محمود العيني في عمدة القاري (8/ 51).
(9)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 522)