الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ»
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله:
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ» .
1303 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ - هُوَ ابْنُ حَيَّانَ - عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِى سَيْفٍ الْقَيْنِ - وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضى الله عنه - وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ» . ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» . رَوَاهُ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله:
[164 أ/س]
(باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم) لأبنه إبراهيم (إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ) ولم يقع /هذه الترجمة ولا التعليق الآتي من ابن عمر رضي الله عنه ، في رواية الحموي
(1)
، (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ).
ومطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إنّ المصاب إذا كان محزونًا تدمع عينه، وكان ابن عمر رضي الله عنهما ، أخذه من بعض معنى الحديث الذي رواه، ويأتي عقيب هذا الباب، ولفظه: "إن الله لا
(1)
فتح الباري (3/ 173).
يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب"
(1)
؛ وذلك لأن عدم تعذيب الله تعالى/بدمع العين وحزن القلب يستلزم أنها إذا وجدا لا يعذب بهما.
[72 ب/س]
وباللفظ المذكور روى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد لي الليلة غلام، فسميته إبراهيم"، الحديث وفيه:" فقال صلى الله عليه وسلم: تدمع العين ويحزن القلب"
(2)
.
ووقع كذلك في حديث رواه ابن ماجه، عن أسماء بنت يزيد، قالت: "لما توفى ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إبراهيم
(3)
، بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ". الحديث، وفيه: "تدمع العين، ويحزن القلب"
(4)
.
وكذا وقع في حديث رواه ابن حبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال:" لما توفى ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم "، الحديث وفيه:"القلب يحزن، والعين تدمع"
(5)
.
ووقع أيضا في حديث رواه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه ، قال:" جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، حين توفى إبراهيم" الحديث، وفيه:" يحزن القلب، وتدمع العين، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا على إبراهيم لمحزونون"
(6)
(1)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض (2/ 84)، (1304).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (4/ 1807)، (2315).
(3)
[إبراهيم] سقط من ب.
(4)
سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في البكاء على الميت (1/ 506)، (1589)، تقدم تخريجه في (ص: 450).
(5)
صحيح ابن حبان (7/ 431)(3160)، من طريق حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 499) (6188): صدوق له أوهام. وأخرجه الحاكم (1/ 538)(1410)، من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد بلفظ:"ليس هذا مني وليس بصائح حق، القلب يحزن. . . ".
(6)
المعجم الكبير، باب الصاد، أبو عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد، عن القاسم (8/ 230)، (7899)، من طريق أبي عبد الرحيم، عن أبي عبد الملك، عن القاسم، عن أبي أمامة، إسناد ضعيف، فيه علي بن يزيد الألهاني، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 406) (4817): ضعيف.
وأخرج الطبراني أيضا، عن السائب بن يزيد:" أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لما هلك ابنه طاهر" الحديث، وفيه:"إن العين تذرف، وإن الدمع يغلب، وإن القلب يحزن، ولا نعصى الله عز وجل"
(1)
.
(حَدَّثَنَا) وفي رواية: "حدثني"، بالإفراد
(2)
، (الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
(3)
): ابن الوزير الجُذامي بضم الجيم وخفة المعجمة، الجَرْوي، بفتح الجيم وسكون الراء، نسبة إلى جروة: قرية من قرى تنيس، وكان أبوه أميرها، فتزهّد الحسن، ولم يأخذ من تركة أبيه شيئًا، وكان يقال: إنّه نظير قارون في المال، قال الدارقطني: لم ير مثلة فضلًا وزهدًا، مات بالعراق سنة: سبع وخمسين مائتين، وهو من طبقة البخاري، ومات بعده بسنة، وليس عنده سوى هذا الحديث وحديثين آخرين في "التفسير"، وهو من أفراد البخاري
(4)
.
[164 أ/ص]
(قال حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ
(5)
) /منصرفًا وغير منصرف: أبو زكريا التنيسي الإمام الرئيس، أدركه البخاري، ولم يلقه؛ لأنه مات قبل أن يدخل مصر سنة: ثمان ومائتين، وقد روى عنه الشافعي مع جلالته، ومات قبله بمدة
(6)
.
(قال حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ) بضم القاف وبالشين المعجمة، (هُوَ ابْنُ حَيَّانَ) بالمهملة من الحيوة أبو بكر العِجلي بكسر العين البصرى
(7)
.
(1)
المعجم الكبير، باب السين، خصيفة أبو يزيد عن السائب بن يزيد (7/ 153)(6667)، من طريق يحيى بن يزيد بن عبد الملك، عن أبيه، عن يزيد بن خصيفة، عن أبيه، عن السائب بن يزيد، إسناد ضعيف، فيه يزيد بن عبد الملك القرشي قال ابن حجر في "التقريب" (ص: 603) (7751): ضعيف.
(2)
إرشاد الساري (2/ 414).
(3)
هو: الحسن بن عبد العزيز بن الوزير الجروي، أبو علي المصري، نزيل بغداد، ثقة ثبت عابد فاضل، من الحادية عشرة، مات سنة سبع وخمسين، تقريب التهذيب (ص: 161) (1253).
(4)
الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، (1/ 159). وفتح الباري (3/ 173).
(5)
هو: يحيى بن حسان التِنّيْسي، أصله من البصرة ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين، تقريب التهذيب (ص: 589) (7529).
(6)
الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد.
(7)
تقريب التهذيب (ص: 455)(5544).
(عَنْ ثَابِتٍ) البناني، (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ) وفي رواية مع النبيّ (صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِى سَيْفٍ) بفتح السين المهملة وسكون التحتانية، (الْقَيْنِ) بفتح القاف وسكون التحتانية آخره نون، هو: صفة لأبي سيف، واسمه: البراء بن أوس الأنصاري والقين الحداد، قال ابن سيده قيل: كل صانع: قين، والجمع: أقيان، وقيون، ويقال: قان يقين قيانة: صار قينًا، وقان الحديدة: عملها، وقان الإناء يقنيه قينًا: أصلحه، والمقين المزين
(1)
.
(وَكَانَ ظِئْرًا) بكسر المعجمة وسكون الهمزة بعدها راء، أي: مرضعًا وأطلق عليه ذلك؛ لأنّه كان زوج المرضعة وأصل الظئر من ظأرت الناقة، إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع ولد غيرها، وأطلق ذلك على زوجها؛ لأنّه يشاركها في تربيته غالبًا.
وفي المحكم: الظئر العاطف على ولد غيرها من الناس، والإبل الذكر والأنثى في ذلك سواء والجمع أَظْؤُرٌ وأَظْآرٌ وظُؤُورٌ وظُؤُورَةٌ وظُؤَارٌ الأَخيرةٌ من الجمع العزيز وظُؤْرَةٌ عند سيبويه: اسم للجمع، وقيل: الجمع من الإبل ظؤار، ومن النساء ظؤورة
(2)
.
وفي الصحاح: والجمع ظُؤار على وزن فُعال بالضم
(3)
وقال الأزهري: لا يجمع على فعلة إلا ثلاثة أحرف، ظئر وظؤرة، وصاحب وصحبة، وفاره وفرهة
(4)
.
(لإِبْرَاهِيمَ): ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقد وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن المغيرة المعلقة بعد هذا، ولفظه عند مسلم في أوله:"ولد لي في الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم"، ثم دفعه إلى أم سيف، امرأة قين بالمدينة يقال له: أبو سيف، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاتبعته فانتهى إلى أبي سيف
(1)
المحكم والمحيط الأعظم [قلوبه: (ق ي ن)](6/ 509).
(2)
المحكم والمحيط الأعظم [(الظاء والراء والهمزة)](10/ 34).
(3)
الصحاح، [ظأر](2/ 729).
(4)
تهذيب اللغة [باب الظاء والراء](14/ 282).
وهو ينفخ بكيره، وقد امتلأ البيت دخانًا، فتسرّعت المشي بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أبا سيف: /امسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(1)
.
[165 أ/س]
ولمسلم أيضًا من طريق عمرو بن سعيد عن أنس رضي الله عنه: ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إبراهيم مسترضعًا في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت، وإنه ليدخن، وكان ظئره قينا"
(2)
.
وقال القاضي عياض: هو البراء بن أوس، وأم سيف زوجته، هي أم بردة خولة بنت المنذر
(3)
.
وقلت: جمع بذلك بين ما وقع في هذا الحديث الصحيح وبين قول الواقدي فيما رواه ابن سعد في "الطبقات" عنه، عن يعقوب بن أبي صعصعة، عن عبد الله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة: " لما ولد إبراهيم تنافست فيه الأنصار أيتهن ترضعه، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد، من بني عدى بن النجار، وزجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد من بني عدي بن النجار أيضًا
(4)
، فكانت ترضعه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأيته في بني النجار
(5)
انتهى.
قال الحافظ العسقلاني: وما جمع به غير مستبعد إلا أنّه لم يأت عن أحد من الأئمة التصريح بأن البراء بن أوس يكني أبا سيف، ولا أن أبا سيف يسمى البراء بن أوس
(6)
.
(فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ) وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه، وليس فيه دليل على فعل ذلك بالميت؛ لأنّ هذه إنما وقعت قبل موت إبراهيم نعم روى أبو داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم ،
(1)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (4/ 1807)، (2315).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (4/ 1808)، (2316).
(3)
إكمال المعلم (7/ 281).
(4)
وزجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد من بني عدي بن النجار سقط من ب.
(5)
الطبقات الكبرى (1/ 108).
(6)
فتح الباري (3/ 173).
قبل عثمان بن مظعون بعد موته
(1)
، وصححه الترمذي
(2)
، وروى البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه ، قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بعد موته، فلأصدقائه وأقاربه تقبيله.
[72 ب/ص]
(ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ) أي: على أبي سيف (بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ) أي: يخرجها ويدفعها كما يجود الإنسان بإخراج ماله
(3)
، وفي بعض طرقه: يكيد بنفسه، قال صاحب العين: أي: يسوق به
(4)
، وقيل: معناه يقارب / بها الموت، وقال أبو مروان بن سراج: قد يكون من الكيد وهو القيء، يقال منه: كاد يكيد، شبه تقلع نفسه عند الموت بذلك
(5)
.
[165 أ/ص]
(فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ) بالذال المعجمة وكسر الراء وبالفاء، من ذرفت العين تزف /إذا جرى دمعها
(6)
.
(فَقَالَ لَهُ) أي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه وَأَنْتَ) معطوف علي محذوف تقديره: الناس لا يصبرون عند المصائب، ويتفجعون، وأنت تفعل كفعلهم، (يَا رَسُولَ اللَّهِ) مع حثّك على الصبر، ونهيك عن الجزع.
(1)
سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب في تقبيل الميت (3/ 201)، (3163)، محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن عاصم بن عبيد الله، عن القاسم عن عائشة، إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله، ينظر ترجمته في "التقريب" (ص: 285) (3052).
(2)
سنن الترمذي، أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في تقبيل الميت (3/ 305)، (989)، من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن صحيح.
(3)
النهاية في غريب الحديث، [جَوَدَ](1/ 312).
(4)
العين [باب الجيم والدّال](6/ 168).
(5)
معجم مقاييس اللغة [كَيَدَ](5/ 149)
(6)
تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم، محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحَمِيدي أبو عبد الله بن أبي نصر (المتوفى: 488 هـ) المحقق: الدكتورة: زبيدة محمد سعيد عبد العزيز، مكتبة السنة - القاهرة - مصر، الطبعة: الأولى، 1415 - 1995، [ذرف](263).
قال الطيبي: فيه معنى التعجب، كأنّه تعجب لذلك منه، واستغرب لمقاومته المصيبة وعهده منه أنّه يحث على الصبر، وينهى عن الجزع فأجابه صلى الله عليه وسلم
(1)
، (فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا) أي: الحالة التي شاهدتها مني (رَحْمَةٌ) أي: رقة وشفقة على الولد تنبعت عن التأمل فيما هو فيه، لا ما توهمت من الجزع وقلة الصبر.
ووقع في حديث عبدالرحمن بن عوف نفسه، فقلت: يا رسول الله
(2)
تبكي؟ أولم تنه عن البكاء؟ وزاد فيه: "إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه، وشق جيوب، ورنّة شيطان، وإنّما هذا رحمة ومن لا يَرحم لا يُرحم"
(3)
. وفي رواية محمود بن لبيد، فقال:"إنما أنا بشر"، وفي رواية: عبد الرزاق من مرسل مكحول: "إنّما أنهى الناس عن النياحة: أن يندب الرجل بما ليس فيه"
(4)
.
(ثُمَّ أَتْبَعَهَا) صلى الله عليه وسلم ، (بِأُخْرَى) وفي رواية الإسماعيلي:"ثم أتبعها والله بأخرى" بزيادة القسم أي: أتبع الدمعة الأولى بالأخرى، وأتبع الكلمة الأولى المجملة، وهي قوله:" إنها رحمة" بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله: "إن العين. . . "، إلى آخره، ويؤيد الثاني ما تقدم من طريق عبدالرحمن ومرسل مكحول.
(فَقَالَ) رسول الله، (صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ) بالنص والرفع، (يَحْزَنُ) لرقته من غير سخط لقضاء الله تعالى، (وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يَرْضَى) من الرضى، أو من الإرضاء، (رَبُّنَا) بالرفع أو
(1)
الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1415)
(2)
سقط لفظ الجلالة في ب.
(3)
المستدرك على الصحيحين، ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولهن مارية القبطية أم إبراهيم (4/ 43)(6825)، من طريق عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء، عن جابر، عن عبد الرحمن بن عوف، إسناد ضعيف فيه محمد بن عبد الرحمن الأنصاري وهو ضعيف الحديث، قال البخاري: صدوق ولا أروي عنه شيئًا؛ لأنه لا يدرى صحيح حديثه من سقيمه وضعف حديثه جدًا. وحذفه الذهبي من التخليص. وحسنه البغوي في شرح السنة (5/ 431).
(4)
مصنف عبد الرزاق، كتاب الجنائز، باب الصبر والبكاء والنياحة (3/ 552)، (6671)، من طريق: سفيان بن عيينة، عن ابن أبي حسين، عن مكحول.
النصب، (وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) وفي حديث عبدالرحمن بن عوف، ومحمود بن لبيد:"ولا نقول ما يسخط الرب"، وزاد في حديث عبدالرحمن في آخره:"لولا أنّه أمر حق ووعد صدق، وسبيل نأتيه، وإنّ آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا"
(1)
.
[166 أ/س]
ونحوه في حديث أسماء بنت يزيد، ومرسل مكحول، وزاد في آخره "وفضل رضاعه في الجنة"
(2)
، وفي آخر الحديث /محمود بن لبيد، وقال:" إن له مرضعًا في الجنة"
(3)
ومات وهو ابن ثمانية عشر شهرًا.
وذكر الرضاع وقع في آخر حديث أنس رضي الله عنه ، عند مسلم من طريق عمرو بن سعيد عنه، إلا أن ظاهر سياقه الإرسال فلفظه:"قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين يكملان رضاعه في الجنة"
(4)
.
ثمّ إنّه صلى الله عليه وسلم ، أضاف الفعل إلى الجارحة تنبيها على أنّ مثل هذا لا يدخل تحت قدرة العبد، ولا يكلف الانكفاف عنه، وكأنّ الجارحة امتنعت، فصارت هي الفاعلة لا هو، ولهذا قال:"وإنا بفراقك لمحزونون"، فعبّر بصيغة المفعول لا بصيغة الفاعل، أي ليس الحزن من فعلنا، ولكنه واقع بنا من غيرنا، ولا يكلف الإنسان بفعل غيره.
والفرق بين الدمع العين، ونطق اللسان: أن النطق يملك بخلاف الدمع، فهو للعين كالنظر ألا ترى أن العين إذا كانت مفتوحة نظرت شاء صاحبها أو أبى، فالفعل لها، ولا كذلك اللسان، قاله ابن المنير
(5)
.
(1)
المستدرك على الصحيحين، ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولهن مارية القبطية أم إبراهيم (4/ 43)، (6825) تقدم تخريجه في (ص: 552).
(2)
مصنف عبد الرزاق، كتاب الجنائز، باب الصبر والبكاء والنياحة (3/ 552) (6671) تقدم تخريجه في (ص: 552).
(3)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب التأريخ (7/ 19)(33931)، من طريق ابن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، وهذا الإسناد حسن.
(4)
صحيح مسلم، (4/ 1808)، (2316).
(5)
إرشاد الساري (2/ 415).
(رَوَاهُ) أي: أصل الحديث (مُوسَى) أي: ابن إسماعيل التبوذكي، (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
(1)
) بضم الميم وكسر الغين المعجمة، (عَنْ ثَابِتٍ) البناني، (عَنْ أَنَسٍ) هو: ابن مالك
(2)
، (رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم) وقد وصله البيهقي في "الدلائل"
(3)
.
وفي الحديث: ذكر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وموته، ومجموع أولاد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثمانية: القاسم وبه كان يكني، والطاهر، والطيب، ويقال: إن الطاهر هو الطيب، وإبراهيم، وزينب زوجة ابن أبي العاص، ورقية، وأم كلثوم زوجا عثمان، وفاطمة زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وجميع أولاده من خديجة، رضي الله عنها، إلا إبراهيم فإنّه من مارية القبطية
(4)
.
وقال الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي"
(5)
.
وعن مكحول: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في إبراهيم:"لو عاش ما رقّ له خال"
(6)
.
واتفقوا على أنّ مولده كان في ذي الحجة سنة: ثمان، واختلفوا في وقت وفاته، فجزم الواقدي: بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة: عشر
(7)
.
[166 أ/ص]
وقال ابن حزم: أنّه مات قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بثلاثة أشهر
(8)
، وقيل: بلغ ستة عشر شهرًا وثمانية أيام وقيل: سبعة عشر /شهرًا، وقيل: ستة عشر شهرًا وستة أيام.
(1)
هو: سليمان بن المغيرة القيسي مولاهم البصري، أبو سعيد ثقة، قاله يحيى بن معين، من السابعة أخرج له البخاري مقرونا وتعليقا، مات سنة خمس وستين، تقريب التهذيب (ص: 254) (2612).
(2)
سقط من ب (هو ابن مالك).
(3)
دلائل النبوة، باب ما جاء في شأن سيدنا إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وذلك قبل حجة الوداع (5/ 429).
(4)
سيرة ابن إسحاق (ص: 82).
(5)
رواه ابن سعد في طبقات الكبرى، ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسميتهم (1/ 115)، عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا. وأبو نعيم، في معرفة الصحابة (1/ 205)،. وقال:" كذا رواه جعفر مرسلا. وروي مرفوعًا من حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس فيما تفرد به عنه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان".
(6)
رواه ابن سعد في طبقات الكبرى، ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسميتهم (1/ 115) عَن مَكْحُول مُرْسلا.
(7)
رواه ابن سعد في طبقات الكبرى، ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسميتهم (1/ 115).
(8)
جوامع السيرة النبوية، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت (1/ 31).
وفي سنن أبي داود: "توفي وله سبعون يومًا"
(1)
، وعن محمود بن لبيد: توفي وله ثمانية عشر شهرًا"
(2)
، وفي رواية جابر عن عامر عن البراء:"أنه صديق شهيد"
(3)
.
وعن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: "أول من دفن بالبقيع ابن مظعون، ثم أتبعه إبراهيم"
(4)
.
وعن رجل من آل علي بن أبي طالب، لما دفن إبراهيم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: هل من أحد يأتي بقربة؟ فأتى رجل من الأنصار بقربة ماء، فقال: رشها على قبر إبراهيم"
(5)
.
واختلف في الصلاة عليه فصحَّحه ابن حزم
(6)
، وقال أحمد: منكر جدًا
(7)
.
(1)
سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب في الصلاة على الطفل (3/ 207)، (3188)، قال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني: حدثكم ابن المبارك، عن يعقوب بن القعقاع عن عطاء، رجاله ثقات، لكنه مرسل.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب التأريخ (7/ 19)، (33931)، تقدم تخريجه في (ص: 553).
(3)
رواه ابن سعد في طبقات الكبرى، ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسميتهم (1/ 112)، من طريق وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، عن البراء، قوله:"إن له في الجنة من يتم رضاعه"، وهذا إسناد ضعيف لضعف جابر- وهو ابن يزيد الجعفي- وبقية رجاله ثقات.
(4)
أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (1/ 177)(538)، من طريق أبو نعيم، قال يحيى بن سعيد، عن سفيان قال يحيى حدثني محمد بن عمر بن علي عن علي، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب الأوائل، باب أول ما فعل ومن فعله (7/ 273)(36023).
(5)
رواه ابن سعد في طبقات الكبرى، ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسميتهم (1/ 113)، من طريق معن بن عيسى الأشجعي، أخبرنا إبراهيم بن نوفل بن المغيرة بن سعيد الهاشمي عن رجل من آل علي، إسناد ضعيف لأن به موضع إرسال، وباقي رجاله ثقات عدا إبراهيم بن نوفل الهاشمي وهو مجهول الحال. وأخرجه الطبراني في معجم الأوسط (6/ 187)(6146)، بإسناد حسن، من طريق: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وقال: لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا الدراوردي، تفرد به أحمد بن عبدة "، وأخرجه البيهقي سننه (3/ 576)(6737) من طريق محمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن عبدة، ثنا عبد العزيز، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وقال: ابن حجر: رجاله ثقات مع إرساله.
(6)
المحلى، مسألة الصلاة على المولود يولد حيا ثم يموت (3/ 385).
(7)
زاد المعاد (1/ 495).
وقال السدى: سألت أنسًا رضي الله عنه أصلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم؟ قال: " لا أدري"
(1)
.
[73 ب/س]
وروى عن عطاء عن ابن عجلان عن أنس رضي الله عنه ، أنّه كبّر/ عليه أربعًا
(2)
وهو أفقه، أعني: عطاء.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه "أنّه صلى"
(3)
، وهي مرسلة، فيجوز أن يكون اشتغل بالكسوف عن الصلاة.
وحكى الحافظ أبو العباس العراقي: أنّ معناه لم يصلِّ عليه بنفسه وصلى عليه غيره
(4)
.
وقيل: لأنّه لا يصلي على نبيِّ وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: "أنّه لو عاش كان نبيًا"
(5)
وقال أبو العباس: كل هذه ضعيفة والصلاة عليه أثبت
(6)
.
(1)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه (21/ 402)(13985)، من طريق أبو عوانة، عن إسماعيل السدي قال: سألت أنس بن مالك، إسناده حسن من أجل السدي: وهو إسماعيل بن عبد الرحمن.
(2)
رواه ابن سعد في طبقات الكبرى، ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسميتهم (1/ 112)، من طريق عبد الله بن نمير الهمداني، عن عطاء بن عجلان عن أنس بن مالك، وأخرجه ابن حجر في مطالب العالية (5/ 410)(865)، من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن أنس وقال: إسناده واه.
(3)
رواه ابن سعد في طبقات الكبرى، ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسميتهم (1/ 112)، سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وأخرجه البيهقي في سنن الكبرى (4/ 14)(6791) بهذا الإسناد، وقال: فهذه الآثار وإن كانت مراسيل فهي تشد الموصول قبله، وبعضها يشد بعضًا، وقد أثبتوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وذلك أولى من رواية من روى أنه لم يصل عليه.
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، (2/ 638).
(5)
مسند أحمد (19/ 359)(12358) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن السدي قال: سمعت أنس بن مالك. إسناده حسن من أجل السدي: وهو إسماعيل بن عبد الرحمن. وأخرجه ابن ماجه (1511) من طريق مقسم، عن ابن عباس قال:" لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "إن له مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولو عاش لعتقت أخواله القبط، وما استرق قبطي". إسناده ضعيف، فيه إبراهيم بن عثمان العبسي، وهو متروك الحديث.
(6)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، (2/ 638).
وفي الحديث: جواز الإخبار عن الحزن وإن كان كتمه أولى، وجواز البكاء المجرد على الميت قبل موته، ويجوز بعد موته أيضًا؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم، بكى على قبر بنت له، رواه البخاري، وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله
(1)
، رواه مسلم، ولكنه قبل الموت أولى بالجواز، لأنّه بعد الموت يكون أسفًا على ما فات، والله أعلم.
(1)
صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (2/ 671)، (976).