الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النذر
النذر: واحد النذور، يقال: نذرت أنذِر وأنذُر -بكسر الذال وضمها - (1).
* * *
الحديث الأول
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنِّي كنتُ نَذَرْتُ في الجَاهِلِيّةِ أَنْ أَعْتكفَ لَيْلَةً -وَفِي رِوَايةٍ: يَوْمًا- في المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ:"فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ"(2).
تقدم أن الجاهلية ما قبل الإِسلام.
وقوله: "نذرتُ ليلة، وفي رواية: يومًا" لا اختلاف بينهما، فإن العرب تعبر بالليلة عن اليوم، لا سيما وقد ثبت التعبير بها في هذه الرواية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أَوْفِ بنذركَ"؛ استدل به على صحة نذر الكافر، وهو قول في مذهب الشَّافعيّ، والمشهور: أنَّه لا يصح؛ لأن الكافر ليس من أهل التزام القربة. ويتأول هذا القائل الحديث على أنَّه إنما أمره أن يأتي بعبادة مشابهة لما لزم في الصورة، وهو اعتكاف يوم، فأطلق عليها وفاء النذر؛ لمشابهتها إياه، ولأن المقصود قد حصل، وهو الإتيان بهذه العبادة.
(1) انظر: "مختار الصحاح"(ص: 272)، (مادة: نذر).
(2)
رواه البُخَارِيّ (1927)، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف ليلًا، ومسلم (1656)، كتاب: الأيمان، باب: نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم.
وفي هذا التأويل نظر؛ من حيث إن لفظ الشارع يحمل على الحقيقة الشرعية، لا على ما يشبهها في الصورة؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم:"أَوْفِ بنذركَ"؛ المراد به: نذرك السابق، والوفاء أن يكون فيما شرع أو لزم.
وتقدم الكلام على هذا الحديث وتأويله وأحكامه وما يتعلق به في الاعتكاف مبسوطًا واضحًا.
واعلم أن أَبا داود، والنَّسائيّ رويا في هذا الحديث الأمر بالاعتكاف والصوم (1)، وذكر الصوم فيه ضعيف باتفاق الحفاظ والأئمة.
قال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن بديل، وهو ضعيف الحديث، وقال: سمعت أَبا بكر النَّيْسَابُورِيّ يقول: هذا حديث منكر؛ لأن الثِّقات لم يذكروا الصوم، وابن بديل ضعيف (2).
ويدل على صحة هذا الذي قالوه واتفقوا عليه: أن البُخَارِيّ ومسلما روياه في "صحيحيهما"، وليس فيه: وصوم، والله أعلم.
وفي الحديث: الوفاء بالنذر.
واعلم أن النذر على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علق على وجود نعمة أو دفع نقمة، فوجد ذلك، فيلزم الوفاء به.
والثاني: ما علق على شيء لقصد المنع أو الحث؛ كقوله: إن دخلت الدار، فعلي كذا.
وقد اختلفوا فيه، والشافعي يقول: إنه غير بين الوفاء بما نذر، وبين كفارة يمين، وهذا الذي يسمى: نذرَ اللجاج والغضب.
الثالث: ما ينذر من الطاعة من غير تعليق بشيء؛ كقوله: علي كذا، فالمشهور: وجوب الوفاء به، وهو المراد بقولهم: النذر المطلق، كقوله: لله
(1) رواه أبو داود (2474)، كتاب: الصوم، باب: المعتكف بعود المريض، والنَّسائيّ في "السنن الكبرى"(3355).
(2)
انظر: "سنن الدارقطني"(2/ 200).