الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ أَبِي أَيوبٍ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشمْسُ وَغَرَبَتْ". أخرجه مسلم (1).
* * *
الحديث السادس
عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا". أخرجه البخاري (2).
تقدم الكلام على معنى هذين الحديثين في الحديث الثاني من كتاب الجهاد هذا.
* * *
الحديث السابع
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأنصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى حُنَيْنٍ، وَذَكَر قِصَّة، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَتلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بيِّنَة، فَلَهُ سَلَبُهُ" قالها ثلاثًا (3).
أما أبو قتادة؛ فتقدم الكلام عليه، وأن اسمه الحارثُ بن رِبْعي.
واعلم أن هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من غزوة حنين، وهو وادٍ قريبٌ من الطائف، بينَه وبين مكة بضعةَ عشر ميلًا، وكانت بينها وبين فتح مكة خمسَ عشرة ليلة، تقصر الصلاة فيها، وكانت في خامس شوال سنة ثمان من
(1) رواه مسلم (1883)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الغدوة والروحة في سبيل الله.
(2)
رواه البخاري (6199)، كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار.
(3)
رواه البخاري (2973)، كتاب: الخمس، باب: من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلًا فله سلبه، ومسلم (1751)، كتاب: الجهاد والسير، باب: استحقاق القاتل سلب القتيل.
الهجرة؛ لأن الفتح كان في اليوم العشرين من شهر رمضان، والله أعلم.
وروى مسلم في "صحيحه" تصريحًا بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قتلَ قتيلًا لهُ عليه بينة فله سَلَبُهُ"، كان بعد الفراغ من القتال واجتماع الغنائم، والله أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "له عليه بينةٌ"؛ البينة في الأصل: العلامة. والمراد هنا: علامة توضح أنه القاتل؛ إما إخبار واحد، أو ظن راجح برؤية سهم القاتل أو سيفه، أو معرفة ضربه في القتل، أو نحو ذلك يرجح جانبه فيما يدعيه من استحقاق السلب، والله أعلم.
واعلم أن السَّلَبَ منسوب إلى جميع الجيش، فلا يُقبل إقرار مَنْ هو في يده أنه للقاتل على الباقين إلا إذا كان مختصًا به، فيؤاخذ بإقراره، والله أعلم.
واعلم أن تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الواقعة، هل هي من باب التشريع، أو من باب تصرفات الإمام؛ نظرًا لقوله صلى الله عليه وسلم بعدما أمر أن يعطى السلب قائلًا:"يا خالد! لا تعطِه إياهُ" بسبب كلام جرى بين القاتل وبين خالد؟ (1)
والأغلب: حملُه على التشريع العام، ويكون إعطاؤه ذلك في ذلك الوقت لغير القاتل لمصلحة أو شرط فائت اقتضى منعَ القاتل إياه، ونَفَّله خالدًا؛ عقوبةً للقاتل، ويكون واقعةَ عين لا تقتضي العموم. والله أعلم.
وفي هذا الحديث فوائد:
منها: أن السلب للقاتل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلًا، فله سلبه"، ولا ينفي هذا أن يكون السلب للجيش أولًا، ثم أعلم صلى الله عليه وسلم أنه للقاتل تنفيلًا.
واختلف العلماء فيه: فقال الشافعي، والأوزاعي، والليث، والثوري، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وابن جرير، وغيرهم: يستحق القاتل سلبَ القتيل في جميع الحروب، سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتلَ قتيلًا فله سلبه، أم لم يقل ذلك.
(1) رواه مسلم (1753)، كتاب: الجهاد والسير، باب: استحقاق الفاتل سلب القيل، عن عوف بن مالك رضي الله عنه.
قالوا: وهذا الحديث فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم، وإخبار عن حكم الشرع، فلا يتوقف على قول واحد.
وقال أبو حنيفة، ومالك، ومن تابعهما: لا يستحق القاتل ذلك بمجرد القتل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة، إلا أن يقول قبل القتال: من قتل قتيلًا، فله سلبه، وحملوا الحديث على هذا، وقد بينا ضعفه آنفًا.
واشترط الشافعي في استحقاق السلب للقاتل: أن يغرر بنفسه في قتل كافر ممتنع في حال القتال، حتى لو كان الكافر ممن رضخ، فلا سهم له؛ كالمرأة والصبي والعبد، استحق السلب في الأصح.
وقال مالك: لا يستحقه إلا المقاتل، وقال الأوزاعي والشاميون: لا يستحق السلب إلا في قتل قتله قبل التحام الحرب، فأما من قتل في حال التحام الحرب، فلا يستحقه.
واختلف العلماء في تخميس السلب:
فقال الشافعي في الصحيح من قوليه، وأحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وآخرون: لا يخمس.
وقال مكحول، ومالك، والأوزاعي، والشافعي في أضعف قوليه: يخمس.
وقال عمر بن الخطاب، وإسحاق بن راهويه: يخمس إذا كثر.
وعن مالك رواية اختارها إسماعيل القاضي: أن الإمام بالخيار إن شاء خمسه، وألا يخمس.
ومنها: أن السلب لا يعطى إلا لمن بينه بأنه قتل، ولا يقبل قوله بغير بينة.
وهو مذهب الشافعي، والليث، ومن وافقهما من المالكية وغيرهم.
وقال مالك والأوزاعي: يعطاه بقوله بلا بينة، قالا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب بقولِ واحدٍ في بعض روايات هذا الحديث، ولم يحلِّفه، والجواب: أن هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه القاتل بطريق من الطرق، وقد صرح بالبينة، فلا تلغى.