الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو لبيت المال. هذا تفصيل مذهب الشافعي، وبه قال الزهري، ومالك، وأبو ثور.
وقال الحكم، وحماد: يرثه ورثة أمه.
وقال آخرون: عصبته عصبة أمه، وروي هذا عن علي، وابن مسعود، وأحمد بن حنبل.
قال أحمد: فإن انفردت الأم، أخذت جميع ماله بالعصوبة.
وبه قال أبو حنيفة: إذا انفردت، أخذت الجميع، لكن الثلث بالفرض، والباقي بالرد؛ على قاعدة مذهبه في إثبات الرد، والله أعلم.
* * *
الحديث الثالث
عَنْ أَبِي هُريرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ لَكَ إِبِلٌ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَمَا أَلْوَانُهَا؟ "، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ:"فَهَل فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ "، قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قَالَ:"فَأنَّى أتاهَا ذَلِكَ؟ "، قَالَ: عَسَى أَن يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ:"وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ"(1).
أما الرجل المبهم الذي أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فاسمه ضمضم بن قتادة، قال ابن بشكوال: ذكره عبد الغني، والله أعلم (2).
وأما امرأته والغلام الأسود؛ فلا أعرف اسميهما، والله أعلم.
وأما الأورق: فهو الذي فيه سواد ليس بِصافٍ، ومنه قيل للرماد: أورق، وللحمامة: ورقاء، وجمعه وُرْق -بضم الواو وإسكان الراء-؛ كأحمر وحمر (3).
(1) رواه البخاري (4999)، كتاب: الطلاق، باب: إذا عرض بنفي الولد، ومسلم (1500)، كتاب: اللعان، وهذا لفظ مسلم.
(2)
انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 281 - 282).
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 283)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير =
والمراد بالعرق هنا: الأصل من النسب، تشبيهًا بعرق التمر.
ومنه قولهم: فلان مُعْرِق في الحسب والنسب، وفي اللؤم، والكرم.
ومعنى نزعه: أشبهه واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه، وأصل النزع: الجذب، فكأنه جذبه إليه؛ لشبهه. يقال منه: نزع الولد لأبيه، وإلى أبيه، ونزعه أبوه، ونزعه إليه (1).
وفي الحديث أحكام:
منها: التعريض بنفي الولد في محل الاستفتاء والضرورة لا توجب حدًّا ولا تعزيرًا؛ حيث إن الضرورة داعية إلى ذكره، وإلى عدم ترتيبهما على المستفتين.
ومنها: أن الولد يلحق بأبيه، وإن خالف لونه لونه، سواء كانت المخالفة من سواد إلى بياض، أو عكسه، في الزوجين، أو أحدهما؛ لعموم احتمال أنه نزعه عرق من أسلافه.
ومنها: الاحتياط للأنساب وإلحاقها بمجرد الإمكان والاحتمال.
ومنها: إثبات القياس والاعتبار بالأشباه، وضرب الأمثال؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حصل منه التشبيه لولد هذا الرجل المخالف للونه، بولد الإبل، المخالف لألوانها، وذكر العلة الجامعة، وهي نزوع العرق، لا أنه تشبيه في أمر وجودي، وأقر صلى الله عليه وسلم العمل به في الشرعيات.
ومنها: استفسار المفتى من المستفتي ما يقرب به الحكم الشرعي إلى ذهنه؛ بحيث يدفع عنه الشك والريبة فيما سأل عنه، وهذا معنى قولهم: تعليل المقدمات مطلوب للشارع.
ولهذا المعنى امتن وامتدح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه اختصر له الكلام اختصارًا؛ تنبيهًا على تحصيل المعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة العذبة.
= (5/ 74)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 133).
(1)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 133 - 134)، و"لسان العرب" لابن منظور (8/ 351).