الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصواب: التحريم كما قاله الجمهور.
وأما الحديث في إباحته، الذي رواه أبو داود عن غالب بن أبجر، قال: أصابتنا سنة، فلم يكن لي في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حمر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أصابتنا السنة، ولم يكن لي في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال:"أطعمْ أهلكَ من سمينِ حمركَ، فإنَّما حرمتها من أجلِ جوال القرية"(1). يعني بالجوال: التي تأكل الجلة: وهي العذرة، فهو حديث اختلف في إسناده اختلافًا كبيرًا.
قال البيهقي: إسناده مضطرب، ثم لو صح، لكان محمولًا على حال الاضطرار، والأكل منها للمضطر جائز بالاتفاق، والله أعلم.
* * *
الحديث الخامس
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَتنا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيبرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبرَ، وَقَعنَا في الحُمُرِ الأَهلِيةِ، فنحَرنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا القُدُورُ، نَادَى مُنَادِي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ: اكْفَؤوا القُدُورَ، وَلَا تَأكلُوا مِنْ لُحُوم الحُمُرِ شَيئًا (2).
أما عبد الله بن أبي أوفى؛ فهو أسلميٌّ، كنيته: أبو إبراهيم، وقيل: أبو محمَّد، وقيل: أبو معاوية بن أبي أوفى، علقمةَ بنِ خالدِ بن الحارث بن أبي
(1) رواه أبو داود (3809)، كتاب: الأطعمة، باب: في لحوم الحمر الأهلية، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(6/ 48)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1131)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 203)، والطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 266)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 332).
(2)
رواه البخاري (3983)، كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، ومسلم (1937)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، وهذا لفظ مسلم.
أسيد -بفتح الألف- بن رفاعةَ بن ثعلبةَ بن هوازن بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرِو بن عامر، وهو أخو زيد بن أبي أوفى.
شهد الحديبية، وهي بيعة الرضوان، وخيبر، وما بعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى الكوفة، وابتنى بها دارًا في أسلم.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وتسعون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على عشرة، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بحديث. وروى عنه: طلحة بن مصرف، وغير واحد، وروى له أصحاب السنن والمساند.
ومات بالكوفة سنة ست، وقيل: سنة سبع وثمانين، وهو آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم بالكوفة، وكان قد كف بصره، والله أعلم (1).
وأما قوله: "نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: اكفؤوا القدور"؛ ضبطوا: اكفؤوا بألف وصل، وفتح الفاء، من كفأت، ثلاثي، ومعناه: اقلبوا وكبوا وفرغوا ما فيه، ويصح في اللغة أن يقال بهمزة قطع وكسر الفاء، من أكفأت، رباعي، وهو لغتان بمعنى، عند كثير من أهل اللغة، منهم الخليل، والكسائي، وابن السكيت، وابن قتيبة، وغيرهم، وقال الأصمعي: يقال: كفأت، ولا يقال: أكفأت (2).
وهذه الرواية تشتمل على لفظ التحريم، وهو أبلغ من لفظ النهي.
وأمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور محمول على أنه سبب التحريم لأكل لحومها عند
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 21)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 24)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 120)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 870)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (31/ 30)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 181)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 247)، و"تهذيب الكمال" للمزي (14/ 317)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 428)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 18)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (5/ 132).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 344)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 182)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 92 - 93)، و"لسان العرب" لابن منظور (1/ 141)، (مادة: كفأ).
جماعة، وهو المشهور السابق إلى الفهم، وقد ورد فيه علتان أخريان:
إحداهما: لأنها أخذت قبل المقاسم.
والثانية: لأجل كونها من جوال القرية.
فإن صحت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، تعين الرجوع إليه، والله أعلم.
وفي الحديث دليل: على جواز ذبح الحيوان أو نحوه للمجاعة بشرط جواز أكله.
وفيه دليل: على أنه ينبغي لأمير الجيش إذا فعل فيه شيء على خلاف الشرع، أن يأمر مناديه أن ينادي بإتلافه والمنع من تعاطيه، وقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك حالتان:
إحداهما: الأمر بالنداء كما ذكرنا.
والثانية: جمع الناس يخطبهم، ويذكر ما يحتاجون إليه من حكم الله تعالى في ذلك، والله أعلم.
وفيه دليل: على تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية قليلًا كان أو كثيرًا.
وفيه دليل: على إكفاء القدور المطبوخة فيها.
وقد روى مسلم في "صحيحه" في رواية: الأمر بإهراقها وكسرها، وأن رجلًا قال: أو نهريقها ونغسلها؟ قال: "أو ذاك"(1)، وهذا تصريح بنجاستها وتحريمها، وتؤيده الرواية الأخرى في مسلم:"فإنها رجس"(2). وفي أخرى: "ركس أو نجس"(3).
(1) رواه مسلم (1802)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، والبخاري أيضًا (3960)، كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (5208)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: لحوم الحمر الإنسية، ومسلم (1940)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
رواه مسلم (1940)، (3/ 1540)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية.