الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليمان لو قال: "إن شاءَ الله"، لم يحنث، ولجاهدوا؛ إذ ليس فيه مما يدرك بالظن والاجتهاد، وإنما أخبر عن حقيقة أعلمه الله تعالى بها، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم:"لولا بنو إسرائيلَ لم يَخْنَزِ اللحمُ، ولولا حَوَّاءُ لم تَخُنْ أنثى زوجَها"(1)، فلا معارضة بين هذا وبين حديث النهي عن (لو).
وقد قال الله عز وجل: {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ} [آل عمران: 154]، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا} [الأنعام:28] وكذا ما جاء من (لولا)؛ لقوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68]، {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ} [الزخرف: 33]، {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} [الصافات: 143 - 144]؛ لأن الله تعالى مخبر في كل ذلك عما مضى، أو يأتي عن علم خبرًا قطعيًّا، فكل ما يكون من (لو) و (لولا) ما يخبر به الإنسان عن علمه امتناعه من فعله، مما يكون فعله في قدرته، فلا كراهة فيه؛ لأنه إخبار حقيقة عن امتناع شيء لسبب شيء، أو حصول شيء لامتناع شيء.
وتأتي (لولا) غالبًا لبيان السبب الموجب، أو النافي، فلا كراهة في كل ما كان من هذا الأمر، إلَّا أن يكون كاذبًا في ذلك؛ كقول المنافقين:{لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: 167]، والله أعلم (2).
* * *
الحديث الخامس
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلفَ عَلَى يَمينٍ صَبْرٍ يَقْتَطعُ بِها مَالَ امْرِيٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ
(1) رواه البُخَارِيّ (3152)، كتاب: الأنبياء، باب: خلق آدم -صلوات الله عليه- وذريته، ومسلم (1470)، كتاب: الرضاع، باب: لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 122 - 123).
غَضْبَانُ"، ونَزَلَتْ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية (1).
أما اليمين الصَّبْر؛ فهي التي يحبسُ الحالفُ نفسَه عن اليمين بها كاذبةً غيرَ مبال بها، وكأنه يحبس نفسه على أمر عظيم، وهي اليمين الحانثة، ويقال لمثلها: اليمين الغَموس -أَيضًا-.
وأما الآية الكريمة؛ فاختلف في سبب نزولها على روايات، أشهرها: ما ذكره المفسرون: أنها نزلت في رؤوس اليهود لما كتموا ما عَهِدَ الله إليهم في التوراة في شأن محمَّد صلى الله عليه وسلم، وبدلوه، وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنَّه من عند الله؛ لئلا يفوتهم المأكل والدعوة والرشا التي كانت عليهم من أتباعهم، وهذا قول عطاء.
ولما كان من حلف على مال الغير، وأكلَه بالباطل ظلمًا وعدوانًا، واستخفافًا بحرمة اليمين بالله تعالى، كان ذلك أبلغَ في الوعيد الشديد لفاعله.
وهذا الحديث بهذا المعنى يترجح به قول من ذهب من المفسرين إلى نزول الآية فيه.
ولا شك أن بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز، وهو أمر يحصل للصحابة رضي الله عنهم بقرائن تختلف بالقضايا، حتَّى قال بعض العلماء: تفسير الصحابي مرفوع مطلقًا؛ لأنهم أعلم بتنزيل الوحي ومواقعه وأسبابه.
والصحيح: أن ما كان متعلقًا من التفسير بسبب نزول آية، أو تقديم حكم أو تأخيره، فهو مرفوع، وغيره موقوف، والله أعلم.
وفي هذا الحديث: تعظيم المنع من اليمين الكاذبة والفجور بها، والوعيد الشديد لفاعلها.
وفيه: تعظيم حرمة مال المسلم وإن قل، وعصمته.
(1) انظر: تخريج الحديث الآتي؛ إذ هو قطعة منه.