الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1]، ثم أنزل الله تعالى حكم الغنائم.
واختلف العلماء في آية الأنفال:
فقيل: هي منسوخة بآية الغنائم: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية [الأنفال: 41]، وأن مقتضى آية الأنفال والمراد بها: أن الغنائم كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة كلها، ثم جعل أربعة أخماسها للغانمين بالآية الأخرى. وهذا قول ابن عباس وجماعة.
وقيل: هي محكمة، وأن التنفيل من الخمس.
وقيل: محكمة وأن للإمام أن ينفل ما شاء لمن شاء بحسب ما يراه.
وقيل: محكمة مخصوصة، والمراد: إنفال السرايا، ولعل هذا الحديث يدل عليه، والله أعلم.
* * *
الحديث الثامن عشر
عَنْ أَبِي مُوْسَى عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَن حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ، فَلَيْسَ مِنَّا"(1).
تقدم الكلام على أبي موسى، هو الأشعري.
واعلم أن حمل السلاح في دار الإسلام؛ لإرهابهم عن غير قصد القتل به، مكروه ممنوع منه؛ فإنَّ أمنَ المسلمين مطلوب للشرع؛ حيث إنهم استسلموا لله تعالى، وانقادوا لأمره، وحملُ السلاح منافٍ لذلك. وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله:"من حملَ علينا السلاحَ فليسَ مِنَّا"، فإذا حمله لإرعاب المفسدين
(1) رواه البخاري (6660)، كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا"، ومسلم (100)، كتاب: الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا".
والمخالفين بإذن الإمام، لم يكن حمله عليهم، بل لهم.
ثم إن الحمل للسلاح بين المسلمين، إن كان لمقصود شرعي؛ من إظهار قوة الإسلام؛ لإرهاب العدو وإعلامهم بقوتهم واهتمامهم بقتالهم، فهذا مندوب لا شك فيه. وإن كان لعبًا ولهوًا وبطرًا، وتخييلًا وجردًا، فهو محذور من وجوه يعلمها أهل المعرفة والبصائر، والله أعلم.
وقد يعبر بحمله عن مقصود السلاح، وهو القتل؛ لملازمته بالحمل له غالبًا، وعليه تدل قرينة قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حملَ علينا السلاحَ"، وقد يعبَّر به عن الحمل حالَ القتال والقصد للضرب بالسيف على كل حال للمسلمين، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فليس منا"، وقد ثبت مثله:"من غَشَّ فليسَ مِنَّا"(1)، و"ليسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخدودَ، وشَقَّ الجيوبَ .. "(2) في أحاديث كثيرة من ذلك.
والمراد: ليس مثلنا، أو ليس على طريقنا أو هدينا، وما شابه ذلك.
وإن كان المراد به الخروج عن المسلمين ودينهم، احتجنا إلى تأويله بالاستحلال لحمله على المسلمين بالمعنى الممنوع منه ونحوه، أو غيرهم ممن منع الشرع حمل السلاح عليه.
وقد نقل عن السلف - رحمهم الله تعالى -: أنهم قالوا في مثل هذا الحديث وأشباهه: أن الأولى إطلاق لفظه، كما أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير بيان ولا تأويل.
قالوا: لأن إطلاقه أبلغُ في الزجر، وأوقعُ في النفوس من التأويل والبيان، والله أعلم.
وفي هذا الحديث دليل: على تحريم قتال المسلمين، وتغليظ الأمر فيه.
وفيه دليل: على كراهة حمل السلاح لغير مصلحة شرعية.
(1) رواه مسلم (101)، كتاب: الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
تقدم تخريجه.