الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى في حال شهوات الإنسان وألذها، والله أعلم.
وفيه: إشارة على ملازمة الشيطان لابن آدم، مِنْ حِينِ خروجه من ظهر أبيه إلى رَحِم أُمِّهِ إلى حين يموت، والله أعلم.
* * *
الحديث الثالث عشر
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قال: "الحَمْوُ: المَوْتُ"(1).
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبي الطَّاهِرِ، عَنْ ابنِ وَهَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ: الحَمْوُ: أَخو الزَّوْجِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أقَارِبِ الزَّوْجِ، ابنِ العمِّ وَنَحْوِهِ (2).
تقدَّم الكلام على عقبة بن عامر قريبًا.
وأَمَّا الرجل المبهم من الأنصار، فلا أعلم اسمه.
وأَمَّا أبو الطاهر، فاسمُه: أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح، قرشيٌّ، أمويٌّ، مولاهم مضريٌّ، مولى نَهيك، مولى عتبةَ بن أبي سفيان، وروى عنه جماعة من الأئمة وغيرهم.
روى عنه مسلم دون البخاري، وروى عنه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ويعقوب بن سفيان وغيرهم من الأئمة، قال أبو حاتم: لا بأس به. وتوفي في سنة تسع وأربعين ومئتين (3).
(1) رواه البخاري (4934)، كتاب: النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، ومسلم (2172)، كتاب: السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها.
(2)
رواه مسلم (2172)، (4/ 1711)، كتاب: السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها.
(3)
وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/ 65)، و "الثقات" لابن حبان (8/ 29)، و "تهذيب الكمال" للمزي (1/ 415)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (1/ 55).
وأَمَّا ابنُ وَهَبٍ؛ فاسمه عبد الله بن وهب بن مسلم، وكنيته أبو محمد: مصريٌّ، قرشيٌّ، فهريٌّ، مولى يزيد بن رمانة، مولى أبي عبد الرحمن بن يزيد بن أنيس الفهري.
سمعَ الأئمة الأعلام، وحفَّاظَ الإسلام وغيرَهم. وسمع منه الليث بن سعد، أحدُ شيوخه، وخلقٌ سواه. وكتب إليه مالك كتابًا، وعنونه نعتًا له بالفقيه، ولم يكتب بذلك معنونًا بالفقيه إلا إليه، وهو في طبقة مالك في الفقه، اتفقوا على علمه وتوثيقه، وورعه وعبادته. ومات بمصر سنة سبع وتسعين ومئة، روى له البخاري ومسلم (1).
وأَمَّا اللَّيْثُ؛ فكنيته: أبو الحارث بن سعد بن عبد الرحمن: مصريٌّ، فَهميٌّ، مولى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وقيل: مولى خالد بن ثابت بن طاعن الفهمي. وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس، من أهل أصبهان، قال ابن يونس: وليس لما قالوه من ذلك عندنا صحة، والمشهور أنه فهمي، وفهم من قيس عيلان.
سمع جماعة من التابعين وخلقًا من أتباعهم، وروى عنه من شيوخه: محمد بن عجلان، وهشام بن سعد، وخلق سواهم.
قال الشافعي: كان الليث أفقه من مالك، إلا أنه ضَيَّعَهُ أصحابه، واستقل بالفتوى بمصر، اتفقوا على علمه وورعه وتوثيقه ونبله وسخائه، ولد سنة ثلاث أو أربع وتسعين، ومات في شعبان سنة خمس وستين ومئة. وقيل: ست أو سبع وسبعين ومئة، وقيل: سنة خمس وسبعين ومئة، وقد استكمل إحدى وثمانين سنة. روى له البخاري ومسلم (2).
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 218)، و"الثقات" لابن حبان (8/ 346)، و"تهذيب الكمال" للمزي (16/ 277)، و"تذكرة الحفاظ" للذهبي (1/ 304)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (6/ 65).
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (7/ 517)، و "التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 246)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (7/ 179)، و "حلية الأولياء" لأبي نعيم =
وقد فسَّر الليث بن سعد "الحَمْوَ"، وقال أهل اللغة: الأحماء: أقارب الزوج، والأختان: أقارب الزوجة، والأصهار: يعمها، والحمو: أحد الأحماء، وفيه أربع لغات: حمًا مثل قفًا، وحَمُو مثل أَبُو، وحَمٌ مثل أَبٍ، وحَمْءٌ بإسكان الميم مهموز، وأصله: حَمَوٌ: بفتح الحاء والميم. وحماةُ المرأة: أُمُّ زوجها، قال الجوهري: لا لغة فيها غيرها.
والمعنى في ذلك: أنه إذا كان رأيه هذا في أب الزوج، وهو محرم، فكيف الغريب؟ أي: فليمت ولا يفعلن، فهذه الكلمة تقولها العرب، كما تقول: الأسد الموت، والسلطان النار؛ أي: لقاؤهما مثل الموت والنار؛ يعني: أن خلوةَ الحَمُو معها أشدُّ من خلوة غيره من الغرباء؛ لأنه ربما حسن لها أشياء، وحملها على أمور تثقل على الزوج من التماس ما ليس في وسعه، أو سوء عشرة، أو غير ذلك، ولأن الزوج لا يؤثر أن يطلع الحمو على باطن حاله بدخول بيته.
ولما كان الحمو يُستعمل عند الناس في أب الزوج، وهو محرم من المرأة، ويمنع دخوله عليها، فسره الليث بما يزيل هذا الإشكال، وحمله على من ليس بمحرم؛ فإنه لا يجوز له الخلوة بالمرأة (1).
والحديث دالٌّ على تحريم الخلوة بالأجانب، فحينئذ تأويل قوله:"الحَمْوُ المَوْتُ" يختلف بحسب اختلاف الحمو؛ فإن حمل على محرم المرأة: كأبي زوجها، احتمل قوله:"الحَمْوُ المَؤتُ" أن يكون بمعنى: أنه لا بد من إباحة دخوله كما أنه لا بد من الموت، وإنْ حُمل على من ليس بمحرم، احتمل على أن
= (7/ 318)، و"تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (3/ 13)، و "تاريخ دمشق" لابن عساكر (50/ 341)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 382)، و "تهذيب الكمال" للمزي (12/ 532)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (8/ 136)، و "تهذيب التهذيب" لابن حجر (8/ 412).
(1)
انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 71)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 199)، و"النهاية في غريب الحديث"(1/ 447 - 448)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 154)، و "لسان العرب" لابن منظور (14/ 197)، (مادة: حما).
يكون هذا الكلام خرج مخرج التغليظ والدعاء، أو كراهته لدخول؛ حيث فهم من قائله طلب الترخيص، فغلظ عليه بوصفه بالموت، أو الدعاء بأن من قصد ذلك، فليكن الموت في دخوله عوضًا من دخول الحمو الذي قصد دخوله، أو تشبيه كراهة دخوله بكراهة دخول الموت.
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُم والدُّخُول عَلَى النِّسَاءِ"؛ مخصوص بغير المحارم، وعامٌّ بالنسبة إلى غيرهن، ولا بد من اعتبار أمر آخر، وهو: أن يكون الدخول لأجل الخلوة، أما إذا لم يقتض ذلك، فلا يمتنع؛ كالدخول للتطبيب والتعليم ونحوهما.
وفي الحديث: تحريم الدخول على النساء لغير حاجة شرعية، والخلوة بهنَّ، وفي معنى ذلك: الخلوة بالأمرد الحسن الذي يُفتتن به، وكل من في الخلوة به إفساد على زوج أو أب أو ولي لليتيم، أو مالك، فإن الخلوة بالزوجة والولد واليتيم والمملوك وإفسادهم على من ذكر حرام؛ لحقهم، بخلاف المرأة غير المحرم، والأمرد الحسن؛ لأن التحريم فيهما لأجل من خلا بهما، ويتضمن ذلك الإفساد عليهما وعلى وليهما، والله أعلم.
وفيه: السؤال عما يلزم أن يكون داخلًا في عموم الكلام؛ فإن قوله: "إِيَّاكُم والدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" يعمُّ الحموَ وغيره، فسأل عنه.
وفيه: الجواب بأمر يلزم منه التغليظ في النهي، والتحذير من ارتكابه، والله أعلم.
* * *