الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشاعر:
لقدْ أحسنَ اللهُ فيما مَضَى
…
كذلكَ يحسنُ فيما بقي (1)
وقال آخر:
لا والذي قد مَنَّ بالإسلام
…
يثلج في فؤادي
ما كانَ يختمُ بالإساءةِ
…
وهو بالإحسانِ بادي
وفي هذا الحديث دليل: على كراهة تمني الموت [و] لقاء العدو.
وفيه دليل: على الصبر عند اللقاء.
وفيه: استحباب القتال بعد زوال الشمس، واستحباب أن الإمام يعلم الناس ما يحتاجون إليه وقت حاجتهم.
وفيه: سؤال الله تعالى العافية.
وفيه: التنبيه على أسباب الجنة بالضرب بالسيوف.
وفيه: التحريض على القتال.
وفيه: سؤال الله تعالى بنعمته السابقة؛ لطلب نعمته اللاحقة.
وفيه: استحباب الدعاء عند القتال والاستنصار عند اللقاء.
وفيه: مراعاة انشراح النفوس وانبساطها لفعل الطاعات، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِبلِ اللهِ أَوْ الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا"(2).
(1) من شعر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما نسب إليه في "ديوانه" (ص: 135)، لكن فيه (كما أحسن) بدل (لقد أحسن).
(2)
رواه البخاري (2735)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل رباط يوم في سبيل الله، ومسلم=
أما الرباط؛ فهو المقام في الثغور المتاخمة لبلاد العدو، وهي في الأصل: الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها، وقد يطلق الرباط على كل مقيم على طاعة؛ كالطهارة والصلاة وغيرهما من العبادات. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة:"فَذَلِكُمُ الرِّباطُ فَذَلِكُمُ الرِّباط".
والرباط؛ مصدر رابطت؛ أي: لازمت.
وقيل: هو اسم لما يُربط به الشيء؛ أي: يُشد.
فكأن المرابط في الثغور وغيرها، ربطَ نفسه عن الاشتغال بغيرها من المخالفات، وحظوظ النفس.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "رِباطُ يومٍ في سبيل الله"؛ السبيلُ في الأصل: الطريق، وتؤنث وتذكر، والتأنيث فيها أغلب، وسبيل الله يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقريب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق، فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه. والله أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "خيرٌ من الدنيا وما فيها"؛ هذا تنزيل للمغيَّب منزلةَ المحسوس المحقَّق، تحقيقًا وتثبيتًا في النفوس؛ فإن نعم الدنيا وملكها ولذاتها محسوسة مستعظمة في طباع النفوس، محقق عندها: أن ثواب اليوم الواحد في الرباط -وهو من المغيبات- خير من المحسوسات التي عهدتموها من لذات الدنيا.
وقد استبعد بعضهم أن يوازى شيء من نعيم الآخرة بالدنيا كلها، فحمل الحديث على الثواب المرتب على اليوم في الرباط في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها موازنة بين ثوابين أخرويين؛ لاستحقاره الدنيا في مقابلة شيء من الأخرى، ولو على سبيل التفضيل.
= (1881)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، وهذا لفظ البخاري.
قال شيخنا الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد رحمه الله: والأول عندي أوجبُ وأظهر، والله أعلم (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وموضعُ سوطِ أحدِكم في الجنة، خيرٌ من الدنيا وما عليها"؛ لما كان جزاء أعمال الناس الصالحة في الدنيا الجنةَ ونعيمها، نبه صلى الله عليه وسلم أن موضع السوط وقلةَ مساحته مما عقلتموه في الدنيا، أنه قليل جدًّا، ومع هذا؛ فهو من الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ تنبيهًا على عظم الجنة التي هي ثواب الله تعالى، وحقارةِ الدنيا وخساستها واجتناب حظوظها ولذاتها، وعدم الاغترار بها؛ فإن كل عاقل يقدم الباقي الآجل على الفاني العاجل، والله أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "والروحةُ يروحُها العبدُ في سبيلِ الله، أو الغدوةُ، خيرٌ من الدنيا وما عليها":
الرَّوحة بفتح الراء: المرة من الرواح؛ أيَّ وقت كان. والمراد به هاهنا: مرة في وقت الزوال إلى غروب الشمس.
والغَدوة بفتح الغين: المرة من الغدو، وهو: من أول النهار إلى الزوال.
و"أو" للتقسيم لا للشك.
ويقع الفعل من الغدو والرواح على اليسير والكثير من الفعل الواقع في الوقتين من أول النهار إلى الزوال، ومنه إلى غروب الشمس. وفي ذلك زيادة ترغيب وفضل وتعظيم، والله أعلم.
ولا تختص الغدوة والروحة بالذهاب من بلدته، بل يحصل الثواب المذكور بكل واحدة منهما في طريقه إلى الغزو، وفي موضع القتال؛ لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله.
وفي هذا الحديث: حث على الرباط في سبيل الله، وتنبيه على فضله.
وفيه: تنبيه على فضل الله تعالى، وما أعده للطائعين في الجهاد وغيره في الجنة وإن قل.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 225).