الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه: تفخيم حرمة المسلم؛ فإن أعراضه إذا كانت بهذه المثابة، فما ظنك بحرمة بدنه ودينه وغير ذلك؟!
وفيه: تعظيم للقسم باللهِ مطلقًا، والله أعلم.
* * *
الحديث السادس
عَنِ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبينَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ في بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ"، قُلْتُ: إذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ لِيَقْتَطعَ بِهَا مَالَ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"(1).
[أما] الأشعثُ بن قيس؛ فكنيته أبو مُحَمَّد بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مربع بن معاوية بن ثور بن غفير بن عدي بن مرة بن أدد بن زيد الكندي. وكندة هم ولد ثور بن غفير.
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في وفد كندة في ستين راكبًا من كندة، وكان رئيسهم، فأسلم وأسلموا، وكان في الجاهلية رئيسًا مطاعًا في كندة، وكان في الإِسلام وجيهًا في قومه.
وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: شهدت جنازة فيها جرير والأشعث، فقدَّم الأشعثُ جريرًا، وقال: إنِّي ارتددت ولم يرتدَّ، وتزوج أم فروة بنةَ أبي قُحافة أختَ أبي بكر الصديق، وهي أم محمَّد بنِ الأشعث الذي كني به، وكان سبب تزوجه بها، أنَّه لما مات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ارتد عن الإِسلام، ثم راجعه
(1) رواه البُخَارِيّ (2379)، كتاب: الرهن، باب: إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه، فالبينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، ومسلم (138)، كتاب: الإيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار.
في خلافة أبي بكر الصديق، وأتى به أبو بكر أسيرًا في الحديد، وهو يكلمه، وهو يقول له: فعلت وفعلت، وآخر ما قال الأشعث لأبي بكر: استبقني لحربك، وزوجني أختك، ففعل أبو بكر، وكان من خبره لما قدم هو وقومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم قالوا: يَا رسول الله! نحن بنو آكل المراد، وأنت ابنُ آكل المراد، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"نحن بنو النَّضْرِ بنِ كِنانةَ لا نقفو أمَّنا، ولا ننتفي من أَبينا"(1).
وخرج إلى العراق في خلافة عمر مع سعد، وشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، واختط بالكوفة دارًا في كندة، ونزلها، وشهد تحكيم الحكمين، وكان آخر شهود الكتاب.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعةُ أحاديث، اتفق البُخَارِيّ ومسلم على هذا الحديث.
وروى عنه: أبو وائل شقيقُ بن سلمة، وقيس بن أبي حازم، والشعبي، وجمع من التابعين.
وروى له: أصحاب السنن والمساند.
ومات بالكوفة بعد مقتل علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- بأربعين ليلة سنة أربعين، وقيل: مات قبل قتل علي بيسير، وقيل: مات سنة اثنتين وأربعين، ودفن بداره بالكوفة.
قال الهيثم بن عدي: صلى عليه الحسن بن عليّ رضي الله عنه (2).
(1) رواه ابن ماجه (2612)، كتاب: الحدود، باب: من نفى رجلًا من قبيلة، والإمام أَحْمد في "المسند"(5/ 211)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 23)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(897)، والطبراني في "المعجم الكبير"(645).
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 22)، و"الثِّقات" لابن حبان (3/ 13)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 133)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (9/ 116)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (1/ 249)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 133)، و"تهذيب الكمال" للمزي (3/ 286)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 37)، و"الإصابة في تمييز =
وأما الرَّجل الذي بينه وبينه خصومة؛ فاسمه: الجفشيش، بالجيم، وقيل: بالحاء المهملة، وقيل: بالخاء المعجمة، ثم بالفاء ثم بالشينين المعجمتين بينهما ياء مثناة تحت، وبفتح أوله على الأوجه كلها.
وهو صحابي فيما ذكره الطَّبرَانِيّ (1)، وكنيته أبو الخير، فيما ذكره أبو حاتم الرَّازيّ (2).
وتقدم الكلام في الحديث قبله على ما يتعلق به.
وفي الحديث هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شاهداكَ أو يمينُه"، ولا شك أنَّه يقتضي حصرًا أنَّه ليس للمدعي على المدعى عليه من الإنكار إلَّا اليمين، ولا يستحق عليه بعدها شيئًا إلَّا ببينة يقيمها المدعي، فكأنه صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون لإثبات الحق طريق غير البينة أو اليمين، فاقتضى حصر الحجة فيهما، إلَّا أن قوله:"شاهداكَ أو يمينُه" يقتضي ذكرهما بأو أن أحد السببين هو المثبت على الانفراد، لا على الاجتماع بالنسبة إلى كل واحد من الخصمين.
وهذا الكلام قليل النفع بالنسبة إلى المناظرة، وفهم مقاصد الكلام قاعدة صحيحة نافعة للناظر في نفسه، غير أن المناظر جدلًا قد ينازع في المفهوم، ويعسر تقريره عليه.
وقد تعلق بهذا الكلام مسألتان:
إحداهما: ترك العمل بالشاهد واليمين، وهو مذهب أبي حنيفة ومن وافقه.
وخالفهم الشَّافعيّ ومن قال بقوله.
الثَّانية: إذا ادعى على غريمه شيئًا، فأنكره، وأحلفه، ثم أراد إقامة البينة بعد الإحلاف، فله ذلك عند الشافعية، وعند المالكية؛ ليس له ذلك إلَّا أن يأتي بعذر في ترك إقامة البينة يتوجه له، متمسكين بقوله صلى الله عليه وسلم:"شاهداكَ أو يمينُه"، وفي
= الصَّحَابَة" لابن حجر (1/ 87)، و"تهذيب التهذيب" له أَيضًا (1/ 313).
(1)
انظر: "المعجم الكبير" للطبراني (2/ 285).
(2)
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/ 550).