الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"أحق الشروط" يقتضي أن تكون بعض الشروط تقتضي الوفاء، وبعضها أشد اقتضاء له. والشروط التي تقتضيها العقود مستوية في وجوب الوفاء، وتترجح عليها الشروط المتعلقة بالنكاح، من جهة حرمة الأبضاع، وتأكيد استحلالها. هذا آخر كلامه (1).
فحينئذ، كأنه - رحمه الله تعالى - يجعل الشروط، نفس استحلال الفروج بالعقد عليها، بعد أن كانت محرمة لا غير، والله أعلم.
* * *
الحديث السابع
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَار.
والشِّغَارُ؛ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُل ابنتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابنتَهُ، ولَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاق (2).
هذا التفسير للشغار مُدْرَج في الحديث، وليس هو مذكورًا في بعض الروايات، وقد بين في بعضها: أنه من كلام نافع.
وأَمَّا الشِّغَار؛ فهو -بكسر الشين، وبالغين المعجمتين-، واختلف أهل اللغة في أصله، فقال ثعلب: هو مأخوذ من شَغَر الكلبُ برجلِه: إذا رَفَعها فَبَال. كأن العاقد يقول: لا ترفع رجلَ ابنتي حتى أرفعَ رجلَ ابنتك، وقيل: هو مأخوذ من شَغَر البلدُ: إذا خَلَا؛ كأنه سمي بذلك للشغور من الصداق، وقيل: الشغار: البُعْد، وكأنه بعد عن طريق الحقِّ، ويقال: شَغَرت المرأة: رفعتْ رجلها عند الجماع. قال ابن قتيبة: كل واحد منهما يشغر عند الجماع (3).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" له (4/ 33).
(2)
رواه البخاري (4822)، كتاب: النكاح، باب: الشغار، ومسلم (1415)، كتاب: النكاح، باب: تحريم نكاح الشغار وبطلانه.
(3)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/ 128)، و"غريب الحديث" لابن قتيبة (1/ 206 - 207)، و "الزاهر" للأزهري (ص: 314)، و "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 256)، و "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 482)، و "شرح مسلم" للنووي (9/ 200)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" له أيضًا (ص: 253).
وكان الشغار من نكاح الجاهلية، ولا شك أن الحديث صريح في النهي عنه.
وأجمع العلماء على أن غير البنات من الأخوات، وبنات الأخ، والعمات، وبنات الأعمام، والإماء، كالبنات في هذا.
وصورة العقد عليه الواضحة: زوجتُكَ ابنتي على أن تزوجني ابنتك، وبُضع كل واحدة صداق الأخرى، فيقول: قبلت.
وتفسير الشغار من الراوي، يشعر بأن جهة الفساد فيه [من] وجوه:
أحدها: تعليق العقد.
الثاني: التشريك في البضع.
الثالث: اشتراط العرو عن الصداق، وهو مفسد عند مالك، وتفسير نافع يشعر به، لكنه لملازمته لجهة الفساد، لا أن عدم ذكر الصداق يقتضي بمجرده فسادَ العقد، فلا يكون له حينئذ مدخل في النهي.
وأجمع العلماء على النهي عن نكاح الشغار، فلو عقد، فهل يكون باطلًا أم صحيحًا، ويجب به مهر المثل؟
فذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد: إلى أن النهي يقتضي إبطاله، وقال مالك: يفسخ قبل الدخول، وبعده، والفسخ يقتضي صحته، وفي رواية عنه: يفسخ قبله، لا بعده.
وقال شيخنا أبو الفتح الإمام رحمه الله: وعند مالك فيه تقسيم؛ ففي بعض صور: العقد باطل عنده، وفي بعض صور: العقد يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده؛ وهو: ما إذا سمى الصداق في العقد؛ بأن يقول: زوجتك ابنتي بكذا، على أن تزوجني ابنتك بكذا، فاستحق ملك هذا؛ لذكر الصداق. والله أعلم (1).
وقال أبو حنيفة: يصح بمهر المثل، وهو محكي عن عطاء، والزهري،
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 34 - 35).