الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ اللُّقَطَة
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الوَرِقِ؟ فَقَالَ: "اِعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإنْ لَمْ تَعْرِفْ، فَاسْتنفِقْهَا، وَلْتكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِذا جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَأَدِّهَا إلَيْهِ"، وَسَأَلهُ عَنْ ضَالَّةِ الإبِلِ، فَقَالَ:"مَا لَكَ وَلَهَا؟! دَعْهَا؛ فَإنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَها، تَرِدُ المَاءَ، وَتَأكُلُ الشَّجَرَ، حتَّى يَجِدَهَا رَبُّها"، وَسَأَلَهُ عَنِ ضالَّةِ الشَّاةِ، فَقَالَ:"خُذْهَا؛ فَإنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"(1).
أَمَّا زيدُ بنُ خالدٍ الجهني: فهو من جُهينة، ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة، يكنى: أبا عبد الرحمن، ويقال: أبو طلحة.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون حديثًا، اتفقا على خمسة أحاديث، وانفرد مسلم بثلاثة أحاديث، روى عنه جماعة من التابعين، مات بالمدينة، وقيل: بالكوفة سنة ثمان وستين، وقيل: سنة ثمان وسبعين، وهو ابن خمس وثمانين سنة، ورى له أصحابُ السُّنَنِ والمساند (2).
(1) رواه البُخاريّ (91)، كتاب: العلم، باب: الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، ومسلم (1722)، في أول كتاب: اللقطة، وهذا لفظ مسلم.
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 344)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 562)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 139)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 549)، و "أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 355)، و "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 199)، و"تهذيب الكمال" للمزي (10/ 63)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 603)، =
وأمَّا اللقطة: فتقدمت لغاتها في كتاب الحج.
وأَمَّا الأَمرُ بمعرفةِ وِكائِهَا وعِفاصِها: لِيُعلم صدقُ واصِفِها من كذبه؛ لتكون معرفته وسيلة إلى ذلك بذكر المالك لما عرفه الملتقطُ، وسُمِّي الملتقَط لقطةً -بفتح القاف-، وقياسه أن يكون لمن يكثر منه الالتقاطُ؛ كالهزأة والضُّحَكة وأمثاله.
والوِكَاءُ: بالمدِّ وكسر الواو، وهو ما يُربط به الشيء، من صرة وغيرها، بخيط ونحوه.
والعِفَاصُ: أصلُه: الجلدُ الذي يلبس رأس القارورة، ثم استعمل في الوعاء، فغلب فيه.
وقوله: "فَإِن لَم تَعرِفْ، فاسْتنَفِقها"، الأمر باستنفاقها أمر إباحة لا وجوب، بلا خلاف.
وقولُه: "ولْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ"، لفظ الوديعة مع الاستنفاق مجاز؛ فإن الوديعة تدل على الأعيان، وإذا استنفقت اللقطة، خرجت عن كونها عينًا، ويجوز ذكرها مع الاستنفاق بلفظ الوديعة؛ من حيث إنه إذا جاء ربها وطلبها، وجب ردُّها إليه كما يجب ردُّ سائر الأمانات.
ويحتمل أن تكون الواو في قوله: "وَلتكُنْ وَدِيعَةً"؛ بمعنى "أو" فيكون حكمها حكم الودائع والأمانات إذا لم يتملكها؛ فإنَّها تكون أمانة عنده كالوديعة.
وقولُه: "فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَأَدِّهَا إلَيْهِ"؛ يعني: إذا تحقَّق صدقُ صاحبها أنها له، إما بوصفه لها، أو بأمارة، وإما ببينة -على اختلاف بين الفقهاء في ذلك-، فإنّه يجب ردُّها إليه بعد تعريف الملتقط إياها.
وقولُه: "وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا! دَعْهَا؛ فَإنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّها"؛ لا تقع الضَالَّة إلَّا على
= و "تهذيب التهذيب" له أيضًا (3/ 354).
الحيوان، يقال: ضَلَّ البعير، والإنسان، وغيرهما من الحيوان، وهي الضوال، وأمَّا الأمتعة، فتسمى لقطة، ولا تسمى ضَالَّة، قاله الأزهري (1).
ولما كانت الإبل مستغنية عن الحافظ والمتعهد والنفقة عليها؛ بما رُكَّب في طبعها من الجلادة على العطش والحفاء، عبر عنهما بالحذاء والسقاء مجازان؛ كأنها استغنت بقوتها عن الماء والحذاء، فلا حاجة إلى التقاطها؛ لعدم الجور عليها.
وقوله: "وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ، فَقَالَ: خُذهَا؛ فَإنَّما هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"؛ يريد: الشَّاةِ الضَّالة، ولمَّا كانت الشَّاةِ عاجزة عن القيام بنفسها بغير حافظ ومتعهد، وخيف عليها الضياع إن لم يلتقطها أحد، وفي ذلك إتلاف لماليتها على مالكها، أو التساوي بين السائل عنها، وبين غيره من النَّاس إذا وجدها، اقتضى الإذن في التقاطها بأخذها؛ لأنَّه لا بد منه، إما لهذا الوجه، أو لغيره ممَّا ذكر، والله أعلم.
وفي الحديث أحكام:
منها: جوازُ أخذِ اللقطة، وهل هو مستحبٌّ أو واجب؟ فيه خلاف وتفصيل.
ومنها: وجوب التعريف سنة، وظاهر الحديث: أنه لا فرق بين القليل والكثير في وجوب التعريف وفي مدته، وقد اختلف أصحاب الشَّافعي فيه، والمختار عند الأكثرين منهم: أنه يكفي تعريف القليل زمنًا يُظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا، وأن هذا حد القليل.
ومنها: إباحة استنفاقها بعد تملُّكها.
ومنها: أن الملتقط أولى بذلك من غيره.
ومنها: وجوب ردِّها إلى صاحبها بعينها، أو بما يقوم مقامه بعد تعريفها، وبعد استنفاقها أو تملُّكها إذا تحقق صدقه بطريقه، وقال الكرابيسي من الشَّافعية:
(1) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 265)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 236).
لا يلزمه ردُّها ولا ردٌّ بدلها، وهذا منابذ للحديث، ليس بمذهب.
ومنها: امتناع التقاط ضالَّة الإِبل، إذا امتنعت بقوتها عن حفظها، وقال أبو حنيفة: يجوز التقاطُها بكلِّ حال.
ومنها: التقاطُ ضالَّة الشَّاةِ، إذا خِيف إتلاف ماليتها على مالكها.
ومنها: أن الضالَّة لا يزولُ اسمُ ملكِ صاحبِها عنها بضلالها، وأَنَّهُ متى وجدها أخذها.
* * *