الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى يبلغ، فينتسب إلى من تميل إليه نفسه منهما، وإن ألحقه بهما، فمذهب عمر بن الخطاب، ومالك، والشافعي: أنه يترك حتى يبلغ، فينتسب إلى من يميل إليه منهما، وقال أبو ثور، وسحنون: يكون ابنًا لهما. وقال الماجشون ومحمد بن مسلمة المالكيان: يلحق بأكثرهما له شبهًا. قال ابن مسلمة: إلا أن يُعلم الأول، فيلحق به.
واختلف النافون للقائف في الولد المتنازَع فيه، فقال أبو حنيفة: يلحق بالرجلين المتنازِعين فيه، ولو تنازع فيه امرأتان، لحق بهما، وقال أبو يوسف، ومحمد: يلحق بالرجلين، ولا يلحق إلا بامرأة واحدة، وقال إسحاق: يقرع بينهم، والله أعلم.
* * *
الحديث السادس
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ العَزْلُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"وَلِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ؟ "، ولم يَقُلْ: فَلا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ؛ "فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلَّا اللهُ خَالِقُهَا"(1).
اعلم أن العزلُ أن يُجامِعَ، فَإِذَا قَارَبَ الإِنْزَالَ، نَزَعَ، وأَنْزَلَ خَارِجَ الفَرْجِ، وتَتَأَذَّى المَرْأَةَ بِهِ.
والحكمة في إنكار فعله؛ كونه قطع للنسل، ويلزم من فعله الأذى المتعدي إلى مَنْ أُمرنا بعشرته بالمعروف، وفعلُ الأذى ليس بمعروف.
وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوَأْدَ الخَفِيَّ؛ حيث إنه قطع طريق الولادة، كما يقتل المولود بالوأد.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فَإنهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خالِقُها"؛ معناه: أن ترك العزل
(1) رواه البخاري (6974)، كتاب: التوحيد، باب:{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، ومسلم (1438)، كتاب: النكاح، باب: حكم العزل، وهذا لفظ مسلم.
ليس فيه ضرر كما يتوهمون من عدم إرادة الولد؛ فإن الله تعالى قدر خلقه، سواء عزلتم أم لا، وما لم يقدر الله خلقه، لم يقع، سواء عزلتم أم لا، فلا فائدة في عزلكم، سواء قطع النسل، أو إيصال الأذى إلى غير محله؛ فإن الله تعالى إذا قدر شيئًا، هيأ أسبابه، فإذا قدر خلق نفس، سبقكم الماء إلى محله، فلم ينفع حرصكم في منع الخلق اللازم عنه قصد الإيذاء، والله أعلم.
وفي هذا الحديث: دليل على منع العزل مطلقًا، أما التحريم، فلم يقل به أحد، إلا في صورة على وجه لبعض أصحاب الشافعي، وهو العزل عن الحرة بغير إذنها؛ فإن فيه وجهين: الأصح: عدم التحريم، وللسلف خلاف؛ كنحو ذلك، وإن أذنت، لم يحرم؛ لأنه إذا جاز ترك أصل وطئها بغير رضاها، فلأن يجوز العزلُ برضاها أولى. ولو كانت أمة، لم يحرم، بلا خلاف.
أما في المملوكة: فلما عليه من الضرر [في التعريض](1) من إتلاف ماليتها بالإنزال في صيرورتها أم ولد، وامتناع بيعها عليه.
وأما في الزوجة الرقيقة، فيضمن ولده رقيقًا تبعًا لأمه.
لكن اختلف العلماء في الأحاديث الواردة في النهي عنه، هل هي محمولة على كراهة التنزيه، دون الحمل على أصل النهي، مع الإباحة جمعًا؛ بين أحاديث النهي والإذن؟
ولا شك أن ذلك يرجع إلى أصل، وهو أن الحق في وجود الولد هل يرجع إلى الواطئ والموطوءة مع عدم معارض له شرعي؛ أو يرجع إلى الله تعالى؟
فإن عللنا بأنه حق لهما، فإذا لم تأذن الحرة، امتنع.
وإن عللناه بأنه حق لله تعالى، فينبغي أن يمتنع أيضًا.
لكن حق الله تعالى في ذلك لا يعرف إلا بطريق الشرع من طلب الولد ومنعه.
وقد وردت أحاديث في الصحيح في طلبه ومنعه، وهي محمولة على طلبه، لحظ ديني أو دنيوي.
(1) ليست في "ح".
فإن الولد الذكر موصوف هو والمال بأنهما زينة الحياة الدنيا، وبأنهما زُين حبُّهما للناس في القرآن العزيز في سياق التنفير منهما لطلب ما هو أولى منهما.
فإن عارض ذلك في طلبهما مقصد صالح، هل يرجح على ذلك؟ فيه نظر، فإن لم يعارضه مقصد صالح، فينبغي المنع من طلبه، والإذن في تعاطي أسبابه، مع اعتقاد نفوذ قضاء الله تعالى وقدره في كل شيء، والله أعلم.
واعلم أن الوطء بطريقه الشرعي مجردًا عن قصد ولد، قد يكون عبادة لقصد غض البصر، وكسر الشهوة لهما. وقد يكون مجرد شهوة، فهو مباح شرعًا، لكنه موصوف بأنه عمل بهيمي، ولهذا قالوا: الأعمال البهيمية ما عُملت بغير نية.
لكن ظاهر السنة يقتضي أن الوطء في الفرج الحلال بمجرده مأجور عليه؛ بسؤال الصحابة رضي الله عنهم؛ حيث قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتُمْ لو وضعَها في حَرامٍ، أكانَ عليهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذا وَضَعَها في الحَلالِ كانَ لَهُ أَجْرٌ"(1).
فرتب صلى الله عليه وسلم الأجرَ والوزرَ على مجرد الوضع، من غير قصدِ شيءٍ آخر، فيكون فعلهُ بمجرده في محله نية، والله أعلم.
وفيه: إشارة إلى إلحاق الولد، وإن وقع العزل، وهو قول أكثر الفقهاء.
وفيه: إشارة إلى أنه لا حكم قبل وجود وقوع الشرع، وهو قول أكثر العلماء.
وفيه: إرشاد إلى الإيمان بالقدر، وسكون النفس إليه، والله أعلم.
* * *
(1) تقدم تخريجه.