الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن الأفضل راجح على الفاضل، فكيف بما دونه؟ لكن السنة بينت الأفضلية.
واستدلَّ الشافعي رحمه الله بهذه الآية على تحريم الاستمناء؛ حيث إنه غير داخل في الاستثناء من المحافظين لفروجهم؛ فإنه تعالى لم يستثن إلا الأزواج والسراري، دون خضخضة بيد وغيرها، والله أعلم.
ومنها: الأمر بالصوم للعاجز عن القيام بمأمورت النكاح.
ومنها: شرعية تعليل الحكم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم علَّل الحكمة في الأمر بالصَّوْم له: فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء"؛ أي: قاطع لمشقة المكابدة لشهوة النكاح.
ومنها: الحثُّ على غضِّ البصر، وقد أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 30 - 31]، وقال صلى الله عليه وسلم:"غضوا أبصارَكُم واحفظُوا فُرُوجَكُم"(1).
ومنها: الحثُّ على تحصينِ الفرج بكل طريق أمر الشرع به.
ومنها: عدم التكليف بغير المستطاع، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزْواجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن عَنْ عَمَلِهِ في السِّرِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتزوَّجُ النِّساءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فبلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ:"مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا: كَذَا؟! لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتزَوَّج النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي"(2).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8018)، وابن حبان في "المجروحين"(2/ 204)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(6/ 21)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(7/ 392)، والسمعاني في "أدب الأملاء والاستملاء" (ص: 39)، عن أبي أمامة رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (4776)، كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، ومسلم (1401)، =
لما تحقق الصحابة رضي الله عنهم أمر الله سبحانه وتعالى لهم بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرًّا وجهرًا، وكانوا قد عملوا أعماله الجهرية مدة صحبته، سألوا أزواجه عن عمله في السرِّ؛ ليقتفوا آثاره السرية كما اقتفوا ما أمكنهم من الجهرية، ثمَّ ظنُّوا أن ترك التزوج، وأكل اللحم، والنوم على الفراش من آثاره صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس [من] غير مواجهة لمن قال ذلك بالإنكار عليه؛ ليحصل الجمع بين مصلحتي بيان أحكام الله تعالى، وإبلاغها من غير تعيين مَنْ خالفها، وقال ما قاله جهلًا؛ ليرجع إلى الحق من غير تأنيب له بالتعيين لحصول المقصود، والله أعلم.
وفي الحديث أحكام:
منها: وجوب تتبع آثاره صلى الله عليه وسلم في الجملة، فما كان منها واجبًا، فعل على الوجوب، وما كان منها مندوبًا، فعل على الندب، وقد يكون واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم، مندوبًا في حقنا، وقد يكون عكسه.
ومنها: التوصل إلى العلم والخير بكل أحد من النساء والعبيد، إذا تعذر أخذه من أصل محله.
ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يذكر ما اعتاده من الأعمال الشاقة التي يظنُّ أنها طاعة؛ ليتبين أمرها، ويرجع عنها إلى السنَّة فيها.
ومنها: البيان بأفعال العلماء وأقوالهم، وأحوالهم.
ومنها: أن ملاذ النفس والبدن، إذا فعلها لامتثال الشرع؛ فيما امتنَّ به وأباحه؛ تصير طاعات مثابًا عليها.
ومنها: تحريم فعل الشيء الجائز أو الامتناع عنه رغبة عن السنة، بل إن فعله بغير مقصود شرعي عنادًا لمقصود الشرع، اقتضى أن يكون كفرًا، وقد تقدم تأويل قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" في الحديث قبله، وإن كان
= كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، وهذا لفظ مسلم.
جماعة من السلف قالوا: يجرى كما ورد من غير تأويل؛ حيث إنه أبلغ في الردع عن مخالفة السنة.
وقد استدلَّ بالحديث من رجَّح النكاحَ على التخلي لنوافل العبادات؛ حيث إن النفر الذين قالوا هذه الأقوال في الحديث من عدم التزوج، وأكل اللحم، والنوم على الفرش، وقصدوها، ورد ذلك عليهم صلى الله عليه وسلم وأكده بأن خلافه رغبة عن السنة، ويحتمل أن يكون من باب كراهة التنطع والغلو في الدين، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد؛ فمن ترك اللحم لمقصود شرعي محمود، متورع عن أكله لشبهةٍ شرعية في عينه أو وصفه في ذلك الوقت؛ لاختلاط الحلال بالحرام، أو مقصود عادي صحيح؛ لخوف ضرر في بدن، أو زيادة مرض، لم يكن ذلك ممنوعًا، ومن تركه للغلو والتنطع والدخول في الرهبانية؛ لكونه من ذوات الأرواح في أصله، وغير ذلك، فهو ممنوع مخالف للشرع.
لكن ظاهر الحديث تقديم النكاح؛ كما يقوله أبو حنيفة ومن وافقه.
ولا شك أن الترجيح يتبع المصالح، ولم يستحضر أعدادها غالبًا، فالأولى اتباع اللفظ الوارد في الشيء.
ومنها: التنبيه على قاعدة عظيمة في باب التوحيد والتنزيه؛ وهي: أن الدوام وعدم الزوال ثابت لله، والتغيير وعدم الديمومة ثابت لما سواه.
فلما كان الأمر كذلك، أجرى سبحانه وتعالى الموجودات كلها على وصفها، وشرع الشرائع على ذلك رحمة بنا؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"لكنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأفْطِرُ، وأَتزوَّجُ النساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَن سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي"؛ تنبيهًا على ما ذكرنا، ولله أعلم.
ومنها: استحباب الخُطَب لأمور المسلمين الحادثة العامة النفع.
ومنها: استحباب الثناء على الله تعالى فيها.
ومنها: عدم تعيين من هو مقصود بالوعظ والتذكير والزجر؛ فإنه ينبغي أن يقول في ذلك: ما بال أقوام قالوا كذا، وفعلوا كذا؟