المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما الأحاديث الواردة في المنع من الثياب الحمر للرجال في - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ٣

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الرَّهْنِ وغيرِه

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثَّاني عشر

- ‌بَابُ اللُّقَطَة

- ‌بَابُ الوَصَايَا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتَابُ النِّكاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌بَابُ الصَّداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العِدَّة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللِّعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب حَدّ الخمر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌كتاب العتق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: وأما الأحاديث الواردة في المنع من الثياب الحمر للرجال في

وأما الأحاديث الواردة في المنع من الثياب الحمر للرجال في "سنن أبي داود" وغيره (1)، ففي أسانيدها مقال، ولو ثبتت، لكانت محمولة على خلاف الأولى، والله أعلم.

وفيه دليل: على اعتناء الصحابة رضي الله عنهم بضبط أحواله صلى الله عليه وسلم وهيئاته، ونقلِها إلى الناس تبركًا وتأسيًا.

وفيه: استحبابُ إرسال شعر الرأس للرجل. وكان لشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم حالان؛ أحدهما: إلى المنكبين إذا طال. والثاني: إلى شحمة أذنيه إذا قصره، والله أعلم.

ويستحب الاقتداء به في هيئاته، وأموره الخلقية، وما كان منها ضروريًّا لم يتعلق به استحباب على وضعه. والله أعلم.

* * *

‌الحديث الرابع

عَنِ البرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أيضًا، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَازةِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإبْرَارِ القَسَمِ أوِ المُقْسِم، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِجَابةِ الدَّاعِي، وَإفْشَاءِ السَّلَامِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ أَوْ تَخَتُّم بالذهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ بِالفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ، وَعنِ القَسِّيِّ، وَلُبْسِ الحَرِيرِ وَالإسْتبرَقِ وَالدِّيبَاجِ (2).

قوله: "وعن المياثر"؛ هي جمع مئثرة بكسر الميم، والمياثر بكسر الثاء

(1) رواه أبو داود (4070)، كتاب: اللباس، باب: في الحمرة، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 463)، عن رافع بن خديج رضي الله عنه. وفي الباب: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

(2)

رواه البخاري (4880)، كتاب: النكاح، باب: حق إجابة الوليمة والدعوة، ومسلم (2066)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وهذا لفظ مسلم.

ص: 1657

المثلثة، قبل الراء، وهي أوطية كانت النساء تضعها لأزواجهن على السُّرج، وكانت من مراكب المعجم، وتتخذ من الحرير ومن الصوف وغيرهما.

وقيل: هي أغشية للسروج تتخذ من الحرير، وقيل: هي سروج من الديباج.

وقيل: هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير يحشى بقطن أو صوف، ويجعلها الراكب تحته فوق الرجل.

والمئثرة، مهموزة، وهي مِفْعلة من الوثارة. ويقال: وثر: بضم الثاء، وثارة بفتح الواو، فهو وثير؛ أي: وطيء لين. وأصلها: مؤثرة، فقلبت الواو ياءً للكسرة قبلها، كما في ميزان وميقات وميعاد؛ من الوزن، والوقت، والوعد، وأصله: مِوْزان، ومِوْقات، ومِوْعاد (1).

فالمئثرة إن كانت من الحرير؛ كما هو الغالب فيما كان من عادتهم، فهي حرام؛ لأنه جلوس على حرير، والجلوس على الحرير حرام على الرجال.

وفي "صحيح البخاري" عن يزيد بن رومان: أن المراد بالمئثرة: جلود السباع (2)، وهو قول باطل مخالف لما أطبق عليه أهل اللغة والحديث وسائر العلماء (3)، والله أعلم.

وأما القَسِّي؛ فهو بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة، قال أبو عبيد: أهل الحديث يكسرون القاف، وأهل مصر يفتحونها. وهذا الذكره قاله هو قول بعض أهل الحديث. والصحيح المشهور فتحها.

(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 279)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 33)، و"لسان العرب" لابن منظور (5/ 278)، (مادة: وثر).

(2)

رواه البخاري في "صحيحه"(5/ 2195) معلقًا بصيغة الجزم.

(3)

وهذا قول النووي رحمه الله في "شرح مسلم"(14/ 33).

قال ابن حجر في "فتح الباري"(10/ 293): قلت: وليس هو بباطل، بل يمكن توجيهه، وهو ما إذا كانت المئثرة وطاء صنعت من جلد ثم حشيت، والنهي حينئذ عنها إما لأنها من زي الكفار، وأما لأنها لا تعمل فيها الذكاة، أو لأنها لا تذكى غالبًا، فيكون فيه حجة لمن منع لبس ذلك ولو دبغ، لكن الجمهور على خلافه، وأن الجلد يطهر بالدباغ. اهـ.

ص: 1658

واختلف في تفسيره:

فقال مسلم بن الحجاج: فأما القسط، فثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام فيها شبه.

وقال البخاري: فيها حرير أمثال الأترج.

وقال أهل اللغة وغريب الحديث: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس، -بفتح القاف- وهي قرية على ساحل البحر قريبة من "تنيس".

وقيل: هي ثياب كتان مخلوط بحرير.

وقيل: هي ثياب من القز، وأصله القزي بالزاي، منسوب إلى القز، وهي رديء الحرير، فأبدل من الزاي سين (1).

وهذا القسي، إن كان حريره أكثر من الكتان، فالنهي عنه للتحريم، وإلا فلكراهة التنزيه.

وأما الإِستبرق؛ فغليظ الديباج. وتقدم ذكر الديباج في الحديث الثاني من هذا الباب.

والإستبرق والديباج حرام؛ لأنهما من الحرير. وذكر الديباج بعد الإستبرق، إما من باب ذكر العام بعد الخاص؛ ليستفاد بذكر الخاص: فائدة التنصيص، ومن ذكر العام: زيادة إثبات الحكم في النوع الآخر، أو يكون ذكر الديباج من باب التعبير بالعام عن الخاص، ويراد به: ما رقَّ من الديباج ليقابل ما غلظ وهو الإستبرق.

وقد قيل: الإِستبرق لغة فارسية، انتقلت إلى لغة العرب، وذلك الانتقال لضرب من التعبير، كما العادة عند التعريب.

(1) انظر: "صحيح البخاري"(5/ 2195)، و "صحيح مسلم"(3/ 1659)، و"غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 226)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 193)، و "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 59).

ص: 1659

وفي هذا الحديث أحكام:

منها: شرعية عيادة المريض، وهي سنة بالإجماع، وسواء فيه من تعرفه ومن لا تعرفه، والقريب والأجنبي.

واختلف العلماء في الأوكد والأفضل منهما.

وقد تجب العيادة؛ حيث يضطر المريض إلى من يتعاهده، وإن لم يُعَدْ، ضاعَ.

وأوجبها الظاهرية من غير هذا القيد؛ لظاهر الأمر.

واختلف الأصوليون في الاعتذار يقول داود الظاهري وأتباعه في الإجماع والخلاف.

والمحققون يقولون: لا يُعتد به؛ لإخلالهم بالقياس، وهو أحد شروط المجتهد الذي يعتد به، والله أعلم.

ومنها: شرعية اتباع الجنائز، وهي سنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما.

ويحتمل أن يراد به: اتباعُها للصلاة عليها، فإن كان ذلك هو المراد، فهو من فروض الكفايات عند الجمهور، ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب؛ لأنه ليس من الغالب أن يصلى على الميت ويدفن في محل موته.

ويحتمل أن يراد به: الرواحُ إلى محل الدفن لمواراته، والمواراة -أيضًا- من فروض الكفايات عند الجمهور لا تسقط إلا بمن تتأدى به.

ومنها: شرعية تشميت العاطس؛ وهو قول سامع العاطس: "يرحمك الله"؛ بشرط حمدِ العاطسِ اللهَ تعالى، وإسماعِه المشمتَ حمدَه، وكونِه مسلمًا.

والتشميتُ بالشين المهملة والمعجمة لغتان.

قال الليث: ومعناه: ذكرُ الله تعالى على كل شيء، ومنه قولك للعاطس: يرحمك الله.

ص: 1660

وقال: ثعلب: يقال: سَمَّتُّ العاطسَ، وشَمَّتُّهُ: إذا دعوت له بالهدى والطريق المستقيم.

قال: والأصل فيه: السين المهملة، فقلبت شينًا معجمة.

وقال صاحب "المحكم": تشميت العاطس معناه: هداك الله إلى السمت، قال: وذلك لما في العطاس من الانزعاج والقلق.

وقال أبو عبيدة وغيره: الشين المعجمة أعلى اللغتين.

وقال ابن الأنباري: يقال: منه شمَّته، وسمَّتُّ عليه: إذا دعوت له بخير، وكل داع بخير فهو مشمِّت، ومسمِّت (1).

قال العلماء من الشافعية وغيرهم: تشميت العاطس سنة على الكفاية، إذا فعله بعضُ الحاضرين، سقط الأمر عن الباقين.

قالوا: ولكن الأفضل أن يشمته كل واحد من الحاضرين؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "كانَ حَقًّا على كُلِّ مسلمٍ سَمِعَهَ أَنْ يقولَ لهُ: يَرْحَمُكَ الله"(2).

وأوجب ذلك على كل من سمعه: ابن مزين من المالكية. وأجازه ابن العربي المالكي، وهو ظاهر الحديث، والله أعلم.

ومنها: شرعية إبرار القسم والمقِسم؛ ومعناه: إبراره بالوفاء بمقتضاه وعدم التحنيث فيه.

فالمُقسِم بضم الميم وكسر السين، فيكون في الكلام حذف مضاف تقديره: وإبرار يمين المقسم، والقَسَم بفتح القاف والسين، فيكون قوله: القسم أو المقسم شكًّا من الراوي، ويحتمل أن يكون المَقْسَم بفتح الميم والسين بمعنى،

(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 499)، و"شرح مسلم" للنووي (18/ 120)، و"القاموس المحيط" للفيروز أبادي (ص: 198)، (مادة: شمت).

(2)

رواه البخاري (5872)، كتاب: الأدب، باب: إذا تثاوب فيضع يده على فيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 1661

القسم، فيكون اللفظان بمعنى كرر لتغاير الألفاظ، فلا تكون "الواو" للشك، وهو سنة مؤكدة، إذا لم يكن على المقسَم عليه ضرر ولا مفسدة في دين ولا دنيا، فإن كان شيء من ذلك، لم يبر قسمه.

كما ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أصبتَ بعضًا وأخطأتَ بعضًا"، فقال: أقسمتُ عليكَ يا رسولَ الله لتخبرني، فقال:"لا تُقْسِمْ" ولم يخبره (1).

ثم القسم يكون تارة على سبيل اليمين؛ كقوله: "والله لتفعلن كذا"، فهو آكد من غيره في إبراره القسم، وتارة يكون على سبيل التحليف؛ كقوله:"بالله افعل كذا"، فهو دون الأول في تأكيد الإبرار للقسم؛ لأن فيه إيجاب الكفارة على المقسم، وهي تغريم المال، وذلك إضرار به، بخلاف الثاني، فإنه عارٍ عن ذلك، والله أعلم.

ومنها: شرعية نصر المظلوم، وهو من الفروض اللازمة لمن علم ظلم المظلوم وقدر على نصره، ولم يخفْ ضررًا؛ لما فيه من فعل المعروف معه، وإزالة المنكر عن ظالمه.

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انصرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، قيل: يا رسول الله! أنصره مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا؛! قال:"تمنعُه من الظلم، فذاك نَصْرُكَ إياه"(2)، وذلك دفع الضرر عن المظلوم في الدنيا، والظالم في الآخرة، والله أعلم.

ومنها: شرعية إجابة الداعي؛ وهي عامة، والاستحباب شامل، ما لم يقم مانع.

(1) رواه البخاري (6639)، كتاب: التعبير، باب: من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، ومسلم (2269)، كتاب: الرؤيا، باب: في تأويل الرؤيا، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

رواه البخاري (6552)، كتاب: الإكراه، باب: يمين الرجل لصاحبه إنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 1662

وقد توسع الفقهاء من الشافعية وغيرهم في الأعذار المرخصة لتركها، وعدم الإجابة، وجعل بعضها مخصصا لهذا العموم في إجابة الداعي.

ولا شك أن منها ما يجب أن يكون عذرًا، ومنها ما لا ينبغي أن يكون عذرًا؛ كقولهم: لا تجب إجابة من لا يليق بالمدعو مجالسته؛ لما فيه من نقص مرتبته وتبذله بإجابته؛ لفضله، وهذا إن نقص فضله وعدم قبوله، فالأمر كما قالوه، وإن نقص مجرد الرتبة عادة، لكنه حصل خير وتواضع ومزيد خير أخروي للداعي من غير نقص أخروي أو ضرر دنيوي للمدعو، فلا شك أن هذا مشروع مسنون مؤكد، ولا يكون ذلك عذرًا في عدم الإجابة، ولا مخصصًا للعموم، والله أعلم.

وتقدم الاختلاف في وجوب وليمة العرس، وعدد الولائم الإسلامية في النكاح.

ومنها: إفشاء السلام، وهو إشاعته وبذله والإعلان به لكل مسلم. وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح:"وتقرأُ السلامَ على مَنْ عرفتَ ومن لم تعرف"(1)، وتعلقت بذلك مصلحة المودة المطلوبة للشرع في إشارته صلى الله عليه وسلم في الصحيح في قوله:"أولًا أَدُلُّكُمْ على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاَببْتُم؟ أَفْشُوا السلامَ بَيْنَكُمْ"(2).

والإفشاء يكون: في الابتداء بالسلام ورده، فالابتداء به سنة بالإجماع، والرد فرض بالإجماع، فإن كان المسلَّم عليه واحدًا، تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة، كان فرضَ كفاية في حقهم، إذا ردَّ أحدُهم، سقط الحرج عن الباقين.

واعلم أنه قد وقع الأمر بهذه الأمور السبعة بصيغة واحدة، وبعضها للإيجاب وبعضها للندب.

(1) رواه البخاري (12)، كتاب: الإيمان، باب: إطعام الطعام من الإسلام، ومسلم (39)، كتاب: الإيمان، باب: بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

(2)

رواه مسلم (54)، كتاب: الإيمان، باب: بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 1663

ولا شك أن أصل الأمر للإيجاب، وهو حقيقة فيه.

فإذا حملنا بعضه على الندب، وبعضه على الإيجاب، كنا قد استعلمنا اللفظة الواحدة في الحقيقة الواحدة والمجاز معًا، وذلك ممنوع على مذهب من يمنع ذلك، لكنه وقع في الكتاب العزيز عطف الواجب على غير الواجب في غير موضع بصيغتين مختلفتين في لفظهما ومعناهما، وهاهنا اتفق لفظ الأمر، واختلف معنى المأمور به، فتكون الصيغة في الأمر موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب من رجحان الفعل، ومطلق الطلب، ولا يكون دالًا على أحد الخاصتين؛ الوجوب والندب، فتكون اللفظة مستعملة في معنى واحد، والله أعلم.

ومنها: تحريم التختُّم بالذهب على الرجال، وهو مجمع عليه، وكذا لو كان بعضه ذهبًا وبعضه فضة، فإنه حرام.

قال أصحاب الشافعي رحمهم الله: ولو كان سن الخاتم ذهبًا، أو كان مموهًا بذهب يسير، فهو حرام؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر في الحرير والذهب:"إِن هَذَينِ حرامٌ على ذُكور أُمَّتي"(1).

وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من

تحلَّى ذهبًا، أو حلَّى ولدَه مثلَ خربصيصة، لم يدخلِ الجنةَ" (2).

والخربصيصة: هي الجنة التي تتراءى في الرمل، لها بصيصٌ كأنها عينُ جرادة. ومنه الحديث:"إن نعمَ الدنيا أقلُّ وأصغرُ عند اللهِ من خربصيصةٍ"(3).

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 182)، والخطابي في "غريب الحديث "(1/ 594)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(69/ 36)، عن أسماء بنت يزيد بن السكن. ولم أجده في "مسند الإمام أحمد"، والله أعلم.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 19).

قلت: ولم أجد الحديث بهذا اللفظ مسندًا في كتب الحديث التي بين يدي، ولعل المؤلف رحمه الله قد أخذه من "النهاية" لابن الأثير، ولنا في الأحاديث التي يذكرها ابن الأثير في =

ص: 1664

ومنها: تحريم الشرب في إناء الفضة، ولا فرق بين الأكل والشرب وسائر الاستعمال في التحريم، ولا فرق بين الرجال والنساء في ذلك. وأجمع المسلمون على ذلك، إلا ما حكاه بعض أصحاب الشافعي العراقيين عند قول قديم للشافعي: أنه يكره ولا يحرم، إلا ما حكي عن داود الظاهري من تحريم الشرب دون غيره، وهما نقلان باطلان؛ لمخالفتهما الأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك جميعه، وللوعيد عليه بالنار كما بيناه، ولمخالفتهما الإجماع.

وداود الظاهري لا تعد مخالفته خارقة للإجماع عند المحققين من الأصوليين كما قدمنا ذكره.

والقول القديم للشافعي مرجوع عنه، إذا خالفه قوله الجديد، فلا يكون قولًا له، ولا تحل نسبته إليه إلا للبيان. كيف ولم يثبت عنه هذا قولًا قديمًا؟

قال صاحب "التقريب"-وهو من متقدمي الشافعية، وهو أتقنهم لنقل نصوصهم-: سياق كلام الشافعي في القديم يدلُّ على أنه أراد نفس الذهب والفضة الذي اتخذ منه الإناء، وأنه ليس حرامًا، ولهذا لم يحرم الحلي على المرأة. هذا آخر كلامه (1).

والمجتهد لو قال قولًا صريحًا، ثم رجع عنه، لم تحلَّ نسبته إليه، ولا يبقى قولًا له، وإنما يُذكر ويُنسب إليه مجازًا باسم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن، فثبت انعقاد الإجماع على تحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات، حتى يحرمُ الأكلُ بملعقة من أحدهما، والتجمُّر بِمْجمرة

= "نهايته" كلام عزيز الوجود، لعلنا أن نبسطه في موضع آخر، والله أعلم بالصواب.

(1)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (14/ 29). و"صاحب التقريب" هو الإمام أبو الحسن القاسم ابن الإمام أبي بكر محمد بن علي القفال الشاشي، وهو القفال الكبير، وكتابه عزيز عظيم الفوائد، من شروح مختصر المزني، وقد يتوهم من لا اطلاع له على أن المراد بالتقريب تقريب الإمام أبي الفتح سليم بن أيوب الرازي صاحب الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وذلك غلط، بل الصواب ما ذكرنا أنه تصنيف أبي الحسن بن القفال. وانظر:"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 553).

ص: 1665

منهما، والبولُ في إناء منهما، والمكحلة، والميل، وظرف الغالية، وغير ذلك، وسواء فيه الإناء الكبير والصغير.

ويستوي في التحريم الرجلُ والمرأة بلا خلاف، وإنما يفترقان في التحلي للمرأة؛ لما يقصد منها؛ مثل التزين للزوج والسيد؛ حيث إن الزينة لها أدعى إلى النكاح المطلوب للشرع.

ويحرم استعمال ماء الورد والادهان من قارورة الذهب والفضة.

فلو ابتلي بطعام في إناء منهما، أو من أحدهما، فليخرجِ الطعامَ إلى شيء آخر، ويأكل منه، ولو ابتلي بدهن في قارورة من فضة، فليصبَّه يزيده اليسرى، ثم يصبه من اليسرى في اليمنى ويستعمله.

ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس والقبور والمدارس بأواني الذهب والفضة، وقناديلهما، ويحرم الاغتسال والوضوء منهما، ولو فعلهما، عصى، وصح وضوءه واغتساله عند مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والعلماء كافة، إلا رواية عن أحمد، وقال بها داود: لا يصح وضوءه واغتساله.

والصواب: صحتهما، وكذلك: لو أكل أو شرب منهما، عصى بالفعل، ولا يكون المأكول والمشروب حرامًا، وهذا كله في حال الاختيار.

أما إذا اضطر إلى استعمال إناء منهما، ولم يجد غيره، فله استعماله للضرورة؛ بلا خلاف؛ كما يباح أكل الميتة للضرورة.

ويصح بيع إناء الذهب والفضة؛ لأنه عين طاهرة يمكن الانتفاع به بالسبك، ويحرم اتخاذ أواني الذهب والفضة على الأصح من مذهب الشافعي.

ومنهم من قال: يكره، فيستحق صانعه الأجرة، ويجب على كاسره أَرْشُ النقص.

ولا يحرم الإناء من الزجاج النفيس بالإجماع.

وفي الياقوت، والزمرد، والفيروزج وغيرها وجهان:

ص: 1666