الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى الأكل على القيام بمصالح الأوقاف بالمعروف، وهو غير منضبط من جهة الشرع على التقدير، فيقدره الحاكم بطريقة؛ بعلمه أو ببينة.
ومنها: جواز أكل الضيفان منها بالمعروف؛ بحيث لا يعكر أكلهم على تعطيل مقصود الشرع، وشرط الواقف.
ومنها: كراهة التكثر و [التأثُّل] من مال الأوقاف، بل يأكل ما يعتاد شرعًا، ولا يتجاوزه.
ومنها: فضيلة صلة الأرحام، وغيرهم من المحتاجين، والوقف عليهم.
ومنها: منقبة وفضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه.
ومنها: قبول شور المشاور، والمبادرة إلى ما أشار به.
ومنها: أن خيبر فتحت عنوة.
ومنها: أن الغانمين ملكوها واقتسموها، واستقرت أملاكهم على حصصهم، ونفذت تصرفاتهم فيها.
ومنها: استحباب المبادرة إلى فعل الخيرات المتعدية، والله أعلم.
* * *
الحديث السادس
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسِ في سَبيلِ اللهِ، فَأضَاعَهُ الَّذِي كانَ عنْدَهُ، فَأرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَألتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لَا تَشْتره، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإنْ أَعْطَاكهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإن العَائِدَ فِي هِبَتِهِ كالعَائدِ فِي قَيئهِ"(1). وفي لفظ: "فَإنَّ الذِي يَعُودُ في صَدَقتهِ كالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيئهِ"(2). وعن ابنِ عبَّاسِ رضي الله عنهما: أَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "العَائِدُ في هِبَتِهِ كالعَائدِ في قَيْئهِ"(3).
(1) رواه البخاري (2841)، كتاب: الجهاد والسير، باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع.
(2)
رواه البخاري (1419)، كتاب: الزكاة، باب: هل يشتري صدقته؟ ومسلم (1620)، كتاب: الهبات، باب: كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه.
(3)
رواه البخاري (2478)، كتاب: الهبة وفضلها، باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته =
قولُه: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ في سَبِيلِ اللهِ"؛ هذا الحمل: حملُ تمليك لمن أُعطي الفرس، ويكون معنى كونه في سبيل الله، كونَ الرجل الذي أعطاه عمر رضي الله عنه كان غازيًا، فآل الأمر بتمليكه إياه إلى أنه في سبيل الله، أو نعته بذلك باعتبار المقصود؛ حيث إن المقصود من تمليك الفرس استعماله فيما العادة أن يستعمله فيه.
وإنما قلنا ذلك؛ لأن الذي كان عنده، أضاعه ببيعه، ولم ينكر عليه ذلك، فإنه لو كان حمل تحبيس، لامتنع بيعه، إلا أن ينتهي إلى حالة لا ينتفع به فيما حبس عليه، وليس في اللفظ ما يشعر بذلك، ولو ثبت أنه حمل تحبيس، لكان متعلقًا بمسألة وقف الحيوان، ويدل على أنه حمل تمليك قولُه صلى الله عليه وسلم:"وَلَا تَعُدْ فِي صدَقَتِكَ"، وسمي شراؤه برخص عودًا في الصدقة؛ حيث إن العوض فيها ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص، فكأنه اختار عوض الدنيا على الآخرة، مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق، فكيف بالمتصدق أو المملك، بسبب تقدم إحسانه بذلك، فيصير راجعًا في ذلك المقدار الذي سومح به.
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "لَا تَشتَره وَلَا تَعُدْ فِي صدَقَتِكَ"؛ حَمل أكثرُ العلماء هذا النهي على كراهة التنزيه، وحمله بعضهم على كراهة التحريم، وسيأتي إيضاحه في أحكام الحديث.
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "وإنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَم"؛ هو مبالغة في رخصه الحامل على شرائه؛ حيث إن ثواب الله تعالى عظيم، فلا يضيع بشيء من الدنيا، قل أو كَثُر.
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "فَإن العَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالعَائدِ فِي قَيْئه"، "فَإن الذِي يَعُودُ فِي صدَقَتهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيئه"، ذكر الكلب وعوده في القيء؛ ليكون ذلك مبالغة في التنفير عن العود في الهبة والصدقة، ولا شك في شدة كراهة ذلك، وهي من وجهين:
= وصدقته، ومسلم (1622)، كتاب: الهبات، باب: تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض.
أحدهما: وقوع التشبيه في الراجع في الهبة بالكلب.
والثاني: تشبيه المرجوع فيه بالقيء، وكل منهما قذر نجس محرم، ثم وقوع التشبيه بالكلب -وهو غير مكلف- يقتضي عدم تشبيه العود بالهبة بالحرمة، فيكون التشبيه وقع بأمر مكروه في الطبيعة؛ لتثبت به الكراهة في الشريعة، وبذلك تمسَّك أبو حنيفة في جواز رجوع الأجنبي في الهبة.
وفي الحديث أحكام:
منها: الإعانة على الغزو بكل شيء، حتى بتملك فرس.
ومنها: أنه يملكه من أعطيه.
ومنها: جواز بيع الفرس ممن أعطيه، والانتفاع بثمنه.
ومنها: منع من تصدق بشيء، أو أخرجه في زكاةٍ أو كفارةٍ أو نذرٍ، ونحو ذلك من القربات، أن يشتريه ممن تصدق به عليه، أو يَتَّهبه، أو يتملكه باختياره منه، فلو ورثه منه، فلا منع منه، ولا كراهة فيه، وكذا التمليك لو انتقل إلى ثالث، ثم اشتراه منه المتصدق، فلا كراهة، وهذا مذهب الشافعي وجمهور العلماء؛ أن المنع للتنزيه، وقال جماعة من العلماء: النهي عن ذلك للتحريم.
ومنها: تحريم الرجوع في الهبة، وفي معناه الرجوع في الصدقَة، وإنما يحرُم الرجوع فيهما بعد [إقباضهما]، والحديث عامٌّ في كل هبة، لكنه مخصوص بجواز رجوع هبة الوالد لولده، وأن ينتقل؛ لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما الآتي، ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام، وكل هذا مذهب الشافعي، ومالك، والأوزاعي، وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب في هبة الأجنبي، إلا الوالد، وكل ذي رحم محرم، والله أعلم، واتفقوا على كراهية الرجوع مطلقًا، تنزيهًا، لا تحريمًا.
* * *