الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيرهم: ربيعة، والأوزاعي، والمغيرة بن عبد الرحمن، وإسحاق، وأبو ثور، وقال أبو حنيفة والثوري: تثبت بالجوار؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى سقوطها، ورتبه على أمرين: وقوع الحدود، وتصريف الطرق، وكل منهما يلزمه الجوار، وإن قسم.
ومنها: ثبوت الشفعة بشرطها لكل أحد؛ من مسلم، وذمي، ومقيم حضري، وغائب بدوي؛ حيث أنه صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الشُّفعة في كُلِّ مَا لم يقسم" من غير بيان من تثبُت له، فدل على ثبوتها لمن ذكر، وثبوتها للذمي على المسلم كعكسه.
قاله الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، والجمهور.
وقال الشعبي، والحسن، وأحمد: لا شفعة للذمي على المسلم، وثبوتها للأعرابي على المقيم في البلد.
قال الشافعي، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، والجمهور.
وقال الشافعي: لا شفعة لمن لا يسكن المصر، والله أعلم.
* * *
الحديث الخامس
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَصابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبرَ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يَسْتأمِرُهُ فِيها، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إني أَصبْتُ مَالًا بِخَيبَرَ، لَمْ أصبْ مَالًا هُوَ أَنْفَسُ عِندِي مِنهُ؛ فَمَا تَأمُرُني به؟ قَالَ:"إنْ شِئْتَ حَبَستَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، قَالَ: فَتَصَدق بِهَا، غَيًر أنهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُها، وَلَا يُورثُ، وَلَا يُوهَبُ، قَالَ: فَتَصَدقَ به عُمَرُ فِي الفُقَرَاء، وَفي القُرْبَى، وَفِي الرِّقَاب، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَابنِ السبِيلِ، والضَّيفِ، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَها أَنْ يَأكلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أَوْ يُطعِمَ صَديقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فيهِ، وفي لفظ: غيْرَ مُتأثلٍ (1).
(1) رواه البخاري (2586)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الوقف، ومسلم (1632)، كتاب: الوصية، باب: الوقف.
أمَّا قولُ عُمَرَ رضي الله عنه: "هُوَ أَنفَسُ"؛ فمعناه: أجود، والنَّفِيس: الجيد، وقد نَفُسَ -بفتح النون وضم الفاء- نفاسة.
واسم المال المذكور الذي وقفه عمر رضي الله عنه: (ثمغ) -بثاء مثلثة مفتوحة، ثم ميم ساكنة، ثم غين معجمة-.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "إن شِئتَ حَبَستَ أَصلَهَا وَتَصَدَّقتَ بِهَا"، قال الأزهري: يقال: حبست الأرض، ووقفتُها، وحبستُ أكثرُ استعمالًا (1)، وقال الشافعي رحمه الله: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارًا ولا أرضا تَبَرُّرًا، قال: وإنما حبس أهل الإسلام (2).
قال العلماء من الشافعية وغيرهم: الوقف: تحبيس مالٍ يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه؛ بقطع تصرف الواقف، وغيره في رقبته، يُصرف في جهة خير؛ تقربًا إلى الله تعالى.
وأَمَّا قوله: "وتَصَدَّقْتَ بِهَا"، يحتمل أن يكون راجعًا إلى أصل المال المحبَّس، وهو ظاهر اللفظ، ويحتمل أن يكون راجعًا إلى الثمرة، على حذف المضاف؛ أي: وتصدقت بثمرتها أو رَيْعها.
وقوله: "فَتَصَدَّقَ بِهَا، غيرَ أنهُ لا يُباعُ أَصلُها، ولا يُورثُ، ولا يُوهَبُ".
لا شك أن أسباب الدخول في الملك ثلاثة أنواع:
أحدها: ما يدخل بعوض دنيوي؛ كالبيع.
الثاني: ما يدخل في الملك قهرًا؛ كالإرث.
والثالث: ما يدخل بغير عوض ولا قهر؛ كالهبة.
ولمَّا كان الوقف خارجًا عن هذه الأسباب في رقبته، منع الشرع منه؛ حيث
(1) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص:260) و"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 237).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (4/ 52).
إنه منتقل في أصله عن الواقف، تقرُّبًا إلى الله تعالى بلفظ يدل عليه؛ كلفظ التحبيس المذكور في الحديث.
وأما قوله: "فَتَصَدَّقَ بِهَا"، فهو راجع إلى الاحتمالين المذكورين، إن جعلناه بيانًا للتحبيس، وخبرًا عن معنى الوقف، فلا يحتاج إلى قرينة، ولا إلى نية، بل يكون بمجرده؛ كالتحبيس والتسبيل، وإن لم يجعله كذلك، احتاج إلى لفظ يقترن به، يدلُّ عليه؛ كقولنا: صدقة مؤبدة محرمة، أو لا تُباع ولا تُوهَب، لكن الفقهاء قالوا: لما كان لفظ الصدقة يحتمل الوقف، ويحتمل صدقة التطوع، قالوا: لا بد من نية أو لفظ يدل عليه، ويكون قوله:"لا يباع" إلى آخره إرشادًا إلى شرطه في الوقف، فيكون ثبوته بالشرط لا بالشرع.
وقولُه: "قالَ: فَتَصدَقَ بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه في الفقراء" إلى آخره؛ المصارف التي ذكرها: مصارف خير وقربة، فهي جهة الأقارب، فلا بدَّ أن يكون معناها معلومًا، فلا يوقف على ما ليس بقربة من جهات العامة، ولا ما يكون مصرفه مجهولًا غير معلوم.
والمراد "بالقُرْبى": قربى عمر رضي الله عنه ظاهرًا.
"وفي الرِّقَابِ": إما الكتابة، وإما العتق، على ما هو مذكور في الزكاة.
"وفي سَبيلِ اللهِ": الجهاد عند الأكثرين، ومنهم من عداه إلى الحجِّ وكل قربة.
"وابن السَّبيلِ": المسافر، والقرينة تقتضي اشتراط حاجته.
"والضَّيْف": من نزل بقوم، والمراد: قِراه، ولا تقتضي القرينة تخصصه بالفقراء.
وقوله: "غير متأثل" معناه: جامع، وكل شيء له أصل قديم أو جمع حتى يصير له أصل فهو مؤثل، ومنه: مجد مُوَثَّل؛ أي: قديم، وأثلة الشيء: أصله، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: صحَّةُ أصل الوقف، وقد أجمع المسلمون على صحَّة وقف المساجد
والسقايات؛ وكذلك الوقف على جهات القربات، وهو مشهور متداول خلفًا عن سلف.
ومنها: التقرُّب إلى الله تعالى بأَنْفَسِ الأموال وأطيبها، وعليه عمل أكابر الصالحين من السلف والخلف؛ كعمر، وغيره رضي الله عنهم.
ومنها: استئمار العلماء فيما يعرض للإنسان من مقصد صالح وعمل وقول؛ ليكون ذلك جميعه على مقتضى العلم، والحكم الشرعي.
ومنها: أن ذكر ذلك ليس من باب إظهار العمل للرياء والتسمع.
ومنها: أن التحبيس صريح في ألفاظ الوقف.
ومنها: أن لفظ الصدقة في الوقف لا بد فيها من نِيَّةٍ أو قرينة تدل عليه.
ومنها: أن أصل الوقف ينتقل إلى الله تعالى قربة، بحيث يمتنع بيعه وإرثه، وهبته، إذا كان في الصحة، وجواز التصرُّف.
ومنها: أن الوقف مخالف لشوائب الجاهلية؛ حيث إن المقصود منه التبرُّر، فلو قصد به مضارَّة أحد، أو منعَ حق، لم يصحَّ باطنًا، ولا ثوابَ فيه، وربما كان ملحقًا بشوائب الجاهلية في التحريم.
ومنها: صحة شروط الواقفين المطابقة للكتاب والسنة.
[ومنها: فضيلة الوقف على الصدقة الجارية](1).
ومنها: فضيلة الوقف على الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، وسبيل الله، وابن السبيل، والضيف، وما شاكل ذلك من الأمور العامة.
ومنها: جواز الوقف على الأغنياء؛ حيث إن بعض المذكورين في الحديث غير مقيد بالفقر، بل هو مطلق لذوي القربى والضيف.
ومنها: وجوب اتباع شروط الواقفين المطابقة للشرع.
ومنها: تحريم أخذ العمال، وغيرهم ممن يليها أكثر ما يستحقه شرعًا، وهو
(1) ما بينهما ساقطة من "ح 2".