المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومنها: السؤال عن العلم بغيره، خصوصًا إذا كان المسؤول من - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ٣

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الرَّهْنِ وغيرِه

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثَّاني عشر

- ‌بَابُ اللُّقَطَة

- ‌بَابُ الوَصَايَا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتَابُ النِّكاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌بَابُ الصَّداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العِدَّة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللِّعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب حَدّ الخمر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌كتاب العتق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ومنها: السؤال عن العلم بغيره، خصوصًا إذا كان المسؤول من

ومنها: السؤال عن العلم بغيره، خصوصًا إذا كان المسؤول من أجله ولدًا أو قريبًا.

ومنها: مراعاة كتاب الله تعالى في الأحكام الشرعية، والرجوع إليه.

ومنها: المبادرة إلى امتثال أمره، واجتناب نهيه.

* * *

‌الحديث الثاني

عَنْ فَاطِمَة بِنْتِ قَيْسٍ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بنَ حَفْصٍ طَلَّقَها البَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَفي رِوَايةٍ: طَلَّقَهَا ثلاثًا، فَأَرْسَلَ إلَيهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"لَيْسَ لَكِ عَلَيهِ نَفَقَةٌ". وفي لفظ: "وَلَا سُكنَى"، فأمرها أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أمِّ شَرِيكِ، ثُمَّ قَالَ:"تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغشَاهَا أَصْحَابِي، اعتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكتُومٍ؛ فَإنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكَ، فَإِذَا حَلَلتِ فآذنِيني"، قَالَت: فَلَمَّا حَلَلَّتُ، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَأَنَّ مُعَاوِيةَ بْنَ أَبِي سُفيَانَ، وَأبا جَهمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَن عَاتِقهِ، وَأمَّا مُعَاوِية، فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكحِي أسَامَةَ بْنَ زَيدٍ"، فَكَرِهَتْهُ، ثُمَّ قَالَ:"انكحِي أسَامَةَ بنَ زَيدٍ"، فنكَحَتهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيه خَيرًا، واغتبَطَت بِهِ (1).

أمَّا فاطمة بنت قيس؛ فهي أختُ الضحاكِ بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهو بن مالك بن النضر بن كنانة، القرشيةُ، الفهريةُ، وكانت أكبر من أخيها هذا بعشر سنين فيما قيل، وكانت من المهاجرات الأول، لها عقل وكمال، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخطبوا خطبتهم المشهورة المأثورة.

(1) رواه مسلم (1480)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

قلت: وهو مما انفرد به مسلم عن البخاري، وفات المؤلف رحمه الله التنبيه على ذلك.

ص: 1322

قال الزبير: وكانت امرأة نجودًا، أو: النجود النبيلة، وقَدِمت الكوفة على أخيها الضحاك، وكان أميرًا، روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وثلاثون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على حديث لها في مسند عائشة رضي الله عنها، ولمسلم ثلاثة أحاديث، وروى عنها جماعة من التابعين، منهم: عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة، والشعبي، وكل هؤلاء فقهاء، وروى لها أصحاب السنن والمساند (1).

وأَمَّا عَمْرو بنُ حَفْص؛ فالأكثرون على أنه أبو عمرو بن حفص، ويقال: أبو حفص بن عمرو، وقيل: أبو حفص بن المغيرة، ويقال: أبو عمرو بن حفص بن عمر بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشيُّ المخزوميُّ، واختلف في اسمه، فقيل: عبد الحميد، وقيل: أحمد، وقيل: بل اسمه كنيته، وذكره البخاري فيمن لا يُعرف اسمه. بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - إلى اليمن حين بعثه، فطلَّق امرأته هناك، فاطمةَ بنتَ قيس، وبعث إليها بطلاقها، ثم مات هناك.

وأبو عمرو هذا الذي كلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مواجهة في عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، فاعتذر عمر يوم الجابية، وقال: أعتذر إليكم من خالد؛ فإني أمرته أن يحبس هذا الْمالَ على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا اليسار وذا الشرف، ونزعه، وأثبت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: والله! لقد نزعت غلامًا -أو قال: عاملًا- استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغمدت سيفًا سلَّه الله، ووضعت لواءً نصبَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم،

(1) وانظر ترجمتها في: "الطبفات الكبرى" لابن سعد (8/ 273)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 336)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1901)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 224)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 617)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 264)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 319)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 69)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 471).

ص: 1323

ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم! فقال عمر رضي الله عنه: أما إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضب لابن عمك، أخرجه النَّسائيُّ عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (1)، عن وهب بن زمعة، عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، سمع الحارث بن يزيد يحدث عن علي بن رباح عن ناشرة بن سمي اليزني، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول يوم الجابية، فذكره، وهو إسناد صحيح مليح (2)، والله أعلم (3).

وأَمَّا أمُّ شَريك هذه، فقيل: إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم ذكرها قريبًا في الحديث الثاني من باب الصداق.

قال أبو عمر بن عبد البر الحافظ -رحمه الله تعالى-: أم شريك القرشيةُ العامريةُ، اسمها غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حجر -ويقال: حجير- بن عبد معيص بن عامر بن لؤي. وقيل في نسبها: أمُّ شريك بنت عوف بن جابر بن ضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤي. يقال إنها: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في ذلك، وقيل في جماعة سواها ذلك.

روى عنها سعيد بن المسيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ. وقد روى عنها جابر بن عبد الله، يقال: إنها المذكورة في حديث فاطمة بنت قيس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "اعْتَدِّي فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيك"، وقد قيل في اسم أُمِّ شريك: أم غزيلة. وقد ذكرها بعضهم في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصحُّ من ذلك شيء؛ لكثرة

(1) في "ح": "الجوجزاني".

(2)

رواه النسائي في "السنن الكبرى"(8283)، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 475)، والبخاري في "التاريخ الأوسط"(1/ 57)، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 299).

(3)

وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" لابن عبد البر (4/ 1719)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 221)، و "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 500)، و"تهذيب الكمال" للمزي (34/ 116)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 287)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 196).

ص: 1324

الاضطراب فيه. ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكحها، قال: كان ذلك بمكة، وكانت عند أبي العكر بن سمي بن الحارث الأزدي، فولدت له شريكًا. وقيل: إن أمَّ شريك هذه كانت تحت الطفيل بن الحارث، فولدت له شريكًا. والأول أصحُّ. وقيل: أم شريك الأنصارية، تزوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدخل بها؛ لأنه كَرِه غيرة الأنصار. هذا كلامه بحروفه، والله أعلم (1).

اتفق البخاري ومسلم لها على حديث واحد، وروى لها مسلم حديثًا آخر.

وروى لها جماعة من أصحاب السنن والمساند.

وأَمَّا ابنُ أُمِّ مكتوم، فتقدَّم ذكره في الأذان.

وأمّا معاوية وأسامة؛ فتقدَّما أيضًا.

وأما أبو الجهم هذا؛ فقال شيخنا أبو زكريا النواوي الحافظ رحمه الله: واعلم أن أبا الجهم هذا -بفتح الجيم، مكبر-، وهو أبو الجهم المذكور في حديث الأنبجانية، وهو غير أبي الجهم المذكور في التيمم، وفي المرور بين يدي المصلي؛ فإن ذلك -بضم الجيم، مصغر-، والله أعلم (2).

وقد بسطت الكلام في هذا، في أول باب: المرور بين يدي المصلي من هذا الكتاب، والله أعلم.

وأَمَّا قولُه: "إنَّهُ طَلَّقَهَا البَتَّة": يحتمل أنه طلقها ثلاثًا، ويحتمل أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات، وكل منهما يصدق عليه أنه طلَّقها البتة، وروي في "الصحيح"، لكنه ظاهر في أنه كان طلَّقها قبل هذا طلقتين، ثم طلَّقها طلقة كانت بقيت من عدد الثلاث، وروي هذا في "الصحيح" -أيضًا-، وروي في "صحيح مسلم" رواية في حديث الجساسة (3) يوهم أنه مات عنها، وهي ليست على ظاهرها، بل قال العلماء: إنها وهم، أو مؤولة، والله أعلم.

(1) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1942 - 1943).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 97)، و"تهذيب الأسماء واللغات" له أيضًا (2/ 493).

(3)

رواه مسلم (2942)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قصة الجسّاسة.

ص: 1325

وقوله: "وهو غائبٌ"؛ قد ذكرنا في ترجمته أنه كان غائبًا مع علي رضي الله عنه باليمن، وذكرنا: أنه مات هناك، وأنه واجه عمر رضي الله عنه بكلام في حقِّ خالد بن الوليد، لمَّا عزله بالجابية، ويلزم من ذلك رجوعه من اليمن، فلعلَّه رجع إليه، ومات به، والله أعلم.

وقولُه: "فَأَرْسَلَ إلَيهَا وَكِيُلُه بِشَعِيرٍ"؛ وكيلُه: مرفوعٌ على أنه هو المُرسِل، ويحتمل أن يكون منصوبًا، ويكون الضمير في (وكيله) عائدًا على أبي عمر بن حفص، ويكون:(وكيله) مُرسَلًا من جهته بالشعير إليها.

وقولُه: "فَسَخِطَتْهُ"، معناه: كرهته ولم ترض به.

وقولُه: "فَأَمَرَهَا أَن تَعْتَدَّ في بيتِ أمِّ شَرِيكٍ"، ثمّ قال:"تِلْكَ امْرأَةٌ يَغشَاهَا أَصْحَابِي"؛ معناه: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزورون أمَّ شريك، ويُكثرون التردُّدَ إليها؛ لكثرة صَلاحِها، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن على فاطمة من الاعتداد عندها حَرَجًا؛ من حيث إنَّه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها، ونظرها إليهم، وانكشاف شيء منها. وفي التحفظ من هذا مع كثرة دخولهم وتردُّدِهم مشقَّةٌ ظاهرة، فأَمرها بالاعتداد عند ابنِ أُمِّ مكتوم؛ لأنَّهُ لا يُبصرها، ولا يتردَّدُ إلى بيته مَنْ يتردَّد إلى بيتِ أم شريك، ولا يلزم من إذنه لها صلى الله عليه وسلم بالاعتداد في بيته، الإذنُ لها في النظر إليه، بل فيه: أنها تأمن عنده من نظر غيره إليها، وهي مأمورة بِغضِّ بصرها، فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة؛ بخلاف مكثها في بيت أم شريك.

قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد -رحمه الله تعالى-: وهذا القول إعراض عن التعليل بعمى ابن أم مكتوم، وكان يقوى لو تجرد الأمر بالاعتداد عنده عن التعليل بعماه، وما ذكر من المشقة موجود في نظرها إليه، مع مخالطتها له في البيت، ويمكن أن يقال: إنه إنما علل بالعمى، كونها تضع ثيابها من غير رؤيته لها، فحينئذ يخرج التعليل عن الحكم باعتدادها عنده، والله أعلم (1).

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام"(4/ 57).

ص: 1326

قولُه صلى الله عليه وسلم: "فَإذَا حَلَلْتِ فآذنِيني"؛ معناه: إذا انقضت العدَّة من الطلاق، فأعلميني، وآذنيني -بهمزة ممدودة -.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ العَصَا عَنْ عَاتِقِه"؛ العَاتِقُ: ما بين العنق والمنكب، وفي معناه تأويلان:

أظهرهما: أنه كثير الضَّرب للنساء؛ بدليل رواية في "صحيح مسلم" قال فيها: إنه ضرَّاب للنساء (1).

والثاني: أنه كثير الأسفار.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ، فَصُعْلُوكٌ"؛ هو بضمِّ الصاد؛ أي: فقير، يعجزُ عن القيام بحقوق الزوجة.

قولُها: "واغْتبَطَتْ"؛ معناه: أنها لما امتثلت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أسامة رضي الله عنه، اغتبطت به، وقد ضبطوا (اغتَبَطت) بفتح التاء والباء، ووقع في بعض روايات مسلم لفظه به، ولم يقع في أكثرها. والغبطةُ: تمني مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه، وليس هو بحسد عند أهل اللغة، قالوا: يُقال: غبطته بما نال، أغبِطه، -بكسر الباء- غَبْطًا وغبْطةً، فاغتبط، وهو كَمَنَعْته فامتَنَع، وحَبَسْتُه فاحتَبَس (2).

وأَمَّا إشارته صلى الله عليه وسلم عليها بنكاح أسامة؛ فَلِما عَلِمه من دينهِ وفضله وحسن طرائقه، وكرم شمائله، فَنصَحَها بذلك، فكرهته لكونه مولى، ولكونه كان أسود جدًّا، فكرَّر عليها النبي صلى الله عليه وسلم الحث على زواجه لِماَ عَلِم من مصلحتها في ذلك، فكان كذلك، ولهذا قالت:"فجعل الله لي فيه خيرًا، واغتبطت"، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية في "صحيح مسلم ":"طاعةُ اللهِ وطاعةُ رَسُوله خيرٌ لك"(3).

(1) رواه مسلم (1480)، (2/ 1119)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

(2)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 127 - 128)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 98)، و"لسان العرب" لابن منظور (7/ 360)، (مادة: غبط).

(3)

تقدم تخريجه في الرواية السابقة لمسلم.

ص: 1327

وفي هذا الحديث أحكام:

منها: جواز إيقاع الطلاق الثلاث دفعة؛ لعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم في رواية: طلَّقها ثلاثًا. وفيه الاحتمال الظاهر في كونه أوقع عليها طلقة، هي آخر الثلاث كما تقدم.

ومنها: أنه لا نفقة للمطلَّقة البائن الحائل، ولا سكنى.

وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال ابن عباس رضي الله عنهما، وأحمد بن حنبل بظاهر هذا الحديث، وأوجب النفقةَ والسكنى: عمرُ بن الخطاب، وأبو حنيفة، وأوجب مالك، والشافعي، وآخرون السكنى دون النفقة؛ لقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6].

وأما سقوط النفقة، فأخذوه من المفهوم في قوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]، فمفهومه: أنه إذا لم يكنَّ حوامل، لا ينفق عليهن.

وقد تورعوا في تأول الآية للبائن، في قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] ويحتاج من قال: لها السكنى إلى الاعتذار عن حديث فاطمة هذا، فمنهم من اعتذر بما حكي عن سعيد بن المسيب وغيره: أنها كانت امرأة لَسِنة، واستطالت على أحمائها، فأمرها بالانتقال، وقيل: لأنها خافت في ذلك المنزل، وقد روى مسلم في "صحيحه": أنها قالت: أخاف أن يقتحم علي (1)، وساق الحديث على خلاف هذين التأويلين، فإنه يقتضي أن سبب اختلافها مع الوكيل، وسخطها الشعير، وذكر الوكيل أن لا نفقة لها، حتى حملها ذلك على سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وجوابه لها بعدم النفقة عليه: أن ذلك الاختلاف سبب لبيان عدم وجوب النفقة، لا ما ذكر من الاعتذار، فإن قام دليل أقوى من هذا وأرجح، عمل به، وأما عمر رضي الله عنه، فقال: لا ندع كتابَ ربِّنا وسنَّة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، بقول امرأة جهلت أو نسيت (2).

(1) رواه مسلم (1482)، (2/ 1121)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

(2)

رواه مسلم (1480)، (2/ 1118)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

ص: 1328

قال العلماء: الذي في كتابِ ربِّنا إنما هو إثبات السكنى، قال الدارقطني: قوله: وسنَّة نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم هذه زيادة غير محفوظة، لم يذكرها جماعة من الثقات، واحتجَّ من لم يوجبها بهذا الحديث (1).

وأما البائن الحامل: فتجب لها النفقة والسكنى.

وأما الرجعية: فتجبان لها بالإجماع.

وأما المتوفى عنها: فلا نفقة لها بالإجماع، والأصحُّ عند الشافعية وجوب السكنى لها، فلو كانت حاملًا؛ فالمشهور أنه لا نفقة لها كما لو كانت حائلًا، وقال بعض أصحاب الشافعي: تجب، وغلطوه، والله أعلم.

ومنها: وقوع الطَّلاق في غيبة المرأة.

ومنها: جواز الوكالة في أداء الحقوق، وقد أجمع العلماء على هذين الحكمين.

ومنها: جواز زيارة الرجال المرأة الصالحة، إذا لم تؤدِّ إلى فتنتهم وفتنتها.

ومنها: تحريمُ نظر المرأة الأجنبية إلى الرجل الأجنبي، وتحريم نظره إليها، وقد احتجَّ بحديث فاطمة على جواز نظرها إلى الأجنبي، والذي عليه جمهور العلماء، وأكثر الشافعية: تحريمُ نظرها إلى الأجنبي؛ كما يحرم نظره إليها.

وقد علَّل جواز اعتدادها في بيت ابن أُمِّ مكتوم؛ بأنه رجل أعمى، وهو مقتض لعدم رؤيته لها، لا لعدم رؤيتها.

وقد استدلَّ من قال بالتحريم بقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، ولأن الفتنة مشتركة؛ فكما يخاف الافتتان بها، يخاف افتتانها به، ويدلُّ على ذلك ما رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما بإسناد حسن، من حديث نبهان مولى أُمِّ سلمة، عن أم سلمة: أنها كانت هي وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل ابن أم

(1) انظر: "سنن الدارقطني"(4/ 27).

ص: 1329

مكتوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"احْتَجِبَا مِنْهُ"، فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أفَعَمْيَاوانِ أنتما؟! ألَسْتُمَا تُبْصِرَانهِ؟! "، قال الترمذي: حديث حسن (1). ولا يلتفت إلى قَدْحِ مَنْ قَدْحَ فيه بغير حجَّة معتمدة.

قال شيخنا أبو الفتح القاضي -رحمه الله تعالى-: وفي الاستدلال بالآية للتحريم نظر؛ لأن لفظة (من) للتبعيض، ولا خلاف أنها إذا خافت الفتنة، حرم النظر عليها، فإذًا هذه حالة يجب فيها الغضُّ، فيمكن حمل الآية عليها، ولا يَدلُّ حينئذ على وجوب الغضِّ مطلقًا، أو في غير هذه الحالة. وهذا وإن لم يكن ظاهر الآية، فهو محتمل له احتمالًا جيدًا، يتوقف معه الاستدلال على محل الخلاف (2).

ومنها: جواز التعريض بخطبة البائن، وفيه خلاف عند الشافعية.

ومنها: جواز ذكر الإنسان بما فيه عند النصيحة، ولا يكون من الغيبة المحرمة، وقد ذكر العلماء ما يباح من الغيبة في ستة مواضع، الاستنصاح من جملتها.

ومنها: جواز استعمال المجاز للمبالغة، وجواز إطلاق مثل هذه العبارة؛ فإن أبا جهم لا بدَّ وأنْ يضعَ عصاه حالة نومه، أو أكله، وكذلك معاوية، لا بدَّ وأن يكون له ثوبٌ يلبسه مثلًا، لكن اعتبَرَ حال الغلبة، وهَجَر النادر اليسير.

والمجاز في أبي جهم أظهرُ منه -فيما قيل- في معاوية؛ لأنَّ لنا أن نقول: إن لفظة المال انتقلت في العرف عن موضوعها الأصلي إلى ما له قدر من

(1) رواه أبو داود (4112)، كتاب: اللباس، باب: في قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، والترمذي (2778)، كتاب؛ الأدب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 296)، والنسائي في "السنن الكبرى"(9241) وأبو يعلى في "مسنده"(6922)، وابن حبان في "صحيحه"(5575)، والطبراني في "المعجم الكبير"(23/ 302)،، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 91).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام"(4/ 57).

ص: 1330

المملوكات، وذلك مجاز شائع، يتنزل منزلة النقل، فلا يتناول الشيء اليسير جدًّا، بخلاف ما قيل في أبي جهم.

ومنها: التصريح بأنَّ أحد الخاطبين: معاوية بن أبي سفيان، خلافًا لما قيل: إنه معاوية غيره، وهو غلط.

ومنها: أنَّ الحقَّ في الكفاءة في النكاح حقٌّ للزوجة والأولياء، خاصٌّ بهم.

ومنها: أن كفاءة الدِّين والعلمِ والفضلِ لا يعارضها غيره من المال والنَّسب.

ومنها: جواز نكاح القرشية للمولى، بلا كراهة شرعية.

ومنها: نصيحة الكبار أتباعَهم، وتكريرُها عليهم، ورجوعُ الأتباع إلى قولهم، وتركهم حظوظهم العادية، والله أعلم.

ومنها: جواز خروج المعتدَّة من بيت زوجها للحاجة من الاستفتاء وغيره.

ومنها: جواز سماع كلام المرأة الأجنبية للحاجة.

ومنها: جواز الخطبة على خطبة الغير، إذا لم تحصل للأول إجابة؛ لأنها ذكرت أن معاوية وأبا الجهم خطباها، ولم تجبهما، وذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بعد خطبتهما، وقبلَ إجابتِها لهما.

ومنها: إرشاد الإنسان إلى مصلحته وإن كرهها، وتكرير ذلك عليه.

ومنها: الحرص على مصاحبة أهل التقوى والفضل، وإن دنت أنسابهم، والله أعلم.

* * *

ص: 1331