المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولا يُثَرِّبْ عليها"، رواه مسلم في "صحيحه" (1)، وبقوله صلى - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ٣

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الرَّهْنِ وغيرِه

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثَّاني عشر

- ‌بَابُ اللُّقَطَة

- ‌بَابُ الوَصَايَا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتَابُ النِّكاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌بَابُ الصَّداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العِدَّة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللِّعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب حَدّ الخمر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌كتاب العتق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ولا يُثَرِّبْ عليها"، رواه مسلم في "صحيحه" (1)، وبقوله صلى

ولا يُثَرِّبْ عليها"، رواه مسلم في "صحيحه" (1)، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكتاب "إن زنت فاجلدوها".

وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.

وقال أبو حنيفة في طائفة: ليس له ذلك في هذه الأحاديث، وغيرُها يصرح بخلاف قوله.

ومنها: أنه لا فرق في إيجاب الحد بين أن تكون الأمة أو العبد مزوجين، أم لا؛ لإطلاقه صلى الله عليه وسلم بجلدها من غير تفصيل. وتقدم الكلام عليه قبل ذكر الأحكام في هذا الحديث، والله أعلم.

ومنها: أن من ارتكب معصية من زِنا وغيره، أن يقام عليه الحد إن كان في معصيته حد، وألَّا يفارق ببيع وهجران ونحوهما إلا بعد تكرار ذلك منه ثلاث مرات، أو مرتين، والله أعلم.

‌الحديث الرابع

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمينَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فنَادَاهُ: يَا رَسُوِلَ اللهِ! إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إني زنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَبِكَ جُنُونٌ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ:"فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ"، قالَ ابنُ شِهاب فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمعَ

(1) رواه مسلم (1703)، كتاب: الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، والبخاري أيضًا (2119)، كتاب: البيوع، باب: بيع المدبّر، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 1459

جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كنتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ، هَرَبَ، فَأَدْرَكنُاهُ بِالحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ (1).

الرجل هو: ماعز بن مالك. وروى قصته: جابرُ بن سمرة، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وبريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنهم.

تقدم الكلام على كل رجاله من الصحابة والتابعين، خلا ماعز بن مالك؛ وجابر بن سمرة، وأبا سلمة بن عبد الرحمن.

أما ماعز بن مالك، فهو أسلمي معدود في المدنيين، كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بإسلام قومه، وهو الذي اعترف بالزنا على نفسه، وكان محصنًا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تائبًا منيبًا، فرجم رحمه الله.

وروى عنه ابنه عبد الله بن ماعز حديثًا واحدًا (2).

وأما جابر بن سمرة؛ فكنيته: أبو عبد الله، ويقال: أبو خالد، واختلف في اسم جده، فقيل: جنادة بن جندب، وقيل: عمرو بن جندب بن حجير بن رباب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر السوائي، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص، واسمها خلدة بنت أبي وقاص.

ونزل جابر بن سمرة الكوفة، وابتنى بها دارًا في بني سواءة.

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة وسبعة وأربعون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين، وانفرد مسلم بثلاثة وعشرين.

(1) رواه البخاري (6439)، كتاب: المحاربين من أهل الكفر، باب: سؤال الإمام المقر: هل أحصنت؟، ومسلم (1691)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، وهذا لفظ مسلم.

(2)

وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 324)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1345)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (5/ 6)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 383)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (5/ 705)، و"تعجيل المنفعة" له أيضًا (ص: 384).

ص: 1460

روى عنه جماعة من التابعين، ومات سنة ست وستين أيام المختار، وروى له أصحاب السنن والمساند (1).

ومن الأحاديث التي رواها في غير "الصحيحين" قوله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مقمرة، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فَلَهُوَ في عيني أحسن من القمر (2)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"المستشارُ مُؤْتَمَنٌ"(3).

وأما أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ فاسمه: عبد الله، ويقال: إسماعيل، ويقال: لا يعرف له اسم، وهو تابعي قرشي زهري مدني، متفق على توثيقه وأمانته وفقهه وكثرة حديثه.

وروى عن جماعة من الصحابة، منهم؛ أبوه عبدُ الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت. وقيل: سمع حسان بن ثابت، وسمع جماعة من الصحابة غيره، وسمع خلقًا من التابعين. وروى عنه جماعة منهم، ومات بالمدينة سنة أربع وتسعين، في خلافة الوليد، ابنَ اثنتين وسبعين سنة.

وحديثه مخرج في "الصحيحين"وغيرهما. وكان رجلًا صَبيحًا، كأن وجهه دينار هرقليٌّ -رحمه الله تعالى- (4).

قوله: "حتى ثنَى ذلكَ عليه أربعَ مرات"، هو بتخفيف النون؛ أي: كرره أربع مرات.

(1) قلت: قد تقدمت ترجمة جابر بن سمرة رضي الله عنه في الجزء الأول من هذا الكتاب، فلا حاجة لإعادته ثانية، ولعلّه قد فات المؤلف ذكره له، والعصمة لله وحده.

(2)

رواه الترمذي (2811)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال، وقال: حسن غريب.

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(1879)، وفي "المعجم الأوسط"(5879)، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 253). وفي الباب: عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.

(4)

وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 155)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (29/ 290)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 521)، و"تهذيب الكمال" للمزي (33/ 370)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 287)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضًا (1/ 63)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (12/ 127).

ص: 1461

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أَبِكَ جُنونٌ؟ "؛ إنما قاله تحقيقًا لحالة تبيين العقل؛ فإن الإنسان -غالبًا-، لا يصر على الإقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال، مع أن له طريقًا إلى سقوط الإثم بالتوبة.

وفي رواية في "صحيح مسلم": أنه سأل قومه عنه، فقالوا: ما نعلم به بأسًا، وكل ذلك مبالغة في تحقيق حاله، وفي صيانة دم المسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فهل أَحصنتَ؟ "؛ أي: تزوجت. وإنما سأله عن ذلك؛ حيث إن حد الزاني متردد بين الجلد والرجم، ولا يمكن الإقدام عليهما إلا بعد تبين سببه.

وقد يسأل هنا سؤال فيقال: إن إقرار المجنون غير معتبر، فلو كان مجنونًا لم يفد قوله: إنه ليس به جنون. فأوجه الحكمة في سؤاله عن سؤاله، لو لم يَرِدْ سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لغيره عنه؛ فإن سؤال غيره عنه مؤثر كما ذكرناه عن "صحيح مسلم".

والحكمة في ذلك: أنه يتبين بسؤاله صلى الله عليه وسلم له ثبوت عقله ودينه، فينبني الأمر عليه، لا على مجرد إقراره بعدم الجنون.

وقوله: "فلما أَذْلقَتْهُ الحِجارة"؛ هو بالذال المعجمة وبالقاف؛ أي: أصابته بحدها فأوجعته، فبلغ به الجهد، وأوجعته وأوهنته.

وفي الحديث أحكام:

منها: جواز الإقرار بالزنا عند الحكام؛ لإقامة الحد عليه.

ومنها: أن الحدود إذا وصلت إلى الإمام، إما بإقرار المقر على سببها، وإما ببينة، لا يتركها، بل يقيمها، إما بنفسه، أو بنائبه.

ومنها: جواز الإقرار والاعتراف بالحقوق عند الحكام في المساجد، بخلاف الخصومات ورفع الأصوات فيها وارتكاب المحذورات، وشغل المصلين وأهل الطاعات عما هم بصدده فيها؛ فإن ذلك محرم، ولا يجوز فعله فيها، والكتاب العزيز والسنة النبوية ناطقان بمنع ذلك، والتحذير منه عمومًا وخصوصًا. ومن

ص: 1462

علم ما يجب لله عز وجل من التعظيم والخشية، عرف عظمة ما يضاف إليه سبحانه وتعالى من بيت أو علم أو اتصاف وغير ذلك. والشيء قد يضاف إلى بعض أهل الدنيا الحسيبين، فيعظم عادة مجردة عن مقصود شرعي، فما ظنك بما أضيف إليه سبحانه وتعالى إضافة خاصة تشريفية للعباد مجردة؟!.

فينبغي للفقيه أن ينصف من نفسه، ويعرض عن حظها ومغالبتها؛ بعدم اتباع المباحث اللفظية والبقابق الكلامية المذمومة عند علماء الإسلام والفاهمين عن الله تعالى، ورسولِه صلى الله عليه وسلم من بين الأنام، إلى الحق وأهله، ولا يخرجه حظ النفس عن سلوك سبله إلى اتباع بطله.

ومنها: نداء الكبار من العلماء وأهل الدين بأعلى نعوتهم التي شرفهم الله تعالى بها؛ فإن الرجل نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! وهي أعظم نعوته صلى الله عليه وسلم، وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهي أحد ركني الإسلام، فإن ركنيه: الإقرارُ بالوحدانية له سبحانه وتعالى، وبرسالته صلى الله عليه وسلم، وحكمُ ورَّاثه صلى الله عليه وسلم من أهل الدين والعلم في تعظيمهم وتوقيرهم، وحكمه على قدر مرتبتهم من ذلك.

ومنها: إعراض الإمام عمن أقر بما يوجب عليه حدًّا؛ ليرجع عن إقراره، أو يثبت على إقراره.

ومنها: وجوب استثبات الحاكم الواقعة وشروطها الوجوبية أو الحكمية؛ ليرتب الحكم عليها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أولًا عن الجنون، ثم عن الإحصان اللذين هما ركنا وجوب الحد.

ومنها: أن إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وأنه يحتاط للدماء أكثر من غيرها، وكل ذلك مجمع عليه.

ومنها: التعريض للمقر بالزنا بأن يرجع، فيقبل رجوعه بلا خلاف بين العلماء.

ومنها: مؤاخذة الإنسان بإقراره، إذا لم يكن مُلْجأً ولا مكرهًا.

ومنها: دليل لأبي حنيفة، والكوفيين، وأحمد، أنه: يشترط لوجوب إقامة

ص: 1463

الحد بالإقرار بالزنا: تكراره أربع مرات؛ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخر إقامة الحد إلى تمام الأربع مرات؛ لكونه لم يجب قبل ذلك؛ لأنه لو وجب قبله، لما أخره صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لا يجب إلا بعدها، ويقوى ذلك بقول الراوي:"فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، إلى آخره، ففيه إشعار بأن الشهادة أربعًا هي العلة في الحكم.

وقال مالك، والشافعي، وموافقوهما، وآخرون: يثبت الإقرار به بمرة واحدة، ويرجم قياسًا على سائر الحقوق. وكأنهم رأوا تأخر الحد إلى تمام الإقرار أربعًا ليس للوجوب كما ذكره الحنفية، بل للاستثبات والتحقيق لوجوب السبب؛ حيث إن الحد مبني على الاحتياط في تركه ودرئه بالشبهات. واحتجوا أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم:"واغدُ يا أُنَيْسُ على امرأةِ هذا، فإنِ اعترفتْ فارجمها"، فلم يشرط عددًا، وحديث الغامدية، ليس فيه إقرارها أربع مرات، واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربعة مجالس.

ومنها: تفويض الإمام الرجم إلى غيره؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا فارجموه" إشعار بعدم حضوره إياه، فيؤخذ منه عدمُ حضورِ الإمام الرجمَ، وإن كان الفقهاء استحبوا بداءة الإمام بالرجم، إذا ثبت الزنا بالإقرار، وبداءة الشهود به، إذا ثبت بالبينة.

وكأن الإمام، لما كان عليه التثبت والاحتياط، أمر بالبداءة؛ ليكون ذلك زاجرًا عن التساهل في الحكم بالحدود، وداعيًا إلى غاية التثبت. وأما في الشهود، فظاهر؛ لأن قتله بقولهم.

ومنها: عدم الحفر للمرجوم؛ حيث إنه هرب لما أذلقته الحجارة، ولو كان له حفيرة، لم يتمكن من الهرب.

وقد اختلف العلماء في الزاني المحصن إذا أقر بالزنا، فشرعوا في رجمه، ثم هرب، هل يترك، أم يتبع فيقام عليه الحد؟

فقال الشافعي، وأحمد وغيرهما: يترك ولا يتبع، لكن يقال له بعد ذلك:

ص: 1464

ارجع، فإن رجع عن الإقرار، ترك، وإن عاد، رجم.

وقال مالك في رواية، وغيره: يتبع ويرجم.

واحتج الشافعي ومن وافقه بما جاء في رواية في "سنن أبي داود": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلا تركتُموه حتى أنظرَ في شأنِهِ؟ "(1)، وفي رواية:"هَلَّا تركتموه، فلعلَّه يتوبُ، فيتوبُ اللهُ عليه"(2).

واحتج الآخرون؛ بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم ديته، مع أنهم قتلوه بعد هربه، وأجاب الشافعي رحمه الله وموافقوه عن هذا، بأنه لم يصرح بالرجوع، وقد ثبت إقراره، فلا نتركه حتى يصرح بالرجوع، قالوا: وإنما قلنا: لا يتبع في هربه، لعله يريد الرجوع، ولم نقل: إنه يسقط الرجم بمجرد الهرب، والله أعلم.

ومنها: ما استدل به البخاري وغيره من العلماء، على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن قد وقف مسجدًا، لا يثبت له حكم المسجد؛ إذ لو كان له حكم المسجد، لجنب الرجم فيه وتلطخه بالدماء والميتة.

قالوا: والمراد بالمصلى في الحديث: مصلى الجنائز، ولهذا قال في رواية "صحيح مسلم": من بقيع الفرقد، وهو موضع الجنائز بالمدينة.

وذكر أبو الفرج الدارمي من الشافعية: أن المصلى الذي للعيد ولغيره إذا لم يكن مسجدًا، هل يثبت له حكم المسجد؛ فيه وجهان: أصحهما: ليس له حكم المسجد، والله أعلم.

وقاعدة مذهب الحنفية وغيرهم تأبى جعلَه غير مسجد؛ فإن مذهبهم بمجرد الإذن للناس في الصلاة في مكان يصير مسجدًا، سواء قصد جعله مسجدًا، أم لا، والله أعلم.

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(28781)، والنسائي في "السنن الكبرى"(7206)، ولم أو هذه الرواية في "سنن أبي داود"، والشارح رحمه الله لا ينقل هذا عن الأصول، وإنما حكى هنا كلام شيخه النووي رحمه الله في "شرح مسلم"(11/ 194).

(2)

رواه أبو داود (4419)، كتاب: الحدود، باب: رجم ماعز بن مالك، والنسائي في "السنن الكبرى"(7274)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 219).

ص: 1465