الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُرْسِلُ الكِلَابَ المُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكنَ عَلَيَّ، وَأَذكُرُ اسْمَ اللهِ، فَقَالَ:"إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ، فَكُل مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ"، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكهَا كَلْبٌ لَيْسَ منها"، قُلْتُ لَهُ: فَإِنِّي أَرْمي بالمِعْرَاضِ الصَّيْدَ، فَأُصِيبُ، فَقَالَ:"إِذَا رَمَيْتَ بالمِعْرَاضِ، فَخَزَقَ، فَكُلْهُ، وَإِنْ أصَابَهُ بِعَرْضٍ، فَلَا تَأْكُلْهُ"(1).
وحديث الشعبي عن عدي نحوه، وفيه:"إلا أن يأكل الكلبُ، فإن أكلَ، فلا تأكلْ؛ فإني أخاف أن يكونَ إنما أمسك على نفسه، وإن خالطَها كلابٌ من غيرها، فلا تأكلْ؛ فإنما سميت على كلبك، ولم تسمِّ على غيره"(2).
وفيه: "إذا أرسلت كلبك المكلَّبَ، فاذكرِ اسمَ الله، فإن أمسكَ عليك، فأدركته حيًّا، فاذبحه، وإن أدركته قد قتل، ولم يأكلْ منه، فكله، فإن أخذ الكلب ذكاته"(3).
وفيه أيضًا: "إذا رميت بسهمك، فاذكر اسم الله"(4).
وفيه أيضًا: "وإن غابَ عنك يومًا أو يومين"، وفي رواية:"اليومين والثلاثة، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك، فكل إن شئت، فإن وجدته غريقًا في الماء، فلا تأكل؛ فإنك لا تدري الماءُ قتلَه أو سهمُك"(5).
(1) رواه البخاري (5160)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: ما أصاب المعراض بعرضه، ومسلم (1929)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الصيد بالكلاب المعلمة، وهذا لفظ مسلم.
(2)
رواه البخاري (5166)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: إذا أكل الكلب، ومسلم (1929)، (3/ 1529)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الصيد بالكلاب المعلمة.
(3)
رواه مسلم (1929)، (3/ 1531)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الصيد بالكلاب المعلمة.
(4)
انظر: رواية مسلم المتقدمة؛ إذ هذه جزء منها.
(5)
انظر: رواية مسلم المتقدمة.
أما هَمَّامُ بنُ الحارث، فهو تابعيٌّ نخعيٌّ كوفيٌّ، ثقة، وثَّقه ابن معين، وروى له: البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن والمساند.
سمع: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبدَ الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، وعمارَ بن ياسر، وحذيفةَ بن اليمان، وعائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنهم.
روى عنه: سليمانُ بن يسار، وإبراهيمُ النخعي، وغيرهما (1).
وأما عَدِيُّ بن حاتمِ: فكنيته أبو طريف بنُ حاتم بنِ عبدِ الله الطائي، مهاجريٌّ، وهو منسوب إلى طيِّيء بن أدد بن زيد بن كهلان، ويختلفون في بعض الأسماء من جده عبد الله إلى طيِّئ، فيما بينهما.
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع من الهجرة، وقيل: في شعبان سنة عشر.
قال أبو عمر بن عبد البر: وخبره في قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان خبر عجيب، وهو حسن صحيح من رواية قتادة عن ابن سيرين.
ثم قدم على أبي بكر بصدقات قومه في حين الردة، ومنع قومه وطائفة معهم من الردة بثبوته على الإسلام وحسن رأيه.
وكان سريًّا شريفًا في قومه، خطيبًا، حاضر الجواب، فاضلًا، كريمًا.
روي عنه أنه قال: ما دخل وقت صلاة قط، إلا وأنا أشتاق إليها (2).
وقال: ما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قَطُّ إلا وَسَّع لي أو تحرَّك، ودخلت عليه يومًا
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 118)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 236)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 106)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 510)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (4/ 178)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (3/ 35)، و "تهذيب الكمال" للمزي (30/ 297)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 283)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/ 58).
(2)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 169)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(40/ 86 - 87).
في بيته، وقد امتلأ من أصحابه، فوسع لي حتى جلست إلى جنبه (1).
وقال له عمر رضي الله عنه لما قدم عليه: ما أظنك تعرفني، أعرفك آمنت إذ كفروا، وأقبلتَ إذ أدبروا، ووفيتَ إذ غدروا (2).
ونزل عديٌّ الكوفة وسكنها، وشهد مع على يوم الجمل، وفُقئت عينه يومئذ، ثم شهد معه صِفِّين والنهروان.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة وستون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث، وانفرد مسلم بحديثين، وروى له جماعة من كبار التابعين.
ومات بالكوفة زمن المختار سنة تسع، وقيل: ثمان وستين، وقيل: سنة سبع وستين، وهو ابن مئة وعشرين سنة، وروى له أصحاب السنن والمساند (3).
وأما الشَّعْبي -بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وباء موحدة، ثم ياء النسب-، فنسبة إلى شعب همذان، واشتهر بها، واسمه عامر بن شراحيل، وقيل: ابن عبد الله بن شراحيل، وقيل: ابن شراحيل بن عبد بن أخي قيس بن عبد، أبو عمرو، تابعي، كوفي، ثقة، جليل، فقيه، عالم.
روى عن علي بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن جعفر، والعبادلة، وخلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم.
(1) رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب"(3/ 1058).
(2)
رواه البخاري (4133)، كتاب: المغازي، باب: قصة وفد طيئ، من حديث عدي بن حاتم.
(3)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 22)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 43)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (7/ 2)، و "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1057)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (1/ 189)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (40/ 66)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (4/ 7)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 301)، و"تهذيب الكمال" للمزي (19/ 524)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 162)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 469)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (7/ 150).
روي عنه أنه قال: أدركت خمس مئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: علي وطلحةُ والزبير في الجنة (1).
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: سمع الشعبي من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرسله صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحًا.
وروى عنه خلق من التابعين وغيرهم، وكان كثير العلم والحفظ والفقه، في أعلى طبقة من ذلك جميعه.
وقال الحسن -أعني: البصري- لما نعاه: وكان واللهِ كثير العلم، عظيمَ الحلم، قديم السلم، من الإسلام بمكان (2).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما وقد مرَّ علي الشعبي: هو أعلم بالمغازي وأحفظ لها.
ووثقه أبو زرعة، وابن معين، وغيرهما، وروى له البخاري، ومسلم، والأئمة.
وولد لست سنين مضين من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومات بعد المئة بثلاث سنين، وقيل: بأربع، وقيل: بخمس، وقيل: بست، وقال بعضهم: بلغ اثنتين وثمانين سنة (3).
وأما المعراض -بكسر الميم، وسكون العين المهملة، وبالراء ثم الضاد
(1) رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 450)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(25/ 349).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 323)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(25/ 422).
(3)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 246) و"التاربح الكبير" للبخاري (6/ 450)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 323)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 185)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (4/ 310)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (12/ 227)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (25/ 335)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (3/ 75)، و"تهذيب الكمال" للمزي (14/ 28)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 294)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضًا (1/ 79)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (5/ 57).
المعجمة بعد الألف-، فهو عصا محدد رأسُها بحديدة، وقد يكون بغير حديدة، هذا هو الصحيح المشهور في تفسيره.
وقال الهروي: هو سهم لا ريش فيه ولا نصل.
وقال ابن دريد: هو سهم طويل، له أربع قذذ رقاق، فإذا رمي به، اعترض، وهو منقول عن الخليل ونحوه عن الأصمعي.
وقيل: هو عود رقيق الطرفين، غليظ الوسط، إذا رُمي به، ذهب مستويًا (1).
وقوله: "فخزق": هو بالخاء المعجمة، والزاي، ومعناه: نفذ.
وتقدم الكلام في الحديث قبله على اشتراط التسمية، والخلاف في وجوبها، لكن هذا الحديث أقوى في الدلالة على اشتراطها من الأول؛ حيث إنه مفهوم وصف، ودلالته على حل مصيد الكلب إذا قتل صريحة، بخلاف الحديث الماضي؛ فإنه إنما يؤخذ هذا الحكم منه بطريق المفهوم، وكذلك دلالته على أكل ما قتله الجارح بثقله؛ فإنه أصرح دلالة من الأول.
وفي هذا الحديث [من](2) جميع طرقه أحكام:
منها: أنه لا يحل كل ما شاركه كلب آخر في اصطياده إذا استرسل بنفسه، أو أرسله من ليس هو من أهل الذكاة، أو شككنا في ذلك، فإن تحققنا أنه إنما شاركه كلب، أو أرسله من هو من أهل الذكاة على ذلك الصيد، حلَّ.
وذلك معلل في الرواية التي في بعض طرق هذا الحديث التي في الكتاب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"فإِنَّما سَمَّيْتَ على كلبِك، ولم تُسَمِّ على غيرِه"، وهو ظاهر في اشتراط التسمية.
ومنها: أنه إذا اصطاد بالمعراض، فقتل الصيد بحدهِّ، حل؛ لأنه كالسهم، وإن قتله بعرضه، لم يحل، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير العلماء.
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 73)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 75).
(2)
ليست في "ح".
وقد علل ما قتل بعرضه بأنه وقيذ في الحديث الصحيح، وذلك لأنه ليس في معنى السهم، بل هو في معنى الحجر وغيره من المثقلات.
وقال الأوزاعي، ومكحول، وغيرهما من فقهاء الشام: يحل مطلقًا، حتى قالا وابن أبي ليلى: يحل ما قتله بالبندقة، وهو محكي عن سعيد بن المسيب.
وجمهور العلماء على أنه لا يحل صيد البندقة مطلقًا؛ لحديث المعراض هذا؛ لأنه كله رض ووقذ، وهو معنى قوله:"فإنه وقيذ"؛ أي: مقتول بغير محدد.
والموقوذة: المقتولة بالعصا ونحوها، وأصله من الكسر والرضِّ.
ومنها: تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب المعلَّم منه؛ لتصريح المنع منه في هذا الحديث، وتعليله بخوف الإمساك على نفسه بأكله منه.
وبهذا قال أكثر العلماء، منهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، والشعبي، والنخعي، وعكرمة، وقتادة، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وداود، وبه قال الشافعي في أصح قوليه، محتجين بحديث عدي هذا، وبقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، وهذا لم يمسك علينا، بل على نفسه.
وقال سعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وابن عمر، ومالك: يحل، وهو قول ضعيف للشافعي، واحتجوا برواية في "سنن أبي داود" وحَسَّنه، عن أبي ثعلبة الخشني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "كلْ وإن أكلَ الكلبُ"(1).
وحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه، وربما عللوه على أنه كان من المياسير. فاختير له الحمل على التنزيه، بخلاف أبي ثعلبة؛ فإنه كان بخلاف ذلك، فأخذ له بالرخصة، وذلك ضعيف؛ فإنه قد علل في الحديث بأنه إنما أمسك على نفسه، وهي علة تناسب التحريم، لكنه قد قيده بخوف الإمساك لا بحقيقته.
(1) رواه أبو داود (2852)، كتاب: الصيد، باب: في الصيد، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 237).
والجواب: أن الأصل التحريم فيه، وقد شككنا في السبب المبيح له، فيرجع إلى الأصل.
وتأولوا حديث أبي ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه، وفارقه، ثم عاد فأكل منه، فهذا لا يضر.
وأما جوارح الطير إذا أكلت مما صادته، فالأصح عند الشافعية من قولين للشافعي رحمه الله: تحريمه، وقال سائر العلماء بإباحته؛ لأنه لا يمكن تعليمها ذلك، بخلاف السباع، وأصحاب الشافعي يمنعون هذا الدليل.
ومنها: أن أخذ الكلب الصيد وقتله إياه ذكاةٌ شرعية، بمنزلة ذبح الحيوان الإنسي، وهذا مجمع عليه. ولو لم يقتله الكلب، ولكن تركه، ولم يُبق فيه حياة مستقرة، أو بقيت ولم يبق زمان يمكن صاحبه لحاقه وذبحه، فمات، حل؛ لهذا الحديث:"فإنَّ أخذَ الكلبِ ذَكاتهُ".
ومنها: إذا جرحه بالسهم، فغاب عنه فوجده ميتًا، وليس فيه أثر غير سهمه، حلَّ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا غابَ عنك يومًا أو يومين، فلم تجدْ فيه إلا أثرَ سهمِك، فكلْ إن شئت".
وفي هذه اختلاف مذهب مالك والشافعي في أحد الأقوال: أنه يحل في الصيد والسهم، وهو أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة، وما ورد من الأحاديث المخالفة لها الآثار، فكلها ضعيفة ومحمولة على كراهة التنزيه.
ومنها: التنبيه على قاعدة مهمة، وهي: أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان، لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه، وهذا لا خلاف فيه؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم:"وإن قتلنَ، ما لم يشرَكْها كلب ليسَ منها" ما يدل على ذلك، وقد ثبت في "صحيح مسلم" زيادة على هذا:"فلا تأكلْ؛ فإنك لا تدري أَيُّهما قتله".
وفي ذلك تنبيه أيضًا على أنه لو وجده حيًّا وفيه حياة مستقرة، فذكَّاه، حلَّ، ولا يضر كونُه اشترك في إمساكه كلبه وكلب غيره، ولأن الاعتماد حينئذ في الإباحة على تذكية الآدمي، لا على إمساك الكلب، وإنما تقع الإباحة بإمساك الكلب إذا قتله.