الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الرضاع
الحديث الأول
عَن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بِنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ" (1).
أما ابنةُ حمزةَ، فلم يحضرني اسمُها، ولم أرهُ في أسماءِ المبهَماتِ (2).
وسبب هذا الحديث: أن ابنة العم من النسب حلال، وحمزة هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، فعرضت عليه صلى الله عليه وسلم ابنته، فقال:"إنها لا تحلُّ لي"؛ حيث إن حمزة عمه من النسب، أخٌ له صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما ثُويبة؛ فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
وتقدم ذكر بعض ذلك أوائل كتاب النكاح.
وأما الرضاع؛ فهو -بفتح الراء وكسرها-، والرضاعة فيها اللغتان. وقد
(1) رواه البخاري (2502)، كتاب: الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم، ومسلم (1446)، كتاب: الرضاع، باب: تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، وهذا لفظ البخاري.
(2)
قلت: قد ذكر اسمها الحافظ أبو القاسم بن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة"(2/ 709 - 710)، ففال: ابنة حمزة هذه اسمها: عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقيل: هي أمامة بنت حمزة، وتكنى أم الفضل.
رضِع الصبي أمه، -بكسر الضاد في الماضي- يرضَعها -بفتحها- رَضاعًا، قال الجوهري: وأهل نجد تقول: رَضَع يَرْضِع -بفتح الضاد في الماضي، وكسرها في المضارع- رَضْعًا؛ كضرب يضرب ضربًا، وأرضعته أمه، وامرأة مرضع؛ أي: لها ولد ترضعه، فإن وصفتهما بإرضاعه، قلت: مرضعة -بالهاء-، والله أعلم (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرُمُ من الرضاعِ ما يحرُمُ من النسبِ"؛ نكاح المحرمات بالنسب سبع:
الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، فيحرمن بالرضاعة كما حَرُمْنَ بالنسب.
فأمك: كلُّ من أرضعتك، أو أرضعت من أرضعتك، أو أرضعت من ولدتك بواسطة، أو بغير واسطة، وكذلك كل امرأة ولدت المرضعة والفحل.
وكل امرأة أرضعت بلبنك، أو أرضعتها امرأة ولدتها، أو أرضعت بلبن من ولدته، فهي بنتك، وكذلك بناتها من النسب والرضاع.
وكل امرأة أرضعتها أمك، وأرضعت بلبن أبيك، فهي أختك.
وكذلك كل امرأة ولدتها المرضعة أو الفحل وأخوات الفحل، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع، عماتك وخالاتك.
وكذلك كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك، أو أرضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب أو الرضاع. وبنات أولاد المرضعة والفحل في الرضاع والنسب، بنات أخيك وأختك.
وكذلك كل أنثى أرضعتها أختك أو أرضعت بلبن أخيك، وبناتها وبنات أولادها من الرضاع والنسب، بنات أخيك.
وبنات كل ذكر أرضعته أمك، أو ارتضع بلبن أخيك، وبنات أولادهن من
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 18)، و"لسان العرب" لابن منظور (8/ 125)، و"مختار الصحاح" للرازي (ص: 103)، (مادة: رضع).
الرضاع والنسب، بنات أخيك وبنات كل امرأة أرضعتها أمك، أو أرضعت بلبن أبيك، وبنات أولادها من النسب والرضاع أولاد أخيك.
وقد استثنى الفقهاء من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "يحرمُ من الرضاع ما يحرمُ من النسب" أربعَ نسوة يحرمن من النسب، وقد لا يحرمن من (الرضاع):
الأولى: أم أخيك وأم أختك من النسب هي: أمك أو زوجة أبيك، وكلاهما حرام، ولو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك، لم تحرم.
الثانية: أم نافلتك، إما بنتك أو زوجة أبيك، وهما حرامان.
وفي الرضاع قد لا تكون بنتك، ولا زوجة أبيك؛ بأن ترضع أجنبية نافلتك.
الثالثة: جدة ولدك من النسب: إما أمك، أو أم زوجتك، وهما حرامان، وفي الرضاع قد لا تكون أمًّا ولا أم زوجة؛ كما إذا أرضعت أجنبية ولدك،؛ فإنها جدة ولدك، وليست بأمك ولا أم زوجتك.
الرابعة: أخت ولدك في النسب حرام؛4 لأنها إما بنتك أو ربيبتك.
ولو أرضعت أجنبية ولدك، فبنتها أخت ولدك، وليست ببنت ولا بربيبة.
فهذه الأربعة، مستثنيات من عموم الحديث:"يحرمُ من الرضاعِ ما يحرمُ من النسب".
وأما أخت الأخ، فلا تحرم، لا من النسب، ولا من الرضاعة، وصورته: أن يكون لك أخ من أب، وأخت من أم، فيجوز لأخيك من الأب نكاحُ أختك من الأم، وهي أخت أخيه.
وصورته من الرضاع: أرضعتك وأرضعت صغيرةً أجنبية منك، يجوز لأخيك نكاحُها، وهي أختك، وفي معنى هذا الحديث، حديثُ عائشة رضي الله عنها الذي بعده، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة"(1).
(1) سيأتي تخريجه قريبًا.
واعلم أن الأمة اجتمعت على ثبوت الحرمة بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها، يحرم عليه نكاحها أبدًا، ويحل له النظر إليها والخلوة بها، والمسافَرة، ولا يترتب عليها أحكام الأمومة من كل وجه، ولا يتوارثان، ولا يجب على كل واحد منهما نفقة الآخر، ولا تعتق عليه بالملك، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها، ولا يسقط عنها القصاص بقتله؛ فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام.
وأجمع العلماء على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع، وبين الرضيع وأولاد المرضعة، وأنه في النكاح كولدها من النسب. وأما الرجل المنسوب ذلك الابن إليه؛ لكونه زوج المرضعة، أو وطئها بملك أو شبهة، فمذهب الشافعي والعلماء كافة: ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع، ويصير ولدًا له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته، ويكون إخوة الرجل أعمام الرضيع، وأخواته عماته، ويكون أولاد الرضيع أولادًا للرجل. ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر، وابن علية، فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع.
ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، واحتجوا بقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرها في النسب، واحتج الجمهور بالأحاديث الآتية وغيرها من الأحاديث الصحيحة في عم عائشة وعم حفصة، وقوله صلى الله عليه وسلم مع إذنه فيه:"إنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة".
وأجابوا عما احتجوا به من الآية: أنه ليس له فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما؛ لأن ذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه، ولم يعارضه دليل آخر، كيف ومع هذه الأحاديث الصحيحة؟ والله أعلم.
* * *