المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب العتق العتقُ: الحريةُ. قال صاحب "المحكم": يقال: عتق يعتق عِتقًا وعَتقًا - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ٣

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الرَّهْنِ وغيرِه

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثَّاني عشر

- ‌بَابُ اللُّقَطَة

- ‌بَابُ الوَصَايَا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتَابُ النِّكاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌بَابُ الصَّداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العِدَّة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللِّعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب حَدّ الخمر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌كتاب العتق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌كتاب العتق العتقُ: الحريةُ. قال صاحب "المحكم": يقال: عتق يعتق عِتقًا وعَتقًا

‌كتاب العتق

العتقُ: الحريةُ.

قال صاحب "المحكم": يقال: عتق يعتق عِتقًا وعَتقًا -بكسر العين وفتحها-، وعتاقًا وعتاقة، فهو عتيق، وهم عتقاء وأعتقة، فهو معتَق وعَتيق، وهم عُتقاء، وأمة عتيق وعتيقة، وإماء عَتائق، وحَلَفَ بالعِتاق؛ أي: الإعتاق.

وزاد الجوهري، فقال: عتق؛ فهو عتيق وعاتق.

قال الأزهري: هو مشتق من قولهم: عَتَقَ الفرسُ: إذا سبق ونجا، وعتق الفرخ: طار واستقلَّ، والعبدُ بالعتقِ يتخلَّصُ ويذهبُ حيثُ شَاء (1).

* * *

‌الحديث الأول

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيْمَةَ عَدْلٍ، فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ"(2).

(1) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 427)، و"المُغرب" للمطرزي (2/ 41)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 135)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" له أيضًا (ص: 243)، و"لسان العرب" لابن منظور (10/ 234)، (مادة: عتق).

(2)

رواه البخاري (2386)، كتاب: العتق، باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين أو أمة بين الشركاء، ومسلم (1501)، في أول كتاب: العتق.

ص: 1723

اعلم أن صيغة "من" للعموم في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركًا"، فتقتضي دخول أصناف المعتقين في الحكم والشرك.

والشقيص: الشريك. فقال: هو شركي وشقيصي: أي شريكي في شِقص من الأرض، والله أعلم.

ومما يدخل في عموم المعتِقين: المريض. وقد اختلف في عتقه شقصًا من عبدٍ:

فالشافعية يرون أنه [إذا](1) خرج من الثلث جميعُ العبد، قُوِّمَ عليه نصيبُ الشريك، وعتقَ عليه؛ لأن تصرف المريض في ثلثه كتصرف الصحيح في كله.

ونقل عن أحمد رحمه الله: أنه لا يقوم في حال المرض.

وذكر أبو الوليد بن رشيد قاضي الجماعة عن الماجشون من المالكية فيمن أعتق حصة من عبد بينه وبين شريكه في المرض: أنه لا يقوم عليه نصيب شريكه، إلا من رأس ماله، إن صح، وإن لم يصح، لم يقوَّم في الثلث على كل حال، وعتق في حصته وحده.

والعموم -كما ذكرنا- يقتضي التقويم، وتخصيصه بما يحمله الثلث مأخوذ من الدليل الدال على اختصاص تصرف المريض في التبرعات.

ومما يدخل في عموم المعتقين: المسلم والكافر.

وللمالكية في ذلك تصرف؛ فإن كان الشريكان والعبد كفارًا، لم يلزموا بالتقويم، وإن كان أحدهما مسلمًا والآخر كافرًا، فإن أعتق المسلم، حمل عليه، مسلمًا كان العبد أو ذميًّا.

وإن أعتق الكافر، فقد اختلفوا في التقويم على ثلاثة مذاهب: الإثبات، والنفي، والفرق بين أن يكون العبد مسلمًا، فيلزمه التقويم، وبين أن يكون ذميًّا، فلا يلزم.

وإن كانا كافرين والعبدُ مسلمًا؛ فروايتان.

(1) ليست في "ح".

ص: 1724

وللحنابلة أيضًا وجهان فيما إذا عتق الكافر نصيبه من مسلم وهو مسلم، هل يسري إلى باقيه؟

وهذا التفصيل يقتضي تخصيص صور من هذا العموم:

أحدها: إذا كان الجميع كفارًا، وسببه ما دل عندهم على عدم التعرض للكفار في خصوص الأحكام الفرعية.

وثانيها: إذا كان المعتق هو الكافر على مذهب من يرى ألا يقوم، أو لا يقوم إذا كان العبد كافرًا.

فأما الأول: فرأى أن المحكوم عليه بالتقويم هو الكافر، ولا إلزام له بفروع الأحكام الإسلامية.

وأما الثاني: فرأى أن التقويم إذا كان العبد مسلمًا؛ لتعلق حق المعتق بمسلم.

وثالثها: إذا كانا كافرين والعبد مسلمًا على قول، وسببه ما ذكرناه من تعلق حق المسلم بالعتق.

وهذه التخصصات إن أخذت من قاعدة كلية لا يستند فيها إلى نص معين، فيحتاج إلى الاتفاق عليها، وإن استندت إلى نص معين، فلا بد من النظر في دلالته مع دلالة هذا العموم.

ووجه الجمع بينهما والتعارض قوله: "شركاء": الشرك في الأصل: مصدر لا يقبل العتق، وأطلق على متعلقه، وهو المشترك، فلا بد من إضمار جزء وما يقاربه؛ حيث إن المشترك في الحقيقة هو جملة العين، أو الجزء المعين منها إذا أفرد بالتعيين؛ كاليد والرجل مثلًا، وأما النصيب المعين، فلا اشتراك فيه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "قُوِّمَ عليهِ قيمةَ عَدْلٍ"؛ هو بفتح العين؛ أي: لا زيادة ولا نقص.

وقوله: "وإلَّا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ"؛ اختلف في هذا، هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أم من كلام الراوي عن ابن عمر -وهو نافع-؟

ص: 1725

والذي رواه مالك وغيره من المحققين والحفاظ الضابطين: أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن مالكًا وعبيد الله العمري، روياه ووصلاه بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلاه منه من غير بيان لكونه مدرجًا من كلام غيره، مع شدة تحريهما وبسطتهما. وهذا هو الظاهر.

ورواه أيوب عن نافع، فقال: قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق، ففصله من الحديث، وجعله من قول نافع.

قال القاضي عياض رحمه الله: وما قاله مالك، وعبيد الله العمري، أولى، وقد جوداه، وهما في نافع أثبتُ من أيوب عند أهل هذا الشأن. كيف وقد قال أيوب مرة: لا أدري هو من الحديث، أم هو شيء قاله نافع؟ فقد شك فيه.

وقد رواه يحيى بن سعيد عن نافع، وقال في هذا الموضع: وإلا فقد جاز ما صنع، فأتى به على المعنى، قال: وهذا كله يرد قول من قال بالاستسعاء، والله أعلم (1).

وفي هذا الحديث أحكام مستنبطة، وأحكام مصرح بها:

أما المصرح بها؛ فمنها: أن من أعتق نصيبه من عبد مشترك، قوم عليه باقيه إذا كان موسرًا بقيمة باقيه، سواء كان العبد مسلمًا أو كافرًا، وسواء كان الشريك مسلمًا أو كافرًا، وسواء كان العتيق عبدًا أو أمة، ولا خيار للشريك في هذا، ولا للعبد، ولا للمعتق، بل ينفذ هذا الحكم وإن كرهوه كلهم؛ مراعاة لحق الله تعالى في الحرية.

وأجمع العلماء على أن نصيب المعتِق يعتق بنفس الإعتاق، إلا ما حكي عن ربيعة أنه قال: لا يعتق نصيب المعتِق، موسرًا كان أو معسرًا، وهذا قول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة كلها، وللإجماع.

(1) وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر (14/ 265)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 139)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 154).

ص: 1726

وأما نصيب الشريك، فاختلف العلماء في حكمه إذا كان المعتق موسرًا على ستة مذاهب:

أحدها: وهو الصحيح في مذهب الشافعي، وبه قال ابن شبرمة، والأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وبعض المالكية: أنه عتق بنفس الإعتاق، ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم الإعتاق، ويكون ولاء جميعه للمعتِق، وحكمه من حين الإعتاق حُكم الأحرار في الميراث وغيره من الأحكام، وليس للشريك إلا المطالبة بقيمة نصيبه كما لو قبله.

قال هؤلاء: ولو أعسر المعتق بعد ذلك، استمر نفوذ العتق، وكانت القيمة دينًا في ذمته، ولو مات، أخذت من تركته، فإن لم تكن له تركة، ضاعت القيمة، واستمر عتق جميعه.

قالوا: فلو أعتق الشريك نصيبه بعد إعتاق الأول نصيبه، كان إعتاقه لغوًا؛ لأنه قد صار كله حرًّا.

المذهب الثاني: أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة، وهو المشهور من مذهب مالك، وبه قال أهل الظاهر، وهو قول الشافعي.

والمذهب الثالث: أن الشريك بالخيار، إن شاء استسعى العبد في نصف قيمته، وإن شاء أعتق نصيبه، والولاء بينهما، وإن شاء قُوم نصيبه على شريكه المعتق، ثم يرجع المعتق بما دفع إلى شريكه على العبد يستسعيه في ذلك، والولاء كله للمعتق، والعبدُ في مدة السعاية بمنزلة المكاتب في كل أحكامه، هذا مذهب أبي حنيفة.

المذهب الرابع: مذهب عثمان البتي: لا شيء على المعتق، إلا أن تكون جارية رابعة تراد للوطء، فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر.

الخامس: حكاه ابن سيرين: أن القيمة في بيت المال.

السادس: محكي عن إسحاق بن راهويه: أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء.

ص: 1727

وهذا القول شاذ مخالف للعلماء كافة، والأقوال الثلاثة قبله فاسدة مخالفة لصريح الأحاديث، فهي مردودة على قائلها.

هذا كله إذا كان المعتق لنصيبه موسرًا، فأما إذا كان معسرًا حال الإعتاق، ففيه أربعة مذاهب:

أحدها: مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وموافقيهم: ينفذ العتق في نصيب المعتق فقط، ولا يطالب المعتق بشيء، ولا يستسعى العبد، بل يبقى نصيب الشريك رقيقًا كما كان، وبهذا قال جمهور العلماء علماء الحجاز؛ للحديث.

المذهب الثاني: مذهب ابن شبرمة، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وسائر الكوفيين، وإسحاق: يستسعى العبد في حصة الشريك.

واختلف هؤلاء في رجوع العبد بما أدى العبد في سعايته على معتقه:

فقال ابن أبي ليلى: يرجع عليه، وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يرجع، ثم هو عند أبي حنيفة في مدة السعاية بمنزلة المكاتب، وعند الآخرين هو حر بالسراية.

المذهب الثالث: مذهب زفر، وبعض البصريين: أنه يقوم على المعتق، ويؤدي القيمة إذا أيسر.

الرابع: حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء: أنه إن كان المعتق معسرًا، بطل عتقه في نصيبه أيضًا، فيبقى العبد كله رقيقًا كما كان، وهذا مذهب باطل.

أما إذا ملك الإنسان عبدًا بكماله، فأعتق بعضه، فيعتق كله في الحال بغير استسعاء، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، والعلماء كافة.

وانفرد أبو حنيفة فقال: يستسعى في نفسه لمولاه.

وخالفه أصحابه في ذلك، فقالوا بقول الجمهور.

وحكى القاضي أنه روي عن طاوس، وربيعة، وحماد، ورواية عن الحسن كقول أبي حنيفة، وقاله أهل الظاهر.

ص: 1728

وعن الشعبي، وعبيد الله، عن الحسن العنبري: أن للرجل أن يعتق من عبده ما شاء، والله أعلم (1).

فلو كان نصيب الشريك مرهونًا، فهل يمنع الرهن سراية العتق إلى نصيب شريكه؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله، وظاهر عموم الحديث يقتضي عدم المنع من السراية، وكأنه يؤدي إلى تعارض حق الله تعالى في عتق المرهون، وحق المرتهن في الوثيقة؛ حيث إن ملك الشريك لم يزل عن نصيبه المرهون، كيف وحق المرتهن غير متعين في المرهون، فإنه يرجع إلى قيمته، فلا يمنع سراية العتق، فيقوى العمل بعموم اللفظ، ويلغى المانع من إعماله.

وأجمع العلماء على أن الراهن لو أراد أن يوفي من غير العين المرهونة، كان له ذلك، ولا يتعين الوفاء منها، والله أعلم.

ولو كاتبا عبدًا، ثم أعتق أحدهما نصيبه، فقد تعارض عموم لفظ الحديث والتخصيص بعدم المانع، وهو: صيانة الكتابة عن الإبطال. وغاية ما في تنجيز عتقه بالسراية إلى نصيب الشريك المكاتب، إبطال حق الولاء له في نصيبه.

لكن لفظ الحديث يتناوله؛ من حيث إنه عبدٌ، والمكاتب عبد ما بقي عليه درهمٌ، فيتناول لفظ عموم الحديث إليه أقرب، فيسري العتق إلى نصيب الشريك المكاتب، ويعتق؛ لما فيه من تنجيز العتق في الحال على تأخر العتق بالكتابة، والشارع متشوف إلى العتق بوصف التنجيز.

وكذلك لو كان العبد مدبَّرًا، فأعتق أحدُهما نصيبه فيه، فإن كان الحكم فيه كالكتابة وأولى، وتناول لفظ العموم هاهنا أقوى من الكتابة؛ حيث إنه يجوز بيع المدبر.

ولهذا الأصح من قولي الشافعي عند أصحابه: أنه يقوم على المعتق نصيب الشريك.

وغاية ما في هذا المدبر: أن العتق وسرايته وإليه أبطل حقه من قربه، وهي

(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 138).

ص: 1729

تدبير النصيب الذي له، والذي يجوز له إبطاله بالبيع، والله أعلم.

فلو أعتق نصيبه من جارية، ثبت الاستيلاد في نصيب شريكه منها، فمنع السراية هنا قوي؛ لأنها تتضمن نقل الملك، وأم الولد لا تقبل نقل الملك من مالك إلى مالك عند من يمنع بيعها، وهو أصح الوجهين عند الشافعية رحمهم الله.

ومن يُجري عموم لفظ الحديث يُلغي هذا المانع بأن الإعتاق وسرايته كالإتلاف، وإتلاف أم الولد يوجب قيمتها، والتقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات، وذلك يقتضي تخصيص العموم لصدور أمر جُعل إتلافًا، والله أعلم.

ومنها: أنه يشترط في المعتق أن يكون مختارًا للعتق في العبد المشترك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتقَ شركًا له"؛ فإنه يقتضي صدور العتق منه، واختياره له، فيثبت الحكم حيث كان مختارًا، وينتفي حيث لا اختيار، إما من حيث المفهوم، وإما لأن السراية على خلاف القياس، فيختص بمورد النص، وإما لإبداء معنى مناسب يقتضي التخصيص بالاختيار.

ولا شك أن إصدار العتق بصيغة مقتضية له بنفسها داخلة في مدلول الحديث.

فلو ورث بعضَ قريبه، عتقَ عليه ذلك البعض من غير اختيار، ولا يسري إلى باقيه، ولا يقوم عليه عند الشافعية، ونص عليه بعض المالكية؛ لعدم اختيار العتق وسببه معًا.

وعن أحمد رحمه الله رواية: أنه يعتق عليه نصيب الشريك إذا كان موسرًا، وكأنه يجعل العتق الشرعي الناشئ عن الملك القهري قائمًا مقام الملك والعتق الاختياريين.

ومن أمثلة إرث بعض قريبه وعتقه عليه: إذا عَجَّزَ المكاتب نفسَه بعد أن اشترى شقصًا يعتق على سيده، فإن الملك والعتق يحصلان بعد اختيار السيد، فهو كالإرث، فلو وجد سبب العتق باختياره كقبوله بيع بعض قريبه أو هبته أو الوصية له به.

ص: 1730

وقد نزل ذلك الشافعي منزلة المباشرة، ونص عليه بعض المالكية في الشراء والهبة، فيسري إلى باقيه.

ومن ذلك: لو عجَّز السيد مكاتبه، بعد أن اشترى شقصًا ممن يعتق على سيده، فانتقل إليه الملك بالتعجيز الذي هو سبب العتق لما أجازه، فهو كاختياره بسبب العتق بالشراء وغيره.

وفيه اختلاف لأصحاب الشافعي رحمهم الله، ويضعف هذا عن الأول؛ لأنه لم يقصد التمليك، وإنما قصد التعجيز، فحصل العتق ضمنًا بخلاف الأول؛ فإنه منزل منزلة المباشرة باختيار التمليك بالقبول، فهو أقوى من التعجيز الذي حصل العتق فيه ضمنًا، والله أعلم.

ولا فرق بين الاختيار في الملك وبين الاختيار في سببه، فلو أكره على العتق بحق حكم عليه به شرعًا، نفذ مكان ذلك خارجًا عن حكم الإكراه، ولم يدخل تحت اختياره سبب العتق، ففرق بين اختياره ما يوجب العتق في نفس الأمر، وهو سبب العتق، وبين اختياره ما يوجبه ظاهرًا.

فعلى هذا، إذا قال أحد الشريكين لصاحبه: قد أعتقت نصيبك، وهما معسران عند هذا القول، ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه، فإنه يحكم بعتق النصيب المشترى عنده؛ مؤاخذة للمشتري بإقراره، فهل يسري إلى نصيبه بمقتضى ما قررناه؟ إنه لا يسري؛ لأنه لم يختر ما يوجب العتق في نفس الأمر وإنما اختار ما يوجب الحكم به ظاهرًا.

وقال بعض القدماء من الحنابلة: يعتق جميعه، وهو ضعيف، والله أعلم.

ومنها: لو علق عتق نصيبه من العبد المشترك على صفة، فوجدت الصفة، عتق، وكان ذلك قائمًا مقام العتق المنجز في السراية والتقويم.

وأما العتق إلى أجل، فاختلف المالكية فيه:

والمنقول عن مالك وابن القاسم رحمهم الله: أنه يقوم عليه الآن، فيعتق إلى أجل، وقال سحنون: إن شاء الممسك، قومه الساعة، فكان عتقه إلى سنة

ص: 1731

مثلًا جزاء، وإن شاء تماسك، وليس يبيعه قبل السنة إلا من شريكه، وإن أتت السنة، قوم على مبتداء التقويم.

ومنها: أن الشريك المعتق لو كان نصيبه قليلًا أو كثيرًا، عتق، وتعلق به حكم السراية بشرطه؛ حيث إن الشرك منكَّر، وهو واقع في سياق الشرط؛ فيقع على كل قليل وكثير.

فلو أعتق عضوًا معينًا؛ كاليد أو الرجل مثلًا، اقتضى الحديث ثبوتَ الحكم فيه.

وخلاف أبي حنيفة في الطلاق جارٍ هاهنا، وتناول لفظ الحديث لهذه الصورة أقوى من تناولها للجزء المشاع؛ لما قيدناه؛ لأن الجزء الذي تفرد بالتعيين مشترك حقيقة، فلو أعتق نصيبه، اقتضى الحديث مصادقته لنصيبه.

فعلى هذا، لو قال: أعتقت نصيب شريكي، لم يؤثر في نصيبه، ولا في نصيب الشريك، على المذهبين، فلو قال للعبد الذي يملك نصفه: نصفك حر، وأعتقت نصفك، فهل يحمل على النصف المختص به، أو يحمل على النصف شائعًا؟ فيه اختلاف لأصحاب الشافعي.

وعلى كل حال، فقد عتق، إما كل نصيبه، أو بعضه، فهو داخل تحت الحديث.

ومنها: ثبوتُ الحكم في العبد المشترك، وهو مقتضى الحديث، والأمةُ مثلُه، وهو قياس بالنسبة إلى هذا الأصل، وفي معناه الذي لا ينبغي أن ينكره منصف، غير أنه ورد ما يقتضي دخول الأمة في اللفظ.

فقد روى البيهقي عن مالك عن نافع، عن ابن عمر:"من أعتقَ شِرْكًا له في مملوك"، وروى أيوب عن نافع مثله (1)، وروى بشر بن المفضل عن عبيد الله:

(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 277)، من طرق عدة، ليس فيها مالك، والحديث قد رواه البخاري في "صحيحه"(2369)، كتاب: الشركة، باب: الشركة في الرقيق، بهذا اللفظ، ورواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 772)، بلفظ:"من أعتق شركًا له في عبد".

ص: 1732

"في عبد"، وهو لفظ الكتاب، وفي بعض هذه الروايات عموم.

وجاء في رواية موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر ما هو أقوى من ذلك: أنه كان يرى في العبد والأمة تكون بين الشركاء، فيعتق أحدهم نصيبه منه، يقول: قد وجب عليه عتقه كله.

وفي آخر الحديث يخبر بذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).

وكذلك جاء في رواية صخر بن جويرية عن نافع، يذكر العبد والأمة قريبًا مما ذكرناه من رواية موسى، وفي آخره رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنها: اعتبار يسار المعتق في وقت العتق؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: "فكانَ له مالٌ يبلغُ ثمنَ العبد" بالفاء، سواء اقتضى ذلك اليسار وقت العتق، أو حاله، فلو كان معسرًا لم يسرِ.

وتقدم الاختلاف في المذاهب فيه قريبًا.

وبه قال الشافعية رحمهم الله، قالوا: إذا أوصى أحد الشريكين بعتق نصيبه بعد موته، فلا سراية، وإن خرج كله من الثلث؛ لأن المال ينتقل بالموت إلى الوارث، ويبقى الميت لا مال له، فلا يقوم على من لا يملك شيئًا وقت نفوذ العتق في نصيبه، وكذلك لو كان يملك كل العبد، فأوصى بعتق جزء منه، فأعتق منه جزءًا، لم يسر. وكذلك لو دبر أحدُ الشريكين نصيبه فقال: إذا متُّ فنصيبي منك حُرٌّ، فكله جارٍ على ما ذكرناه عند من قال به (2).

وظاهر مذهب المالكية في هذه المسألة في التدبير: أنه لا يسري، وقيل: إنه يقوم في ثلثه، وجعله موسرًا بعد الموت.

ومنها: أن قيمة الشيء تسمى ثَمَنًا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: "فكانَ له مالٌ يبلغُ ثمنَ العبدِ"، والمراد بالثمن: قيمةُ العبد؛ فإن الثمنَ ما اشتريت به العينَ، وإنما تلزم

(1) رواه البخاري (2389)، كتاب: العتق، باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين، أو أمة بين الشركاء.

(2)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (12/ 115).

ص: 1733

السراية بوجود القيمة، لا بالثمن، وقد تبين المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:"قُوِّمَ عليه قيمةَ عدلٍ".

وفي رواية عمرو بن دينار عن سالم، عن أبيه:"أَيُّما عَبْدٍ كانَ بينَ اثنينِ، فأعتقَ أحدُهما، فإنْ كانَ موسِرًا، فإنه يُقَوَّمُ عليه بأعلى القيمةِ"، أو قال:"قيمةً لا وَكْسَ ولا شَطَطَ"(1).

وفي رواية أيوب: "وكانَ له من المالِ ما يبلغُ ثمنَهُ بقيمةِ العدلِ"(2)، وفي هذا كله ما يبين أن المراد بالثمن: القيمة، فلو كان المال لا يبلغ كمال القيمة، ولكن قيمة بعض النصيب، فمقتضى الحديث تعليق الحكم بمال يبلغ ثمن العبد.

وقد ذكر أصحاب الشافعي رحمهم الله في السراية بذلك وجهين.

فيمكن استدلال من لا يرى السراية بمفهوم لفظ الحديث، ويعضده أن في السراية تبعيض ملك الشريك عليه، والأصح عندهم السراية إلى القدر الذي هو موسر به تحصيلًا للحرية بقدر الإمكان، والمفهوم في هذا ضعيف؛ فلو كان عليه دين يساوي القيمة، أو يزيد عليها، فهل يمنع السراية والتقويم؟

فيه الخلاف في منع المدين الزكاة؛ حيث اشترك هو والعتق في كونهما حقًّا لله - تعالى - تعلق بآدمي، والمالكية يرون أن من عليه دين بقدر ماله، فهو معسر، فيقضى هنا على أصلهم منع السراية.

وظاهر الحديث أن الدين لا يكون مانعًا هاهنا؛ تخصيصًا لهذه الصورة بالمانع الذي يقيمه في العتق والزكاة، فلو ملك ما بقي بنصيب شريكه، ولم يملك غيره، فهل يقوم عليه مقتضى الحديث التقويم؟

والشافعية أخرجوا قوتَ يومه، وقوتَ من تلزمه نفقته، ودستَ ثوبٍ، وسكنى يوم.

(1) رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 194)، وفي "اختلاف الحديث" (ص: 562)، ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 275).

(2)

تقدم تخريج هذه الرواية عند البخاري في "صحيحه".

ص: 1734

والمالكية اختلفوا: فقيل باعتبار قرب الأيام، وكسوة ظهره؛ كما في الديون التي عليه، ويباع منزله الذي يسكن فيه، وسوار بيته. قالوا: وإنما يترك له ما يواريه لصلاته.

واختلف العلماء في وقت حصول العتق عند وجود شرائط السراية إلى الباقي:

وللشافعي رحمه الله ثلاثة أقوال:

أحدها -وهو الأصح عند أصحابه-: أنه يحصل بنفس الإعتاق، وهي رواية عن مالك رحمه الله.

الثاني: أن العتق لا يحصل إلا إذا أدي نصيب الشريك، وهو ظاهر مذهب مالك.

والثالث: التوقُّف، فإن أدى القيمة، بان حصولُ العتق من وقت الإعتاق، وإلَّا، بانَ أنه لم يعتق.

وألفاظ الأحاديث في ذلك مختلفة عند الرواة، فبعضها يدل على الإعتاق بعد التقويم والإعطاء، فيكون عتق الباقي للتقويم مرتبًا، وذلك يدل على ترتيب في الوجود أو في المرتبة، وهو باطل؛ حيث إن عتق النصيب الباقي على قول السراية بنفس إعتاق الأول، إما معه، أو عقبه.

واعلم أن التقويم إن أريد به تقويم الحاكم، فهو متأخر في الوجود عن عتق النصيب والسراية معًا، ولا يكون عتق الشريك مرتبًا على التقويم مع ما فيه من المجاز، فالتقويم بهذا التفسير مع العتق الأول يتقدم على الإعطاء وعتق الباقي، فلا يكون عتق الباقي متأخرًا عن التقويم على هذا التفسير، لكنه متأخر على ما دل عليه ظاهر اللفظ.

وإذا بطل الثاني، تعين الأول؛ وهو أن يكون عتق الباقي راجعًا إلى الترتيب في الوجود؛ أي: يقع أولًا التقويم، ثم الإعطاء وعتق الباقي، وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله.

ص: 1735

إلا أنه يبقى على هذا احتمال أن يكون "وعتقَ عليه العبدُ" معطوفًا على "قُوِّمَ قيمةَ عدل"، لا على "أعطي شركاؤه حصصهم"، فلا يلزم تأخر عتق الباقي عن الإعطاء، ولا كونه معه في درجة واحدة تعليل بالنظر في راجح الاحتمالات؛ من حيث عطفه على "أعطي" أو على "قوم".

وأقوى منه رواية عمرو بن دينار عن سالم، عن أبيه؛ إذ فيها:"فكانَ موسرًا؛ فإنه يقوَّمُ عليه بأعلى القيمة، أو قال: قيمةً لا وكسَ ولا شَطَطَ، ثم يقوم لصاحبه حصته، ثم يعتق"(1)، فجاء بلفظة (ثم) المقتضية لترتيب العتق على الإعطاء والتقويم.

وأما ما يدل ظاهره للشافعي؛ فرواية حماد بن زيد عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"من أعتقَ نصيبًا له في عبدٍ، فكان له من المالِ ما يبلغُ ثمنَهُ بقيمة العدلِ، فهو عتيقٌ"(2).

وأما في رواية بشر بن المفضل عن عبيد الله، مما جاء فيها:"من أعتقَ شركًا له في عبدٍ، فقد عَتَقَ كلُّه، إنْ كان الذي عتقَ نصيبهُ من المالِ ما يبلغُ ثمنَهُ، يقوَّمُ عليه قيمةَ عدلٍ، فيدفعُ إلى شركائه أنصباءَهم، ويُخلي سبيلَه"(3)؛ فإن في أوله ما يستدل لمذهب الشافعي رحمه الله بقوله: "فقد عتقَ كلُّه"؛ فإن ظاهره يقتضي تعقيب عتق كله، لا عتق النصيب. وفي آخره ما يشهد لمذهب مالك رحمه الله؛ فإنه قال: يقوم قيمة عدل، فيدفع إلى الشركاء النصيب بعد إعتاق النصيب للتقويم، ودفع القيمة عقب التقويم إلى الشركاء، وذكر تخلية السبيل بعد ذلك بالواو.

قال شيخنا الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد رحمه الله: والذي يظهر في هذا أن ينظر إلى هذه الطرق ومخارجها، فإذا اختلفت الروايات في مخرج واحد،

(1) تقدم تخريجها قريبًا.

(2)

تقدم تخريجها.

(3)

تقدم تخريجها.

ص: 1736

أخذنا بالأكثر، أو بالأحفظ فالأحفظ، ثم نظرنا في أقربها دلالة على المقصود، فيعمل بها.

وأقوى ما ذكرناه لمذهب مالك لفظة "ثم".

وأقوى ما ذكرناه لمذهب الشافعي رحمه الله رواية حماد، وهي قوله:"من أعتقَ نصيبًا له في عبد" إلى قوله: "فهو عتيقٌ".

لكنه يحتمل أن يكون المراد أن مآله العتق، أو أن العتق قد وجب له وتحقق.

وأما قضية وجوبه بالنسبة إلى تعجيل السراية أو توقفها على الأداء، فمحتمل.

فإذا آل الأمر إلى هذا، فالواجب النظر في أقوى الدلالتين وأظهرهما دلالة "ثم" على تراخي العتق عن التقويم والإعطاء.

ودلالة لفظة "فهو عتيق": على تنجيز العتق هذا بعد أن يجري ما ذكرناه من اختلاف الطرق، أو إبقائها على مدلولها، والله أعلم (1).

وقد يستدل بالحديث من يرى السرايةَ بنفس الإعتاق، على عكس ما قررناه في الوجه قبله، وطريقُه أن يقال: لو لم تحصل السراية بنفس الإعتاق، لما تعينت القيمة جزاء للإعتاق، لكن تعينت، فالسراية حاصلة بالإعتاق، بيان الملازمة: أنه إذا تأخرت السراية عن الإعتاق، وتوقفت على التقويم، عتق الشريك نصيبه، ونفذ، وإذا نفذ، فلا تقويم، فلو تأخرت السراية، لم يتعين التقويم، لكنها متعينة بالحديث.

واختلف الحنفية في مجرد الإعتاق، بعد اتفاقهم على عدم تجزيء العتق؛ فأبو حنيفة: يرى بالتجزيء في الإعتاق، وصاحباه لا يريانه. وأثبتا على مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن للسالب أن يعتق؛ إبقاء للملك، ويضمن لشريكه؛ لأنه جنى على ملكه بالإفساد واستسعاء العبد؛ لأنه ملكه رجاء يسار المعتق، فلو كان في حال إعساره، سقط التضمين، ونفي الأمران الآخران.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 257).

ص: 1737

وعند أبي يوسف، ومحمد: لما لم يتجزأ الإعتاق، عتق كله، ولا يملك إعتاقه.

ولهما أن يستدلا بالحديث من جهة ما ذكرناه من تعيين القيمة فيه، ومع تجزيء الإعتاق لا تتعين القيمة.

ومنها: وجوب قيمة نصيب الشريك على المعتق نصيبه؛ للحديث: "أنه يقوم عليه قيمة العدل"، فيدفع لشركائه حصصهم، فإن دلالة سياقه لا شك فيها على هذا الحكم، وذلك يرد مذهب من يرى أن باقي العبد يعتق من بيت مال المسلمين، وهو مروي عن ابن سيرين - رحمه الله تعالى -، ومقتضاه التقويم على الموسر.

وذكر بعضهم قولًا آخر: أنه ينفذ عتق من أعتق، ويبقى من لم يعتق على نصيبه يفعل فيه ما يشاء.

وروي في ذلك عن عبد الرحمن بن زيد قال: كان بيني وبين الأسود غلامٌ شهد القادسية، وأبلى فيها، أرادوا عتقه، وكنت صغيرًا، فذكر ذلك الأسود لعمر رضي الله عنه، فقال: أعتقوا أنتم، ويكون عبد الرحمن على نصيبه حتى يرغب في مثل ما رغبتم فيه، أو يأخذ نصيبه (1).

وفي رواية عن الأسود قال: كان لي ولإخوتي غلام أبلى يوم القادسية، فأردت عتقه، فذكرت ذلك لعمر، فقال: أتفسدُ عليهم نصيبهم حتى يبيعوا؟! فإن رغبوا فيما رغبت فيه، وإلا لم يفسد عليهم نصيبهم، فقال بعضهم: لو رأى التضمين، لم يكن ذلك إفسادًا لنصيبهم (2).

قال شيخنا الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد رحمه الله: والإسناد صحيح،

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(21729)، ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 278).

(2)

انظر: "المحلى" لابن حزم (9/ 191)، وقوله: فقال بعضهم: لو رأى التضمين لم يكن ذلك إفسادًا لنصيبهم. هو من كلام ابن حزم في "المحلى".

ص: 1738

غير أن في إثبات قوله بعدم التضمين عند اليسار بهذا نظر، أما على كل تقدير، فالحديث يدل على التقويم عند اليسار المذكور فيه، والله أعلم (1).

ومنها: العمل بالظنون في باب القيم، وهو متفق عليه؛ لامتناع النص على الجزئيات من القيم في مدة الزمان، وقوله صلى الله عليه وسلم:"قُوِّمَ عليهِ قيمةَ عدلٍ" يدل على ذلك.

ومنها: أن ضمان المتلَفات التي ليست من ذوات الأمثال بالقيمة، لا بالمثل صورة.

ومنها: اعتبار الصفات التي تختلف بها القيم عرفًا عند الناس، واشتراط قيمة العدل في الحديث تدل على ذلك.

ومنها: الرد على ربيعة؛ حيث قال: إذا أعتق أحدُهما نصيبه من العبد، فإنه مردود، وصريحُ الحديثِ والإجماعُ يردُّ عليه، وقد حُمل قوله على منع عتق المُشَاع.

ومنها: تعليق العتق بإعطاء الشركاء حصصهم؛ حيث رتب على العتق التقويم بالفاء، ثم على التقويم بالفاء للإعطاء والعتق، وعلى قولنا: إنه يسري بنفس العتق لا بتوقف العتق على التقويم والإعطاء، وقد تقدم ذكر ثلاثة أقوال في ذلك، ثالثها: أنه موقوف، فإن أعطى القيمة، ثبتت السراية وقت العتق، ولا ينافي هذا القول لفظ الحديث.

ومنها: عتق نصيب الموسر جميعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإلا فقد عَتَقَ منه ما عتقَ": فيقتضي أنه إذا كان معسرًا، لا يعتق نصيب الشريك، ويبقى على الرق، أو يستسعى العبد.

وفي ذلك نظر، ويؤخذ حكمه من حديث آخر، وسيأتي - إن شاء الله تعالى -، والله أعلم.

* * *

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (4/ 258).

ص: 1739