الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَن حُذَيفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ، وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشرَبُوا فِي آنِية الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا؛ فَإِنَّها لَهُم فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَة"(1).
تقدم الكلام على حذيفة.
وأما الديباج؛ فهو بكسر الدال وفتحها عجمي معرب، جمعه ديابيج ودبابيج؛ وهو ما غَلُظَ وثَخُنَ من ثياب الحرير.
وذكره بعد الحرير، وإن كان نوعًا منه، هو من باب ذكر الخاص بعد العام.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تأكلوا في صحافِها". الصِّحافُ: جمع صَحْفَة، وهي دون القصعة، قال الجوهري: قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنةُ، ثم القصعةُ تليها تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المُكيلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها لهم في الدنيا"؛ أي: للكفار، ومعناه: أن الكفار إنما يحصل لهم ذلك في الدنيا، وأما الآخرة، فما لهم فيها من نصيب، وأما المسلمون، فلهم في الجنة الحرير والذهب، وما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وليس في الحديث حجة لمن يقول: الكفار غير مخاطبين بفروع الشرع؛ لأنه لم يصرح بإباحتها لهم، وإنما أخبر عن الواقع في العادة أنهم هم الذين يستعملونه في الدنيا، وإن كان حرامًا عليهم كما هو حرام على المسلمين، وإنما
(1) رواه البخاري (5110)، كتاب: الأطعمة، باب: الأكْل في إناء مفضض، ومسلم (2067)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (14/ 37)، و"لسان العرب" لابن منظور (9/ 187).
ذكر ذلك تنبيهًا على تحريم التشبه بهم فيما يعانونه من أمور الدنيا؛ تأكيدًا للمنع منه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكم في الآخرة"؛ أي: يوم القيامة، وإنما ذكر ذلك؛ لئلا يظن أنه يحصل ذلك بمجرد الموت، وأنه يصير في أحكام الآخرة في هذا الإكرام، فبين صلى الله عليه وسلم أنما ذلك في يوم القيامة وبعده في الجنة أبدًا، فتكون لهم يوم القيامة حكمًا، وتستمر في الجنة أبدًا، والله أعلم.
وفي هذا الحديث دليل: على تحريم لبس الحرير والديباج مطلقًا.
وذكر أصحاب الشافعي أنه يجوز لبس الديباج الثخين الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح حالة القتال، وكأنهم يجعلون ذلك من الأمور المحتاج إليها أنها كإذنه صلى الله عليه وسلم في لبس الحرير للحكة، والله أعلم.
وفيه دليل: على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة مطلقًا، وتخصيص الشرب والأكل بالنهي دون غيرهما من الحالات؛ لكونهما الغالب في الاستعمال، لا لتقييده بهما.
وللشافعي قول ضعيف: أن المنع منهما للتنزيه، وهو متفق على ضعفه.
واختلف في تعليل المنع منهما، فقيل: للسرف والخيلاء. وقيل: لتعليل النقدين؛ حيث إن الحكمة اقتضت الانتفاع بهما في المعاملات، فلا يُضيَّق على الناس في ذلك؛ بجعلهما في غيره، والله أعلم.
وفيه: التنبيه على منع التشبه بالكفار.
وفيه: التحضيض على الصبر عن ذلك احتسابًا لنيله في الآخرة؛ حيث إنها الباقية، وما عداها فانٍ، والتعلق بالباقي خير من التعلق بالزائل الفاني، والله أعلم.
* * *