الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحكوم فيه الأفعال
تكليف ما لا يطاق
- وهو المستحيل- يقال على ما تعلق العلم والخبر والمشيئة بأنه لا يكون، وعلى فعل العبد -لأنه مخلودق لله موقوف على مشيئته- وعلى ما يشق فعله لا يتعذر.
وذلك واقع إِجماعًا.
وهل خلاف (1) المعلوم أو وفقه لا يطاق؟ فيه أقوال، ثالثها: الفرق.
وأما الممتنع في نفسه -كالجمع بين الضدين- أو عادة كصعود السماء: فممتنعان سمعاً، ذكره ابن الزاغوني وصاحب (2) المحرر من أصحابنا إِجماعًا.
وفي (3) جوازهما عقلاً أقوال. (4)
قال بعض أصحابنا: (5) فالخلاف عند التحقيق في الجواز العقلي أو (6) الاسم اللغوي، وأما (7) الشرع فلا (8) خلاف فيه.
(1) و (2) انظر: المسودة/ 79.
(3)
نهاية 35 ب من (ب).
(4)
و (5) انظر: المرجع السابق.
(6)
في (ظ): والاسم. والمثبت من (ح). وكان اللفظ في (ب) هكذا: "أو والاسم"، ثم ضرب على "أو".
(7)
في نسخة في هامش (ب): "فأما".
(8)
نهاية 71 من (ح).
وقال أبو بكر من أصحابنا: "الله تعالى يتعبد خلقه بما يطيقون وبما لا يطيقون"، فأطلق.
وقال أبو إِسحاق (1) من أصحابنا: إِن الله أراد تكليف عباده ما ليس (2) في طاقتهم ولا قدرتهم، واحتج بقوله:(ويدعون إِلى السجود فلا يستطيعون). (3)
وقال (4) ابن الجوزي: قال النقاش: (5) ليس هذأ تكليفاً لهم وهم عجزة، بل توبيخ بتركهم السجود.
(1) هو ابن شاقْلا. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 489.
(2)
في (ظ): بما.
(3)
سورة القلم: آية 42: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إِلى السجود فلا يستطيعون).
(4)
انظر: زاد المسير 8/ 341 - 342.
(5)
هو: أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون النقاش، عالم بالقرآن وتفسيره، أصله من الموصل، ولد سنة 266 هـ ببغداد، ونشأ بها، ورحل رحلة طويلة، وكان في أول أمره يشتغل بنقش السقوف والحيطان، فعرف بالنقاش، توفي سنة 351 هـ. من مؤلفاته: شفاء الصدور في التفسير، والإِشارة في غريب القرآن، والموضح في معاني القرآن، والمعجم الكبير في أسماء القراء وقراءاتهم، ومختصر هذا المعجم، وأخبار القصاص.
انظر: الفهرست/ 33، وتاريخ بغداد 2/ 201، ومعجم الأدباء 6/ 496، ووفيات الأعيان 4/ 298، وغاية النهاية 2/ 119، ومفتاح السعادة 1/ 416.
وكذا قال الآمدي (1): ليس تكليفاً، للإِجماع على أن الآخرة دار مجازاة. كذا قال.
وقال ابن حامد من أصحابنا: ذهبت طائفة من أصحابنا إِلى إِطلاق الاسم في جواز تكليف ما لا يطاق في زَمِن (2) وأعمى (3) وغيرهما، وهو مذهب جهم وبرغوث (4).
ولنا خلاف: هل القدرة لا تكون إِلا مع الفعل، أو قبله -بمعنى سلامة الآلات- كقول المعتزلة (5)؟.
قال ابن الزاغوني وغيره ما معناه (6): أن من قال: لا تكون إِلا معه كلف كل واحد (7) ما لا يطيقه.
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 138.
(2)
يعني: تكليفه بالمشي.
(3)
يعني: تكليفه بالإِبصار.
(4)
هو: محمد بن عيسى، من أتباع النجارية -من فرق المعتزلة- ويلقب ببرغوث، كان على مذهب النجار في أكثر مذاهبه، وخالفه في تسمية المكتسب فاعلاً، فامتنع عنه، وخالفه في المتولدات؛ فزعم أنها فعل لله تعالى بإِيجاب الطبع، وإِليه تنسب الفرقة البرغوثية.
انظر: الفرق بين الفرق/ 209، والتبصير في الدين/ 93.
(5)
انظر: المعتمد للقاضي أبي يعلى/ 142.
(6)
انظر: المرجع السابق/ 147.
(7)
في (ح): أحد.
وقيل لأبي الخطاب -في وجوب الزكاة قبل إِمكان الأداء- هذا يفضي إِلى تكليف ما لا يطاق.
فقال: يجوز، وهي مشهورة في الأصول، ثم: لا نكلفه الفعل فيأثم، وإينما يثبت في ذمته، يفعله (1) عند القدرة.
وقال هو -وفي عيون المسائل (2)، في مسائل الامتحان-: إِذا قيل: ما شيء فعله محرم وتركه محرم؟ فصلاة السكران.
وذكر الآمدي (3): أن ميل الأشعري في أكثر أقواله إِلى جواز تكليف ما لا يطاق كالجمع (4) بين الضدين، وأنه لازم على أصله في وجوب مقارنة القدرة الحادثة للمقدور بها، وأنه مخلوق لله، وهو مذهب أكثر أصحابه، وأنهم اختلفوا في (5) وقوعه، ووافقه بعضهم على النفي، كقول أكثر
(1) في (ب): بفعله.
(2)
للحنابلة كتابان بهذا الاسم:
أحدهما: للقاضي أبي يعلى. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 205.
والآخر: لأبي علي بن شهاب العكبري، قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 172: أبو علي بن شهاب العكبري؛ صاحب كتاب عيون المسائل، متأخر، ونقل من كلام القاضي وأبي الخطاب
…
ما وقفت له على ترجمة
…
ولم يظهر لي المراد هنا.
(3)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 133 - 134.
(4)
نهاية 29 أمن (ظ).
(5)
نهاية 72 من (ح).
المعتزلة (1).
واختار صاحب المحصول (2) وغيره وقوعه، وعكسه الآمدي (3) وغيره.
وجه الأول: قوله: (ولا (4) نكلف نفسًا إِلا وسعها). (5)
ولمسلم من حديث أبي هريرة: أنه لما نزل: (وإِن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه) الآية (6)، اشتد ذلك على الصحابة، وقالوا: لا نطيقها، وفيه: أن الله نسخها؛ فأنزل: (لا يكلف الله نفسًا) إِلى آخر السورة (7)، وفيه -عقب كل دعوة-: قال: (نعم). (8)
(1) انظر: المعتمد للقاضي/ 146.
(2)
انظر: المحصول 1/ 2/ 363.
(3)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 134.
(4)
في (ظ): لا نكلف.
(5)
سورة المؤمنون: آية 62.
(6)
سورة البقرة: آية 284: (لله ما في السماوات وما في الأرض وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير).
(7)
سورة البقرة: آية 286: (لا يكلف الله نفسًا إِلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إِن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إِصراً كما حلمته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).
(8)
أخرجه مسلم في صحيحه/ 115 - 116، وأحمد في مسنده 2/ 412. وانظر: تفسير الطبري 3/ 95.
ولمسلم: نحوه من حديث ابن عباس، وفيه: قال: (قد فعلت)(1).
قال (2) بعض أصحابنا: قيل: المراد به ما يثقل ويشق، كقوله عليه السلام في المملوك:(لا يكلف من العمل ما لا يطيق). (3) رواه مسلم.
وكقوله: (لا تكلفوهم ما يغلبهم، فإِن كلفتموهم فأعينوهم عليه). متفق عليه (4).
واحتجت الأشعرية (5) بسؤال (6) رفعه على جواز التكليف بالمستحيل لغيره.
واحتج بعض أصحابنا (7) والآمدي (8) وغيرهما: بأنه لوصح
(1) أخرجه مسلم في صحيحه/ 116. وانظر: تفسير الطبري 3/ 95.
(2)
نهاية 36 أمن (ب).
(3)
هذا جزء من حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه:
أخرجه مسلم في صحيحه 1284، ومالك في الموطأ/ 980، وأحمد في مسنده 2/ 247، 342.
(4)
هذا جزء من حديث رواه أبو ذر رضي الله عنه أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 11، 3/ 149، 8/ 16، ومسلم في صحيحه/ 1282، 1283، وأبو داود في 5/ 360، والترمذي في سننه 3/ 224 - 225 وقال:"حسن صحيح"، وابن في سننه/ 1216 - 1217، وأحمد في مسنده 5/ 158، 161.
(5)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 135، 138، والمعتمد للقاضي/ 147.
(6)
الواردة في آية 286 من سورة البقرة. وقد ذكر نصها في هامش الصفحة السابقة.
(7)
انظر: البلبل/ 15.
(8)
انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 135.
التكليف بالمستحيل لكان مطلوب الحصول، لأنه معناه، وهو محال لعدم تصور وقوعه؛ لأنه يلزم تصور الشيء على خلاف ماهيته، واستدعاء حصوله فرع تصور وقوعه.
فإِن قيل: لو لم يتصور لم يحكم بكونه محالاً، لأن الحكم بصفة الشيء فرع تصوره.
رد: بأن الجمع المتصور المحكوم بنفيه عن الضدين هو جمع المختلفات التي ليست بمتضادة، ولا يلزم من تصوره منفياً عن الضدين تصوره ثابتًا لهما، لاستلزامه (1) التصور على خلاف الماهية.
واعترض على الدليل: بما علم الله أنه لا يقع، فإِنه لا يتصور وقوعه.
وعلى الجواب: بما سبق (2) في (3) تقسيم العلم: أن تصور النفي فرع تصور الإيجاب، لأن النفي المطلق غير معقول، ولهذا قيل: الإيجاب أبسط منه.
قالوا: لو لم يصح لم يقع، ثم ذكروا ما سبق (4): من تعلق (5) العلم والخبر والمشيئة بما لا يكون، وفعل العبد وقدرته.
ورد: بأن الخلاف في الممتنع لذاته، وهذا لغيره، وهو لا يمنع تصور
(1) في (ب): لاستلزام.
(2)
انظر ص 33 من هذا الكتاب.
(3)
نهاية 73 من (ح)
(4)
انظر: ص 256 من هذا الكتاب.
(5)
في (ح): تعلم.
الوقوع منه، لجواز إِمكانها (*) منه بالذات.
وبأن ذلك مستلزم أن التكاليف تكليف بالمحال، وهو باطل إِجماعاً.
[ورد بعض أصحابنا (1) الأول، وانتساخ (2) الإِمكان الذاتي بالاستحالة بالغير العرضية (3).
وبالتزام الثاني، والمسألة (4) علمية، والإِجماع لا (5) يصلح (6) دليلاً فيها (7). كذا قال]. (8)
قالوا: (أنه لن يؤمن من قومك إِلا من قد آمن)، (9) وكلفوا بتصديقه مطلقًا، ومنه: تكليفهم تصديقه في عدم تصديقهم.
(*) كذا في النسخ. ولعل الصواب: إِمكانه.
(1)
انظر: البلبل/ 16
(2)
كذا في النسختين. ولعل المناسب: لانتساخ. انظر: البلبل/ 16.
(3)
في (ب): الغرضية.
(4)
نهاية 29 ب من (ظ).
(5)
في (ب): ملا.
(6)
في (ظ): لا يصح.
(7)
تتمة الكلام من البلبل/ 16: لظنيته، بدليل الخلاف في تكفير منكر حكمه.
(8)
ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(9)
سورة هود: آية 36: (وأوحي إِلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إِلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون)