الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعذور بالسكر كالمغمى عليه، فدل ذلك أن السكر لا يزيل العقل، لكنه يغطيه، كالنوم والإِغماء، وقاله (هـ)(1) وغيرهم، وفي كلام أصحابنا خلافه.
مسألة
المكره (2) المحمول كالآلة غير مكلف (هـ)، وهو مما لا يطاق.
(1) انظر: كشف الأسرار 4/ 354.
(2)
في هامش (ظ): دل كلام المصنف على أن المحمول كالآلة -مثل: الملقى من شاهق ونحوه، مما لا يقدر على الامتناع- مكلف عند أبي حنيفة، وذكر ابن قاضي الجبل في أصوله: أنه غير مكلف إِجماعاً.
ولذلك: البيضاوي الشافعي جزم بأن الإِكراه الملجئ يمنع التكليف لزوال القدرة.
قال الأسنوي: وهذا القسم لا خلاف فيه، كما قال ابن التلمساني. ثم قال: واختار الإِمام والآمدي وأتباعهما التفصيل بين الملجئ وغيره -كما اختاره المصنف- لكنهما لم يبينا محل الخلاف، وقد بينه ابن التلمساني كما تقدم.
قال الأسنوي: الإكراه قد ينتهي إِلى حد الإلجاء، وهو: الذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار، كالإلقاء من شاهق.
وقال الطوفي: الإِلجاء أن لا يصح منه الترك، كمن ألقي من شاهق على إِنسان أو مال، فأتلفه، أو صائم مكتوف ألقي في الماء، فدخل الماء حلقه.
وقال الآمدي: "اختلفوا في الملجأ إِلى الفعل بالإكراه بحيث لا يسعه تركه، في جواز تكليفه بذلك الفعل إِيجاداً وعدماً.
والحق: أنه إِذا خرج إِلى حد الاضطرار -وصار نسبة ما يصدر عنه من الفعل إِليه كنسبة حركة المرتعش إِليه- أن تكليفه به إِيجادًا وعدمًا غير جائز، إِلا على القول بتكليف=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=ما لا يطاق، وإن كان ذلك جائزاً عقلاً، لكنه ممتنع الوقوع سمعاً، لقوله-:(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) والمراد منه رفع المؤاخذة، وهو مستلزم لرفع التكليف، وأما ما يلزمه من الغرامات فقد سبق غير مرة.
وأما إِن لم ينته به إِلى حد الاضطرار فهو مختار، وتكليفه جائز عقلاً وشرعًا.
وأما الخاطئ فغير مكلف إِجماعًا فيما هو مخطئ فيه، لقوله عليه السلام:(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) الحديث".
وفي هامش (ظ) -أيضًا-: قد فهم من كلام ابن قاضي الجبل، وابن التلمساني: أن المكره الذي بلغ حد الإِلجاء ليس مكلفاً إِجماعًا -على لفظ ابن قاضي الجبل- ولا خلاف فيه، على قول ابن التلمساني.
والظاهر: نفي الخلاف عند العلماء، لا عند أرباب مذهبه فقط؛ لأنه قال بعده:(وأما الثاني -وهو غير الملجئ- فلا يمنع التكليف، وهو مذهب أصحابنا). فدل أن الأول منفي عند أصحابهم وغيرهم.
وكلام الآمدي صريح أن الملجئ فيه خلاف.
والذي ظهر لي أن الذي ذكر الخلاف في تكليفه، مراده: جواز تكليفه وعدم جوازه، كما هو مفهوم من كلام الآمدي، ولا شك أن غايته: أنه تكليف بالمحال، فيجيء فيه الخلاف في التكليف بالمحال.
ومن حكى الإجماع ونفى الخلاف، مراده: أن تكليفه لم يقع، كما فهم من قول الآمدي:"لكنه ممتنع الوقوع".
لكن قول المصنف: "إِن المحمول كالآلة غير مكلف خلافاً لأبي حنيفة" حمله على الجواز دون الوقوع مشكل؛ لأنه ذكر أنه مكلف عند أبي حنيفة، فحمله على الجواز لا يمكن، لأن جواز تكليفه الخلاف فيه معروف عند أشياخ مذهبنا وغيرهم، كما هو مصرح به في=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=تكليف المحال.
وحمله على الوقوع لا يمكن؛ لأن أبا حنيفة يقول بتكليفه على ما حكاه عنه، فيخالف ما حكي من الإجماع على عدم تكليفه.
ومما يدل على أن المراد بتكليفه الجواز وعدمه -لا نفس الوقوع- ما قاله ابن عقيل في الواضح، فإِنه قال:"والذي يدل على قصده ودخول فعله تحت التكليف منع الشرع من قتل البريء المكره على قتله، وإلحاق الوعيد به على إِيقاع القتل به، وبهذا النهي والوعيد والتأثيم قد بان أن الله تعالى يصح أن يكلفنا ترك كل ما يكره على فعله حسبما كلفنا ترك قتل البريء، وإنما رخص لنا قول كلمة الكفر تسهيلاً علينا منه ورفقاً بنا، وليس دخول الرفق -رخصة وسهولة- مما يمنع دخول التكليف، كما رخص لنا في المرض الإفطار، ولم يمنع ذلك تكليفه لنا الانزجار عن التداوي بما حرم علينا".
لكن كلام ابن عقيل يفهم منه أن المكره الذي فيه الخلاف هو الذي يوجد الفعل منه، وأن من لم يوجد ليس من هذا القبيل، فإنه قال:"واعلم أن المكره داخل تحت التكليف على أن فيه اختلافاً بين الناس؛ وذلك أن المكره لا يكون مكرهاً إِلا على كسبه وما هو قادر عليه، نحو: المكره على الطلاق والبيع وكلمة الكفر، وكل ذلك إِذا وقع فهو كسب لمن وقع منه وواقع مع علمه وقصده إِليه بصيغة، فيصح لذلك تكليفه، كتكليف ما لا إِكراه عليه فيه".
قلت: وهذا ظاهر؛ لأن الذي ألقي من شاهق لم يوجد منه فعل، وإينما الفعل ممن ألقاه، وإن كان الفعل قد ينسب إِلى الآلة، كقوله:"قطعتِ السكين"، فالفعل المنسوب إِلى المحمول "كالآلة" كالفعل المنسوب إِلى بقية الآلات، كالسكين ونحوها. انتهى ما في هامش (ظ).
وانظر مذهب الحنفية -في هذه المسألة- في: فواتح الرحموت 1/ 166، وتيسير التحرير 2/ 307، وكشف الأسرار 4/ 384، والتوضيح على التنقيح 3/ 226.
وذكر بعض أصحابنا قولاً -وبعضهم رواية- في اليمين: يحنث.
وبعضهم: كالحنفية. وهو سهو.
وبالتهديد مكلف عندنا وعند الشافعية (1)، لصحة الفعل منه وتركه، ونسبة الفعل إِليه حقيقة، ولهذا يأثم المكرَه بالقتل بلا خلاف، قاله في المغني (2)، مع أنه علل أحد القولين لنا وللشافعية -فيما إِذا علق طلاقاً بقدوم زيد، فقدم مكرَها:(3) لا يحنث- بزوال اختياره بالإِكراه. (4)
وهذه المسألة مختلفة الحكم (5) في الفروع (6) -في المذاهب- بالنسبة إِلى الأقوال والأفعال في حق الله وحق العبد، على ما لا يخفى.
والأشهر عندنا: نفيه في حق الله، وثبوته في حق العبد.
وعند المعتزلة: لا يجوز تكليفه بعبادة؛ لأن من أصلهم (7): وجوب إِثابة المكلف، والمحمول على الشيء لا يثاب عليه.
(1) انظر: التمهيد للأسنوي/ 116، والمستصفى 1/ 90، ونهاية السول مع مناهج العقول 1/ 138 - 139.
(2)
انظر: المغني 8/ 267.
(3)
نهاية 39أمن (ب).
(4)
انظر: المرجع السابق 7/ 475.
(5)
نهاية 32 أمن (ظ).
(6)
انظر: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام/ 39، والتمهيد للأسنوي/ 116، والتوضيح على التنقيح 3/ 227، وكشف الأسرار 4/ 384.
(7)
انظر: المعتمد للقاضي/ 120.
وأطلق جماعة عنهم: لا يكلف.
وألزمهم (1) ابن الباقلاني الإِكراه على القتل.
قال (2) أبو المعالي: وهي هفوة (3) عظيمة؛ لأنهم لم يمنعوا النهي عن الشيء مع الإِكراه، بل الاضطرار إِلى فعل شيء مع الأمر به. (4)
(1) في هامش (ظ): وجه إِلزامهم الإِكراه على القتل: أن المكره على القتل يحرم عليه فعل القتل بالإِجماع، فهو منهي، والنهي تكليف.
(2)
انظر: البرهان لأبي المعالي/ 107.
(3)
نهاية 80 من (ح).
(4)
في هامش (ظ): فإِذا أكره على فعل الصلاة، واضطر إلى فعله، لم تكن تلك الصلاة التي اضطر إِلى فعلها بالإِكراه مأمورًا، لأنه إِنما أمر أن يصلي بصلاة يفعلها بأمر الشارع، فإِذا أكره عليها، وفعلها لأجل الاضطرار بالإِكراه، فليست هي المأمور بها، وما ليس مأموراً به ليس داخلاً تحت التكليف بالمأمور.
هذا معنى قوله: "بل الاضطرار إِلى فعل شيء مع الأمر به" أي: أنه لما صار مفعولاً بالإكراه خرج عن كونه مأمورًا به.
وهذا المعنى يوضحه كلام ابن التلمساني كما نقله الأسنوي في شرح المنهاج.
وفي هامش (ظ) -أيضًا- قال ابن التلمساني: وفيما قاله أبو المعالي نظر؛ لأن القاضي إِنما أورده عليهم من جهة أخرى، وذلك لأنهم منعوا أن المكره قادر على غير الفعل المكره عليه، فبين القاضي أنه قادر؛ وذلك لأنهم كلفوه بالضد، وعندهم: أن الله تعالى لا يكلف العبد إِلا بعد خلق القدرة له، والقدرة عندهم على الشيء قدرة على ضده، فإذا كان قادراً على القتل كان قادراً على ترك القتل. قال ذلك الأسنوي في شرح المنهاج.
وذكر ابن عقيل وغيره: أنه لا يجب (1) عليه شيء عقلاً ولا شرعًا.
ومعنى كلام جماعة (2) من أصحابنا: يجب شرعاً بفضله وكرمه؛ ولهذا أوجبوا إِخراج الموحدين من النار بوعده، وقال (3) ابن الجوزي -في قوله:(وكان حقًا علينا نصر المؤمنين) - (4): "أي: واجباً أوجبه هو"، وذكره (5) بعض الشافعية عن أهل السنة.
وقال بعض أصحابنا (6): أكثر الناس يثبت استحقاقاً زائداً على مجرد الوعد، لهذه الآية، ولحديث معاذ:(أتدري ما حق الله على العباد). (7)
(1) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 515، والمستصفى 1/ 87، والمسودة/ 63 - 65، الإِرشاد للجويني/ 287، وغاية المرام/ 224، 228، ونهاية الإِقدام/ 404، والتحرير/ 14 ب، والذخر الحرير/ 39.
(2)
انظر: المعتمد للقاضي/ 120.
(3)
انظر: زاد المسير 6/ 308.
(4)
سورة الروم: آية 47.
(5)
في (ح): "وذكر بعض الشافعية أنه قول أهل السنة"، مكان قوله "وذكره بعض الشافعية عن أهل السنة".
(6)
وهو الشيخ تقي الدين. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 516.
(7)
أخرج البخاري في صحيحه 7/ 170:
…
عن معاذ قال: بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم
…
قال: (هل تدري ما حق الله على عباده؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)، ثم سار ساعة
…
فقال: (هل تدري ما حق العباد على الله إِذا فعلوه؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق العباد على الله ألا يعذبهم=