الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاز بعض الشافعية (1) التثويب في جميع الأوقات وعللوا ذلك لفرط الغفلة عند الناس في زماننا.
والصحيح: أنه لا يشرع التثويب في غير الأذان لصلاة الفجر، وبهذا قال المالكية (2) والحنابلة (3) وهذا هو المذهب عند الحنفية (4) والشافعية (5)، دليل ذلك:
أولًا: أن الأحاديث الواردة في مشروعية التثويب في الأذان إنما خصت الأذان لصلاة الصبح دون غيره كما في حديث أبي محذورة وبلال وأنس وابن عمر رضي الله عنهم.
ثانيًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(6) والتثويب في غير أذان الفجر محدث، إذًا فهو باطل غير معتدٍّ به.
ثالثًا: من الآثار ما جاء عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم "أنه دخل مسجدًا يصلي فيه فسمع رجلًا يثوِّب في أذان الظهر فخرج، فقيل له: أين؟ فقال: أخرجتني البدعة"(7).
أي الأذانين لصلاة الفجر يكون التثويب
؟
(1) الحاوي الكبير (2/ 56)، المجموع (3/ 105).
(2)
حاشية ابن عابدين (1/ 260).
(3)
المغني (2/ 61).
(4)
بدائع الصنائع (1/ 148).
(5)
المجموع (3/ 215).
(6)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2550)، ومسلمٌ في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718).
(7)
ذكره ابن قدامة في المغني بهذا اللفظ (1/ 62)، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عيينة عن ليث عن مجاهد قال:"كنت مع ابن عمر فسمع رجلًا يثوب في المسجد فقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع". المصنف (1/ 475)، برقم (1832).
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن التثويب يشرع في الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر، وهذا هو رأي عند الحنابلة (1). واختار هذا الرأي الصنعاني في سبل السلام (2)، وبه قال الألباني (3). واحتجوا لذلك بما يأتي:
1 -
من السنة: ما رواه النسائي عن أبي محذورة قال: "كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله"(4).
وقالوا: فهذا صريح في أن التثويب مخصوص بالأذان الأول من صلاة الصبح.
2 -
أما من جهة المعقول فقالوا: الأذان الأول المقصود منه إيقاظ النائم، كما جاء في حديث بلال وفيه: "
…
ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم" (5) أما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ودعوة إلى الصلاة.
القول الثاني: أن التثويب يكون في الأذان الثاني للفجر. وهذا هو المذهب عند الحنابلة (6) وهو اختيار الشيخ ابن العثيمين (7)، وبه أفتت اللجنة الدائمة
(1) شرح منتهى الإرادات (1/ 134).
(2)
سبل السلام، للصنعاني (1/ 231).
(3)
الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب (1/ 131 - 132).
(4)
أخرجه النسائي في كتاب الأذان، باب التثويب في أذان الفجر، برقم (1611)، وصححه الألباني في سنن النسائي (1/ 140) برقم (628).
(5)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الأذان، باب الأذان قبل الفجر، برقم (596)، ومسلمٌ في كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم (1093) واللفظ لمسلم.
(6)
شرح منتهى الإرادات (1/ 134).
(7)
الممتع (2/ 57)، ومجموع فتاوى الشيخ (12/ 186).
للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية (1)
ودليل ذلك:
1 -
أن الروايات للأحاديث التي جاءت بمشروعية التثويب قيدته بالأذان لصلاة الفجر أو الصبح، وهذا ينصرف إلى الأذان الثاني الذي يعتبر هو الأصل المتفق عليه؛ وهو الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة.
2 -
ومن الأحاديث التي تدل على ذلك حديث نعيم بن النحام رضي الله عنه قال: "كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح، فلما سمعت قلت: لو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن قعد فلا حرج، فلما قال: الصلاة خير من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج"(2).
وجه الدلالة في هذا الأثر من عدة وجوه:
أولًا: قوله: "في غداة باردة":
دليل أن الأذان وقع في الغداة وهو الصبح أي الفجر الصادق، فإنه لا يقال لآخر الليل غداة؛ لأن الغداة تكون من طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
ثانيًا: قوله: "فنادى إلى الصلاة":
وجه الدلالة أن الأذان كان للصلاة، وهذا لا يكون حقيقة إلا إذا كان في الأذان الثاني الذي يكون عند دخول الوقت.
ثالثًا: قوله: "ومن قعد فلا حرج":
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (6/ 58 - 60) رقم الفتوى (9854).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (1/ 502) برقم (1927)، وأحمدُ في مسنده برقم (18099)، والبيهقيُّ في سننه الكبرى (1/ 398) برقم (1731)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (1/ 117).