الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} (1). فهذه الآية جاءت ببيان مشروعية هذه الصلاة وبيان إحدى صفاتها.
أما السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من سنته القولية وكذا من سنته الفعلية؛ أما القولية فهي من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(2).
وأما الفعلية فقد صلاها صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه معه كما جاءت نصوص السنة بذلك.
لكن ذهب أبو يوسف (3) من الحنفية إلى أنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتج بالآية على أن المخاطب بها هو صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أنها مشروعة له ولأمته صلى الله عليه وسلم؛ لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب له ولأمته ما لم يقم دليل على التخصيص، وتخصيصه صلى الله عليه وسلم بالخطاب لا يقتضي تخصيصه بالحكم. بل لم يقل أحد من صحابته صلى الله عليه وسلم أن صلاة الخوف مختصة به صلى الله عليه وسلم.
أنواع الخوف الذي تشرع له صلاة الخوف:
الخوف من العدو، أي عدو كان آدميًا أو سَبْعًا، مثل أن يكون في الأرض سِبَاعٌ يخاف على نفسه منها، فليس بشرط أن يكون العدو بني آدم بل أي عدو كان يخاف الإنسان على نفسه منه.
كيفية صلاة الخوف:
لصلاة الخوف كيفيات متعددة منها:
(1) سورة النساء: 102.
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الأذان باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة وجمع وقول المؤذن الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة، برقم (605).
(3)
المبسوط (2/ 384)، والعناية شرح الهداية (2/ 456).
1 -
إذا كان العدو في غير جهة القبلة والإمام يصلي الثنائية، في هذه الحالة يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين؛ طائفة تصلي معه، وأخرى أمام العدو؛ لئلا يهجم، فيصلي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا كانت الركعة الثانية نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم وسلموا، ثم يذهبون ويقفون مكان الطائفة الثانية أمام العدو والإمام لا يزال قائمًا، وتأتي الطائفة الثانية، وتدخل مع الإِمام في الركعة الثانية، ويطيل الإِمام في الركعة الثانية أكثر من الأولى، فيصلي بهم الركعة التي بقيت ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد وقبل أن يسلم تقوم الطائفة الثانية من السجود وتكمل الركعة التي بقيت وتدرك الإِمام في التشهد فيسلم بهم.
وهذه الصفة هي الموافقة لظاهر القرآن، وقد فعلها صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرِّقاع، فقد روى البخاري ومسلمٌ عن صالح بن خوَّات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف:"أن طائفة صفت معه وطائفة وجَاهَ العدو، فصلى بالذي معه ركعة، ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفوا وِجَاهَ العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم"(1).
وهناك كيفية أخرى في هذه الحالة وهي: أن يصلي الإِمام بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم ينصرفون ويقومون مقام أصحابهم مقبلين على العدو، ثم تأتي، فيصلي بهم ركعة ثم يسلم، ثم يتمون لأنفسهم، ثم تأتي الطائفة الأخرى فتقضي الركعة الثانية.
ودليل هذه الصفة ما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صلى رسول الله
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع؛ وهي غزوة محُارِب خَصَفَةَ من بني ثعلبة من غَطَفَانَ فنزل نخلا وهي بعدَ خيبر؛ لأن أبا موسى جاء بعد خيبر، برقم (3900)، ومسلمٌ في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، برقم (842).
- صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة" (1).
وللإمام أيضًا هنا أمر آخر وهو: أن يجعل الجيش طائفتين؛ طائفة مواجهة للعدو، وطائفة يصلي بهم جميع الصلاة، ركعتين كانت أم ثلاثًا أم أربعًا، فإذا سلم بهم ذهبوا مكان الطائفة المواجهة للعدو، فتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم تلك الصلاة مرة ثانية، وتكون له نافلة ولهم فريضة.
وهذه الصفة صلاها صلى الله عليه وسلم ببطن نخل، فعن أبي بكرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم، ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين ثم سلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعًا"(2).
وهذه الصفة ليست بمشروعة عند من قال بعدم جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وقد ذكرنا ذلك سابقًا وبيَّنا جواز ذلك، ومن هنا كانت هذه الصفة صحيحة.
2 -
الحالة الثانية: إذا كان العدو في جهة القبلة، فهنا يقوم الإِمام بترتيبهم صفين فيُحرِم بالجميع فيصلون معًا، فيقرأ ويركع ويعتدل بهم جميعًا، ثم يسجد بأحدهما، أي بأحد الصفين، ويحرس الصف الأول حتى يقوم الإِمام من سجوده، فإذا قام سجد الصف الآخر ويلحقون الإِمام في قيامه، ويفعل ذلك في الركعة الثانية، غير أن الصف الذي سجد معه هو الذي يحرس فيها، فإن جلس الإِمام
(1) أخرجه مسلمٌ في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، برقم (839).
(2)
أخرجه النسائي في كتاب الصلاة الأول، عدد صلاة الخوف وذكر الاختلاف فيه، برقم (516)، وصححه الألباني.
للتشهد هو والصف الذي معه، سجد الصف الثاني ولحق الإِمام في التشهد، فيتشهد ويسلم بهم جميعًا.
ودليل هذه الصفة ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصَفَّنا صَفَّيْنِ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحو العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا"(1).
3 -
الحالة الثالثة: أن يصلي الإِمام بكل طائفة ركعتين، فتكون منه الصلاة أربعًا بلا تسليم وللقوم ركعتان، فقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال:"أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بذات الرقاع قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال: فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان"(2).
4 -
الحالة الرابعة: حال شدة خوف: إذا اشتد الخوف بحيث لا يتمكنون
(1) أخرجه مسلمٌ في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، برقم (840).
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب خَصَفَةَ من بني ثعلبة من غَطَفَانَ فنزل نخلا وهي بعد خيبر لأن أبا موسى جاء بعد خيبر، برقم (3906)، ومسلمٌ في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، برقم (843) واللفظ لمسلم.