الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث أبي ذر قال: كنا مع النبي في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أبرد" ثم أراد أن يؤذن، فقال له:"أبرد" حتى رأينا فيء التُّلُول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن شدة الحر من فَيْحِ جهنم"(1).
لكن: هل الإبراد لمن يصلي جماعة أم يجوز الإبراد وإن كان المصلي منفردًا؟ على قولين لأهل العلم: فمنهم من قال بأن الإبراد لمن يصلي جماعة أو يكون بيته بعيدًا فيتضرر بالذهاب إلى الصلاة (2). وقال بعضهم: لا يشترط ذلك، بل يجوز الإبراد بالظهر ولو صلى وحده. وهذا هو المذهب عند الحنابلة (3)، وهذا هو الصحيح.
قلنا: وإذا كانت المساجد فيها الإبراد بالوسائل الحديثة من المكيفات والمراوح وما شابه ذلك، فإنه لا ينبغي التأخر عن صلاة الظهر بحجة الإبراد؛ لأن الإبراد حاصل في المساجد ولله الحمد، فليس هناك عذر في التخلف عن صلاة الجماعة، اللَّهم إلا إذا كان البيت بعيدًا جدًا يحصل به الضرر على المصلي من شدة الحر، فهنا يجوز له الإبراد والصلاة وحده.
ثالثًا: وقت صلاة العصر:
اختلف الفقهاء في مبدأ صلاة العصر:
1 -
فذهب الجمهور (4) إلى أن مبدأ صلاة العصر من حين الزيادة على المثل،
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة، برقم (603)، ومسلمٌ في كتاب المساجد، باب استحباب الإبراد بالظهر، رقم (616).
(2)
المغني (2/ 36).
(3)
المرجع السابق.
(4)
انظر في ذلك: جواهر الإكليل (1/ 32)، مغني المحتاج (1/ 121، 122)، كشاف القناع (1/ 252)، المغني (2/ 14).
واحتجوا لذلك بحديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره.
2 -
وذهب أبو حنيفة (1) إلى أن مبدأ صلاة العصر يكون من حين الزيادة على المثلين.
3 -
وذهب أكثر المالكية (2) إلى أن وقت الظهر والعصر يتداخلان، بمعنى أنه لو صلى شخص صلاة الظهر عندما يكون ظل كل شيء مثله وآخر صلى العصر في نفس هذا الوقت، كانت صلاتهما أداء، واحتجوا لذلك بظاهر حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وفيه:"أنه صلى به العصر في اليوم الأول في الوقت الذي صلى فيه الظهر في اليوم الثاني"(3) الأمر الذي يدل على تداخل الوقتين.
والصحيح: أنه لا تداخل بين وقت الظهر ووقت العصر، بل متى خرج وقت الظهر فإنه يدخل وقت العصر، وخروج وقت الظهر بأن يكون ظل كل شيء مثله، متى زاد على ذلك أدنى زيادة فقد دخل وقت العصر، هذا ما ذهب إليه الموفق في المغني (4) وهو ما ذهب إليه الشافعية (5) أيضًا.
أما آخر وقت العصر فهو ما لم تغب الشمس -أي: قبيل الغروب- وهذا هو مذهب الجمهور (6). وذهب المالكية في إحدى الروايات عنهم إلى أن آخر
(1) فتح القدير (1/ 195).
(2)
حاشية الدسوقي (1/ 177).
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في المواقت، برقم (393)، والترمذيُّ في كتاب أبواب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (149). واللفظ للترمذي، وقال:"حسنٌ صحيحٌ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما".
(4)
المغني (2/ 14).
(5)
مغني المحتاج (1/ 122).
(6)
حاشية ابن عابدين (1/ 241)، مغني المحتاج (1/ 122)، كشاف القناع (1/ 163).