الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة أهل الأعذار
الأعذار جمع عذر، والمراد بها هنا المرض والسفر والخوف، فهذه هي الأعذار التي تختلف بها الصلاة عند وجودها.
واختلاف الصلاة هنا هو اختلاف هيئة وعدد مأخوذ من القاعدة العامة، وهي قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (1)، وقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2)، وقوله:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(3).
ومن القواعد المعروفة عند الفقهاء: "أن المشقة تجلب التيسير".
أولًا: أحكام صلاة المريض:
المريض هو الذي اعتلت صحته، سواء كانت هذه العلة في جزء من بدنه أو في جميع بدنه، فمن اشتكى عينه أو أُصْبُعَه فهو مريض، ومن أخذته الحمى فهو مريض.
صفة صلاة المريض:
1 -
يجب على المريض أن يتطهر بالماء لرفع الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطهارة شرط للصلاة، فإن لم يستطع تيمم.
2 -
يجب على المريض أن يطهر ثوبه وبدنه من النجاسات، فإن عجز صلى على حاله، وصلاته صحيحة.
(1) سورة البقرة: 185.
(2)
سورة الحج: 78.
(3)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن الله، برقم (6858)، ومسلمٌ في كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم (1337).
3 -
يجب على المريض أن يصلي على شيء طاهر، فإن عجز صلى على ما هو عليه، وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه.
4 -
ويلزم المريض أن يصلي الفريضة قائمًا، ولو منحنيًا، ولا بأس إن اعتمد على عصًا أو جدار، فإن عجز عن القيام أو كان في قيامه مشقة ظاهرة أو تأخُّر بُرْءٍ أو زيادة مرض، صلى قاعدًا بأن يجلس متربعًا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعًا"(1). وله أن يجلس كجلوس التشهد، وله أن يجلس على الهيئة التي تسهل عليه، ولا ينقص ذلك من ثوابه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"(2) ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"(3).
5 -
فإن عجز المريض عن القعود أو كان فيه مشقة ظاهرة، صلى على جنبه متجهًا إلى القبلة.
لكن على أي الجنبين يصلي؟ المذهب عند المالكية (4) والحنابلة (5) أن الأفضل أن يصلي على الجنب الأيمن ثم الأيسر.
والصواب: أن الأفضل في حق المريض أن يفعل ما هو أيسر له، فإن كان الأيسر أن يكون على جنبه الأيسر فهو أفضل، وإن كان العكس فهو أفضل.
(1) أخرجه النسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف صلاة القاعد، برقم (1363) وصححه الألباني.
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة، برقم (2834).
(3)
أخرجه البخاريُّ، في كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، برقم (1066).
(4)
بداية المجتهد (1/ 192).
(5)
المغني (2/ 574).
لكن إن تساوى عنده الأمران كان الأيمن هو الأفضل؛ لعموم قول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّن في تَنَعُّلِه وترجُّله وطَهوره وشأنه كله"(1).
6 -
فإن عجز المريض عن استقبال القبلة أو لم يجد من يحوله إليها، فإنه يصلي على حسب حاله، فيصلي إلى أي جهة تسهل عليه.
7 -
فإن عجز المريض أن يصلي على جنبه قال بعض أهل العلم: يصلي مستلقيًا على قفاه ورجلاه إلى القبلة.
8 -
فإن عجز عن الركوع والسجود أَوْمَأَ بالركوع والسجود برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
9 -
فإن عجز عن أن يومىء بالرأس لركوعه وسجوده، فقد قال الجمهور بأنه يومىء بما يستطيع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(2) فمتى عجز عن الإيماء بالرأس قالو: يومىء بالعين.
وقد اختلف الفقهاء عند العجز عن الإيماء بالرأس مع إمكان أداء الأقوال في الصلاة إلى قولين:
الأول: إذا عجز عن الإيماء بالرأس يومىء بعينه. وهذا هو قول الجمهور.
الثاني: أنه تسقط عنه الأفعال دون الأقوال. وهذا قول شيخ الإِسلام ابن تيمية وقول الشيخين ابن باز وابن العثيمين (3).
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، برقم (166).
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن الله، برقم (6858)، ومسلمٌ في كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم (1337).
(3)
الشرح الممتع (4/ 332)، مجموع مؤلفات سماحة الشيخ (12/ 243).
والراجح من هذه الأقوال أن من عجز عن الإيماء بالرأس كفاه النية والقول، ولا يومىء بعينه ولا بأصبعه ولا بغيره.
10 -
إن استطاع المريض أن يصلي قائمًا وعجز عن الركوع والسجود، لزمه أن يصلي قائمًا وأومأ بالركوع، ثم يجلس ويومىء بالسجود.
ولا بأس أن يجعل له وِسادة ليسجد عليها، ويجعل الوسادة منخفضة قدر طاقته (1).
فإن كان الظهر مقوسًا رفع المصلي قدر طاقته حال القيام وينحني عند الركوع قليلًا، فإن قدر على الركوع دون السجود ركع عند الركوع وأومأ بالسجود، وإن قدر على السجود دون الركوع سجد عند السجود وأومأ بالركوع.
11 -
إن صلى المريض قاعدًا وأمكنه السجود على الأرض، لزمه ذلك، ولا يكفيه الإيماء، لكن إن عجز عن السجود على الجبهة فقط لكن يقدر باليدين وبالركبتين، فنقول: يضع يديه على الأرض ويدنو من الأرض بقدر استطاعته؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2).
12 -
إذا بدأ المسلم صلاته قائمًا وعجز في أثنائها، أتم صلاته على حسب طاقته، فإن أحس بنشاط في أثنائها لزمه القيام؛ لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3).
13 -
من كان في ماء وطين ولا يمكنه السجود بالتلوث والبلل فله الصلاة بالإيماء والصلاة على دابته؛ لما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول
(1) المغني، لابن قدامة (1/ 446)، الإنصاف، للمرداوي (2/ 308).
(2)
سورة التغابن: 16.
(3)
سورة التغابن: 16.