الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهة نفسه ولا يأخذ لذلك أجرًا؛ لأن الله أعطاه مالًا ووسع عليه، فهذا أكمل في الإخلاص. وبهذا نكون قد انتهينا من هذه المسألة التي كثر الحديث عنها بين الناس.
حكم الأذان الثاني لصلاة الجمعة:
الأذان لصلاة الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان أذانًا واحدًا، وهكذا في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا الأذان كان ينادى به حين يجلس الإِمام على المنبر. فلما جاءت خلافة عثمان رضي الله عنه زاد الأذان الثاني لصلاة الجمعة، وذلك حينما أكثر الناس.
وروى البخاري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنه وكثروا أَمَرَ عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فإذا به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك"(1).
قلنا: وقول السائب بن يزيد رضي الله عنه: "أمر عثمان بالأذان الثالث" المراد بالأذان الأول والثاني الأذان والإقامة كما ذكرنا سابقًا أن الإقامة تعتبر أذانًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة"(2).
وقد اختلف الفقهاء في حكم الأذان الثاني للجمعة:
1 -
فذهب جمهور الفقهاء على أنه سنة، واحتجوا لذلك بما يلي:
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الجمعة، باب التأذين عند الخطبة، برقم (874).
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الأذان، باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة؟ برقم (598)، ومسلمٌ في كتاب صلاة المسافرين، باب بين كل أذانين صلاة برقم (838) من حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه.
* قوله صلى الله عليه وسلم: "
…
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" (1).
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين وعثمانُ منهم، فوجب اتباع أذانه شرعًا.
* إجماع الصحابة: حيث إن عثمان رضي الله عنه أمر بهذا الأذان بجمع منهم. ولم ينكر عليه أحد من الصحابة- رضوان الله عليهم-.
2 -
وذهب آخرون، منهم الإِمام الشافعي (2) وهو مروي عن الإمام مالك نحو ما ذكر الشافعي (3) وهو قول لبعض الحنفية (4) وقول الصنعاني (5) ونصره الألباني (6) - أنه لا يشرع ما أحدثه عثمان رضي الله عنه.
واحتج أصحاب هذا القول بما يأتي:
* ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "الأذان الأول" وفي رواية أخرى: "الأذان يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإِمام والذي قبل ذلك محدث"(7). وجه الدلالة ظاهرة حيث جعل الأذان الثاني -أي: ما أحدثه عثمان- بدعة.
(1) أخرجه أحمد في المسند (4/ 126) رقم (17184)، وأبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607)، والترمذيُّ في كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم (2676).
(2)
الأم (1/ 190).
(3)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (18/ 88، 89).
(4)
أحكام القرآن، للجصاص (5/ 336).
(5)
سبل السلام (1/ 217).
(6)
الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة (ص: 26).
(7)
مصنف ابن أبي شيبة (1/ 470).
* ويستدلون لذلك بأن جماعة من السلف أنكروا هذا الأذان كالحسن وعطاء (1). وقالوا أيضًا: إن ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم أولى بالاتباع.
* واحتجوا لذلك أن عليًا رضي الله عنه، وهو من الخلفاء الراشدين، كان يُؤَذَّنُ له أذان واحد بالكوفة (2)، وكذلك ابن الزبير كان لا يؤذن له حتى يجلس على المنبر ولا يؤذَّنُ له إلا أذان واحد يوم الجمعة (3).
فبهذه الأدلة احتجوا على عدم مشروعية الأذان الثاني -أي: الذي أحدثه عثمان رضي الله عنه. ولذلك قال المعاصرون منهم بأن ما أحدثه عثمان كان لعلة وهي كثرة الناس وتباعد المنازل عن المسجد، وقالوا بأن هذه العلة منتفية في هذا العصر، فلا حاجة لهذا الأذان.
قلنا: وقد ذهب إلى القول الأول اللجنة الدائمة (4) وهو قول الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمَّد بن صالح العثيمين (5)، واحتجوا لذلك بما احتج به جمهور الفقهاء.
لكن ينبغي أن تكون المدة بين الأذانين كافية ليتأهب الناس للصلاة، كأن يكون بين الأذانين ساعة أو قريب منها؛ لكي يتسنى للناس الحضور وترك ما بأيديهم من أعمال. أما ما يحصل في بعض المساجد من أن يؤذن فيها بالأذان الأول ثم يؤذن للثاني مباشرة، أو تكون هناك مدة يسيرة كخمس دقائق أو أكثر بقليل،
(1) المرجع السابق.
(2)
ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (18/ 88).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (3/ 206).
(4)
مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 198) فتوى رقم (1647).
(5)
مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (12/ 347)، مجموع فتاوى سماحة الشيخ محمَّد الصالح العثيمين (15/ 123 - 124)