الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله، فلا تقل حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا؟! قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمَةٌ، وإني كرهت أن أُحْرِجَكُمْ فتمشوا في الطين والدَّحْضِ" (1).
قال ابن بطال: "أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة في شدة المطر والظلمة والريح وما أشبه ذلك، مباح"(2).
ثانيًا: الأعذار الخاصة:
1 -
المرض: من الأعذار المبيحة لترك صلاة الجماعة المرض، والمقصود به هو الذي يحصل به مشقة مع الحضور لصلاة الجماعة، أما المرض الخفيف كصُدَاعٍ بسيط في الرأس مثلًا، فليس بعذر.
دليل ذلك قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3).
ومن الأدلة أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن الجماعة، وقال صلى الله عليه وسلم:"مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس"(4).
ومن ذلك الأمراض المعدية والتي يخشى منها انتقال العدوى إلى الناس. ويلحق بالمريض كبير السن الذي يشق عليه الإتيان إلى المسجد.
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر في المطر، برقم (859)، ومسلمٌ في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الصلاة في الرحال في المطر، برقم (699) واللفظ له.
والدحض: الزلل. قال النووي: والدحض والزلل والزلق والرَّدْغ بفتح الراء وإسكان الدال المهملة وبالغين المعجمة، كله بمعنى واحد. شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 207).
(2)
شرح التثريب في شرح التقريب، للحافظ العراقي (2/ 217، 218).
(3)
الحج: 78.
(4)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الجماعة والإمامه، باب حد المريض أن يشهد الجماعة، برقم (633)، ومسلمٌ في كتاب الصلاة، باب استخلاف الإِمام إذا عرض له عذر من مرض، برقم (418).
2 -
الخوف: مما يعذر به تارك الجمعة والجماعة الخوف، والخوف المبيح لترك الجمعة والجماعة على ثلاثة أنواع:
الأول: الخوف على النفس؛ كأن يخاف على نفسه عَدُوًّا، أو لِصًّا، أو سَبْعًا، أو دابة، أو سيلًا، ونحو ذلك، فهنا يشرع له ترك الجماعة.
الثاني: الخوف على المال من ظالم أو لص، أو يخاف أن يسرق منزله، أو يحرق، أو يكون له خبز في تَنُّورٍ، أو طبخ على نار. فيخاف على ذلك ونحوه، فهنا يعذر بتركه للجمعة والجماعة.
الثالث: الخوف على الأهل؛ كأن يخاف على والديه أو ولده إن كان يقوم بتمريضهما، وكذلك إن كان يقوم بتمريض رجل أجنبي لم يكن له من يقوم بتمريضه، وكان يخشى عليه الضياع لو تركه.
دليل أن الخوف عذر في ترك الجماعة:
قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1).
وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(3). وقوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر"(4) وهذا معذور بلا شك.
(1) التغابن: 16.
(2)
البقرة: 286.
(3)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنة رسول الله، برقم (6857)، ومسلمٌ، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم (1337).
(4)
أخرجه ابن ماجه، في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793) وصححه الألباني.
ولأن مع الخوف يحصل انشغال القلب بما يخاف منه أو عليه.
وهذا منافٍ للمقصود الأعظم الذي من أجله شرعت الصلاة؛ وهو سكون القلب وخشوعه بين يدي خالقه سبحانه وتعالى.
3 -
حضور طعام محتاج إليه: متى حضر الطعام وهو محتاج إليه فهنا يجوز له ترك الجماعة، بل المستحب له أن يبدأ به قبل الصلاة؛ ليكون أفرغ لقلبه وأحضر لباله.
دليل ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان"(1).
وفي لفظ آخر عن أنس رضي الله عنه: "إذا قرب العَشَاء وحضرت الصلاة فَابْدَؤُوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عَشَائكم"(2).
ولا فرق بين أن يخاف فوات الجماعة أو لا يخاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه: "إذا قرب العَشَاء وحضرت الصلاة فَابْدَؤُوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تَعْجَلُوا عن عَشائكم"(2).
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا وضع عَشَاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدءوا بالعَشَاء ولا يعجلن حتى يفرغ منه"(3).
4 -
مدافعة الأخبثين: هذا عذر آخر في ترك صلاة الجماعة، دليل ذلك: حديث عائشة المتقدم: "لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان"(4).
(1) أخرجه مسلمٌ في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560).
(2)
أخرجه مسلمٌ في كتاب الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (557).
(3)
أخرجه مسلمٌ في كتاب الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (559).
(4)
أخرجه مسلمٌ في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560).
والنفي هنا بمعنى النهي، أي: لا تصلوا وأنتم في حال مدافعة الأخبثين.
ولأن مدافعة الأخبثين تقتضي انشغال القلب عن الصلاة، وهذا خلل في نفس العبادة. ولأن في انحباس الأخبثين ضررًا على الإنسان، فإنه يضر البدن ضررًا بينًا، والشريعة أمرت بالمحافظة على النفس مما يضرها.
5 -
أكل مَا لَهُ رائحة كريهة: من أكل بَصَلًا أو كُرَّاثًا أو ثُومًا أو فُجْلًا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة، فإنه يعذر بترك الجماعة.
دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته"(1). وفي رواية: "فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم"(2).
وهذا الذي أكل هذه الأشياء لا نقول بأنه معذور أمام الله إذا كان يتعمد ذلك ويكرره ولم يكن مصادفة، فلا يعذر بتخلفه عن صلاة الجماعة؛ لأنه يمكنه أن يأكل هذه الأشياء مطبوخة، أو يأكلها في غير أوقات الصلاة، فتركه للجمعة والجماعة دفعًا لأذيته للملائكة والمصلين.
أما إذا كان يتناول هذه الأشياء من أجل العلاج لمرض أصابه، وكان ممّن يحافظ على الصلوات في جماعة، فلا شك أنه من أهل الأعذار، ويحصل له أجر الجماعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا"(3).
(1) أخرجه مسلمٌ في كتاب المساجد ومواضع السجود، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلًا، برقم (564).
(2)
أخرجه مسلمٌ في كتاب المساجد ومواضع السجود، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلًا، برقم (564).
(3)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم (2834).
سؤال: هل يلحق بمن يأكل هذه الأشياء شارب الدُّخَان؟
الجواب: نعم، يلحق بهم؛ لأن رائحة الدخان أَنْتَنُ وأكره مما ذُكر، فلا يحل لشارب الدخان أن يؤذي غيره.
حكم من أكل هذه الأشياء المذكورة: (البصل، الثوم، الكراث):
إن أكلها بقصد التخلف عن صلاة الجماعة فهذا حرام، ويأثم بتركه الجماعة. وإن أكلها بقصد التمتع وأنه يشتهيه، فليس بحرام.
6 -
أن يكون على سفر ويخاف فوات الرفقة: من تأهب لسفر مباح مع رفقة ثم أقيمت الجماعة وكان يخشى أنه إذا صلى فاتته الرفقة، فله التخلف عن الجماعة. وهذا عذر من وجهين:
الأول: فوات المقصود من الرفقة إذا انتظر الصلاة مع الجماعة.
الثاني: انشغال القلب بالرفقة.
7 -
غلبة النوم: من غلبه النوم ودافعه فلم يستطع، فله أن يتخلف عن الجماعة؛ ليأخذ قسطًا منه، ثم يصلي حتى يَفْقَهَ صلاته ويعلم ما يقوله فيها؛ فلعله إذا غلبه النعاس أو النوم يذهب ليدعو فيدعو على نفسه، ولهذا فالأولى له أن ينام قليلًا ثم يصلي، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى"(1)، ولقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها:"إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه"(2).
(1) أخرجه مسلمٌ في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، برقم (681).
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الوضوء، باب الوضوء من النوم، برقم (209)، ومسلمٌ في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أمر من نعس في صلاته، برقم (786).
8 -
تطويل الإِمام بالصلاة: إذا أطال الإِمام الصلاة فللمأموم أن ينصرف عنه ويصلي منفردًا، بشرط أن تكون هذه الإطالة خارجة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا كانت موافقة للسنة فليس له الخروج.
دليل ذلك: ما رواه البخاري ومسلمٌ عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلًا قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا منه يومئذٍ، ثم قال:"إن منكم مُنَفِّرِينَ، فأيكم ما صلى بالناس فَلْيَتَجَوَّزْ"(1).
فائدة: هذه الأعذار كلها ليست عذرًا في إخراج الصلاة عن وقتها، بل على الإنسان أن يصليها في الوقت على أي حال كان.
لكن من كان مريضًا مرضًا لا يستطيع معه أداء كل فرض في وقته، فله أن يجمع بين الظهر والعصر، وكذا المغرب والعشاء، وألحق بعض أهل العلم مدافعة الأخبثين؛ لما يكون منهما من ضرر على الإنسان.
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الجماعة والإمامة، باب تخفيف الإِمام في القيام وإتمام الركوع والسجود، برقم (670).