الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للجنازة، وذهب المالكية (1) إلى جواز خروج كبيرة السنن مطلقًا، وكذا الشابة ممّن لا تخشى فتنتها لجنازة من عظمت مصيبته عليها؛ كأب وأم وزوج وابن ونحو ذلك، أما من تخشى فتنتها فيحرم خروجها مطلقًا.
والصحيح أنه لا يجوز للمرأة مطلقًا اتباع الجنازة، لا جنازة قريب ولا بعيد، فعن أم عطية رضي الله عنها قالت:"نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا"(2) والنهي هنا للتحريم.
ثانيًا: ذكر الأحكام المتعلقة في التشييع:
1 -
يسن الإسراع بالجنازة، كما جاء في صحيح البخاري ومسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك كان شرًا تضعونه عن رقابكم"(3).
2 -
يجوز المشي أمام الجنازة وخلفها، وعن يمينها ويسارها، على أن يكون قريبًا منها، إلا الراكب فيسير خلفها، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريبًا منها، والسَّقْطُ يصلَّى عليه ويُدْعى لوالديه بالمغفرة والرحمة"(4).
(1) الشرح الصغير (1/ 566).
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز، برقم (1219)، ومسلمٌ في كتاب الجنائز، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز، برقم (938).
(3)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم (1252)، ومسلمٌ في كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم (944) واللفظ لمسلم.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 249) رقم (18206)، وأبو داود في كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة، برقم (3180) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 612) رقم (2723)، وفي صحيح الجامع، حديث رقم (3525).
وكلٌّ من المشي خلفها وأمامها ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال:"إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها"(1).
لكن أيهما أفضل. يسير خلفها أم أمامها؟ اختلف الفقهاء في ذلك؛ فالمالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4) على أن المشي أمامها أفضل؛ وذلك لما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة"(4).
وقال بعض الفقهاء: بل المشي خلفها أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "واتباع الجنازة"(5).
والذي يظهر أن كل ذلك في الفضل سواء، فالأمر فيه سعة؛ وذلك لحصول الأمرين منه صلى الله عليه وسلم.
لكن هل المشي أفضل أم الركوب؟ الجواب: الركوب خلفها لا بأس به، لكن المشي أفضل؛ وذلك لأنه المعهود عنه صلى الله عليه وسلم ولم يَرِدْ أنه ركب معها، فعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بدابة وهو مع الجنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أُتِيَ بدابة فركب، فقيل له، فقال:"إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت"(6). فالركوب بعد الانصراف جائز بدون كراهة.
3 -
ذهب فقهاء الحنابلة (7) إلى سنية التربيع في حمل الميت، والتربيع هو أن
(1) أخرجه الترمذيُّ في كتاب الجنائز، باب ما جاء في المشي أمام الجنازة، برقم (1010)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذيُّ (1/ 296)، رقم (807) بدون لفظ:"وخلفها"، ورواية:"وخلفها" في شرح معاني الآثار (1/ 481).
(2)
الشرح الصغير (2/ 55).
(3)
المجموع (5/ 239).
(4)
المغني (3/ 397).
(5)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم (1182).
(6)
أخرجه أبو داود في كتاب الجنازة، باب الركوب في الجنازة، برقم (3177)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 612) رقم (2720).
(7)
المغني (3/ 402).
يأخذ بجميع أعمدة النعش؛ لأن أعمدة النعش أربعة، فيبدأ بالجهة الأمامية بالعمود الذي على يمين الميت، ثم يرجع فيأخذ بالعمود الذي وراءه، ثم يتقدم مرة ثانية فيأخذ بالعمود الذي عن يسار الميت، ثم يأخذ بالذي خلفه، هذا هو معنى التربيع.
والذي يظهر أن الأولى مراعاة الأسهل، فقد يكون التربيع صعبًا في بعض الأحيان، وذلك إذا كان المشيعون كثيرين، فيشق على نفسه وعلى غيره.
4 -
إذا كان الميت امرأة، استحب الفقهاء أن يغطى نعشها بِمِكَبَّةٍ؛ لأنه أستر لها، أما إن كان الميت رجلًا فلا يسن فيه هذا، بل يبقى كما هو عليه.
5 -
حمل الجنازة على الأعناق أفضل من حملها على السيارة ونحو ذلك، بل لا ينبغي حملها في السيارة وغيرها إلا لعذر؛ كبعد مسافة، أو وجود ريح، أو أمطار، أو خوف؛ وذلك لأن السُّنَّة إنما جاءت بحملها على الأعناق، كما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق"(1)، ولانه أدعى للخشوع والاتِّعاظ.
6 -
ذهب الفقهاء إلى كراهية الجلوس لمشيع الجنازة قبل وضعها؛ وذلك لما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الجنازة فقدموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع"(2).
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الجنائز، باب حمل الرجال الجنازة دون النساء برقم (1251).
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الجنائز، باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام، برقم (1248)، ومسلمٌ في كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، برقم (959)، واللفظ للبخاري.
وذلك لأن في الجلوس قبل وضعها ازْدِرَاءً بها، فإذا وضعت في القبر فلا بأس بالجلوس. لكن هل الأفضل أن يجلس أم الأفضل أن يقف حتى يفرغ من دفنها؟
نقول: الأفضل إذا أراد أن يعظ الناس ويذكرهم بالموت وما يلقاه الإنسان عند موته، فالأفضل أن يجلس؛ وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم.
أما إذا لم يكن هناك موعظة للحاضرين فالأفضل الوقوف؛ إكرامًا للميت وجبرًا له، ونقل عن الإِمام أحمد قوله:"لا بأس بقيامه على القبر حتى تدفن، جبرًا وإكرامًا"، وكان الإِمام أحمد رحمه الله إذا حضر جنازة وليها لم يجلس حتى تدفن (1).
7 -
ينبغي لمن تبع جنازة أن يصمت إذا تبعها، إلا إذا رأى منكرًا فالواجب عليه الإنكار، أما غير ذلك، حتى وإن كان قربًا كقراءة القرآن والذكر ونحوه، فيكره له رفع الصوت به، لكن هل يكره كراهة الأَوْلَى أم كراهة تحريم؛ قولان لأهل العلم، والأولى أن يفكر في حاله، وأن يتذكر أنه غدًا محمول كما حمل صاحبه الذي أمامه، وأن يتفكر فيما يلقاه الميت وأن هذه عاقبة أهل الدنيا.
جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن المغيرة قال: "كان رجل يسير خلف الجنازة ويقرأ سورة الواقعة، فسئل إبراهيم النخعي عن ذلك، فكرهه"(2). فلا يَسَعُ أحدًا أن يقدر على إنكاره ويسكت عنه ولا ينكر عليه.
وجاء عن سعيد بن جبير والنخعي -رحمهما الله- أنهما يكرهان أن يقول الرجل وهو يمشي: استغفروا له يغفر لكم (3).
(1) غاية المنتهى (1/ 247).
(2)
المصنف، لابن أبي شيبة (1/ 108).
(3)
المصنف، لابن أبي شيبة (4/ 97، 98).